مسالة العدالة الضريبية تمثل أولوية بالنسبة إلى المجتمع المدني على خلاف صندوق النقد الدولي والحكومات
بقلم:إسكندر السلامي(*)
*مستشار جبائي وناشط بالمجتمع المدني مختص في المجال الضريبي والانظمة الضريبية
تمثل الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي - على غرار التي انتظمت طيلة الأسبوع الثاني من هذا الشهر بمدينة مراكش المغربية- فرصة للنقاش والتفاعل بين مهندسي السياسات المالية والاقتصادية ومختلف الأطراف الأخرى ومن بينها منظمات المجتمع المدني. وتطرح الفعاليات التي يتم تنظيمها تساؤلات حول الحلول الممكنة لعدة أزمات يعيشها العالم مثل أزمة المناخ وأزمة الديون والأنظمة الضريبية. وتركز بعض الأنشطة من بين التي ينظمها المجتمع المدني على مسألة العدالة الضريبية.
وفي هذا الإطار نظم تحالف "اراب واتش"المتكون من جمعيات مقرها دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط ندوة بعنوان "حان وقت فرض الضرائب على الثروة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". وقد تغيّب عنهاممثل صندوق النقد الدولي وكان من المفترض أن يحضر كأحد المتدخلين. وتضمنت الندوة عرض دراسة تحت عنوان "ان الأوان لإلغاء الامتيازات الضريبية" أنجزها الخبير التونسي والناشط بالمجتمع المدني أمين بوزيان.
وأفادت الدراسة أن تونس خفّضت في نسبة الضريبة على الشركات عدة مرات. وتم تبرير ذلك بمتطلبات المحافظة على تنافسية المؤسسات الأجنبية المستقرة بتونس والمؤسسات التونسية والمحافظة على تنافسية الاقتصاد التونسي بالإضافة إلى أهمية تخفيضنسب الضريبة في استقطاب الناشطين في القطاع الموازي. كما نسبت الدراسة إلى الحكومة التونسية اعتبارها أن قيمة التخفيضات الضريبية الممنوحة في شكل امتيازات تعود بالنفع على الاقتصاد من خلال إعادة استثمار المنتفعين بها لمداخيلهم ليؤدي ذلك إلى خلق مواطن شغل جديدة والمساهمة في النمو الاقتصادي.
وأكدت الدراسة أنه بمواصلة منح الحوافز الضريبية تكون تونس قد اختارت أن تحرم نفسها من موارد مالية مهمة رغم اجماع عديد الدراسات على ضعف تأثير الحوافز الضريبية في جذب الاستثمارات الخارجية. ذلك أن مواصلة منح الحوافز أدى إلى استفادة الشركات الكبرى أكثر من غيرها من الحوافز الضريبية مستشهدة في ذلك بمثال الشركات المدرجة بالبورصة، مبينة أنه رغم خضوعها لنسبة ضريبة مرتفعة محدد 35% فإنّ نسبة الضريبة الفعلية بالاعتماد على ما تدفعه الشركات فعليا أقل من ذلك بكثير. ويعود هذا الفرق إلى حجم الامتيازات الضريبية لتي تستفيد منها هذه المؤسسات.
ويرتكز عمل الندوة على مخرجات هذه الدراسة للمطالبة بضرورة حذف الامتيازات الضريبية وفرض ضرائب إضافية على أصحاب المداخيل المرتفعة وذلك بإقرار ضرائب على الثروة.
صندوق النقد الدولي لا يهتم كثيرا بمسألة العدالة الضريبية
يمكن القول بناء على عناوين الأنشطة المبرمجة ضمن اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي باجتماعات مراكش إن مسالة العدالة الضريبية تمثل أولوية بالنسبة إلى المجتمع المدني على خلاف صندوق النقد الدولي والحكومات. إذ يركز كلاهما على المالية العمومية والتوازنات المالية للدول وتمويلها. وأفادت إيمي عقداوي مديرة تحالف "عرب واتش" أن صندوق النقد الدولي غيّر من خطابه المتعلق بالإصلاحات الضريبية. فقد أكد ضمن تقريره الأخير أن مطالبته بتخفيض الضرائب على الأغنياء ظنا منه أنهم سيستثمرون مداخيلهم وأن ذلك سيؤدي إلى إحداث مواطن شغل كانت خاطئة. ومن ثمة يجب قلب المسألة وذلك بفرض ضريبة بنسب متدرجة من الأسفل إلى الأعلى ومنح التخفيضات إلى المداخيل المنخفضة. وأفادت إيمي عقداوي أن صندوق النقد الدولي أصدر العديد من الخطابات التي يبين فيها أنه ينبغي إقرار ضرائب تصاعدية تكون منخفضة ثم ترتفع بما يتناسب مع مستوى الدخل. وأضافت "إيمي" أن خطاب الصندوق وبرامجه أمران مختلفان. ويظهر ذلك في تعامله مع الحكومات. إذ يضع الصندوق مسألة العدالة الضريبية والضريبة التصاعدية ضمن قائمة الإصلاحات التي يقترحها لتكون من بين الشروط التي يقبل التنازل عليها حتى يسهل عملية التفاوض حول القرض الذي يريد أن يمنحه إلى الدولة المعنية.
القدرة على أداء العنصر المغيّب في الحديث عن العدالة الضريبية
وأدى التركيز المفرط لصندوق النقد الدولي على الميزانيات والموارد الضريبية وأهميتها في تمويل الميزانيات الحكومية إلى منح أهمية أكبر للتوازنات المالية. وهو ما أدى إلى تبرير عديد الإجراءات الضريبية غير العادلة التي لم تتناولها الدراسة. وتعتبر مسألة العدالة الضريبية أعمق وأكثر تعقيدا من الطرح الذي يظهر من خلال أنشطة المجتمع المدني. فلئن كانت تتعلق بالتوزيع العادل للعبء الضريبي فإنها مبنية على عنصر أساسي أغفله النقاش وتغافلت عنه السياسات الضريبية المتبعة ألا وهو القدرة على الأداء.
فالإجراءات التي تهدف إلى تحقيق توزيع عادل للعبء الضريبي تكون عادلة ومنصفة إذا أخذت بعين الاعتبار تفاوت قدرة الفئات المستهدفة على تحمّل تكاليف الإجراءات والأعباء الضريبية التي يتم فرضها. ويمكن أن نجد في النظام الضريبي التونسي أمثلة حية على الانحراف بمفهوم العدالة الضريبية من خلال استعماله كمبرر لإجراءات يتم إحداثها ضمن قوانين المالية المتعاقبة. فقد كانت الإجراءات التي تستهدف صغار التجار وصغار الحرفيين المنضوين تحت النظام التقديري تستند إلى ضعف مساهمتهم في دفع الضرائب وتصويرهم كأحد جيوب التهرب الضريبي. وبرر هذا الخطاب سحب هذا النظام المبسط وغير مكلف من صغار التجار بناء على قائمة من الأنشطة التي أعدتها وزارة المالية ومن ثمة إلحاقهم بالنظام الحقيقي لدفع الأداء. وتجدر الإشارة إلى النقلة التي أحدثتها هذه الإجراءات من الاعتماد على معايير موضوعية تستند إلى رقم المعاملات المنجز كدلالة على حجم النشاط إلى معايير غير موضوعية تتعلق بنوع النشاط ومكان ممارسته بصرف النظر على حجمه وقيمة المداخيل المحققة. فقد أدى تطبيق هذه الإجراءات إلى إخضاع الأشخاص المعنيين لالتزامات مكلفة ومعقدة عجزوا عن تحملها. ونتيجة لذلك تخلف العديد من صغار التجار والحرفيين عن القيام بالتزاماتهم الضريبية. وأصبحوا بذلك في وضعية غير قانونية تحرمهم من الانتفاع بعديد الخدمات العمومية ومن النفاذ إلى مستحقاتهم لدى المؤسسات العمومية بالإضافة إلى إثقالهم بخطايا وعقوبات عجزوا عن دفعها.
العدالة الضريبية في اجتماعات مراكش (2/2)
الحكومة التونسية قد استجابت إلى فكرة استحداث ضرائب على الثروة من خلال مرسوم قانون المالية لسنة 2023
بقلم:إسكندر السلامي(*)
*مستشار جبائي وناشط بالمجتمع المدني مختص في المجال الضريبي والانظمة الضريبية
يبدو أن الحكومة التونسية قد استجابت إلى فكرة استحداث ضرائب على الثروة من خلال مرسوم قانون المالية لسنة 2023 الذي أقر صنفا جديدا من الضرائب يتمثل في الضريبة على الثروة العقارية. وحددت نسبة الضريبة على الثروة العقارية بـ0,5% توظف على ممتلكات الأشخاص الطبيعيين وأملاك أبنائهم القصر الذين هم في كفالتهم والتي تبلغ قيمتها 3مليون دينار. وقد أثارت الضريبة على الثروة العقارية عدة تساؤلات وردود فعل حول مدى استجابتها لمفهوم العدالة الضريبية. ومن بين المواقف المعترضة على الضريبة على الثروة العقارية ما يستند إلى مصادر تمويل العقارات المعنية والمتكونة من مداخيل سبق وأن خضعت للضريبة. بالإضافة لخضوع العقارات لدفع المعاليم البلدية وهي أداءات بلدية تحتسب بالاعتماد على القيمة التجارية للعقار بالاستناد إلى ثمن مرجعي للمتر المربع تحدده البلدية ضمن قرار تصدره وتنشره.
ومن بين الاشكاليات التي تطرحها ضريبة الثروة العقارية غياب مرجع معلوم لتحديد قيمة العقارات المطلوب التصريح بها. ذلك أن وزارة المالية لم تأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفير الوسائل والمراجع التي تمكن المطالب بدفعها من احتساب قيمة ممتلكاته والقيام بواجبه بطريقة امنة وتمكينه من معرفة ما إذا كان معنيا بواجب التصريح بهذه الضريبة ودفعها أم لا. ذلك أنه كان بإمكان وزارة المالية أن توفر مراجع لتحديد القيمة التجارية للعقارات على غرار ما توفره البلديات لاحتساب المعاليم البلدية الموظفة على العقارات وحتى يتسنى للمعنيين بهذه الضريبة الجديدة تقدير قيمة عقاراتهم والقيام بتصاريحهم. وهو ما يطرح مرة أخرى مسألة التطبيق العادل لهذه الضريبة من حيث مدى توفر الوسائل اللازمة لاحتسابها وأدائها وضمان قدرتهم على ذلك.
وتعرف المنظومة الضريبية التونسية عددا هائلا من النزاعات الضريبية المبنية على مراجعة قيمة العقارات التي يصرح بها المتعاقدون حيث تتم مطالبتهم بدفع مبالغ تكميلية بعنوان معاليم التسجيل والأداء على القيمة الزائدة العقارية. وتتم المراجعة بالاعتماد على مقارنة قيمة العقارات المصرح بها مع قيمة عقارات أخرى مشابهة. وهي طريقة غير علمية وغير واضحة حتى نسلم بصحة نتائجها بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التقاضي التي يتكبدها المطالب بالضريبة في هذا النزاع. إذ يفرض فيه القانون اللجوء بصفة الية إلى الاختبارات العدلية لتقدير قيمة العقارات موضوع المراجعة وغالبا ما تتمسك إدارة الضرائب بضرورة تعيين ثلاثة خبراء يدفع اجرتهم المطالب بالضريبة.
يعتبر أمين بوزيان بوصفه خبيرا تونسيا في السياسات الضريبية بمركز علي بن غذاهم للعدالة الضريبية وأحد المشاركين في أنشطة المجتمع المدني المنتظمة بمناسبة الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمراكش أن إقرار الضريبة على الثروة العقارية خطوة في الاتجاه الصحيح وأن الضريبة على الثروة العقارية هي أحد أنواع الضرائب الكبرى وأنها أحد اليات إعادة توزيع الثروة. وأفاد أن الضرائب على العقارات بوصفها إحدى أهم الضرائب على الثروة تعاني من الإهمال والتهميش في تونس. وهو ما يبينه تدني مردود المعلوم على العقارات المبنية والمعلوم على العقارات غير المبنية الذي لم يتجاوز 2% من ميزانية الدولة لسنة 2020 في حين تبلغ مداخيل الضريبة على الثروة العقارية بفرنسا 15% من الموارد الضريبية. كما بين أمين بوزيان أن المعلوم على التركات هو معلوم نسبي ولا يتغير إلا بتغير درجة القرابة، في حين أنه معلوم تصاعدي في عديد الدول على غرار اليابان وأن النسبة تبلغ 55% في عدة دول. كما أفاد أن الضريبة على الثروة الكبرى هي إجراء إضافي يتمثل في مساهمة إضافية من الأغنياء الذين راكموا ثروات كبرى. وبالإضافة إلى انتشار هذه الضريبة في عديد الدول فإن صندوق النقد الدولي في حد ذاته أصبح يؤيد فرض هذه الضريبة بعد جائحة كوفيد 19حتى تتمكن الدول من تعزيز مواردها الذاتية ومجابهة الانعكاسات المالية للجائحة.
العدالة الضريبية لا تقتصر على الضرائب المباشرة
أفاد الأستاذ أحمد عوض مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية بالأردن أن مسألة العدالة الضريبية هي المدخل الأساسي لإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الفئات الشعبية. وهو ما " نسميه كمدافعين عن حقوق الانسان باقتصاد الناس". ذلك أن البعض يتعامل مع الاقتصاد على أنه اقتصاد الشركات أو على أنه اقتصاد الحكومة والمالية العمومية من إيرادات ونفقات. ورأى الأستاذ عوض أنه يفترض أن تتسم السياسات المالية بالعدالة لكي تقلل من التفاوت الاجتماعي وتحقق المساواة الاقتصادية. وأضاف أن أحد أهم ملامح النظام الضريبي العادل هو أن يكون لنا هيكل ضريبي عادل. بمعنى ان الضرائب غير المباشرة يجب أن تكون أقل من الضرائب المباشرة وكلا النوعين يجب أن يتسم بالتصاعدية. ويعني ذلك حسب الأستاذ عوض أن الضرائب المباشرة على غرار الضريبة على الدخل بالنسبة للأشخاص الطبيعيين يجب أن تتسم بالتصاعدية بمعنى أن أصحاب المداخيل المنخفضة يجب أن يدفعوا ضرائب منخفضة وأصحاب المداخيل المرتفعة يجب أن يدفعوا ضرائب مرتفعة. وأكد أيضا ضرورة أن تكون الضرائب غير المباشرة- والمعروفة بمنطقتنا بضرائب القيمة المضافة أو الضرائب العامة على المبيعات أو الضرائب الموظفة على بعض السلع مثل المشتقات النفطية والمجوهرات والتبغ.. -ذات طابع تصاعدي. بمعنى أن السلع التي تحتاجها الفئات الواسعة من المواطنين يجب أن تكون أقرب إلى الصفر في حين أن السلع التي لا يحتاجها المجتمع بشكل كبير توظف عليها ضرائب غير مباشرة مرتفعة.
أما فيما يتعلق بالضرائب المباشرة على غرار الضريبة على الدخل فإن جزءا من هذه الضرائب يفترض أن يبنى على الثروة لأن الثروة هي المفتاح الذي يتم من خلاله تعميق التفاوت الاجتماعي. ولأنه إذا لم يتم توظيف ضريبة على الثروة فإن التفاوت الاجتماعي سيتفاقم. ويرجع أحمد عوض ذلك إلى أن أصحاب المداخيل المرتفعة وخاصة أصحاب الشركات في القطاع الخاص لن يقوموا بتوزيع الأرباح وسيقومون بإعادة استثمار مداخيلهم وتوسيع ثرواتهم. وبالتالي فإنه على أصحاب الثروات أن يدفعوا الضرائب وهذا مفيد في اتجاهين. فهو من جهة أولى يفيد في التقليل من التفاوت واللامساواة الاقتصادية حيث سيدفعهم ذلك إلى استثمار هذه الأموال في المشاريع والذي سيدفع بدوره الاقتصادات الوطنية إلى الأمام ويحفز النمو الاقتصادي وبالتالي سيؤدي إلى التقليل من مستويات الفقر ومستويات البطالة المرتفعة في بلداننا. ويعتبر أحمد عوض أنه دون هذا التوجه ستبقى المشكلات الاقتصادية كما هي وسيبقى مفهوم العدالة الضريبية مشوها وبالتالي فإن الضريبة على الثروة هي مفتاح أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمعاتنا.
مسالة العدالة الضريبية تمثل أولوية بالنسبة إلى المجتمع المدني على خلاف صندوق النقد الدولي والحكومات
بقلم:إسكندر السلامي(*)
*مستشار جبائي وناشط بالمجتمع المدني مختص في المجال الضريبي والانظمة الضريبية
تمثل الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي - على غرار التي انتظمت طيلة الأسبوع الثاني من هذا الشهر بمدينة مراكش المغربية- فرصة للنقاش والتفاعل بين مهندسي السياسات المالية والاقتصادية ومختلف الأطراف الأخرى ومن بينها منظمات المجتمع المدني. وتطرح الفعاليات التي يتم تنظيمها تساؤلات حول الحلول الممكنة لعدة أزمات يعيشها العالم مثل أزمة المناخ وأزمة الديون والأنظمة الضريبية. وتركز بعض الأنشطة من بين التي ينظمها المجتمع المدني على مسألة العدالة الضريبية.
وفي هذا الإطار نظم تحالف "اراب واتش"المتكون من جمعيات مقرها دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط ندوة بعنوان "حان وقت فرض الضرائب على الثروة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". وقد تغيّب عنهاممثل صندوق النقد الدولي وكان من المفترض أن يحضر كأحد المتدخلين. وتضمنت الندوة عرض دراسة تحت عنوان "ان الأوان لإلغاء الامتيازات الضريبية" أنجزها الخبير التونسي والناشط بالمجتمع المدني أمين بوزيان.
وأفادت الدراسة أن تونس خفّضت في نسبة الضريبة على الشركات عدة مرات. وتم تبرير ذلك بمتطلبات المحافظة على تنافسية المؤسسات الأجنبية المستقرة بتونس والمؤسسات التونسية والمحافظة على تنافسية الاقتصاد التونسي بالإضافة إلى أهمية تخفيضنسب الضريبة في استقطاب الناشطين في القطاع الموازي. كما نسبت الدراسة إلى الحكومة التونسية اعتبارها أن قيمة التخفيضات الضريبية الممنوحة في شكل امتيازات تعود بالنفع على الاقتصاد من خلال إعادة استثمار المنتفعين بها لمداخيلهم ليؤدي ذلك إلى خلق مواطن شغل جديدة والمساهمة في النمو الاقتصادي.
وأكدت الدراسة أنه بمواصلة منح الحوافز الضريبية تكون تونس قد اختارت أن تحرم نفسها من موارد مالية مهمة رغم اجماع عديد الدراسات على ضعف تأثير الحوافز الضريبية في جذب الاستثمارات الخارجية. ذلك أن مواصلة منح الحوافز أدى إلى استفادة الشركات الكبرى أكثر من غيرها من الحوافز الضريبية مستشهدة في ذلك بمثال الشركات المدرجة بالبورصة، مبينة أنه رغم خضوعها لنسبة ضريبة مرتفعة محدد 35% فإنّ نسبة الضريبة الفعلية بالاعتماد على ما تدفعه الشركات فعليا أقل من ذلك بكثير. ويعود هذا الفرق إلى حجم الامتيازات الضريبية لتي تستفيد منها هذه المؤسسات.
ويرتكز عمل الندوة على مخرجات هذه الدراسة للمطالبة بضرورة حذف الامتيازات الضريبية وفرض ضرائب إضافية على أصحاب المداخيل المرتفعة وذلك بإقرار ضرائب على الثروة.
صندوق النقد الدولي لا يهتم كثيرا بمسألة العدالة الضريبية
يمكن القول بناء على عناوين الأنشطة المبرمجة ضمن اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي باجتماعات مراكش إن مسالة العدالة الضريبية تمثل أولوية بالنسبة إلى المجتمع المدني على خلاف صندوق النقد الدولي والحكومات. إذ يركز كلاهما على المالية العمومية والتوازنات المالية للدول وتمويلها. وأفادت إيمي عقداوي مديرة تحالف "عرب واتش" أن صندوق النقد الدولي غيّر من خطابه المتعلق بالإصلاحات الضريبية. فقد أكد ضمن تقريره الأخير أن مطالبته بتخفيض الضرائب على الأغنياء ظنا منه أنهم سيستثمرون مداخيلهم وأن ذلك سيؤدي إلى إحداث مواطن شغل كانت خاطئة. ومن ثمة يجب قلب المسألة وذلك بفرض ضريبة بنسب متدرجة من الأسفل إلى الأعلى ومنح التخفيضات إلى المداخيل المنخفضة. وأفادت إيمي عقداوي أن صندوق النقد الدولي أصدر العديد من الخطابات التي يبين فيها أنه ينبغي إقرار ضرائب تصاعدية تكون منخفضة ثم ترتفع بما يتناسب مع مستوى الدخل. وأضافت "إيمي" أن خطاب الصندوق وبرامجه أمران مختلفان. ويظهر ذلك في تعامله مع الحكومات. إذ يضع الصندوق مسألة العدالة الضريبية والضريبة التصاعدية ضمن قائمة الإصلاحات التي يقترحها لتكون من بين الشروط التي يقبل التنازل عليها حتى يسهل عملية التفاوض حول القرض الذي يريد أن يمنحه إلى الدولة المعنية.
القدرة على أداء العنصر المغيّب في الحديث عن العدالة الضريبية
وأدى التركيز المفرط لصندوق النقد الدولي على الميزانيات والموارد الضريبية وأهميتها في تمويل الميزانيات الحكومية إلى منح أهمية أكبر للتوازنات المالية. وهو ما أدى إلى تبرير عديد الإجراءات الضريبية غير العادلة التي لم تتناولها الدراسة. وتعتبر مسألة العدالة الضريبية أعمق وأكثر تعقيدا من الطرح الذي يظهر من خلال أنشطة المجتمع المدني. فلئن كانت تتعلق بالتوزيع العادل للعبء الضريبي فإنها مبنية على عنصر أساسي أغفله النقاش وتغافلت عنه السياسات الضريبية المتبعة ألا وهو القدرة على الأداء.
فالإجراءات التي تهدف إلى تحقيق توزيع عادل للعبء الضريبي تكون عادلة ومنصفة إذا أخذت بعين الاعتبار تفاوت قدرة الفئات المستهدفة على تحمّل تكاليف الإجراءات والأعباء الضريبية التي يتم فرضها. ويمكن أن نجد في النظام الضريبي التونسي أمثلة حية على الانحراف بمفهوم العدالة الضريبية من خلال استعماله كمبرر لإجراءات يتم إحداثها ضمن قوانين المالية المتعاقبة. فقد كانت الإجراءات التي تستهدف صغار التجار وصغار الحرفيين المنضوين تحت النظام التقديري تستند إلى ضعف مساهمتهم في دفع الضرائب وتصويرهم كأحد جيوب التهرب الضريبي. وبرر هذا الخطاب سحب هذا النظام المبسط وغير مكلف من صغار التجار بناء على قائمة من الأنشطة التي أعدتها وزارة المالية ومن ثمة إلحاقهم بالنظام الحقيقي لدفع الأداء. وتجدر الإشارة إلى النقلة التي أحدثتها هذه الإجراءات من الاعتماد على معايير موضوعية تستند إلى رقم المعاملات المنجز كدلالة على حجم النشاط إلى معايير غير موضوعية تتعلق بنوع النشاط ومكان ممارسته بصرف النظر على حجمه وقيمة المداخيل المحققة. فقد أدى تطبيق هذه الإجراءات إلى إخضاع الأشخاص المعنيين لالتزامات مكلفة ومعقدة عجزوا عن تحملها. ونتيجة لذلك تخلف العديد من صغار التجار والحرفيين عن القيام بالتزاماتهم الضريبية. وأصبحوا بذلك في وضعية غير قانونية تحرمهم من الانتفاع بعديد الخدمات العمومية ومن النفاذ إلى مستحقاتهم لدى المؤسسات العمومية بالإضافة إلى إثقالهم بخطايا وعقوبات عجزوا عن دفعها.
العدالة الضريبية في اجتماعات مراكش (2/2)
الحكومة التونسية قد استجابت إلى فكرة استحداث ضرائب على الثروة من خلال مرسوم قانون المالية لسنة 2023
بقلم:إسكندر السلامي(*)
*مستشار جبائي وناشط بالمجتمع المدني مختص في المجال الضريبي والانظمة الضريبية
يبدو أن الحكومة التونسية قد استجابت إلى فكرة استحداث ضرائب على الثروة من خلال مرسوم قانون المالية لسنة 2023 الذي أقر صنفا جديدا من الضرائب يتمثل في الضريبة على الثروة العقارية. وحددت نسبة الضريبة على الثروة العقارية بـ0,5% توظف على ممتلكات الأشخاص الطبيعيين وأملاك أبنائهم القصر الذين هم في كفالتهم والتي تبلغ قيمتها 3مليون دينار. وقد أثارت الضريبة على الثروة العقارية عدة تساؤلات وردود فعل حول مدى استجابتها لمفهوم العدالة الضريبية. ومن بين المواقف المعترضة على الضريبة على الثروة العقارية ما يستند إلى مصادر تمويل العقارات المعنية والمتكونة من مداخيل سبق وأن خضعت للضريبة. بالإضافة لخضوع العقارات لدفع المعاليم البلدية وهي أداءات بلدية تحتسب بالاعتماد على القيمة التجارية للعقار بالاستناد إلى ثمن مرجعي للمتر المربع تحدده البلدية ضمن قرار تصدره وتنشره.
ومن بين الاشكاليات التي تطرحها ضريبة الثروة العقارية غياب مرجع معلوم لتحديد قيمة العقارات المطلوب التصريح بها. ذلك أن وزارة المالية لم تأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفير الوسائل والمراجع التي تمكن المطالب بدفعها من احتساب قيمة ممتلكاته والقيام بواجبه بطريقة امنة وتمكينه من معرفة ما إذا كان معنيا بواجب التصريح بهذه الضريبة ودفعها أم لا. ذلك أنه كان بإمكان وزارة المالية أن توفر مراجع لتحديد القيمة التجارية للعقارات على غرار ما توفره البلديات لاحتساب المعاليم البلدية الموظفة على العقارات وحتى يتسنى للمعنيين بهذه الضريبة الجديدة تقدير قيمة عقاراتهم والقيام بتصاريحهم. وهو ما يطرح مرة أخرى مسألة التطبيق العادل لهذه الضريبة من حيث مدى توفر الوسائل اللازمة لاحتسابها وأدائها وضمان قدرتهم على ذلك.
وتعرف المنظومة الضريبية التونسية عددا هائلا من النزاعات الضريبية المبنية على مراجعة قيمة العقارات التي يصرح بها المتعاقدون حيث تتم مطالبتهم بدفع مبالغ تكميلية بعنوان معاليم التسجيل والأداء على القيمة الزائدة العقارية. وتتم المراجعة بالاعتماد على مقارنة قيمة العقارات المصرح بها مع قيمة عقارات أخرى مشابهة. وهي طريقة غير علمية وغير واضحة حتى نسلم بصحة نتائجها بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التقاضي التي يتكبدها المطالب بالضريبة في هذا النزاع. إذ يفرض فيه القانون اللجوء بصفة الية إلى الاختبارات العدلية لتقدير قيمة العقارات موضوع المراجعة وغالبا ما تتمسك إدارة الضرائب بضرورة تعيين ثلاثة خبراء يدفع اجرتهم المطالب بالضريبة.
يعتبر أمين بوزيان بوصفه خبيرا تونسيا في السياسات الضريبية بمركز علي بن غذاهم للعدالة الضريبية وأحد المشاركين في أنشطة المجتمع المدني المنتظمة بمناسبة الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمراكش أن إقرار الضريبة على الثروة العقارية خطوة في الاتجاه الصحيح وأن الضريبة على الثروة العقارية هي أحد أنواع الضرائب الكبرى وأنها أحد اليات إعادة توزيع الثروة. وأفاد أن الضرائب على العقارات بوصفها إحدى أهم الضرائب على الثروة تعاني من الإهمال والتهميش في تونس. وهو ما يبينه تدني مردود المعلوم على العقارات المبنية والمعلوم على العقارات غير المبنية الذي لم يتجاوز 2% من ميزانية الدولة لسنة 2020 في حين تبلغ مداخيل الضريبة على الثروة العقارية بفرنسا 15% من الموارد الضريبية. كما بين أمين بوزيان أن المعلوم على التركات هو معلوم نسبي ولا يتغير إلا بتغير درجة القرابة، في حين أنه معلوم تصاعدي في عديد الدول على غرار اليابان وأن النسبة تبلغ 55% في عدة دول. كما أفاد أن الضريبة على الثروة الكبرى هي إجراء إضافي يتمثل في مساهمة إضافية من الأغنياء الذين راكموا ثروات كبرى. وبالإضافة إلى انتشار هذه الضريبة في عديد الدول فإن صندوق النقد الدولي في حد ذاته أصبح يؤيد فرض هذه الضريبة بعد جائحة كوفيد 19حتى تتمكن الدول من تعزيز مواردها الذاتية ومجابهة الانعكاسات المالية للجائحة.
العدالة الضريبية لا تقتصر على الضرائب المباشرة
أفاد الأستاذ أحمد عوض مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية بالأردن أن مسألة العدالة الضريبية هي المدخل الأساسي لإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الفئات الشعبية. وهو ما " نسميه كمدافعين عن حقوق الانسان باقتصاد الناس". ذلك أن البعض يتعامل مع الاقتصاد على أنه اقتصاد الشركات أو على أنه اقتصاد الحكومة والمالية العمومية من إيرادات ونفقات. ورأى الأستاذ عوض أنه يفترض أن تتسم السياسات المالية بالعدالة لكي تقلل من التفاوت الاجتماعي وتحقق المساواة الاقتصادية. وأضاف أن أحد أهم ملامح النظام الضريبي العادل هو أن يكون لنا هيكل ضريبي عادل. بمعنى ان الضرائب غير المباشرة يجب أن تكون أقل من الضرائب المباشرة وكلا النوعين يجب أن يتسم بالتصاعدية. ويعني ذلك حسب الأستاذ عوض أن الضرائب المباشرة على غرار الضريبة على الدخل بالنسبة للأشخاص الطبيعيين يجب أن تتسم بالتصاعدية بمعنى أن أصحاب المداخيل المنخفضة يجب أن يدفعوا ضرائب منخفضة وأصحاب المداخيل المرتفعة يجب أن يدفعوا ضرائب مرتفعة. وأكد أيضا ضرورة أن تكون الضرائب غير المباشرة- والمعروفة بمنطقتنا بضرائب القيمة المضافة أو الضرائب العامة على المبيعات أو الضرائب الموظفة على بعض السلع مثل المشتقات النفطية والمجوهرات والتبغ.. -ذات طابع تصاعدي. بمعنى أن السلع التي تحتاجها الفئات الواسعة من المواطنين يجب أن تكون أقرب إلى الصفر في حين أن السلع التي لا يحتاجها المجتمع بشكل كبير توظف عليها ضرائب غير مباشرة مرتفعة.
أما فيما يتعلق بالضرائب المباشرة على غرار الضريبة على الدخل فإن جزءا من هذه الضرائب يفترض أن يبنى على الثروة لأن الثروة هي المفتاح الذي يتم من خلاله تعميق التفاوت الاجتماعي. ولأنه إذا لم يتم توظيف ضريبة على الثروة فإن التفاوت الاجتماعي سيتفاقم. ويرجع أحمد عوض ذلك إلى أن أصحاب المداخيل المرتفعة وخاصة أصحاب الشركات في القطاع الخاص لن يقوموا بتوزيع الأرباح وسيقومون بإعادة استثمار مداخيلهم وتوسيع ثرواتهم. وبالتالي فإنه على أصحاب الثروات أن يدفعوا الضرائب وهذا مفيد في اتجاهين. فهو من جهة أولى يفيد في التقليل من التفاوت واللامساواة الاقتصادية حيث سيدفعهم ذلك إلى استثمار هذه الأموال في المشاريع والذي سيدفع بدوره الاقتصادات الوطنية إلى الأمام ويحفز النمو الاقتصادي وبالتالي سيؤدي إلى التقليل من مستويات الفقر ومستويات البطالة المرتفعة في بلداننا. ويعتبر أحمد عوض أنه دون هذا التوجه ستبقى المشكلات الاقتصادية كما هي وسيبقى مفهوم العدالة الضريبية مشوها وبالتالي فإن الضريبة على الثروة هي مفتاح أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمعاتنا.