إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حشدت أخيرا الاعتمادات اللازمة .. المال لا يعفي الدول الصناعية والغنية من المسؤولية إزاء تطرف المناخ

-الاعتمادات المعلن عنها ليست دينا ولا منّة وإنما جزء بسيط من حق الدول المفقّرة على الدول المستنزفة لطاقاتها

تونس- الصباح

أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) وهي منظمة حكومية دولية ومقرها العاصمة الفرنسية باريس ويتوجه اهتمامها بالخصوص إلى الدول الغنية والأنظمة الرأسمالية عن التوصل أخيرا إلى تجميع مبلغ يفوق الانتظارات لفائدة الدول النامية تمكنها من تمويل المشاريع التي تساعد على التخفيف من حدة التأثيرات السلبية للمتغيرات المناخية.

وأكدت المنظمة هذه الأيام في خبر تناقلته الصحافة العالمية باهتمام كبير أن الدول الغنية خصصت حوالي 116مليار دولار بعنوان 2022 للدول الأقل حظا لمساعدتها على مكافحة مشاكل المناخ وأن هذا المبلغ رغم انه جاء بعد عامين من التأخير وقد كان من المفروض أن يكون جاهزا منذ 2020، إلا انه لا يقلل من أهمية الحدث وفي دفع الدول الغنية إلى الالتزام بالاتفاق الأخلاقي مع الدول النامية والمتمثل في التعهد بحشد اعتمادات بقيمة 100 مليار دولار سنويا من 2020 إلى غاية 2025، على انه يمكن المواصلة بعد التاريخ المذكور وذلك بغاية مساعدة الدول الفقيرة على مواجهة خطر انبعاث الغازات الدفيئة المسؤولة بدرجة كبرى عن التلوث الذي يعاني منه كوكب الأرض وعن ارتفاع نسبة الاحترار العالمي بنسق كبير ومخيف، وفق تقييم خبراء البيئة.

وكانت الدول النامية أو دول الجنوب الفقير- مقارنة مع الدول الشمال الغني - قد طالبت منذ 2009 وتحديدا منذ مؤتمر المناخ بكوبنهاغن ( الدنمارك)، بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغنية بتحمل مسؤوليتها إزاء المتغيرات المناخية المتسارعة التي باتت تهدد وجود الإنسان واستمرارية الحياة على الأرض وهي التي تتسبب وفق المختصين وخبراء المناخ في نسبة عالية من انبعاثات الغازات الدفيئة (أكثر من ثلاثة أرباع) في العالم.

وقد كانت المفاوضات في كل مؤتمرات المناخ منذ مؤتمر كوبنهاغن إلى غاية مؤتمر دبي (الإمارات) على أشدها من اجل إقناع الدول الغنية على حشد المبالغ المطلوبة وقد حصل تقدم كبير في مؤتمر المناخ بدبي (ديسمبر 2023) حيث استبسلت مجموعة الدول الأكثر فقرا في الدفاع عن موقفها وخاصة عن ضرورة تفعيل صندوق الخسائر والأضرار، والتزام الدول الغنية بحشد الأموال الضرورية لذلك.

ويحسب لمؤتمر المناخ بدبي (كوب 28) انه تم للمرة الأولى الخوض في مسألة التخلي تدريجيا عن الوقود الاحفوري (الطاقة التقليدية وغير المتجددة) وقد كان الموضوع من قبل عبارة عن خط احمر – وضعته الدول المصدرة للغاز والبترول – وغير قابل للنقاش رغم تأكيد الخبراء على أن الهدف الذي وضع منذ اتفاق باريس لسنة 2015 وهو حصر نسبة الارتفاع الحراري في درجة مائوية لا تتجاوز واحد ونصف (1،5) لا يمكن تحقيقه إلا بالتخفيف من حدة استعمال الوقود الاحفوري المتسبب بدرجة كبيرة في ارتفاع نسبة الاحترار العالمي.

 قلنا إذن انه وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فان الدول الغنية قد توصلت إلى حشد مبلغ أكبر من المبلغ المطلوب، إذ كان من المفروض أن يكون في حدود 100 مليار دولار سنويا وذلك لاستثمارها في برامج تقلل من مخاطر التأثيرات المناخية.

ولئن يمكن اعتبار الأمر فعلا نصرا هاما للدول النامية التي تناضل منذ أعوام طويلة من اجل فرض موقفها وإجبار الدول الغنية على تمويل صندوق الخسائر والأضرار الناجمة عن المتغيرات المناخية، لكن تبقى المخاوف قائمة من أن تستمر الدول الغنية في نفس السياسات الملوثة للمناخ وتكتفي بدفع المال للدول النامية لترضي ضميرها أمام العالم وتعتبر أنها بذلك قامت بواجبها تجاه العالم.

صحيح، لا تملك الدول النامية الاعتمادات اللازمة لمكافحة مخاطر التحولات المناخية رغم أنها في قضية الحال تعتبر ضحية، ويمكن أن تساعدها الاعتمادات فعلا في التخفيف من حدة المشكل، ولكن هناك أمثلة سابقة أثبتت أن اكتفاء الدول الغنية بدفع المال لدرء المشاكل التي تتسبب فيها بدرجة كبرى كثيرا ما ينتهي بكارثة.

فقد حاول الاتحاد الأوروبي مثلا ومنذ سنوات وخاصة منذ الحرب الأهلية في سوريا التي أجبرت عددا كبيرا من السوريين على مغادرة البلاد ومحاولة اللجوء إلى أوروبا، تكليف بعض الدول للقيام بدور الحارس لفرز المهاجرين غير النظاميين ولصدهم مقابل المال ونقصد بذلك الاتفاقية التي تم عقدها في الغرض مع تركيا. وقد تطورت هذه السياسة لتشمل اليوم بلدان الضفة الجنوبية للحوض الغربي للمتوسط ومن بينها تونس حيث أمضى الاتحاد الأوروبي اتفاقيات شراكة مع هذه البلدان تتولى بمقتضاها حصر جحافل المهاجرين غير النظاميين والمتوجهين إلى أوروبا عبر سواحلها واستقبالها مؤقتا مقابل مساعدات مالية.

ويسعى الاتحاد الأوروبي بهذه السياسات التي تعكس الرغبة في التملص من المسؤولية إزاء بؤساء العالم خاصة من بلدان افريقيا جنوب الصحراء التي قامت بلدان أوروبية استعمارية لمدة عقود طويلة باستغلال ثروات بلدانهم وبقية القصة طبعا معروفة طبعا، اذ يسعى اليوم الآلاف من المهاجرين غير النظاميين من هذه البلدان المفقرة إلى الوصول إلى احد البلدان الأوروبية بأي طريقة كانت ولو كلفهم ذلك الموت غرقا في عرض البحر قبل الوصول.

 وعن حوادث المهاجرين – الحراقة – في البحر لا تسل. فكم من سفينة وكم مركبة غرقت بالعشرات من الحارقين مخلفة جثثا يلفظها البحر كل مرة على شاطئ من شواطئ المنطقة وكما من الآلام للعائلات. وكم من حكاية حزينة تتناقل اليوم حول المراكب البائسة التي تلقي بحمولتها الثقيلة في قاع البحر. ورغم ذلك مازال المهاجرون غير النظاميون يحاولون الالتحاق بالضفة الشمالية للمتوسط ومازالت الحوادث الحزينة تتكرر ومازالت الأزمة قائمة، بل تتفاقم واضعة الإنسانية امام مسؤوليتها ومازالت البلدان الغنية تحاول التهرب من مسؤوليتها المباشرة ومازالت ترفض حلا منصفا.

والواضح أن هذه البلدان وبدلا من تحمل مسؤوليتها نراها تسعى إلى إثقال كاهل بلدان تعاني أصلا من مشاكل اقتصادية ومن بينها بلادنا، بمشكل الهجرة غير النظامية. هي تفعل ذلك دائما مستغلة أحيانا قلة الخيارات أمام البلدان التي تعيش وضعا غير مستقر أو تمر بمرحلة انتقالية، رغم أنها تدرك أن مشكل الهجرة أكبر من أن يحل باتفاقية شراكة. ولكن ما العمل وتلك عادة البلدان القوية. فهي تعتقد انه شراء الهدوء على حدودها بالمال في حين أن القضية أكبر من ذلك وان استقرار أوروبا وأمريكا وكل الدول الغنية هو ليس رهين مبالغ مالية تدفعها على عجل ولا تؤثر في ميزانياتها وإنما رهين الاعتراف بحق كل شعوب العالم في الحياة الكريمة.

وفرضية أن تتنصل الدول الغنية من مسؤوليتها إزاء ما يشهده العالم من تطرف في المناخ مطروحة كذلك. فدفع مبالغ من الأموال ولو كانت بالمليارات لتمويل البرامج التي تعمل على الحد من المؤثرات المناخية في العالم يبقى حلا ظرفيا ويتطلب الأمر حلولا شاملة تتمثل بالأساس في تغيير السياسات الاقتصادية تغييرا جذريا من شأنها أن تحمي العالم مما يتهدده من تنامي لموجات الجفاف الشديد والفيضانات وانتشار الأمراض الخطيرة والأوبئة والمجاعات والحرائق وغيرها من الكوارث الطبيعية. والغريب في الأمر أن البلدان التي تتسبب اقل من غيرها في التلوث وخاصة البلدان المفقرة بأفريقيا واسيا وأمريكا الجنوبية هي التي تعاني وفق الخبراء أكثر من غيرها من مخاطر التأثيرات المناخية، مع العلم أن منطقة المتوسط قد بدأت تتأثر بشكل كبير بهذه المتغيرات وقد أعلنت عدة بلدان متوسطية عن معاناتها من جفاف غير مسبوق ويحذر الخبراء من موجات تسونامي بالمنطقة.

لكن هل ستبدي البلدان الصناعية والغنية استعدادا حقيقيا للتخلص قريبا مثلا من الوقود الاحفوري الذي تقوم عليه صناعاتها وتتكون منه ثرواتها؟ هل ستتخلص من كل الأنشطة التي تتسبب بدرجة كبرى في انبعاث الغازات الدفيئة التي تتسبب في دورها في ارتفاع درجة الحرارة على الأرض بشكل غير مسبوق؟ هل ستسلم البلدان التي تعتمد على اقتصاد السوق بأنها ربما عليها أن تقدم شيئا آخر إضافة إلى الدولارات كي تنقذ هذه المركبة التي تضم الجميع في النهاية؟

 حياة السايب

 

 

 

حشدت أخيرا الاعتمادات اللازمة .. المال لا يعفي الدول الصناعية والغنية من المسؤولية إزاء تطرف المناخ

-الاعتمادات المعلن عنها ليست دينا ولا منّة وإنما جزء بسيط من حق الدول المفقّرة على الدول المستنزفة لطاقاتها

تونس- الصباح

أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) وهي منظمة حكومية دولية ومقرها العاصمة الفرنسية باريس ويتوجه اهتمامها بالخصوص إلى الدول الغنية والأنظمة الرأسمالية عن التوصل أخيرا إلى تجميع مبلغ يفوق الانتظارات لفائدة الدول النامية تمكنها من تمويل المشاريع التي تساعد على التخفيف من حدة التأثيرات السلبية للمتغيرات المناخية.

وأكدت المنظمة هذه الأيام في خبر تناقلته الصحافة العالمية باهتمام كبير أن الدول الغنية خصصت حوالي 116مليار دولار بعنوان 2022 للدول الأقل حظا لمساعدتها على مكافحة مشاكل المناخ وأن هذا المبلغ رغم انه جاء بعد عامين من التأخير وقد كان من المفروض أن يكون جاهزا منذ 2020، إلا انه لا يقلل من أهمية الحدث وفي دفع الدول الغنية إلى الالتزام بالاتفاق الأخلاقي مع الدول النامية والمتمثل في التعهد بحشد اعتمادات بقيمة 100 مليار دولار سنويا من 2020 إلى غاية 2025، على انه يمكن المواصلة بعد التاريخ المذكور وذلك بغاية مساعدة الدول الفقيرة على مواجهة خطر انبعاث الغازات الدفيئة المسؤولة بدرجة كبرى عن التلوث الذي يعاني منه كوكب الأرض وعن ارتفاع نسبة الاحترار العالمي بنسق كبير ومخيف، وفق تقييم خبراء البيئة.

وكانت الدول النامية أو دول الجنوب الفقير- مقارنة مع الدول الشمال الغني - قد طالبت منذ 2009 وتحديدا منذ مؤتمر المناخ بكوبنهاغن ( الدنمارك)، بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغنية بتحمل مسؤوليتها إزاء المتغيرات المناخية المتسارعة التي باتت تهدد وجود الإنسان واستمرارية الحياة على الأرض وهي التي تتسبب وفق المختصين وخبراء المناخ في نسبة عالية من انبعاثات الغازات الدفيئة (أكثر من ثلاثة أرباع) في العالم.

وقد كانت المفاوضات في كل مؤتمرات المناخ منذ مؤتمر كوبنهاغن إلى غاية مؤتمر دبي (الإمارات) على أشدها من اجل إقناع الدول الغنية على حشد المبالغ المطلوبة وقد حصل تقدم كبير في مؤتمر المناخ بدبي (ديسمبر 2023) حيث استبسلت مجموعة الدول الأكثر فقرا في الدفاع عن موقفها وخاصة عن ضرورة تفعيل صندوق الخسائر والأضرار، والتزام الدول الغنية بحشد الأموال الضرورية لذلك.

ويحسب لمؤتمر المناخ بدبي (كوب 28) انه تم للمرة الأولى الخوض في مسألة التخلي تدريجيا عن الوقود الاحفوري (الطاقة التقليدية وغير المتجددة) وقد كان الموضوع من قبل عبارة عن خط احمر – وضعته الدول المصدرة للغاز والبترول – وغير قابل للنقاش رغم تأكيد الخبراء على أن الهدف الذي وضع منذ اتفاق باريس لسنة 2015 وهو حصر نسبة الارتفاع الحراري في درجة مائوية لا تتجاوز واحد ونصف (1،5) لا يمكن تحقيقه إلا بالتخفيف من حدة استعمال الوقود الاحفوري المتسبب بدرجة كبيرة في ارتفاع نسبة الاحترار العالمي.

 قلنا إذن انه وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فان الدول الغنية قد توصلت إلى حشد مبلغ أكبر من المبلغ المطلوب، إذ كان من المفروض أن يكون في حدود 100 مليار دولار سنويا وذلك لاستثمارها في برامج تقلل من مخاطر التأثيرات المناخية.

ولئن يمكن اعتبار الأمر فعلا نصرا هاما للدول النامية التي تناضل منذ أعوام طويلة من اجل فرض موقفها وإجبار الدول الغنية على تمويل صندوق الخسائر والأضرار الناجمة عن المتغيرات المناخية، لكن تبقى المخاوف قائمة من أن تستمر الدول الغنية في نفس السياسات الملوثة للمناخ وتكتفي بدفع المال للدول النامية لترضي ضميرها أمام العالم وتعتبر أنها بذلك قامت بواجبها تجاه العالم.

صحيح، لا تملك الدول النامية الاعتمادات اللازمة لمكافحة مخاطر التحولات المناخية رغم أنها في قضية الحال تعتبر ضحية، ويمكن أن تساعدها الاعتمادات فعلا في التخفيف من حدة المشكل، ولكن هناك أمثلة سابقة أثبتت أن اكتفاء الدول الغنية بدفع المال لدرء المشاكل التي تتسبب فيها بدرجة كبرى كثيرا ما ينتهي بكارثة.

فقد حاول الاتحاد الأوروبي مثلا ومنذ سنوات وخاصة منذ الحرب الأهلية في سوريا التي أجبرت عددا كبيرا من السوريين على مغادرة البلاد ومحاولة اللجوء إلى أوروبا، تكليف بعض الدول للقيام بدور الحارس لفرز المهاجرين غير النظاميين ولصدهم مقابل المال ونقصد بذلك الاتفاقية التي تم عقدها في الغرض مع تركيا. وقد تطورت هذه السياسة لتشمل اليوم بلدان الضفة الجنوبية للحوض الغربي للمتوسط ومن بينها تونس حيث أمضى الاتحاد الأوروبي اتفاقيات شراكة مع هذه البلدان تتولى بمقتضاها حصر جحافل المهاجرين غير النظاميين والمتوجهين إلى أوروبا عبر سواحلها واستقبالها مؤقتا مقابل مساعدات مالية.

ويسعى الاتحاد الأوروبي بهذه السياسات التي تعكس الرغبة في التملص من المسؤولية إزاء بؤساء العالم خاصة من بلدان افريقيا جنوب الصحراء التي قامت بلدان أوروبية استعمارية لمدة عقود طويلة باستغلال ثروات بلدانهم وبقية القصة طبعا معروفة طبعا، اذ يسعى اليوم الآلاف من المهاجرين غير النظاميين من هذه البلدان المفقرة إلى الوصول إلى احد البلدان الأوروبية بأي طريقة كانت ولو كلفهم ذلك الموت غرقا في عرض البحر قبل الوصول.

 وعن حوادث المهاجرين – الحراقة – في البحر لا تسل. فكم من سفينة وكم مركبة غرقت بالعشرات من الحارقين مخلفة جثثا يلفظها البحر كل مرة على شاطئ من شواطئ المنطقة وكما من الآلام للعائلات. وكم من حكاية حزينة تتناقل اليوم حول المراكب البائسة التي تلقي بحمولتها الثقيلة في قاع البحر. ورغم ذلك مازال المهاجرون غير النظاميون يحاولون الالتحاق بالضفة الشمالية للمتوسط ومازالت الحوادث الحزينة تتكرر ومازالت الأزمة قائمة، بل تتفاقم واضعة الإنسانية امام مسؤوليتها ومازالت البلدان الغنية تحاول التهرب من مسؤوليتها المباشرة ومازالت ترفض حلا منصفا.

والواضح أن هذه البلدان وبدلا من تحمل مسؤوليتها نراها تسعى إلى إثقال كاهل بلدان تعاني أصلا من مشاكل اقتصادية ومن بينها بلادنا، بمشكل الهجرة غير النظامية. هي تفعل ذلك دائما مستغلة أحيانا قلة الخيارات أمام البلدان التي تعيش وضعا غير مستقر أو تمر بمرحلة انتقالية، رغم أنها تدرك أن مشكل الهجرة أكبر من أن يحل باتفاقية شراكة. ولكن ما العمل وتلك عادة البلدان القوية. فهي تعتقد انه شراء الهدوء على حدودها بالمال في حين أن القضية أكبر من ذلك وان استقرار أوروبا وأمريكا وكل الدول الغنية هو ليس رهين مبالغ مالية تدفعها على عجل ولا تؤثر في ميزانياتها وإنما رهين الاعتراف بحق كل شعوب العالم في الحياة الكريمة.

وفرضية أن تتنصل الدول الغنية من مسؤوليتها إزاء ما يشهده العالم من تطرف في المناخ مطروحة كذلك. فدفع مبالغ من الأموال ولو كانت بالمليارات لتمويل البرامج التي تعمل على الحد من المؤثرات المناخية في العالم يبقى حلا ظرفيا ويتطلب الأمر حلولا شاملة تتمثل بالأساس في تغيير السياسات الاقتصادية تغييرا جذريا من شأنها أن تحمي العالم مما يتهدده من تنامي لموجات الجفاف الشديد والفيضانات وانتشار الأمراض الخطيرة والأوبئة والمجاعات والحرائق وغيرها من الكوارث الطبيعية. والغريب في الأمر أن البلدان التي تتسبب اقل من غيرها في التلوث وخاصة البلدان المفقرة بأفريقيا واسيا وأمريكا الجنوبية هي التي تعاني وفق الخبراء أكثر من غيرها من مخاطر التأثيرات المناخية، مع العلم أن منطقة المتوسط قد بدأت تتأثر بشكل كبير بهذه المتغيرات وقد أعلنت عدة بلدان متوسطية عن معاناتها من جفاف غير مسبوق ويحذر الخبراء من موجات تسونامي بالمنطقة.

لكن هل ستبدي البلدان الصناعية والغنية استعدادا حقيقيا للتخلص قريبا مثلا من الوقود الاحفوري الذي تقوم عليه صناعاتها وتتكون منه ثرواتها؟ هل ستتخلص من كل الأنشطة التي تتسبب بدرجة كبرى في انبعاث الغازات الدفيئة التي تتسبب في دورها في ارتفاع درجة الحرارة على الأرض بشكل غير مسبوق؟ هل ستسلم البلدان التي تعتمد على اقتصاد السوق بأنها ربما عليها أن تقدم شيئا آخر إضافة إلى الدولارات كي تنقذ هذه المركبة التي تضم الجميع في النهاية؟

 حياة السايب