بقلم: هادي الحمدوني (*)
في خضم السعي الحثيث نحو "تبسيط الإجراءات" في قضايا الأسرة، ظهر مؤخرًا مشروع قانون يُسند صلاحيات إتمام الطلاق بالتراضي لعدول الإشهاد، دون وجوبية مرور الملف أمام القضاء.
ورغم ما يُسوّق له من نوايا إصلاحية، فإننا كحقوقيين ومحامين نرى في هذا التوجه انزلاقًا خطيرًا نحو تفكيك الضمانات القضائية وفتح الباب أمام تسليع العدالة الأسرية، على حساب النساء والأطفال بالدرجة الأولى.
ليس القاضي موظفًا إدارياً يوقع على اتفاق معدّ سلفًا، بل هو الضامن الوحيد لتوازن العلاقة القانونية بين الطرفين، خاصة حين يتعلق الأمر بنفقة، أو حضانة، أو شبهات ضغط اجتماعي واقتصادي. القاضي هو من يطرح الأسئلة المزعجة التي لا يجرؤ أحد على طرحها:
هل هذا الاتفاق عادل؟
هل وقع أحد الطرفين تحت إكراه؟
هل حقوق الطفل مصانة في تفاصيل الحضانة؟
بمجرد تغييب القاضي من هذا المسار، نخشى أن يتحوّل الطلاق إلى معاملة شكلية تُنجز في نصف ساعة، وتُوثق كما تُوثق عقود البيع أو الكراء، دون نظر في عمقها الإنساني والاجتماعي.
في المنظومة القانونية الحالية، إجراءات الطلاق أمام القضاء كانت مجانية، وتكليف المحامي أمر اختياري. أما المشروع الجديد، فإنه يحوّل الطلاق إلى خدمة مدفوعة الأجر، يُلزم بها الأطراف لدى عدول الإشهاد. أي أن الدولة – بدل أن تحمي الأسر – تفتح بابًا لفرض رسوم تُثقل كاهل المواطنين، لمجرد أن أحدهم قرر أن يفتك اختصاص القضاء بقانون يخدم مصلحته الخاصة.
تؤكد أرقام حديثة لجمعيات مختصة في الطفولة أن نسبة لا يُستهان بها من النزاعات بعد الطلاق بالتراضي ناتجة عن اتفاقيات غير مدروسة أو غير خاضعة لرقابة قضائية.
65 % من قضايا النفقة تأتي نتيجة ضعف أو عدم تحديد المبالغ بوضوح، 40 % من التنازلات تتم تحت ضغط اجتماعي أو اقتصادي، وتضرّ بالأم والطفل.
عدول الإشهاد ليسوا مطالبين بالتدقيق في هذه التفاصيل، ولا يمتلكون صلاحية رفض اتفاق أو الاستماع إلى مظلمة. إنهم يوثقون فقط، حتى وإن كان الظلم مكتوبًا أمامهم بالحبر.
ما دام النص الحالي لا يزال في مرحلة مشروع قانون فإننا نعتبر أن الفرصة ما زالت سانحة لإعادة التوازن إليه، بما يحفظ الحقوق ولا يُفرّغ القضاء من جوهره، وانطلاقًا من مسؤوليتنا كمحامين وحقوقيين، نقترح على الجهات المعنية ما يلي:
1. الإبقاء على جلسة قضائية إلزامية ومبسطة في جميع حالات الطلاق بالتراضي، تكون مخصّصة للتدقيق في شروط الاتفاق دون تعقيد للإجراءات.
2. تنصيص صريح على بطلان أي تنازل عن الحقوق المالية أو العينية يتم خارج رقابة القاضي، حمايةً للأطراف من الإكراه أو الجهل بالقانون.
3. إلغاء المعلوم المالي المفروض على إجراءات الطلاق أمام عدول الإشهاد، باعتباره يمسّ مبدأ مجانية العدالة ويفرض كلفة على حق أصيل.
4.تحديد صلاحيات عدول الإشهاد بنص واضح، يحصر دورهم في التوثيق دون التوسّع في اختصاصات تمسّ طبيعة القضاء الأسري.
5. فتح نقاش تشاركي وشفاف مع مكونات المجتمع المدني، وهياكل المحامين، والخبراء الاجتماعيين، قبل تمرير أي تعديل على مجلة الأحوال الشخصية، باعتبارها إحدى أعمدة التوازن الاجتماعي والحقوقي في تونس.
الطلاق ليس صفقة، ولا إجراء إداري يُنجز على عجل. هو قرار يُنهي حياة مشتركة، ويمسّ النساء والأطفال، ويهزّ بنية المجتمع، وإن تمرير مشروع قانون يُقصي القاضي ويختزل العدالة في توقيع، سيكون انتكاسة صريحة لكل ما حققته تونس من مكاسب أسرية وتشريعية منذ الاستقلال.
محامٍ و ناشط حقوقي