إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سيدي بوزيد.. العاملات الفلاحيات تحت قبضة سماسرة النقل غير اللائق ووسطاء الظل

تمثل النساء العاملات في القطاع الفلاحي في ولاية سيدي بوزيد، شريحة هامة وضرورية في عجلة الإنتاج الفلاحي، فهن يساهمن بشكل كبير في الأمن الغذائي والإقتصادي لأسرهن وللمجتمع ككل.
 
تشير أرقام المندوبية الجهوية للمرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، بولاية سيدي بوزيد، إلى حوالي 15 ألف امرأة عاملة في الولاية، يعملن في الفلاحة، ويمثّلن 79 بالمائة، من إجمالي اليد العاملة النسائية بالمنطقة.
 
ومع ذلك تواجه هذه الفئة هشاشة اجتماعية و اقتصادية مضاعفة، تتجلى بشكل صارخ في مشكلة النقل غير الآمن والمهين، والتي غالبا ما يشار إليها بــ " شاحنات الموت".
 
ورغم إصدار القوانين والمراسيم على غرار القانون عدد 51 لسنة 2019 و الأمر الحكومي عدد 724 لسنة 2020، لتنظيم هذا الصنف من النقل إلا أن الوضعية الهشة لنقل العاملات في القطاع الفلاحي متواصلة، وفق اعتراف الجهات المعنية (مندوبيتي الفلاحة والمراة).
 
 
 
 ظروف عمل قاسية وهشاشة اجتماعية واقتصادية
 
​تتميز ظروف عمل هؤلاء النساء بكونها غير مستقرة وقاسية، نظرا للطابع الموسمي للعمل، المرتبط أساسا بالزراعات الموسمية، وخاصة الأشجار المثمرة والزراعات السقوية كالطماطم والفلفل.
 
وتتراوح الفئات العمرية للعاملات بين 13 و 75 سنة، و من 20 إلى 35 سنة تمثل أكثر من 45 بالمائة، ومن 35 إلى 60 سنة بنسبة 35 بالمائة.
 
كما أن 49 بالمائة منهن عازبات و 41 بالمائة متزوجات. ومن حيث المستوى التعليمي، فإن 22،6 بالمائة منهن أميات، و 40،9 بالمائة منهن لديهن مستوى تعليم ثانوي، و 8،7 بالمائة فقط لديهن تعليم عالي، وفق مندوبية المرأة بالجهة.
 
​تذهب العاملة للعمل مع بزوغ الفجر، وتتقاضى أجرا يوميا زهيدا يبلغ نحو 15 دينارا. هذا الأجر لا يصلها كاملا، حيث يقتطع منه الوسيط (الكرهباجي) عمولته التي تتراوح بين 3 إلى 5 دنانير، حسب المسافة.
 
​ فالطبيعة الهشة للعمل الموسمي تؤدي إلى غياب عقود العمل، مما يفتح الباب واسعا أمام الانتهاكات مثل التسريح والطرد التعسفي.
 
"فالكرهباجي"، ذلك الفاعل المهم جدا في العملية الفلاحية، و الذي ما فتئ يوسع هامش تدخله بما يسمح له بان يكون العنصر الأهم أحيانا في إبرام العلاقة الشغلية او إنهائها، وفق ما بينته، الدراسة الميدانية حول ظروف تعاطي النساء للعمل الفلاحي بسيدي بوزيد، المنجزة في اطار جمعية النساء أولا و اطلق عليها " الكادحات".
 
 
​التحرش والعنف
 
تتعرض العاملات للتحرش والعنف اللفظي، حيث تشير المصادر لوات، ( مندوبية المرأة و جمعية النساء أولا) إلى أن ممارسات التحرش تتفشى خاصة أثناء النقل، ومن ضمنها تمييز "الجميلة التي تركب بجانب السائق في الأمام".
 
​تُعدّ مشكلة النقل غير الآمن من أهم التحديات، فوسائل النقل هي في الغالب شاحنات صغيرة تنقل أعدادا تتجاوز حمولتها القانونية، وقد تصل إلى 25 امرأة واقفة، مما يعرضهن لخطر حوادث الطرقات والمخاطر المهنية الأخرى.
 
​يتمحور المشكل حول وجود شبكة "وسطاء" يسيطرون على كامل الدورة الاقتصادية والاجتماعية للعاملات.
 
​الوسيط (الكرهباجي/الناقل)، هو الحلقة الأهم في هذه المنظومة، يتولى جلب العاملات من منازلهن وينقلهن في ظروف غير لائقة إلى الضيعات.
 
​أما الفلاح (المستثمر)، ففي الغالب يكون صاحب ضيعات كبيرة وغير معروف للعاملات، ويسكن بعيدا ويستثمر في مناطق مثل الرقاب لتوفر مياه الري والامتيازات الحكومية.
 
يتواصل الفلاح مع الكرهباجي لجلب العاملات، ويقوم بتسليمه الأجر كاملا.
 
 
علاقة التبعية
 
العاملة لا تعرف وجهة عملها ولا الفلاح الذي ستعمل لديه، بل تعرف فقط "الكرهباجي"، الذي يضمن لها العمل.
 
تتفاقم هذه التبعية لأن "الكرهباجي" هو الذي يسلّم الأجر، وقد يكون المقرض الذي يضمنها لشراء بعض المقتنيات من العطار او من أي تاجر، مما يخلق علاقة مصلحة قوية وتبعية مادية "غير صحية"..
 
​"الكرهباجي هو الذي ينتدب، وهو الذي ينقل، وهو الذي يسلم الأجر، إنه مسار كامل للتبعية".
 
يصل الأمر إلى أن تطالب العاملات بـ "عدم تتبع خطى الكرهباجي ومعاقبته"، وفق ما صرحن به لوات، ما يعكس حالة من التعايش القسري مع هذا الواقع.
 
​​ورغم محاولات إيجاد حلول، فإن الوضع لم يتحسن بعد. وقد سبق وأن رفضت النساء في الرقاب حافلات صغيرة خصصها مستثمر لنقلهن، كما لم تنجح تجربة مماثلة في منطقة بوسالم من ولاية جندوبة، بتخصيص حافلة من الدولة.
 
 

الحلول المرتكزة على هيكلة الوسطاء

 
​يطالب النشطاء بهيكلة هذا القطاع عبر تشجيع الجمعيات أو المستثمرين على إنشاء تعاونيات أو شركات أهلية، تمنح "الكرهباجي" رخصة ليكون ناقلا مختصا.
 
​و توضح رئيسة جمعية " النساء أولا"، حياة قادري، لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن الهدف هو أن تتولى التعاونية سداد الأجر مباشرة للعاملات، وتضمن نقلهن في ظروف آمنة ولائقة، وتحميهن من الانتهاكات والاعتداءات.
 
 
​ الجهود الحكومية
 
​أكدت مندوبة المرأة و الأسرة و الطفولة و كبار السن، بسيدي بوزيد، هنية نصيري، وجود حلول تشريعية وضعتها الدولة، على غرار المرسوم عدد 4 لسنة 2024، المتعلق بنظام الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات..
 
​كما تعمل وزارة المرأة على برامج لتعزيز الإحاطة بالعاملات، وإدماجهن اقتصاديا واجتماعيا، من بينها إنشاء 6 مجامع تنموية نسائية فلاحية مختصة في تحويل المنتوجات الفلاحية.
 
 
 
يجدر التذكير بان التنقل بين مختلف معتمديات سيدي بوزيد على متن الشاحنات الفلاحية هو مشهد معتاد و لا يثير حفيظة الأهالي، إلا عند تكرر حوادث الطريق التي تودي بحياة الكثير من " الكادحات"، وأوقعت العديد من الجرحى وكانت سببا في مآس عديدة وفي معاناة الكثير من النساء و الفتيات.
 
ولا تقتصر معاناة النساء العاملات في القطاع الفلاحي على مشكلة النقل المهين فحسب، بل تمتد لتشمل تعرضهن لمخاطر جمة أبرزها الاستعمال المباشر للمبيدات الكيميائية دون وسائل وقاية، كالكمامات وغياب إجراءات السلامة الأساسية.
 
عدم استقطاب الرجال لهذا العمل الفلاحي، يعزى إلى فارق الأجر، إذ يبلغ أجر الرجل حوالي 35 دينارا في اليوم وهو مبلغ أعلى مما تتقضاه المرأة بكثير.
 
​ويظل المشكل قائما ويتطلب تظافر الجهود لتفعيل الحلول المقترحة بشكل يضمن كرامة وأمن وحقوق هذه الفئة الكادحة من نساء سيدي بوزيد.
وات
سيدي بوزيد.. العاملات الفلاحيات تحت قبضة سماسرة النقل غير اللائق ووسطاء الظل
تمثل النساء العاملات في القطاع الفلاحي في ولاية سيدي بوزيد، شريحة هامة وضرورية في عجلة الإنتاج الفلاحي، فهن يساهمن بشكل كبير في الأمن الغذائي والإقتصادي لأسرهن وللمجتمع ككل.
 
تشير أرقام المندوبية الجهوية للمرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، بولاية سيدي بوزيد، إلى حوالي 15 ألف امرأة عاملة في الولاية، يعملن في الفلاحة، ويمثّلن 79 بالمائة، من إجمالي اليد العاملة النسائية بالمنطقة.
 
ومع ذلك تواجه هذه الفئة هشاشة اجتماعية و اقتصادية مضاعفة، تتجلى بشكل صارخ في مشكلة النقل غير الآمن والمهين، والتي غالبا ما يشار إليها بــ " شاحنات الموت".
 
ورغم إصدار القوانين والمراسيم على غرار القانون عدد 51 لسنة 2019 و الأمر الحكومي عدد 724 لسنة 2020، لتنظيم هذا الصنف من النقل إلا أن الوضعية الهشة لنقل العاملات في القطاع الفلاحي متواصلة، وفق اعتراف الجهات المعنية (مندوبيتي الفلاحة والمراة).
 
 
 
 ظروف عمل قاسية وهشاشة اجتماعية واقتصادية
 
​تتميز ظروف عمل هؤلاء النساء بكونها غير مستقرة وقاسية، نظرا للطابع الموسمي للعمل، المرتبط أساسا بالزراعات الموسمية، وخاصة الأشجار المثمرة والزراعات السقوية كالطماطم والفلفل.
 
وتتراوح الفئات العمرية للعاملات بين 13 و 75 سنة، و من 20 إلى 35 سنة تمثل أكثر من 45 بالمائة، ومن 35 إلى 60 سنة بنسبة 35 بالمائة.
 
كما أن 49 بالمائة منهن عازبات و 41 بالمائة متزوجات. ومن حيث المستوى التعليمي، فإن 22،6 بالمائة منهن أميات، و 40،9 بالمائة منهن لديهن مستوى تعليم ثانوي، و 8،7 بالمائة فقط لديهن تعليم عالي، وفق مندوبية المرأة بالجهة.
 
​تذهب العاملة للعمل مع بزوغ الفجر، وتتقاضى أجرا يوميا زهيدا يبلغ نحو 15 دينارا. هذا الأجر لا يصلها كاملا، حيث يقتطع منه الوسيط (الكرهباجي) عمولته التي تتراوح بين 3 إلى 5 دنانير، حسب المسافة.
 
​ فالطبيعة الهشة للعمل الموسمي تؤدي إلى غياب عقود العمل، مما يفتح الباب واسعا أمام الانتهاكات مثل التسريح والطرد التعسفي.
 
"فالكرهباجي"، ذلك الفاعل المهم جدا في العملية الفلاحية، و الذي ما فتئ يوسع هامش تدخله بما يسمح له بان يكون العنصر الأهم أحيانا في إبرام العلاقة الشغلية او إنهائها، وفق ما بينته، الدراسة الميدانية حول ظروف تعاطي النساء للعمل الفلاحي بسيدي بوزيد، المنجزة في اطار جمعية النساء أولا و اطلق عليها " الكادحات".
 
 
​التحرش والعنف
 
تتعرض العاملات للتحرش والعنف اللفظي، حيث تشير المصادر لوات، ( مندوبية المرأة و جمعية النساء أولا) إلى أن ممارسات التحرش تتفشى خاصة أثناء النقل، ومن ضمنها تمييز "الجميلة التي تركب بجانب السائق في الأمام".
 
​تُعدّ مشكلة النقل غير الآمن من أهم التحديات، فوسائل النقل هي في الغالب شاحنات صغيرة تنقل أعدادا تتجاوز حمولتها القانونية، وقد تصل إلى 25 امرأة واقفة، مما يعرضهن لخطر حوادث الطرقات والمخاطر المهنية الأخرى.
 
​يتمحور المشكل حول وجود شبكة "وسطاء" يسيطرون على كامل الدورة الاقتصادية والاجتماعية للعاملات.
 
​الوسيط (الكرهباجي/الناقل)، هو الحلقة الأهم في هذه المنظومة، يتولى جلب العاملات من منازلهن وينقلهن في ظروف غير لائقة إلى الضيعات.
 
​أما الفلاح (المستثمر)، ففي الغالب يكون صاحب ضيعات كبيرة وغير معروف للعاملات، ويسكن بعيدا ويستثمر في مناطق مثل الرقاب لتوفر مياه الري والامتيازات الحكومية.
 
يتواصل الفلاح مع الكرهباجي لجلب العاملات، ويقوم بتسليمه الأجر كاملا.
 
 
علاقة التبعية
 
العاملة لا تعرف وجهة عملها ولا الفلاح الذي ستعمل لديه، بل تعرف فقط "الكرهباجي"، الذي يضمن لها العمل.
 
تتفاقم هذه التبعية لأن "الكرهباجي" هو الذي يسلّم الأجر، وقد يكون المقرض الذي يضمنها لشراء بعض المقتنيات من العطار او من أي تاجر، مما يخلق علاقة مصلحة قوية وتبعية مادية "غير صحية"..
 
​"الكرهباجي هو الذي ينتدب، وهو الذي ينقل، وهو الذي يسلم الأجر، إنه مسار كامل للتبعية".
 
يصل الأمر إلى أن تطالب العاملات بـ "عدم تتبع خطى الكرهباجي ومعاقبته"، وفق ما صرحن به لوات، ما يعكس حالة من التعايش القسري مع هذا الواقع.
 
​​ورغم محاولات إيجاد حلول، فإن الوضع لم يتحسن بعد. وقد سبق وأن رفضت النساء في الرقاب حافلات صغيرة خصصها مستثمر لنقلهن، كما لم تنجح تجربة مماثلة في منطقة بوسالم من ولاية جندوبة، بتخصيص حافلة من الدولة.
 
 

الحلول المرتكزة على هيكلة الوسطاء

 
​يطالب النشطاء بهيكلة هذا القطاع عبر تشجيع الجمعيات أو المستثمرين على إنشاء تعاونيات أو شركات أهلية، تمنح "الكرهباجي" رخصة ليكون ناقلا مختصا.
 
​و توضح رئيسة جمعية " النساء أولا"، حياة قادري، لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن الهدف هو أن تتولى التعاونية سداد الأجر مباشرة للعاملات، وتضمن نقلهن في ظروف آمنة ولائقة، وتحميهن من الانتهاكات والاعتداءات.
 
 
​ الجهود الحكومية
 
​أكدت مندوبة المرأة و الأسرة و الطفولة و كبار السن، بسيدي بوزيد، هنية نصيري، وجود حلول تشريعية وضعتها الدولة، على غرار المرسوم عدد 4 لسنة 2024، المتعلق بنظام الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات..
 
​كما تعمل وزارة المرأة على برامج لتعزيز الإحاطة بالعاملات، وإدماجهن اقتصاديا واجتماعيا، من بينها إنشاء 6 مجامع تنموية نسائية فلاحية مختصة في تحويل المنتوجات الفلاحية.
 
 
 
يجدر التذكير بان التنقل بين مختلف معتمديات سيدي بوزيد على متن الشاحنات الفلاحية هو مشهد معتاد و لا يثير حفيظة الأهالي، إلا عند تكرر حوادث الطريق التي تودي بحياة الكثير من " الكادحات"، وأوقعت العديد من الجرحى وكانت سببا في مآس عديدة وفي معاناة الكثير من النساء و الفتيات.
 
ولا تقتصر معاناة النساء العاملات في القطاع الفلاحي على مشكلة النقل المهين فحسب، بل تمتد لتشمل تعرضهن لمخاطر جمة أبرزها الاستعمال المباشر للمبيدات الكيميائية دون وسائل وقاية، كالكمامات وغياب إجراءات السلامة الأساسية.
 
عدم استقطاب الرجال لهذا العمل الفلاحي، يعزى إلى فارق الأجر، إذ يبلغ أجر الرجل حوالي 35 دينارا في اليوم وهو مبلغ أعلى مما تتقضاه المرأة بكثير.
 
​ويظل المشكل قائما ويتطلب تظافر الجهود لتفعيل الحلول المقترحة بشكل يضمن كرامة وأمن وحقوق هذه الفئة الكادحة من نساء سيدي بوزيد.
وات