إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس و ايطاليا ...و البحث عن العمق الإنساني المغيب

 

 

اذا كان البعض يركز على موجات المهاجرين التونسيين في اتجاه إيطاليا حاليا فإن التاريخ يحفل بهجرات جماعية من ايطاليا نحو تونس

عشت أول سنوات طفولتي في منطقة " بلفي" المتاخمة لوسط العاصمة وفيها كانت أول الانطباعات والأحاسيس التي أثرت في طريقة مقاربتي للأشياء وظلت راسخة في وجداني رغم مرور ما يقارب الستين عاما.ومن أهم هذه الانطباعات والأحاسيس كيفية تفاعل جيراننا من الإيطاليين مع الحياة اليومية وتفاصيلها واحتفائهم وتفاعلهم مع تقلباتها وتناقضاتها. ولم تزدني كرة القدم و القناة الإيطالية ودور المدرب " فابيو" في تطوير أداء النادي الإفريقي إلا المزيد من الإهتمام بايطاليا وبثقافتها وبلغتها التي أتيح لي أن أدرسها في المعهد الثانوي في باردو . انطلقت من الذاتي ، رغم أني لا أفعل ذلك في الغالب، لاني لست استثناءا بل أعكس ما عاشه وخبره عدد كبير من التونسيين والتونسيات الذين يحفظون عن ظهر قلب اسماء نجوم الرياضة والثقافة والإعلام الإيطاليين. ولا شك أن قرونا من القرب والجوار بين الشعبين التونسي والايطالي قد طبعت بما يميز علاقات الجوار من حالات مد وجزر خاصة وان رواسب الحروب بين قرطاج وروما ظلت حاضرة علاوة على أن التاريخ الحديث عرف وجود أطماع إيطالية لاستعمار تونس .وهذا يعني أن نوايا الهيمنة والسيطرة تؤثر سلبيا على ما يتعين أن تقوم عليه علاقات الجوار من ندية وتعاون وبحث عن الاستقرار والمنفعة المشتركة .ومن المفيد التنسيب هنا لأن الانطباعات ، في ما يتعلق بالحقبة الاستعمارية، هي أكثر سلبية تجاه فرنسا .

هناك تقارب في مستوى ردود الفعل العفوية وانفعالات الجسد أكثر وضوحا بين تونس وايطاليا وهو ما يجد تفسيره في تتالي عمليات الهجرة المكثفة في الاتجاهين في أغلب فترات التاريخ واذا كان البعض يركز على موجات المهاجرين التونسيين في اتجاه إيطاليا في السنوات الأخيرة فإن التاريخ يحفل بهجرات جماعية من ايطاليا نحو تونس كان من أهمها هجرة عدد كبير من سكان جنوب إيطاليا سنة 1830 فرارا من ديكتاتورية مملكة نابولي .وهذه الأرضية لا يمكن للحكومات اليمينية والمحافظة التي تحكم حاليا في تونس وايطاليا أن تدرك أهميتها وان تجعل منها أرضية علاقة استراتيجية بين الشعبين لان ما يهم الحكومتين هو " ضبط " و " مراقبة " الحراك البشري والمجتمعي وهو ما يبرز حاليا في التقاء الخطاب السياسي الرسمي في تونس وإيطاليا في التشكيك في حرية الإعلام ودور الجمعيات والمجتمع المدني. وحين نضيف إلى ذلك غلبة الهواجس الأمنية وأيضا حسابات المنافسة بين منظومة الحكم في ايطاليا ومنظومة الحكم في فرنسا من أجل التغلغل في إفريقيا وصراعهما على النفوذ في تونس بوصفها بوابة افريقيا ندرك أن القمم الرسمية ، كتلك التي انعقدت مؤخرا في روما تحت شعار " ايطاليا وافريقيا " ، ستبقى عاجزة عن تحقيق أهدافها ما لم يكن هناك انخراط فاعل من المثقفين وصناع الرأي المستقلين وجمعيات المجتمع المدني. ومن هنا يبدو ضروريا ان يكون هناك تشبيك بين المثقفين وصناع الرأي المستقلين وجمعيات المجتمع المدني في تونس وإيطاليا وأن ينتج عن ذلك إثراء للإنتاج الثقافي الذي يدعم العلاقات بين الضفتين وأيضا مشاريع صغرى في المناطق التي ينطلق منها المهاجرون السريون من تونس نحو ايطاليا وفي المناطق التي ينحدر منها أكبر عدد من المهاجرين السريين .

هشام الحاجي- جمعية " تونس المبادرة للتنمية "

 

 

 

 

 

تونس و ايطاليا ...و البحث عن العمق الإنساني المغيب

 

 

اذا كان البعض يركز على موجات المهاجرين التونسيين في اتجاه إيطاليا حاليا فإن التاريخ يحفل بهجرات جماعية من ايطاليا نحو تونس

عشت أول سنوات طفولتي في منطقة " بلفي" المتاخمة لوسط العاصمة وفيها كانت أول الانطباعات والأحاسيس التي أثرت في طريقة مقاربتي للأشياء وظلت راسخة في وجداني رغم مرور ما يقارب الستين عاما.ومن أهم هذه الانطباعات والأحاسيس كيفية تفاعل جيراننا من الإيطاليين مع الحياة اليومية وتفاصيلها واحتفائهم وتفاعلهم مع تقلباتها وتناقضاتها. ولم تزدني كرة القدم و القناة الإيطالية ودور المدرب " فابيو" في تطوير أداء النادي الإفريقي إلا المزيد من الإهتمام بايطاليا وبثقافتها وبلغتها التي أتيح لي أن أدرسها في المعهد الثانوي في باردو . انطلقت من الذاتي ، رغم أني لا أفعل ذلك في الغالب، لاني لست استثناءا بل أعكس ما عاشه وخبره عدد كبير من التونسيين والتونسيات الذين يحفظون عن ظهر قلب اسماء نجوم الرياضة والثقافة والإعلام الإيطاليين. ولا شك أن قرونا من القرب والجوار بين الشعبين التونسي والايطالي قد طبعت بما يميز علاقات الجوار من حالات مد وجزر خاصة وان رواسب الحروب بين قرطاج وروما ظلت حاضرة علاوة على أن التاريخ الحديث عرف وجود أطماع إيطالية لاستعمار تونس .وهذا يعني أن نوايا الهيمنة والسيطرة تؤثر سلبيا على ما يتعين أن تقوم عليه علاقات الجوار من ندية وتعاون وبحث عن الاستقرار والمنفعة المشتركة .ومن المفيد التنسيب هنا لأن الانطباعات ، في ما يتعلق بالحقبة الاستعمارية، هي أكثر سلبية تجاه فرنسا .

هناك تقارب في مستوى ردود الفعل العفوية وانفعالات الجسد أكثر وضوحا بين تونس وايطاليا وهو ما يجد تفسيره في تتالي عمليات الهجرة المكثفة في الاتجاهين في أغلب فترات التاريخ واذا كان البعض يركز على موجات المهاجرين التونسيين في اتجاه إيطاليا في السنوات الأخيرة فإن التاريخ يحفل بهجرات جماعية من ايطاليا نحو تونس كان من أهمها هجرة عدد كبير من سكان جنوب إيطاليا سنة 1830 فرارا من ديكتاتورية مملكة نابولي .وهذه الأرضية لا يمكن للحكومات اليمينية والمحافظة التي تحكم حاليا في تونس وايطاليا أن تدرك أهميتها وان تجعل منها أرضية علاقة استراتيجية بين الشعبين لان ما يهم الحكومتين هو " ضبط " و " مراقبة " الحراك البشري والمجتمعي وهو ما يبرز حاليا في التقاء الخطاب السياسي الرسمي في تونس وإيطاليا في التشكيك في حرية الإعلام ودور الجمعيات والمجتمع المدني. وحين نضيف إلى ذلك غلبة الهواجس الأمنية وأيضا حسابات المنافسة بين منظومة الحكم في ايطاليا ومنظومة الحكم في فرنسا من أجل التغلغل في إفريقيا وصراعهما على النفوذ في تونس بوصفها بوابة افريقيا ندرك أن القمم الرسمية ، كتلك التي انعقدت مؤخرا في روما تحت شعار " ايطاليا وافريقيا " ، ستبقى عاجزة عن تحقيق أهدافها ما لم يكن هناك انخراط فاعل من المثقفين وصناع الرأي المستقلين وجمعيات المجتمع المدني. ومن هنا يبدو ضروريا ان يكون هناك تشبيك بين المثقفين وصناع الرأي المستقلين وجمعيات المجتمع المدني في تونس وإيطاليا وأن ينتج عن ذلك إثراء للإنتاج الثقافي الذي يدعم العلاقات بين الضفتين وأيضا مشاريع صغرى في المناطق التي ينطلق منها المهاجرون السريون من تونس نحو ايطاليا وفي المناطق التي ينحدر منها أكبر عدد من المهاجرين السريين .

هشام الحاجي- جمعية " تونس المبادرة للتنمية "