إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"بين شحن الذاكرة وشحذ العقول"

بقلم: سهام الشبعان(*)

ما فتئ تلميذنا وولينا ومربينا يرون العدد هو الفيصل في الحكم بالتفاضل بين تلميذ وآخر وللأسف الشديد ينكبّ الجميع على ملكة الحفظ ترويضا وصقلا. هذه الملكة أصبحت ديدن البعض للحكم على التلاميذ وهي ملكة تجعل هم الجميع الوصول إلى عدد ممتاز ويغيب الحفظ بمجرد الحصول على ذلك العدد وباتت الأفضلية والمفاضلة مفضوحة للحكم على المربي الجيد ذاك الذي يشحن الكراس بالقواعد والاسقاط من خارج النص حتى يحكم له بالتميز والوليّ إذا أحس أن كراس ابنه تنقصه بعض الثرثرة يغضب ويحكم بعدم تميز المربي وطريقة التدريس ذاتها تميل إلى الشحن لا الشحذ. إن تلميذنا بات بطارية تشحن كلما فرغت فذهنه يحتاج يوما إلى الشحن وهذا أمر مرهق يجعل التلميذ يكره المدرسة ويكره سؤال الوليّ عن العدد ومن نال أفضل عدد ولماذا أنت لم تنل أفضل عدد؟ فهل العدد هو المحدد للحكم بالتميز على التلميذ أم نحن من خلقنا من هؤلاء المتعلمين بطاريات في المدرسة والبيت والدروس الخصوصية؟

ولو تعمقنا في المنظومة التربوية باستثناء البرامج المكثفة فتصوراتنا البيداغوجية متطورة نظريا وتبقى القضية اجرائية تتعلق بالتطبيق ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين:

1) سبب موضوعي يتعلق بالبنية التحتية المهترئة المتدهورة التي لا تهيئ المناخ المناسب للعمل.

2) سبب ذاتي عقلي يتعلق بالعنصر البشري الذي يعلب دورا سلبيا في العملية التربوية:

• الولي الذي يبحث عن الكم وبات همه تحصيل ابنه للعدد الجيد.

• المربي الذي اصبح يجاري غيره في البحث عن الكم والشحن المهم أن يكون الكراس مشحونا بالمعلومات ويبقى هو محرر الشحن ومصدر المعرفة الوحيد.

• أضف إلى ذلك غياب القيم الفاضلة في علاقة المعلم بالمتعلم والولي بالمعلم والمعلم بالمعلم.

وأضحت الدروس الخصوصية ملجأ الكثيرين لتركيز ظاهرة الشحن بتحفيظ التلاميذ معلومات جاهزة تساهم في تبلّد الذهن وغياب الوعي وأمام ترهّل وضعية المدرس المادية بات هذا الشحن وسيلة الكثيرين لابتزاز المتعلم بأشكال مختلفة وتتحمل سلطة الاشراف بعض المسؤولية في ذلك فهي تغدق العطاء للقاضي خوفا من ارتشائه وتغدق لعون المالية العطاء خوفا من اختلاسه وتترك أمر المربي على حاله لا مال ولا احترام.

وأمام هذا الوضع أتساءل هل انحصر دور المدرسة في تزويد المتعلمين بالمعارف والعلوم مهما كانت الوسيلة فالغاية تبرّرها؟ ثم هل هذه المعارف أفرزت عقولا مفكرة في ظل غياب التقييم التكويني ؟ وكيف الخروج من أزمة الشحن المتبوعة بأزمة قيم؟

مما لا شك فيه أنه لا قيمة لمدرسة تزودنا بعلم لا ينفع وبثقافة هائلة لكنها عقيمة وبات لزاما علينا أن:

1ـ نخفف من البرامج ونغير عقلية تقديس مقولة الأولوية للمعرفة وتحويل الأولوية للإيمان بالقدرات فتتعدى تزويد المتعلم بالمعرفة إلى تدريبه على توظيفها واستخدامها في وضعيات حياتية معقدة تعترض سبيله وهذا يفترض تحويل الكم إلى الاجراء والتطبيق.

2ـ توفر عقولا خبيرة ناضجة تباشر عملية التخفيف في البرنامج حتى لا يكون المتعلم فأر تجارب نسلط عليه بعض الخيارات التي يكون الهدف منها إيديولوجيا بحتا. وعلى سبيل الذكر لا الحصر استشهد بالضجة التي رافقت عملية التخفيف من برنامج السنة الرابعة من شعبة الآداب فقد تم الانحراف بالنقاش من إطاره البيداغوجي المعرفي التربوي التقني إلى الاطار الايديولوجي المقيت وشهدنا تجاذبات إيدلويوجية سياساوية من كل الأطراف فطمست حقيقة حذف رسالة الغفران للمعرّي أو الابقاء عليها في البرنامج وهذا يدفعني إلى التأكيد على ضرورة النأي بالمدرسة عن التطاحن الايديولوجي الذي يعتبر جريمة في حق المتعلم الذي لا يحق لنا أن نؤثر في قناعاته الشخصية مهما كانت التعلات.

3ـ توجد العزيمة الصادقة لتغيير العقليات فلا تكون الغاية الربح المادي دون سواه، بل الاستثمار في العقل البشري وخلق جيل من المربين والمتعلمين قادرا على التفكير والنقد والبناء.

*أستاذة لغة عربية

 

 

 

"بين شحن الذاكرة وشحذ العقول"

بقلم: سهام الشبعان(*)

ما فتئ تلميذنا وولينا ومربينا يرون العدد هو الفيصل في الحكم بالتفاضل بين تلميذ وآخر وللأسف الشديد ينكبّ الجميع على ملكة الحفظ ترويضا وصقلا. هذه الملكة أصبحت ديدن البعض للحكم على التلاميذ وهي ملكة تجعل هم الجميع الوصول إلى عدد ممتاز ويغيب الحفظ بمجرد الحصول على ذلك العدد وباتت الأفضلية والمفاضلة مفضوحة للحكم على المربي الجيد ذاك الذي يشحن الكراس بالقواعد والاسقاط من خارج النص حتى يحكم له بالتميز والوليّ إذا أحس أن كراس ابنه تنقصه بعض الثرثرة يغضب ويحكم بعدم تميز المربي وطريقة التدريس ذاتها تميل إلى الشحن لا الشحذ. إن تلميذنا بات بطارية تشحن كلما فرغت فذهنه يحتاج يوما إلى الشحن وهذا أمر مرهق يجعل التلميذ يكره المدرسة ويكره سؤال الوليّ عن العدد ومن نال أفضل عدد ولماذا أنت لم تنل أفضل عدد؟ فهل العدد هو المحدد للحكم بالتميز على التلميذ أم نحن من خلقنا من هؤلاء المتعلمين بطاريات في المدرسة والبيت والدروس الخصوصية؟

ولو تعمقنا في المنظومة التربوية باستثناء البرامج المكثفة فتصوراتنا البيداغوجية متطورة نظريا وتبقى القضية اجرائية تتعلق بالتطبيق ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين:

1) سبب موضوعي يتعلق بالبنية التحتية المهترئة المتدهورة التي لا تهيئ المناخ المناسب للعمل.

2) سبب ذاتي عقلي يتعلق بالعنصر البشري الذي يعلب دورا سلبيا في العملية التربوية:

• الولي الذي يبحث عن الكم وبات همه تحصيل ابنه للعدد الجيد.

• المربي الذي اصبح يجاري غيره في البحث عن الكم والشحن المهم أن يكون الكراس مشحونا بالمعلومات ويبقى هو محرر الشحن ومصدر المعرفة الوحيد.

• أضف إلى ذلك غياب القيم الفاضلة في علاقة المعلم بالمتعلم والولي بالمعلم والمعلم بالمعلم.

وأضحت الدروس الخصوصية ملجأ الكثيرين لتركيز ظاهرة الشحن بتحفيظ التلاميذ معلومات جاهزة تساهم في تبلّد الذهن وغياب الوعي وأمام ترهّل وضعية المدرس المادية بات هذا الشحن وسيلة الكثيرين لابتزاز المتعلم بأشكال مختلفة وتتحمل سلطة الاشراف بعض المسؤولية في ذلك فهي تغدق العطاء للقاضي خوفا من ارتشائه وتغدق لعون المالية العطاء خوفا من اختلاسه وتترك أمر المربي على حاله لا مال ولا احترام.

وأمام هذا الوضع أتساءل هل انحصر دور المدرسة في تزويد المتعلمين بالمعارف والعلوم مهما كانت الوسيلة فالغاية تبرّرها؟ ثم هل هذه المعارف أفرزت عقولا مفكرة في ظل غياب التقييم التكويني ؟ وكيف الخروج من أزمة الشحن المتبوعة بأزمة قيم؟

مما لا شك فيه أنه لا قيمة لمدرسة تزودنا بعلم لا ينفع وبثقافة هائلة لكنها عقيمة وبات لزاما علينا أن:

1ـ نخفف من البرامج ونغير عقلية تقديس مقولة الأولوية للمعرفة وتحويل الأولوية للإيمان بالقدرات فتتعدى تزويد المتعلم بالمعرفة إلى تدريبه على توظيفها واستخدامها في وضعيات حياتية معقدة تعترض سبيله وهذا يفترض تحويل الكم إلى الاجراء والتطبيق.

2ـ توفر عقولا خبيرة ناضجة تباشر عملية التخفيف في البرنامج حتى لا يكون المتعلم فأر تجارب نسلط عليه بعض الخيارات التي يكون الهدف منها إيديولوجيا بحتا. وعلى سبيل الذكر لا الحصر استشهد بالضجة التي رافقت عملية التخفيف من برنامج السنة الرابعة من شعبة الآداب فقد تم الانحراف بالنقاش من إطاره البيداغوجي المعرفي التربوي التقني إلى الاطار الايديولوجي المقيت وشهدنا تجاذبات إيدلويوجية سياساوية من كل الأطراف فطمست حقيقة حذف رسالة الغفران للمعرّي أو الابقاء عليها في البرنامج وهذا يدفعني إلى التأكيد على ضرورة النأي بالمدرسة عن التطاحن الايديولوجي الذي يعتبر جريمة في حق المتعلم الذي لا يحق لنا أن نؤثر في قناعاته الشخصية مهما كانت التعلات.

3ـ توجد العزيمة الصادقة لتغيير العقليات فلا تكون الغاية الربح المادي دون سواه، بل الاستثمار في العقل البشري وخلق جيل من المربين والمتعلمين قادرا على التفكير والنقد والبناء.

*أستاذة لغة عربية