إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هل يقع تمريره قبل هذا الموعد؟.. مشروع قانون الشيك دون رصيد جاهز.. منظمة الأعراف و"كوناكت" على الخط

 

تونس- الصباح

أخيرا وبعد انتظار طويل، استبشر أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة وغيرهم من المعنيين بقضايا الشيك دون رصيد بخبر عرض وزيرة العدل ليلى جفال أول أمس الصيغة النهائية لمشروع القانون المتعلق بتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية على رئيس الجمهورية، فهم يترقبون بفارغ الصبر تمريره إلى مجلس نواب الشعب.

وكان هؤلاء طالبوا المجلس منذ بداية الدورة النيابية الأولى بالتسريع في مراجعة الفصل المذكور لأنه تسبب في مآس اجتماعية ودمار اقتصادي خاصة إثر جائحة كورونا.

واستجابة إلى طلبهم وضعت لجنة التشريع العام التي يرأسها النائب عن كتلة الخط الوطني السيادي ياسر قراري  منذ انطلاقها في أعمالها السنة الماضية مراجعة أحكام الشيك دون رصيد في صدارة أولوياتها التشريعية، وأبدى نوابها استعدادا كبيرا لتمريره في أسرع الآجال وقطعوا شوطا كبيرا في نقاش تلك الأحكام واستمعوا إلى ممثلين عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وكنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية والبنك المركزي التونسي ووزارة المالية ونقابة القضاة التونسيين وهيئة المحامين..

وفي هذا السياق أكد ممثل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أن المبدأ العام الذي يتبنّاه الاتحاد هو عدم فرض العقوبة السجنية وذلك تماشيا مع التزامات الدولة التونسية التي أمضت اتفاقيات ومعاهدات دولية تمنع العقوبة السالبة للحرية من أجل التزامات تعاقدية وبين أن الشيك تحوّل من وسيلة خلاص حينية إلى وسيلة تمويل في ظل الصعوبات الاقتصادية والمالية، أنه من الضروري إيجاد تدابير وقائية تضمن خلاص الشيك عوضا عن فرض عقوبة سجنية في صورة عدم خلاصه، خاصة وأنها أثبتت عدم جدواها وتضاربها مع مبادئ وأعراف التجارة والمعاملات الاقتصادية ودعا إلى ضرورة تزامن رفع العقوبة السجنية  مع إصلاحات وإجراءات قانونية واقتصادية تتعلّق بتعصير الإدارة وتطوير القضاء وتحصين المنظومة القانونية من خلال تنقيح عدد من النصوص القانونية ذات العلاقة بهدف ضمان حقوق كل الأطراف المتداخلة واقترح إيجاد آليات وقائية لخلاص الشيك كإخضاع الشيك الالكتروني للمصادقة وتسقيف الشيك وإحداث صندوق ضمان في علاقة بالشيك دون رصيد.

أما ممثل كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" فبين أن إلغاء  العقوبة السجنية في جرائم الشيك دون رصيد لا يجب أن يكون مسقطا خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وما تعرفه البلاد من ندرة لمصادر التمويل، ودعا إلى عدم التسرّع في اتخاذ هذا الإجراء وطالب بأن لا تقتصر معالجة ظاهرة الشيك دون رصيد على تعديل الفصل 411 من المجلة التجارية، بل يجب أن تكون في إطار رؤية شاملة يتمّ فيها تحميل المسؤوليات إلى كافة الأطراف المتداخلة إضافة إلى تنقيح عدد من النصوص القانونية الأخرى ذات العلاقة. وبالنسبة إلى ممثل وزارة المالية فأشار إلى أن تونس اختارت تجريم عملية إصدار الشيك دون رصيد على اعتبار أنه جريمة اقتصادية تخل بالنظام العام الاقتصادي. وأكّد أنه بالإمكان مراجعة هذا الخيار في إطار مقاربة شاملة تنخرط فيها كافة الأطراف المتداخلة مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب الردعي للإبقاء على الشيك كورقة تجارية أساسية في المعاملات التجارية.

أما ممثل البنك المركزي التونسي فأكد على ضرورة أن تكون مراجعة أحكام الشيك دون رصيد في إطار مقاربة علمية شاملة تنخرط فيها جميع الأطراف وتضمن التوازن بين الموقع الأساسي للشيك من ناحية، والمقاربة الاجتماعية من ناحية أخرى.

اكتظاظ السجون

في حين أشار ممثلو الهيئة الوطنية للمحامين إلى أن جريمة الشيك دون رصيد هي جريمة شكلية بالأساس وان الاستعمال المتداول للشيك هو استعمال في غير موضعه باعتباره أصبح وسيلة خلاص وليست وسيلة ضمان ونبهوا إلى أن إلغاء العقوبة السجنية يتطلب توفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الملائمة وأن المراجعة يجب ألا تقتصر على الفصل 411 من المجلة التجارية، وأشار ممثلو نقابة القضاة التونسيين إلى أن الشيك تحوّل من أداة للاستخلاص الحيني وتسهيل المعاملات المالية والتجارية إلى وسيلة ضمان واقتراض. وتسبب العدد الكبير من القضايا المتعلقة بجريمة إصدار الشيك دون رصيد في إنهاك المحاكم واكتظاظ السجون وإثقال كاهل الدولة بنفقات إضافية وأضاف ممثلو النقابة أن العقوبة الجزائية المتعلّقة بالشيك دون رصيد تتعارض مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي أمضت عليها تونس والتي تمنع سلب الحرية بسبب دين مدني ودعوا لجنة التشريع العام إلى الاستئناس بالتجارب المقارنة وتقدموا بعدد من المقترحات منها اعتماد الشيك الالكتروني وإثارة الدعوى المدنية لاستخلاص الدين. كما استمعت لجنة التشريع العام خلال الدورة النيابية الماضية وتحديدا في شهر جويلية 2023 إلى ممثلين عن وزارة العدل وأشار هؤلاء إلى أن الوزارة منكبة على إعداد مشروع القانون لإحالته في أقرب الآجال على أنظار اللجنة وأن رؤيتها ترتكز على ضرورة إيجاد التوازن بين مصلحة الدائن والمدين بما يضمن حقوق الطرفين.

تحويل وجهة الشيك

وإضافة إلى الجلسات العديدة التي عقدتها اللجنة خلال الدورة النيابية الأولى حول أحكام الشيك دون رصيد الواردة في المجلة التجارية، نظمت الأكاديمية البرلمانية في 20 سبتمبر 2023 يوما دراسيا تم التطرق خلاله إلى جريمة الشيك دون رصيد، وقدم الأستاذ محمد الهادي الأخوة المحامي لدى التعقيب والأستاذ الجامعي المبرز محاضرة تحدث فيها بالخصوص عن الجرائم الواردة في الفصل 411 من المجلة التجارية وحاول الإجابة عن سؤال حول ما إذا يجب الإبقاء على هذه الجريمة وعلى الصبغة الزجرية لمعاقبة إصدار صك دون رصيد أم لا.

 واستنادا إلى بلاغ نشرته الأكاديمية البرلمانية قدم الجامعي قراءة قانونية تحليلية لهذا الفصل، وبيّن أنه تمّ تنقيح أحكام إصدار الشيك خلال سنوات 1985و1996و2007، وأشار إلى أن المشرّع قدّم عديد الضمانات للتعامل بالشيك لاسيما المتعلقة بالضمان الجزائي كما فضّل التعامل بالشيك على بقية السندات القانونية للدين لتحقيق ضمان خلاصه، مع تسليط عقوبات جزائية صارمة في حال عدم خلاص الشيك أو قسط منه، ولاحظ أن عديد البلدان المتقدّمة اتجهت إلى إلغاء الصبغة الزجرية منذ نصف قرن، وأضاف أنه آن الأوان للقيام بمراجعات والتفكير في إلغاء العقوبة السجنية في حال عدم الخلاص وتعويضها بعقوبات أخرى وقدم الجامعي للنواب عدة مقترحات تعديل للفصل 411.

وينص هذا الفصل في صيغته الأصلية  على ما يلي: "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على أن لا تقل عن عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته: كل من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه لدى المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذه المجلة وكل من قبل شيكا صادرا في الحالات المبيتة بالفقرة السابقة مع علمه بذلك وكل من ساعد عمدا أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك في الحالات المشار إليها بالفقرة الأولى أعلاه على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها ولا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية على العقاب المالي المنصوص عليه بالفقرة الأولى من هذا الفصل ويعاقب بخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو  باقي قيمته على أن لا تتجاوز الثلاثة آلاف دينار كل مصرف كل مصرف يرفض أداء شيك عوّل ساحبه على اعتماد فتحه له هذا المصرف ولم يرجع فيه بصفة قانونية أو على تسهيلات دفع تعود هذا المصرف منحها له بمقادير لا يقل معدلها عن مبلغ الشيك أو باقيه ولم يدل بما يثبت التنبيه على الساحب برجوعه فيها".

تحميل المسؤولية للبنوك

وكان اليوم البرلماني مناسبة تعمق خلالها النواب في دراسة موضوع تجريم الشيك دون رصيد، ووجه العديد منهم الانتقادات للبنوك وحملوها مسؤوليّة عدم التثبّت قبل إسناد دفاتر الصكوك واعتبرها البعض مستفيدة من تجريم الشيك دون رصيد فهي تجني أمولا طائلة من خلال إجراء الإشعار، وإضافة إلى ذلك فهي تفرض شروطا مجحفة على أصحاب المؤسّسات الصغرى والمتوسطة عند إسناد القروض، ونبهوا إلى أن الإشكال يكمن في الحياد بالوظيفة الأساسيّة للشيك ليتحوّل من أداة خلاص إلى وسيلة ضمان، وطالبوا بالتصدي  لظاهرة مسك الصكّ على أساس أنه وسيلة ضمان وتفعيل الشيك كوسيلة دفع حينيّة والتفكير في وسائل بديلة على غرار تطبيقة تمكّن المستفيد من التثبّت من توفّر المبلغ موضوع الشيك وتفعيل الصك الالكتروني ومراجعة مؤسسة الضمان والتمديد في فترة التسوية والتخفيض في الفوائض والغرامات وربط الجريمة بالتسوية لتكون هذه الأخيرة موقفة للتتبع و نشر ثقافة اعتماد وسائل الائتمان، وتركيز نظام تبادل معلومات يسمح بالتحرّي الشديد قبل منح دفاتر الشيكات، والتفكير في اعتماد تصنيف لدفاتر الصكوك حسب مداخيل صاحب الحساب البنكي وإمكانياته المادية.

وأثار النواب نفس الموضوع بمناسبة النظر في مشروع ميزانية وزارة العدل لسنة 2024 وطالبوا الوزيرة بالتعجيل في إعداد مشروع القانون المتعلق بمراجعة أحكام الشيك دون رصيد وتقديم معطيات دقيقة حول المشمولين بجرائم الشيك دون رصيد، وتعقيبا على النواب أجابت الوزيرة أنه يوجد 427 سجينا فقط منهم 189 سجينا موقوفا و238 وقع الحكم عليهم وأن عدد الملفات المتعلقة بهؤلاء المودعين يبلغ 10 آلاف و58 قضية لأن هناك منهم من هو مشمول بثلاث مائة قضية وهناك من هو مشمول بمائتي قضية وهناك من هو مشمول بخمسين قضية وهناك من هو مشمول بقضية وحيدة، فعلى سبيل الذكر، يبلغ عدد المحكوم عليهم المتعلقة بهم أكثر من 20 قضية 115 محكوما وعدد الموقوفين المتعلقة بهم أكثر من 20 قضية 56 موقوفا وعدد الملفات المنشورة بالمحاكم بما فيها السراح والموقوفين في حدود 200 ألف و10 قضايا، وأشارت إلى أن نسبة المعاملات بالشيك التي تمت تسويتها في حدود 98 فاصل 5 بالمائة أما معاملات الشيك دون رصيد فتمثل 1 فاصل 5 بالمائة فقط من المعاملات بالشيكات.

ونظرا لتأخر وزارة العدل في إعداد مشروع قانون جديد يتعلق بأحكام الشيك دون رصيد وجه النائب نزار الصديق بمعية عدد من النواب يوم 6 نوفمبر الماضي رسالة رسمية  إلى رئيس الحكومة ووزيرة العدل للمطالبة بالتسريع في تقديم هذا المشروع للبرلمان.

وحلت وزيرة العدل يوم 16 جانفي الماضي بمجلس نواب الشعب لحضور جلسة عامة مخصصة للنظر في مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالموافقة على اتفاقية تسليم المجرمين بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة الجمهورية الجزائرية وانتهز النواب الفرصة وسألوها مرة أخرى عن مشروع القانون المتعلق بالفصل 411 من المجلة التجارية وأجابتهم أنه جاهز وسيقع عرضه على رئاسة الحكومة وإثر ذلك ستتم إحالته على مجلس نواب الشعب ونفت وجود لوبي مالي يضغط في اتجاه عدم تمرير هذا المشروع وقالت إنه لا أحد يستطيع الضغط عليها وإنه لا وجود للوبي مالي أو لوبي غير مالي وإنها لا تخاف من الضغط ولا توليه أي اعتبار.

مبادرة تشريعية جديدة

وبعد أقل من شهر من الجلسة العامة التي أكدت خلالها وزارة العدل على أن مشروع القانون المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد جاهز، قدم النائب نزار الصديق يوم 13 فيفري 2024 مبادرة تشريعية جديدة تتعلق بالعفو العام في جريمة الشيك دون رصيد، وتمت إحالة هذه المبادرة التي وقع عليها 16 نائبا على لجنة التشريع العام.  ولكن اللجنة كانت منكبة على دراسة مشاريع قوانين أخرى ولم تستمع إلى أصحاب هذه المبادرة، ويذكر أنه عند إحالة رئاسة الجمهورية مشروع القانون الذي أعدته وزارة العدل إلى البرلمان فإن الأولوية تمنح لمبادرات رئيس الجمهورية لأن الدستور نص في الفصل 68 على أنه لمشاريع رئيس الجمهورية أولوية النظر.

ويذكر أنه قبل اللقاء الذي جمع وزيرة العدل أول أمس برئيس الجمهورية عقد رئيس الحكومة أحمد الحشاني يوم 12 أفريل الجاري  بالقصبة جلسة عمل وزارية حول "مشروع قانون يتعلّق بنظام دعم أمان وموثوقية المعاملات بالشيك وتحسين الممارسات المصرفية".. ويهدف هذا المشروع إلى تدعيم الواجبات المحمولة على المصرف وتكريس مسؤولية المؤسّسات البنكية والمالية واستخدام آليات الدّفع والحلول الالكترونية البديلة وتحسين الممارسات المصرفيّة، بغرض تدعيم معايير أمان وموثوقية التعامل بالشيك. كما يهدف الى ملائمة السّياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات المصرفيّة بالشّيك، وإرساء نظام لتسوية وضعيّة من صدرت ضدّه أحكام قضائية باتة، أو من كان محل تتبّعات قضائية جارية، من اجل ارتكاب جريمة إصدار شيك دون رصيد، وذلك في إطار رؤية متكاملة لتخفيف العقوبات وخاصة منها السالبة للحرية. ويذكر أنه يمكن لرئاسة الجمهورية أن تطلب من مجلس نواب الشعب استعجال النظر في مشروع القانون وبهذه الكيفية تضمن تمريره قبل العطلة البرلمانية وتلبي انتظارات العديد من الأسر التونسية وأصحاب المؤسسات المتضررة من جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وللتذكير فقد تولت المنظمة التونسية لأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة عند ظهور وباء كورونا تقديم مقترح قانون لمجلس نواب الشعب السابق وقام نواب أتلاف الكرامة بتبنيه ولكنهم أدخلوا عليه تعديلات عديدة جوبهت برفض أصحاب المؤسسات.. وبعد حل البرلمان أصدر رئيس الجمهورية المرسوم عدد 10 لسنة 2022 المؤرخ في 10 فيفري 2022 والمتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك بدون رصيد، وعمل الرئيس لاحقا على تنقيح هذا المرسوم في اتجاه  التمديد في أجال التسوية، ولكن أمام قصور المرسومين على معاجلة مشاكل الشيك دن رصيد كلف رئيس الجمهورية وزيرة العدل بإعداد مشروع قانون جديد ينصف الدائن والمدين.

سعيدة بوهلال

هل يقع تمريره  قبل هذا الموعد؟..   مشروع قانون الشيك دون رصيد جاهز.. منظمة الأعراف و"كوناكت" على الخط

 

تونس- الصباح

أخيرا وبعد انتظار طويل، استبشر أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة وغيرهم من المعنيين بقضايا الشيك دون رصيد بخبر عرض وزيرة العدل ليلى جفال أول أمس الصيغة النهائية لمشروع القانون المتعلق بتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية على رئيس الجمهورية، فهم يترقبون بفارغ الصبر تمريره إلى مجلس نواب الشعب.

وكان هؤلاء طالبوا المجلس منذ بداية الدورة النيابية الأولى بالتسريع في مراجعة الفصل المذكور لأنه تسبب في مآس اجتماعية ودمار اقتصادي خاصة إثر جائحة كورونا.

واستجابة إلى طلبهم وضعت لجنة التشريع العام التي يرأسها النائب عن كتلة الخط الوطني السيادي ياسر قراري  منذ انطلاقها في أعمالها السنة الماضية مراجعة أحكام الشيك دون رصيد في صدارة أولوياتها التشريعية، وأبدى نوابها استعدادا كبيرا لتمريره في أسرع الآجال وقطعوا شوطا كبيرا في نقاش تلك الأحكام واستمعوا إلى ممثلين عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وكنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية والبنك المركزي التونسي ووزارة المالية ونقابة القضاة التونسيين وهيئة المحامين..

وفي هذا السياق أكد ممثل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أن المبدأ العام الذي يتبنّاه الاتحاد هو عدم فرض العقوبة السجنية وذلك تماشيا مع التزامات الدولة التونسية التي أمضت اتفاقيات ومعاهدات دولية تمنع العقوبة السالبة للحرية من أجل التزامات تعاقدية وبين أن الشيك تحوّل من وسيلة خلاص حينية إلى وسيلة تمويل في ظل الصعوبات الاقتصادية والمالية، أنه من الضروري إيجاد تدابير وقائية تضمن خلاص الشيك عوضا عن فرض عقوبة سجنية في صورة عدم خلاصه، خاصة وأنها أثبتت عدم جدواها وتضاربها مع مبادئ وأعراف التجارة والمعاملات الاقتصادية ودعا إلى ضرورة تزامن رفع العقوبة السجنية  مع إصلاحات وإجراءات قانونية واقتصادية تتعلّق بتعصير الإدارة وتطوير القضاء وتحصين المنظومة القانونية من خلال تنقيح عدد من النصوص القانونية ذات العلاقة بهدف ضمان حقوق كل الأطراف المتداخلة واقترح إيجاد آليات وقائية لخلاص الشيك كإخضاع الشيك الالكتروني للمصادقة وتسقيف الشيك وإحداث صندوق ضمان في علاقة بالشيك دون رصيد.

أما ممثل كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" فبين أن إلغاء  العقوبة السجنية في جرائم الشيك دون رصيد لا يجب أن يكون مسقطا خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وما تعرفه البلاد من ندرة لمصادر التمويل، ودعا إلى عدم التسرّع في اتخاذ هذا الإجراء وطالب بأن لا تقتصر معالجة ظاهرة الشيك دون رصيد على تعديل الفصل 411 من المجلة التجارية، بل يجب أن تكون في إطار رؤية شاملة يتمّ فيها تحميل المسؤوليات إلى كافة الأطراف المتداخلة إضافة إلى تنقيح عدد من النصوص القانونية الأخرى ذات العلاقة. وبالنسبة إلى ممثل وزارة المالية فأشار إلى أن تونس اختارت تجريم عملية إصدار الشيك دون رصيد على اعتبار أنه جريمة اقتصادية تخل بالنظام العام الاقتصادي. وأكّد أنه بالإمكان مراجعة هذا الخيار في إطار مقاربة شاملة تنخرط فيها كافة الأطراف المتداخلة مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب الردعي للإبقاء على الشيك كورقة تجارية أساسية في المعاملات التجارية.

أما ممثل البنك المركزي التونسي فأكد على ضرورة أن تكون مراجعة أحكام الشيك دون رصيد في إطار مقاربة علمية شاملة تنخرط فيها جميع الأطراف وتضمن التوازن بين الموقع الأساسي للشيك من ناحية، والمقاربة الاجتماعية من ناحية أخرى.

اكتظاظ السجون

في حين أشار ممثلو الهيئة الوطنية للمحامين إلى أن جريمة الشيك دون رصيد هي جريمة شكلية بالأساس وان الاستعمال المتداول للشيك هو استعمال في غير موضعه باعتباره أصبح وسيلة خلاص وليست وسيلة ضمان ونبهوا إلى أن إلغاء العقوبة السجنية يتطلب توفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الملائمة وأن المراجعة يجب ألا تقتصر على الفصل 411 من المجلة التجارية، وأشار ممثلو نقابة القضاة التونسيين إلى أن الشيك تحوّل من أداة للاستخلاص الحيني وتسهيل المعاملات المالية والتجارية إلى وسيلة ضمان واقتراض. وتسبب العدد الكبير من القضايا المتعلقة بجريمة إصدار الشيك دون رصيد في إنهاك المحاكم واكتظاظ السجون وإثقال كاهل الدولة بنفقات إضافية وأضاف ممثلو النقابة أن العقوبة الجزائية المتعلّقة بالشيك دون رصيد تتعارض مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي أمضت عليها تونس والتي تمنع سلب الحرية بسبب دين مدني ودعوا لجنة التشريع العام إلى الاستئناس بالتجارب المقارنة وتقدموا بعدد من المقترحات منها اعتماد الشيك الالكتروني وإثارة الدعوى المدنية لاستخلاص الدين. كما استمعت لجنة التشريع العام خلال الدورة النيابية الماضية وتحديدا في شهر جويلية 2023 إلى ممثلين عن وزارة العدل وأشار هؤلاء إلى أن الوزارة منكبة على إعداد مشروع القانون لإحالته في أقرب الآجال على أنظار اللجنة وأن رؤيتها ترتكز على ضرورة إيجاد التوازن بين مصلحة الدائن والمدين بما يضمن حقوق الطرفين.

تحويل وجهة الشيك

وإضافة إلى الجلسات العديدة التي عقدتها اللجنة خلال الدورة النيابية الأولى حول أحكام الشيك دون رصيد الواردة في المجلة التجارية، نظمت الأكاديمية البرلمانية في 20 سبتمبر 2023 يوما دراسيا تم التطرق خلاله إلى جريمة الشيك دون رصيد، وقدم الأستاذ محمد الهادي الأخوة المحامي لدى التعقيب والأستاذ الجامعي المبرز محاضرة تحدث فيها بالخصوص عن الجرائم الواردة في الفصل 411 من المجلة التجارية وحاول الإجابة عن سؤال حول ما إذا يجب الإبقاء على هذه الجريمة وعلى الصبغة الزجرية لمعاقبة إصدار صك دون رصيد أم لا.

 واستنادا إلى بلاغ نشرته الأكاديمية البرلمانية قدم الجامعي قراءة قانونية تحليلية لهذا الفصل، وبيّن أنه تمّ تنقيح أحكام إصدار الشيك خلال سنوات 1985و1996و2007، وأشار إلى أن المشرّع قدّم عديد الضمانات للتعامل بالشيك لاسيما المتعلقة بالضمان الجزائي كما فضّل التعامل بالشيك على بقية السندات القانونية للدين لتحقيق ضمان خلاصه، مع تسليط عقوبات جزائية صارمة في حال عدم خلاص الشيك أو قسط منه، ولاحظ أن عديد البلدان المتقدّمة اتجهت إلى إلغاء الصبغة الزجرية منذ نصف قرن، وأضاف أنه آن الأوان للقيام بمراجعات والتفكير في إلغاء العقوبة السجنية في حال عدم الخلاص وتعويضها بعقوبات أخرى وقدم الجامعي للنواب عدة مقترحات تعديل للفصل 411.

وينص هذا الفصل في صيغته الأصلية  على ما يلي: "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على أن لا تقل عن عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته: كل من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه لدى المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذه المجلة وكل من قبل شيكا صادرا في الحالات المبيتة بالفقرة السابقة مع علمه بذلك وكل من ساعد عمدا أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك في الحالات المشار إليها بالفقرة الأولى أعلاه على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها ولا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية على العقاب المالي المنصوص عليه بالفقرة الأولى من هذا الفصل ويعاقب بخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو  باقي قيمته على أن لا تتجاوز الثلاثة آلاف دينار كل مصرف كل مصرف يرفض أداء شيك عوّل ساحبه على اعتماد فتحه له هذا المصرف ولم يرجع فيه بصفة قانونية أو على تسهيلات دفع تعود هذا المصرف منحها له بمقادير لا يقل معدلها عن مبلغ الشيك أو باقيه ولم يدل بما يثبت التنبيه على الساحب برجوعه فيها".

تحميل المسؤولية للبنوك

وكان اليوم البرلماني مناسبة تعمق خلالها النواب في دراسة موضوع تجريم الشيك دون رصيد، ووجه العديد منهم الانتقادات للبنوك وحملوها مسؤوليّة عدم التثبّت قبل إسناد دفاتر الصكوك واعتبرها البعض مستفيدة من تجريم الشيك دون رصيد فهي تجني أمولا طائلة من خلال إجراء الإشعار، وإضافة إلى ذلك فهي تفرض شروطا مجحفة على أصحاب المؤسّسات الصغرى والمتوسطة عند إسناد القروض، ونبهوا إلى أن الإشكال يكمن في الحياد بالوظيفة الأساسيّة للشيك ليتحوّل من أداة خلاص إلى وسيلة ضمان، وطالبوا بالتصدي  لظاهرة مسك الصكّ على أساس أنه وسيلة ضمان وتفعيل الشيك كوسيلة دفع حينيّة والتفكير في وسائل بديلة على غرار تطبيقة تمكّن المستفيد من التثبّت من توفّر المبلغ موضوع الشيك وتفعيل الصك الالكتروني ومراجعة مؤسسة الضمان والتمديد في فترة التسوية والتخفيض في الفوائض والغرامات وربط الجريمة بالتسوية لتكون هذه الأخيرة موقفة للتتبع و نشر ثقافة اعتماد وسائل الائتمان، وتركيز نظام تبادل معلومات يسمح بالتحرّي الشديد قبل منح دفاتر الشيكات، والتفكير في اعتماد تصنيف لدفاتر الصكوك حسب مداخيل صاحب الحساب البنكي وإمكانياته المادية.

وأثار النواب نفس الموضوع بمناسبة النظر في مشروع ميزانية وزارة العدل لسنة 2024 وطالبوا الوزيرة بالتعجيل في إعداد مشروع القانون المتعلق بمراجعة أحكام الشيك دون رصيد وتقديم معطيات دقيقة حول المشمولين بجرائم الشيك دون رصيد، وتعقيبا على النواب أجابت الوزيرة أنه يوجد 427 سجينا فقط منهم 189 سجينا موقوفا و238 وقع الحكم عليهم وأن عدد الملفات المتعلقة بهؤلاء المودعين يبلغ 10 آلاف و58 قضية لأن هناك منهم من هو مشمول بثلاث مائة قضية وهناك من هو مشمول بمائتي قضية وهناك من هو مشمول بخمسين قضية وهناك من هو مشمول بقضية وحيدة، فعلى سبيل الذكر، يبلغ عدد المحكوم عليهم المتعلقة بهم أكثر من 20 قضية 115 محكوما وعدد الموقوفين المتعلقة بهم أكثر من 20 قضية 56 موقوفا وعدد الملفات المنشورة بالمحاكم بما فيها السراح والموقوفين في حدود 200 ألف و10 قضايا، وأشارت إلى أن نسبة المعاملات بالشيك التي تمت تسويتها في حدود 98 فاصل 5 بالمائة أما معاملات الشيك دون رصيد فتمثل 1 فاصل 5 بالمائة فقط من المعاملات بالشيكات.

ونظرا لتأخر وزارة العدل في إعداد مشروع قانون جديد يتعلق بأحكام الشيك دون رصيد وجه النائب نزار الصديق بمعية عدد من النواب يوم 6 نوفمبر الماضي رسالة رسمية  إلى رئيس الحكومة ووزيرة العدل للمطالبة بالتسريع في تقديم هذا المشروع للبرلمان.

وحلت وزيرة العدل يوم 16 جانفي الماضي بمجلس نواب الشعب لحضور جلسة عامة مخصصة للنظر في مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالموافقة على اتفاقية تسليم المجرمين بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة الجمهورية الجزائرية وانتهز النواب الفرصة وسألوها مرة أخرى عن مشروع القانون المتعلق بالفصل 411 من المجلة التجارية وأجابتهم أنه جاهز وسيقع عرضه على رئاسة الحكومة وإثر ذلك ستتم إحالته على مجلس نواب الشعب ونفت وجود لوبي مالي يضغط في اتجاه عدم تمرير هذا المشروع وقالت إنه لا أحد يستطيع الضغط عليها وإنه لا وجود للوبي مالي أو لوبي غير مالي وإنها لا تخاف من الضغط ولا توليه أي اعتبار.

مبادرة تشريعية جديدة

وبعد أقل من شهر من الجلسة العامة التي أكدت خلالها وزارة العدل على أن مشروع القانون المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد جاهز، قدم النائب نزار الصديق يوم 13 فيفري 2024 مبادرة تشريعية جديدة تتعلق بالعفو العام في جريمة الشيك دون رصيد، وتمت إحالة هذه المبادرة التي وقع عليها 16 نائبا على لجنة التشريع العام.  ولكن اللجنة كانت منكبة على دراسة مشاريع قوانين أخرى ولم تستمع إلى أصحاب هذه المبادرة، ويذكر أنه عند إحالة رئاسة الجمهورية مشروع القانون الذي أعدته وزارة العدل إلى البرلمان فإن الأولوية تمنح لمبادرات رئيس الجمهورية لأن الدستور نص في الفصل 68 على أنه لمشاريع رئيس الجمهورية أولوية النظر.

ويذكر أنه قبل اللقاء الذي جمع وزيرة العدل أول أمس برئيس الجمهورية عقد رئيس الحكومة أحمد الحشاني يوم 12 أفريل الجاري  بالقصبة جلسة عمل وزارية حول "مشروع قانون يتعلّق بنظام دعم أمان وموثوقية المعاملات بالشيك وتحسين الممارسات المصرفية".. ويهدف هذا المشروع إلى تدعيم الواجبات المحمولة على المصرف وتكريس مسؤولية المؤسّسات البنكية والمالية واستخدام آليات الدّفع والحلول الالكترونية البديلة وتحسين الممارسات المصرفيّة، بغرض تدعيم معايير أمان وموثوقية التعامل بالشيك. كما يهدف الى ملائمة السّياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات المصرفيّة بالشّيك، وإرساء نظام لتسوية وضعيّة من صدرت ضدّه أحكام قضائية باتة، أو من كان محل تتبّعات قضائية جارية، من اجل ارتكاب جريمة إصدار شيك دون رصيد، وذلك في إطار رؤية متكاملة لتخفيف العقوبات وخاصة منها السالبة للحرية. ويذكر أنه يمكن لرئاسة الجمهورية أن تطلب من مجلس نواب الشعب استعجال النظر في مشروع القانون وبهذه الكيفية تضمن تمريره قبل العطلة البرلمانية وتلبي انتظارات العديد من الأسر التونسية وأصحاب المؤسسات المتضررة من جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وللتذكير فقد تولت المنظمة التونسية لأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة عند ظهور وباء كورونا تقديم مقترح قانون لمجلس نواب الشعب السابق وقام نواب أتلاف الكرامة بتبنيه ولكنهم أدخلوا عليه تعديلات عديدة جوبهت برفض أصحاب المؤسسات.. وبعد حل البرلمان أصدر رئيس الجمهورية المرسوم عدد 10 لسنة 2022 المؤرخ في 10 فيفري 2022 والمتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك بدون رصيد، وعمل الرئيس لاحقا على تنقيح هذا المرسوم في اتجاه  التمديد في أجال التسوية، ولكن أمام قصور المرسومين على معاجلة مشاكل الشيك دن رصيد كلف رئيس الجمهورية وزيرة العدل بإعداد مشروع قانون جديد ينصف الدائن والمدين.

سعيدة بوهلال

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews