-العدوان على غزة كشف للعالم الوجه الحقيقي لإسرائيل
-ورقة الرهان مهمة للضغط على إسرائيل وعلى القوى الشعبية أن تستثمر الحالة النضالية وتوحد الصفوف لمواجهة الاحتلال
-القضية الفلسطينية كسبت جولة مهمة بمرافعة جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية
-الضفة تتجه إلى الانفجار...
-القرار الأوروبي تابع للقرار الأمريكي وأقصى ما يمكن لأوروبا تقديمه هو تمويل بعض المشاريع الإنسانية
- النفط لا يزال محور لعبة المصالح وللعرب أدوات ضغط وتأثير ولكن لم يستخدموها
-السعودية كانت واضحة واشترطت منذ البداية أن يكون التطبيع مرتبطا بمسار سياسي لحل الصراع
تونس-الصباح
حذر جهاد حرب المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني من أن نتنياهو يستخدم الإدارة الأمريكية والحملة الانتخابية لمنع أي قرار بشأن العدوان على غزة واعتبر محدثنا أن نتنياهو يستخدم بايدن وترامب لنفس الأهداف وقال إن نتنياهو يدرك ضعف الإدارة الأمريكية الحالية ويعمد لإخضاعها لأي قرار يريده وشدد على أن تعزيز دور المقاومة على الميدان الى جانب المحاذير من توسع الحرب الى حرب إقليمية يمكن أن يؤثر على المصالح الأمريكية. واعتبر أن للعرب أدوات ضغط كثيرة وأن النفط لا يزال مهما في لعبة المصالح ولكن لم يتم تفعيل ذلك، وقال إن نتنياهو فشل فشلا ذريعا ولم يحقق أي هدف من الأهداف الإسرائيلية العسكرية التي وضعها في غزة.. وكل ما نجح فيه عمليات التقتيل للفلسطينيين واعتبر أنه بقطع النظر عن نتائج قرارات العدل الدولية فإن الفلسطينيين كسبوا معركة مهمة يوم الخميس 10 جانفي2024 ..
كما دعا المحلل السياسي الفلسطيني جهاد حرب الفصائل الفلسطينية وكل القوى الشعبية أن تستثمر الحالة النضالية والمواجهة مع الاحتلال وتوحيد جهودهم والاتفاق على برنامج سياسي وإستراتيجية نضالية .
*كشفت واشنطن عن رفض تل أبيب مبادرة نقلها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لنتنياهو للاعتراف بدولة فلسطينية مقابل التطبيع مع إسرائيل.. من يقود من ومن يؤثر على من؟ هل يمكن القول إن أمريكا عاجزة أمام تمرد إسرائيل؟
ما يمكن أن نقوله هو إن أمريكا لديها القدرة على اتخاذ أي قرار إذا أرادت ذلك، ولكن هناك مجموعة من العوامل التي تجعل قدرتها على فرض قرارها صعبة بالنظر الى عدة أسباب هناك تحالف استراتيجي أمريكي إسرائيلي بقطع النظر عمن يترأس البيت الأبيض. وإسرائيل تبقى أحد أدوات أمريكا وهي قاعدة عسكرية متقدمة في الشرق الأوسط. ثانيا نتنياهو يستخدم الحملة الانتخابية لمنع تأثير قرار الإدارة الأمريكية على قراره بمعنى أن أي ضغوط سيكون لها ارتداداتها على اللوبي الذي يقدم الدعم المالي والإعلامي في هذه الانتخابات. ثالثا وهذا مهم نتنياهو يستخدم في نفس الوقت ترامب وهو منافس جدي لبايدن لتخويف الإدارة الراهنة وهذا يعني سقوط الحزب الديموقراطي من الرئاسة. نتنياهو يستخدم الإدارة الأمريكية في عدوانه على غزة ورهاناته هذه حركت الأسطول الأمريكي لتوجيه ضربات في اليمن. وهناك مخاوف لدى الإدارة الأمريكية من توسع الحرب في المنطقة وجر إيران وهذا في الحقيقة ما يجري أيضا في العراق. ولا ننسى أهمية الجانب الاقتصادي أيضا ومازال النفط عاملا مهما ولاعبا محوريا في العالم ومن المهم أيضا بقاء كل القواعد العسكرية الأمريكية في العالم وفي منطقة الخليج وذلك من أجل مسألتين أولها ضمان المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وضمان استمرار نفوذها في المنطقة .
نتنياهو يدرك كل ذلك وهو يحاول استغلال ضعف الإدارة الأمريكية الحالية وإخضاعها لأي قرار يريده لذلك نرى الولايات المتحدة تعمل على اليوم التالي للحرب سواء منها الأطراف الإسرائيلية الموجودة في الحكم أو خارجه.
*أليس من الوهم الاستمرار في التعويل على الجانب الأمريكي لفرض حل سياسي في المنطقة؟
هناك بعض التطور في الموقف الأمريكي، بعد 7 أكتوبر ذهبت الإدارة الأمريكية بعيدا في دعمها لتل أبيب واعتبرت أن من واجب إسرائيل الدفاع عن نفسها لكن جرائم الاحتلال والقتل الهمجي والتدمير الممنهج في غزة واستهداف الأطفال والنساء والمستشفيات والأطباء والمرضى حرك الرأي العام الدولي ودفع الملايين للتظاهر في واشنطن وفي العالم وهذا الغضب الشعبي سلط الأضواء على الانحياز الأعمى لإسرائيل وانتهاك إنسانية الإنسان الفلسطيني وبدا هناك تململ لدى جزء من الديموقراطيين ما سجل تغييرا طفيفا في الموقف الأمريكي. صحيح الأمر لم يصل الى قرار مؤيد لوقف إطلاق النار ولكن ما يسجل أن التصريحات الرسمية الأمريكية تدفع الى حل الدولتين والإدارة الأمريكية مقتنعة بأن هذا هو المسار المقبول. ولكن تنفيذ حل الدولتين يجب أن ترافقه عدة عوامل ضاغطة. ومن هنا أيضا أهمية تعزيز دور المقاومة على الميدان الى جانب المحاذير من توسع الحرب الى حرب إقليمية بما يمكن أن يؤثر على المصالح الأمريكية .
قبل هذه الحرب لم تكن مصالح أمريكا مهددة. حتى الآن ما زالت حكومة نتنياهو تحظى بمكانة مهمة لدى واشنطن ولكن يمكن أن تضعف. حتى هذه المرحلة أيضا فان الدول العربية لم تمارس أي ضغط على الإدارة الأمريكية بشان مصالحها. الفلسطينيون من جانبهم عليهم تفعيل قدراتهم والخيار الذي لا بديل له هو توحيد الصفوف وإنهاء الانقسامات، على مدار السنوات كانت هناك مبادرات مع شخصيات مستقلة لإنهاء الانقسام وهذا أحد أهم العوامل المؤثرة وما لم يحدث ذلك فإن المجتمع الدولي لن يتغير بالنسبة للموقف الأوروبي فهو تابع للموقف الأمريكي مع بعض النتوءات هنا وهناك. الاتحاد الأوروبي يبقى ممولا ماليا لتخفيف حدة الصراع وليس لإنهائه .
*اليوم وبعد مرور 106 أيام على الإبادة الجماعية ورغم الحصيلة الثقيلة والخسائر البشرية والمادية يتمادى نتنياهو في المكابرة ورفض مبادرة بلينكن بإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع السعودية كيف تقرؤون ذلك؟
حتى الآن إسرائيل ترفض حل الدولتين نتنياهو يجاهر بذلك، ورفضه مرتبط بأسباب إيديولوجية فهو يعتبر أن خيار قيام دولة فلسطينية يتعارض مع عقيدة جابوتنسكي وعلى عكس ما يقوله فان معارضته حل الدولتين ليست لأسباب أمنية بل لأسباب عقائدية .
ناتنياهو يعتبر من أبناء الصهيونية التصحيحية وهو يستخدم المدرسة الأمريكية للوصول الى هذه الخطة ,وهولا يرى مطلقا إمكانية إقامة دولة فلسطينية على حدود الـ7 من جوان وكل المشاريع التي يقبل بها سلطة فلسطينية وحكم ذاتي لإدارة شؤون السكان هذا ما يريده نتنياهو، سلطة منزوعة السلاح وبلا تطلعات قومية للفلسطينيين، حتى السلطة الفلسطينية الراهنة لا يريدونها لأن لها بعدا قوميا وهي تتمسك بإقامة الدولة الفلسطينية. نتنياهو يتطلع الى تفعيل مصطلح "الاغيار" في الثقافة اليهودية الدينية فهم يعتبرون أنهم "شعب الله المختار" أو "الشعب المقدس" بمعنى أن كل الشعوب الأخرى خارج دائرة القداسة وأن الآخرين في خدمتهم، وهذه فلسفتهم وإن كان هناك بعض الاختلافات بين العمل والليكود فإنهم يتفقون في الجوهر ولا فروقات جوهرية بينهم. هذا المفهوم تطور في التلمود وبات يدعو بشكل صريح الى قتل الغريب .
*في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى غزة فهناك في الضفة حرب منسية يقودها جيش الاحتلال والمستوطنون هل نحن إزاء حرب موازية في الضفة؟
كل العوامل موجودة في الضفة ودافعة لانفجار قادم بسبب جرائم جيش الاحتلال ولكن أيضا المستوطنين وما يجري من عدوان مستمر وإغلاق الأفق السياسي وغياب الأمل لدى الشباب وغير الشباب. وكل هذه العوامل تمهد الى انفجار قادم. الفلسطينيون في الضفة ومنذ 2015 عاشوا موجات متتالية من المواجهات مع الاحتلال وهناك تراكم كمي قد يحدث تحولا شعبيا أو انتفاضة ثالثة. ومنذ مارس 2023 تضاعفت موجة المواجهات والاشتباكات، المقاومة والعمل المسلح أيضا مستمر في شمال الضفة وهناك احتكاك باستمرار واقتحامات لجيش الاحتلال في جنين وطولكرم ونابلس وهناك أيضا مجموعات مقاومة أخرى تظهر في مخيم بلاطة ..
*لعبة المصالح والحديث عن دور عربي مؤثر هل مازال الأمر قائما؟
العالم عموما والحكومات تسير وراء مصالحها لكن العرب لم يستخدموا المصالح لخدمة قضاياهم ولا لخدمة القضية الفلسطينية. الغرب سيبقى على صمته ودعمه لإسرائيل طالما انه ليس هناك تفعيل للعبة المصالح والدول العربية تملك الكثير وبإمكانها التأثير ولكنها لا تفعل ..
*هل ينسحب ذلك على العدل الدولية؟
العدل الدولية شيء آخر وهذه معركة تحتاج لنفس طويل وقد تأخذ أكثر من سنتين لتفعيل أدوات القانون الدولي المحاكم الدولية مهمة والعرب عموم خلقهم ضيق.. أهم انجاز في محكمة العدل الدولية في لاهاي كان رفع قضية من قبل جنوب إفريقيا بتهمة الإبادة الجماعية نتائج هذا التحرك لن نراه ماديا في الحين ولكن سنراه مستقبلا. وبقطع النظر عن نتائج قرارات العدل الدولية فإن الفلسطينيين كسبوا معركة مهمة يوم الخميس 10 جانفي وفريق الدفاع لجنوب إفريقيا الذي تقدم بدعوى ضد الكيان الإسرائيلي على اقترافه جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة اظهروا بالوثائق والأدلة والمستندات إسرائيل على حقيقتها، كيانا غاصبا يرتكب جرائم الإبادة وجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة.
اللجوء الى محكمة العدل الدولية تحول مهم على صعيد القضية الفلسطينية وليس على صعيد وقف إطلاق النار، ستنظر في الأمر الاحترازي وإن حدث فهذا سيكون أمرا ايجابيا. مرة أخرى بغض النظر عن قرار محكمة العدل الدولية سواء القرار الإجرائي بوقف الأعمال القتالية، أو المضمون بإدانة إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية أو النيّة القصدية للقيام بها، وبغض النظر عن الآجال الزمنية المستغرقة لاستصدار هذا القرار، فإنّ المرافعة المتقنة التي قدمتها جمهورية جنوب إفريقيا أمام المحكمة، بل أمام العالم، فضحت بشكل مكثف ممارسات الحكومة الإسرائيلية. يقول الفلسطينيون "الشيء من مأتاه لا يستغرب" فشعب جمهورية جنوب إفريقيا، الذي تعرض لجريمة الفصل والتمييز العنصري المدعوم من الغرب الاستعماري وإسرائيل على مدار سنوات طويلة، يرى أن الشعب الفلسطيني يتعرض لذات الجريمة على يد الاحتلال الإسرائيلي، ويرى أن الانتصار لشعب يتعرض للإبادة الجماعية واجب إنساني يستند لعمق آدمية وإنسانية شعب جمهورية جنوب إفريقيا.
*تساؤلات كثيرة حول سبب عدم تقدم السلطة الفلسطينية بدعوى إلى العدل الدولية؟
فعلا أثيرت تساؤلات لدى العديد من المواطنين حول عدم قيام دولة فلسطين برفع قضية لاتهام الحكومة الإسرائيلية "إسرائيل" بجريمة الإبادة الجماعية بركنيها النيّة القصدية وفقاً لأحكام المادة الثالثة أو الفعل المادي وفقاً للمادة الثانية لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المعاقبة عليها. هذا التساؤل بكل تأكيد مشروع ويحتاج دوما للإجابة من قبل المسؤولين الفلسطينيين دون مواربة.
لكننا نعلم جميع أن دولة فلسطين إلى اليوم ليست طرفا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لسبب بسيط أنّ دولة فلسطين ليست عضوا في الأمم المتحدة ولكنها عضو مراقب ويشترط الانضمام للنظام الأساسي للمحكمة أن تكون الدولة عضوا في هيئة الأمم المتحدة أو أن توافق الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على توصية مجلس الأمم لانضمامها الى الأمم المتحدة .
*كيف تقرأ تطورات الأحداث في الساعات والأيام القادمة؟
واضح أن هناك للحكومة الإسرائيلية توجهات متعددة نرصد منها 3 توجهات رئيسية على الأقل، هناك غلاة المتطرفين من المستوطنين وعلى رأسهم سموتريتش وهؤلاء يريدون استمرار الاحتلال وتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها وإفراغ الضفة من سكانها وتعزيز الاستيطان .
هناك أيضا مسألة الرهائن، ومنذ البداية كانت مسألة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة ورقة مهمة بالنسبة للمقاومة في المفاوضات مع إسرائيل، وقد استخدمت حماس هذه الورقة عبر التأثير النفسي على عائلات الرهائن لمزيد الضغط على الحكومة الإسرائيلية. وفي ظني في استمرار هذه الحرب يمكن أن تكون هذه الورقة ورقة ضغط مؤثرة مع اتساع رقعة الاحتجاجات والتحول لدى الإسرائيليين لإنهاء حكومة نتنياهو.
*وماذا عن مشروع التهجير من غزة ؟
مشروع التهجير مازال قائما لأن هذا المشروع موجود في الفكر الصهيوني وعند إقامة إسرائيل جرت عملية تهجير واسعة للمواطنين الفلسطينيين منذ الـ48 واستمر ذلك في غزة بعد الـ67 لكن المهم في هذه المسألة أن إسرائيل فشلت في مشروع التهجير وكل ما قامت به من عقوبات جماعية ومن ترهيب لترحيل الأهالي لم يساعدها على تحقيق أهدافها .
نتنياهو فشل فشلا ذريعا ولم يحقق أي هدف من الأهداف الإسرائيلية العسكرية التي وضعها في غزة وكل ما نجح فيه هو عمليات التقتيل والتهجير والتدمير على مستوى البنية التحتية والرعاية الصحية والذي سيتأثر به الفلسطينيون على مدى سنوات طويلة.. لكن في ذات الوقت كان هناك صمود كبير للمقاومة الفلسطينية على وتضحيات جسام على الأرض وهو ما أثبت أن إرادة الشعب الفلسطيني مستمرة وباقية وتحظى بحاضنة شعبية واسعة بين الفلسطينيين، الأمر الذي ربما يؤسس لمرحلة جديدة في مسار القضية الفلسطينية. ولكن هذا يعني أنه ينبغي على كل الفصائل الفلسطينية وكل القوى الشعبية أن تستثمر الحالة النضالية والمواجهة مع الاحتلال وهذا يتطلب توحيد جهودهم والاتفاق على برنامج سياسي وإستراتيجية نضالية لم تحصل حتى الآن، ولكن أعتقد أنه بعد هذه الحرب هنالك أعباء ثقيلة ستتحملها كل الأطراف.
*كيف ترى الحل؟
مازال خيار حل الدولتين هو الحل الأمثل لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتقليل العنف الذي يلحق بنا ويدفع الى التأسيس لمنطقة الشرق الأوسط الجديد ..
لقد جرّ نتنياهو بتبنيه سياسية التوسع الاستعماري والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة اللعنة على الشعب اليهودي بتحويله من ضحية الإبادة الجماعية "الهولوكوست" التي تعرض لها على يد ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية قبل ثمانين عاما إلى دولة تمارس ذات الجريمة "النكبة من جديد" وتغيير صورة الضحية التي تمتع بها الشعب اليهودي على مدار الثمانين عاماً الماضية إلى صورة المجرم أمام شعوب العالم. أما لعنة نتنياهو الثانية، فتمثلت في جرّ الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى حرب "العدوان الأميركي البريطاني على اليمن الشقيق" في منطقة الشرق الأوسط لتقضي على مسيرته السياسية، وتشعل الدمار في المنطقة على حساب
-العدوان على غزة كشف للعالم الوجه الحقيقي لإسرائيل
-ورقة الرهان مهمة للضغط على إسرائيل وعلى القوى الشعبية أن تستثمر الحالة النضالية وتوحد الصفوف لمواجهة الاحتلال
-القضية الفلسطينية كسبت جولة مهمة بمرافعة جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية
-الضفة تتجه إلى الانفجار...
-القرار الأوروبي تابع للقرار الأمريكي وأقصى ما يمكن لأوروبا تقديمه هو تمويل بعض المشاريع الإنسانية
- النفط لا يزال محور لعبة المصالح وللعرب أدوات ضغط وتأثير ولكن لم يستخدموها
-السعودية كانت واضحة واشترطت منذ البداية أن يكون التطبيع مرتبطا بمسار سياسي لحل الصراع
تونس-الصباح
حذر جهاد حرب المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني من أن نتنياهو يستخدم الإدارة الأمريكية والحملة الانتخابية لمنع أي قرار بشأن العدوان على غزة واعتبر محدثنا أن نتنياهو يستخدم بايدن وترامب لنفس الأهداف وقال إن نتنياهو يدرك ضعف الإدارة الأمريكية الحالية ويعمد لإخضاعها لأي قرار يريده وشدد على أن تعزيز دور المقاومة على الميدان الى جانب المحاذير من توسع الحرب الى حرب إقليمية يمكن أن يؤثر على المصالح الأمريكية. واعتبر أن للعرب أدوات ضغط كثيرة وأن النفط لا يزال مهما في لعبة المصالح ولكن لم يتم تفعيل ذلك، وقال إن نتنياهو فشل فشلا ذريعا ولم يحقق أي هدف من الأهداف الإسرائيلية العسكرية التي وضعها في غزة.. وكل ما نجح فيه عمليات التقتيل للفلسطينيين واعتبر أنه بقطع النظر عن نتائج قرارات العدل الدولية فإن الفلسطينيين كسبوا معركة مهمة يوم الخميس 10 جانفي2024 ..
كما دعا المحلل السياسي الفلسطيني جهاد حرب الفصائل الفلسطينية وكل القوى الشعبية أن تستثمر الحالة النضالية والمواجهة مع الاحتلال وتوحيد جهودهم والاتفاق على برنامج سياسي وإستراتيجية نضالية .
*كشفت واشنطن عن رفض تل أبيب مبادرة نقلها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لنتنياهو للاعتراف بدولة فلسطينية مقابل التطبيع مع إسرائيل.. من يقود من ومن يؤثر على من؟ هل يمكن القول إن أمريكا عاجزة أمام تمرد إسرائيل؟
ما يمكن أن نقوله هو إن أمريكا لديها القدرة على اتخاذ أي قرار إذا أرادت ذلك، ولكن هناك مجموعة من العوامل التي تجعل قدرتها على فرض قرارها صعبة بالنظر الى عدة أسباب هناك تحالف استراتيجي أمريكي إسرائيلي بقطع النظر عمن يترأس البيت الأبيض. وإسرائيل تبقى أحد أدوات أمريكا وهي قاعدة عسكرية متقدمة في الشرق الأوسط. ثانيا نتنياهو يستخدم الحملة الانتخابية لمنع تأثير قرار الإدارة الأمريكية على قراره بمعنى أن أي ضغوط سيكون لها ارتداداتها على اللوبي الذي يقدم الدعم المالي والإعلامي في هذه الانتخابات. ثالثا وهذا مهم نتنياهو يستخدم في نفس الوقت ترامب وهو منافس جدي لبايدن لتخويف الإدارة الراهنة وهذا يعني سقوط الحزب الديموقراطي من الرئاسة. نتنياهو يستخدم الإدارة الأمريكية في عدوانه على غزة ورهاناته هذه حركت الأسطول الأمريكي لتوجيه ضربات في اليمن. وهناك مخاوف لدى الإدارة الأمريكية من توسع الحرب في المنطقة وجر إيران وهذا في الحقيقة ما يجري أيضا في العراق. ولا ننسى أهمية الجانب الاقتصادي أيضا ومازال النفط عاملا مهما ولاعبا محوريا في العالم ومن المهم أيضا بقاء كل القواعد العسكرية الأمريكية في العالم وفي منطقة الخليج وذلك من أجل مسألتين أولها ضمان المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وضمان استمرار نفوذها في المنطقة .
نتنياهو يدرك كل ذلك وهو يحاول استغلال ضعف الإدارة الأمريكية الحالية وإخضاعها لأي قرار يريده لذلك نرى الولايات المتحدة تعمل على اليوم التالي للحرب سواء منها الأطراف الإسرائيلية الموجودة في الحكم أو خارجه.
*أليس من الوهم الاستمرار في التعويل على الجانب الأمريكي لفرض حل سياسي في المنطقة؟
هناك بعض التطور في الموقف الأمريكي، بعد 7 أكتوبر ذهبت الإدارة الأمريكية بعيدا في دعمها لتل أبيب واعتبرت أن من واجب إسرائيل الدفاع عن نفسها لكن جرائم الاحتلال والقتل الهمجي والتدمير الممنهج في غزة واستهداف الأطفال والنساء والمستشفيات والأطباء والمرضى حرك الرأي العام الدولي ودفع الملايين للتظاهر في واشنطن وفي العالم وهذا الغضب الشعبي سلط الأضواء على الانحياز الأعمى لإسرائيل وانتهاك إنسانية الإنسان الفلسطيني وبدا هناك تململ لدى جزء من الديموقراطيين ما سجل تغييرا طفيفا في الموقف الأمريكي. صحيح الأمر لم يصل الى قرار مؤيد لوقف إطلاق النار ولكن ما يسجل أن التصريحات الرسمية الأمريكية تدفع الى حل الدولتين والإدارة الأمريكية مقتنعة بأن هذا هو المسار المقبول. ولكن تنفيذ حل الدولتين يجب أن ترافقه عدة عوامل ضاغطة. ومن هنا أيضا أهمية تعزيز دور المقاومة على الميدان الى جانب المحاذير من توسع الحرب الى حرب إقليمية بما يمكن أن يؤثر على المصالح الأمريكية .
قبل هذه الحرب لم تكن مصالح أمريكا مهددة. حتى الآن ما زالت حكومة نتنياهو تحظى بمكانة مهمة لدى واشنطن ولكن يمكن أن تضعف. حتى هذه المرحلة أيضا فان الدول العربية لم تمارس أي ضغط على الإدارة الأمريكية بشان مصالحها. الفلسطينيون من جانبهم عليهم تفعيل قدراتهم والخيار الذي لا بديل له هو توحيد الصفوف وإنهاء الانقسامات، على مدار السنوات كانت هناك مبادرات مع شخصيات مستقلة لإنهاء الانقسام وهذا أحد أهم العوامل المؤثرة وما لم يحدث ذلك فإن المجتمع الدولي لن يتغير بالنسبة للموقف الأوروبي فهو تابع للموقف الأمريكي مع بعض النتوءات هنا وهناك. الاتحاد الأوروبي يبقى ممولا ماليا لتخفيف حدة الصراع وليس لإنهائه .
*اليوم وبعد مرور 106 أيام على الإبادة الجماعية ورغم الحصيلة الثقيلة والخسائر البشرية والمادية يتمادى نتنياهو في المكابرة ورفض مبادرة بلينكن بإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع السعودية كيف تقرؤون ذلك؟
حتى الآن إسرائيل ترفض حل الدولتين نتنياهو يجاهر بذلك، ورفضه مرتبط بأسباب إيديولوجية فهو يعتبر أن خيار قيام دولة فلسطينية يتعارض مع عقيدة جابوتنسكي وعلى عكس ما يقوله فان معارضته حل الدولتين ليست لأسباب أمنية بل لأسباب عقائدية .
ناتنياهو يعتبر من أبناء الصهيونية التصحيحية وهو يستخدم المدرسة الأمريكية للوصول الى هذه الخطة ,وهولا يرى مطلقا إمكانية إقامة دولة فلسطينية على حدود الـ7 من جوان وكل المشاريع التي يقبل بها سلطة فلسطينية وحكم ذاتي لإدارة شؤون السكان هذا ما يريده نتنياهو، سلطة منزوعة السلاح وبلا تطلعات قومية للفلسطينيين، حتى السلطة الفلسطينية الراهنة لا يريدونها لأن لها بعدا قوميا وهي تتمسك بإقامة الدولة الفلسطينية. نتنياهو يتطلع الى تفعيل مصطلح "الاغيار" في الثقافة اليهودية الدينية فهم يعتبرون أنهم "شعب الله المختار" أو "الشعب المقدس" بمعنى أن كل الشعوب الأخرى خارج دائرة القداسة وأن الآخرين في خدمتهم، وهذه فلسفتهم وإن كان هناك بعض الاختلافات بين العمل والليكود فإنهم يتفقون في الجوهر ولا فروقات جوهرية بينهم. هذا المفهوم تطور في التلمود وبات يدعو بشكل صريح الى قتل الغريب .
*في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى غزة فهناك في الضفة حرب منسية يقودها جيش الاحتلال والمستوطنون هل نحن إزاء حرب موازية في الضفة؟
كل العوامل موجودة في الضفة ودافعة لانفجار قادم بسبب جرائم جيش الاحتلال ولكن أيضا المستوطنين وما يجري من عدوان مستمر وإغلاق الأفق السياسي وغياب الأمل لدى الشباب وغير الشباب. وكل هذه العوامل تمهد الى انفجار قادم. الفلسطينيون في الضفة ومنذ 2015 عاشوا موجات متتالية من المواجهات مع الاحتلال وهناك تراكم كمي قد يحدث تحولا شعبيا أو انتفاضة ثالثة. ومنذ مارس 2023 تضاعفت موجة المواجهات والاشتباكات، المقاومة والعمل المسلح أيضا مستمر في شمال الضفة وهناك احتكاك باستمرار واقتحامات لجيش الاحتلال في جنين وطولكرم ونابلس وهناك أيضا مجموعات مقاومة أخرى تظهر في مخيم بلاطة ..
*لعبة المصالح والحديث عن دور عربي مؤثر هل مازال الأمر قائما؟
العالم عموما والحكومات تسير وراء مصالحها لكن العرب لم يستخدموا المصالح لخدمة قضاياهم ولا لخدمة القضية الفلسطينية. الغرب سيبقى على صمته ودعمه لإسرائيل طالما انه ليس هناك تفعيل للعبة المصالح والدول العربية تملك الكثير وبإمكانها التأثير ولكنها لا تفعل ..
*هل ينسحب ذلك على العدل الدولية؟
العدل الدولية شيء آخر وهذه معركة تحتاج لنفس طويل وقد تأخذ أكثر من سنتين لتفعيل أدوات القانون الدولي المحاكم الدولية مهمة والعرب عموم خلقهم ضيق.. أهم انجاز في محكمة العدل الدولية في لاهاي كان رفع قضية من قبل جنوب إفريقيا بتهمة الإبادة الجماعية نتائج هذا التحرك لن نراه ماديا في الحين ولكن سنراه مستقبلا. وبقطع النظر عن نتائج قرارات العدل الدولية فإن الفلسطينيين كسبوا معركة مهمة يوم الخميس 10 جانفي وفريق الدفاع لجنوب إفريقيا الذي تقدم بدعوى ضد الكيان الإسرائيلي على اقترافه جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة اظهروا بالوثائق والأدلة والمستندات إسرائيل على حقيقتها، كيانا غاصبا يرتكب جرائم الإبادة وجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة.
اللجوء الى محكمة العدل الدولية تحول مهم على صعيد القضية الفلسطينية وليس على صعيد وقف إطلاق النار، ستنظر في الأمر الاحترازي وإن حدث فهذا سيكون أمرا ايجابيا. مرة أخرى بغض النظر عن قرار محكمة العدل الدولية سواء القرار الإجرائي بوقف الأعمال القتالية، أو المضمون بإدانة إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية أو النيّة القصدية للقيام بها، وبغض النظر عن الآجال الزمنية المستغرقة لاستصدار هذا القرار، فإنّ المرافعة المتقنة التي قدمتها جمهورية جنوب إفريقيا أمام المحكمة، بل أمام العالم، فضحت بشكل مكثف ممارسات الحكومة الإسرائيلية. يقول الفلسطينيون "الشيء من مأتاه لا يستغرب" فشعب جمهورية جنوب إفريقيا، الذي تعرض لجريمة الفصل والتمييز العنصري المدعوم من الغرب الاستعماري وإسرائيل على مدار سنوات طويلة، يرى أن الشعب الفلسطيني يتعرض لذات الجريمة على يد الاحتلال الإسرائيلي، ويرى أن الانتصار لشعب يتعرض للإبادة الجماعية واجب إنساني يستند لعمق آدمية وإنسانية شعب جمهورية جنوب إفريقيا.
*تساؤلات كثيرة حول سبب عدم تقدم السلطة الفلسطينية بدعوى إلى العدل الدولية؟
فعلا أثيرت تساؤلات لدى العديد من المواطنين حول عدم قيام دولة فلسطين برفع قضية لاتهام الحكومة الإسرائيلية "إسرائيل" بجريمة الإبادة الجماعية بركنيها النيّة القصدية وفقاً لأحكام المادة الثالثة أو الفعل المادي وفقاً للمادة الثانية لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المعاقبة عليها. هذا التساؤل بكل تأكيد مشروع ويحتاج دوما للإجابة من قبل المسؤولين الفلسطينيين دون مواربة.
لكننا نعلم جميع أن دولة فلسطين إلى اليوم ليست طرفا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لسبب بسيط أنّ دولة فلسطين ليست عضوا في الأمم المتحدة ولكنها عضو مراقب ويشترط الانضمام للنظام الأساسي للمحكمة أن تكون الدولة عضوا في هيئة الأمم المتحدة أو أن توافق الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على توصية مجلس الأمم لانضمامها الى الأمم المتحدة .
*كيف تقرأ تطورات الأحداث في الساعات والأيام القادمة؟
واضح أن هناك للحكومة الإسرائيلية توجهات متعددة نرصد منها 3 توجهات رئيسية على الأقل، هناك غلاة المتطرفين من المستوطنين وعلى رأسهم سموتريتش وهؤلاء يريدون استمرار الاحتلال وتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها وإفراغ الضفة من سكانها وتعزيز الاستيطان .
هناك أيضا مسألة الرهائن، ومنذ البداية كانت مسألة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة ورقة مهمة بالنسبة للمقاومة في المفاوضات مع إسرائيل، وقد استخدمت حماس هذه الورقة عبر التأثير النفسي على عائلات الرهائن لمزيد الضغط على الحكومة الإسرائيلية. وفي ظني في استمرار هذه الحرب يمكن أن تكون هذه الورقة ورقة ضغط مؤثرة مع اتساع رقعة الاحتجاجات والتحول لدى الإسرائيليين لإنهاء حكومة نتنياهو.
*وماذا عن مشروع التهجير من غزة ؟
مشروع التهجير مازال قائما لأن هذا المشروع موجود في الفكر الصهيوني وعند إقامة إسرائيل جرت عملية تهجير واسعة للمواطنين الفلسطينيين منذ الـ48 واستمر ذلك في غزة بعد الـ67 لكن المهم في هذه المسألة أن إسرائيل فشلت في مشروع التهجير وكل ما قامت به من عقوبات جماعية ومن ترهيب لترحيل الأهالي لم يساعدها على تحقيق أهدافها .
نتنياهو فشل فشلا ذريعا ولم يحقق أي هدف من الأهداف الإسرائيلية العسكرية التي وضعها في غزة وكل ما نجح فيه هو عمليات التقتيل والتهجير والتدمير على مستوى البنية التحتية والرعاية الصحية والذي سيتأثر به الفلسطينيون على مدى سنوات طويلة.. لكن في ذات الوقت كان هناك صمود كبير للمقاومة الفلسطينية على وتضحيات جسام على الأرض وهو ما أثبت أن إرادة الشعب الفلسطيني مستمرة وباقية وتحظى بحاضنة شعبية واسعة بين الفلسطينيين، الأمر الذي ربما يؤسس لمرحلة جديدة في مسار القضية الفلسطينية. ولكن هذا يعني أنه ينبغي على كل الفصائل الفلسطينية وكل القوى الشعبية أن تستثمر الحالة النضالية والمواجهة مع الاحتلال وهذا يتطلب توحيد جهودهم والاتفاق على برنامج سياسي وإستراتيجية نضالية لم تحصل حتى الآن، ولكن أعتقد أنه بعد هذه الحرب هنالك أعباء ثقيلة ستتحملها كل الأطراف.
*كيف ترى الحل؟
مازال خيار حل الدولتين هو الحل الأمثل لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتقليل العنف الذي يلحق بنا ويدفع الى التأسيس لمنطقة الشرق الأوسط الجديد ..
لقد جرّ نتنياهو بتبنيه سياسية التوسع الاستعماري والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة اللعنة على الشعب اليهودي بتحويله من ضحية الإبادة الجماعية "الهولوكوست" التي تعرض لها على يد ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية قبل ثمانين عاما إلى دولة تمارس ذات الجريمة "النكبة من جديد" وتغيير صورة الضحية التي تمتع بها الشعب اليهودي على مدار الثمانين عاماً الماضية إلى صورة المجرم أمام شعوب العالم. أما لعنة نتنياهو الثانية، فتمثلت في جرّ الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى حرب "العدوان الأميركي البريطاني على اليمن الشقيق" في منطقة الشرق الأوسط لتقضي على مسيرته السياسية، وتشعل الدمار في المنطقة على حساب