في تونس اليوم الكل يفتي والكل يتحدث والكل يبدي الرأي في ما يعلم وفي ما لا يعلم.. الأصوات تتعالى والأفكار تتضارب.. في الشارع في المقهى في التلفزات في الإذاعات في كل المنابر الجميع يتحدث ويناقش كل بطريقته وكل بمستوى ودرجات معينة من حدة الصوت حتى تخال بعضها نباحا وهو ما يذكرني بالحكمة التي تقول:"لن أصدقك بالطبع إن حدثتني عن كلب يتكلم، ولكن سأصدقك بسهولة إن حدثتني عن رجل ينبح".
نعم في زمننا هذا، أصبح البعض ينبح أكثر مما يتحدث بحكمة.. وأصبح الفم مصدر الكلام لا العقل. كأنّ كلّ واحد منا يعتقد أنّ الصراخ والعنف في الكلام هو الوسيلة الوحيدة لإثبات وجوده. ينبحون ككلاب ضالة، بدلًا من أن يستخدموا عقولهم للتواصل والتفاهم ومحاولة إيصال الفكرة والاقناع بها.
نعيش اليوم زمنا نادرا لا نسمع فيه من يتحدث بهدوء وبتفكير عميق ويقارع الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة والرأي بالرأي. الأكيد الكلاب لا تتكلم، لكن الإنسان الذي نراه يصرخ وتعبيراته كلها عنف يصلنا صوته في شكل نباح وكأنه فقد القدرة على التفكير والتروي. الصراخ أصبح أسهل بكثير من الحوار البنّاء والاقناع بالفكرة. ومع ذلك، تجد الناس يصدقون تلك الأصوات المرتفعة، لأن في عقولهم فكرة أن من يصيح هو من يملك الحقيقة، كما أن ضجيج هذه الأصوات يغطي على الكلمات العاقلة.
الحكمة تقول إن الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، وإن الشخص الحكيم لا يحتاج إلى الصراخ ليثبت رأيه. ولكن في عالم مليء بالضوضاء، يبدو أن الناس أصبحت تنجذب أكثر إلى الصوت العالي، إلى النباح بدلًا من التفكير الهادئ وهنا لا يهم إن أقنعت الطرف الآخر أم لم تقنعه المهم ازعاجه بالنباح وربما اخافته حتى ينسحب ويهرب.
لا عجب إذن، أن نصدق بأن البشر باتوا ينبحون، في الوقت الذي لا يمكن فيه أن نصدق بأن الكلاب قد تتكلم. الكلب الذي يتكلم هو شيء غير منطقي ومستحيل، وبالتالي من الطبيعي عدم تصديق هذا الأمر لكن ما الذي جعلنا نؤمن بأن البشر ينبح. الجواب هو أن فكرة "رجل ينبح" تعكس سلوكًا عدوانيًا أو غير عقلاني نراه بيننا ونشاهده ونعايشه في حياتنا اليومية إلى الحد الذي آمنّا به، أصبحنا نرى الإنسان يتخلى عن صفاته الإنسانية مثل العقل والتفكير المنطقي، ليصبح أكثر شبهاً بالحيوانات التي تعبّر عن الغضب أو الخوف بالنباح.
المعنى العميق هنا هو أن تصرفات بعض البشر في مجتمعاتنا أصبحت بعيدة عن الحكمة والاتزان لدرجة أن السلوك العدواني أو الفوضوي أصبح مألوفًا ومصدقًا أكثر من أي سلوك غير مألوف أو غريب كحيوان يتصرف بعقلانية بعيدا عن التحضر وينجرف نحو الفوضى، مما يجعل القول بأن ذلك الشخص ينبح أكثر تصديقًا من بعض المستحيلات.
بقلم: سفيان رجب
في تونس اليوم الكل يفتي والكل يتحدث والكل يبدي الرأي في ما يعلم وفي ما لا يعلم.. الأصوات تتعالى والأفكار تتضارب.. في الشارع في المقهى في التلفزات في الإذاعات في كل المنابر الجميع يتحدث ويناقش كل بطريقته وكل بمستوى ودرجات معينة من حدة الصوت حتى تخال بعضها نباحا وهو ما يذكرني بالحكمة التي تقول:"لن أصدقك بالطبع إن حدثتني عن كلب يتكلم، ولكن سأصدقك بسهولة إن حدثتني عن رجل ينبح".
نعم في زمننا هذا، أصبح البعض ينبح أكثر مما يتحدث بحكمة.. وأصبح الفم مصدر الكلام لا العقل. كأنّ كلّ واحد منا يعتقد أنّ الصراخ والعنف في الكلام هو الوسيلة الوحيدة لإثبات وجوده. ينبحون ككلاب ضالة، بدلًا من أن يستخدموا عقولهم للتواصل والتفاهم ومحاولة إيصال الفكرة والاقناع بها.
نعيش اليوم زمنا نادرا لا نسمع فيه من يتحدث بهدوء وبتفكير عميق ويقارع الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة والرأي بالرأي. الأكيد الكلاب لا تتكلم، لكن الإنسان الذي نراه يصرخ وتعبيراته كلها عنف يصلنا صوته في شكل نباح وكأنه فقد القدرة على التفكير والتروي. الصراخ أصبح أسهل بكثير من الحوار البنّاء والاقناع بالفكرة. ومع ذلك، تجد الناس يصدقون تلك الأصوات المرتفعة، لأن في عقولهم فكرة أن من يصيح هو من يملك الحقيقة، كما أن ضجيج هذه الأصوات يغطي على الكلمات العاقلة.
الحكمة تقول إن الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، وإن الشخص الحكيم لا يحتاج إلى الصراخ ليثبت رأيه. ولكن في عالم مليء بالضوضاء، يبدو أن الناس أصبحت تنجذب أكثر إلى الصوت العالي، إلى النباح بدلًا من التفكير الهادئ وهنا لا يهم إن أقنعت الطرف الآخر أم لم تقنعه المهم ازعاجه بالنباح وربما اخافته حتى ينسحب ويهرب.
لا عجب إذن، أن نصدق بأن البشر باتوا ينبحون، في الوقت الذي لا يمكن فيه أن نصدق بأن الكلاب قد تتكلم. الكلب الذي يتكلم هو شيء غير منطقي ومستحيل، وبالتالي من الطبيعي عدم تصديق هذا الأمر لكن ما الذي جعلنا نؤمن بأن البشر ينبح. الجواب هو أن فكرة "رجل ينبح" تعكس سلوكًا عدوانيًا أو غير عقلاني نراه بيننا ونشاهده ونعايشه في حياتنا اليومية إلى الحد الذي آمنّا به، أصبحنا نرى الإنسان يتخلى عن صفاته الإنسانية مثل العقل والتفكير المنطقي، ليصبح أكثر شبهاً بالحيوانات التي تعبّر عن الغضب أو الخوف بالنباح.
المعنى العميق هنا هو أن تصرفات بعض البشر في مجتمعاتنا أصبحت بعيدة عن الحكمة والاتزان لدرجة أن السلوك العدواني أو الفوضوي أصبح مألوفًا ومصدقًا أكثر من أي سلوك غير مألوف أو غريب كحيوان يتصرف بعقلانية بعيدا عن التحضر وينجرف نحو الفوضى، مما يجعل القول بأن ذلك الشخص ينبح أكثر تصديقًا من بعض المستحيلات.