لم يكترث الرأي العام كثيرا لإعلان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن نيته في التخلي عن رئاسة الحركة في المؤتمر القادم وأنه لن يجدد ترشحه ولا تأكيده أن حزبه لا يسعى لاستعادة السلطة بل لاستعادة المسار الديمقراطي.. وذلك لأسباب عدة منها أن الأغلبية ترى أن الغنوشي يتحمّل مسؤولية كاملة في كل الأوضاع التي انتهينا إليها وأن قراراته الخاطئة وطريقة تسييره للدولة من خلال حزبه والذي لم يكن يوما بعيدا عن صناعة القرار خلال العشر سنوات الماضية، أدت بطريقة ما الى تمهيد الطريق أمام استحواذ رئيس الجمهورية قيس سعيد على السلطة وإعلان إجراءات 25 جويلية التي أفضت الى كل النتائج الكارثية التي نعيشها اليوم .
وإذا كانت الأغلبية ما تزال غير واثقة في قرار الغنوشي ولم تأخذه على محمل الجدّ بالنظر الى شدة تمسّكه بمنصب رئاسة الحركة منذ أكثر من أربعين سنة.. فإن قرار راشد الغنوشي لا يبدو قرارا تلقائيا بل هو قرار فرضته الضرورة واللحظة التاريخية حيث يدرك رئيس حركة النهضة أكثر من غيره انه فشل في إدارة صراعه مع قيس سعيد من موقعه في جبهة المعارضة وانه بعد أكثر من سنة عجز عن قلب الموازين لصالحه سياسيا وبالتالي فان قراره اليوم بالتخلي عن الرئاسة هو قرار تكتيكي للتراجع عن مسار أدرك ربما متأخرا ان كلفته السياسية كانت ثقيلة ..
فتشبّث الغنوشي برئاسة الحركة وإصراره على تغيير الفصل 30 من القانون الأساسي الذي قيل وقتها انه يضمن له الرئاسة مدى الحياة في مؤتمر الحزب العاشر، هو ما صدّع الجبهة الداخلية لحركة النهضة مباشرة بعد إعلان إجراءات 25 جويلية وهو ما أدى وقتها الى استقالة قيادات وازنة داخل الحركة من الصف الأول والثاني وكذلك الى احتجاج شباب الحركة لغياب آليات العمل الديمقراطي داخلها وانفراد الغنوشي بالرأي وبسلطة القرار ..
خاصة وأن هناك قيادات داخل الحركة يرون أن بداية الانحراف بمصير الحزب بدأ بعد التلاعب بقائمات الترشح في 2019 وإصرار راشد الغنوشي على الترشّح وتحول وجوده على رأس البرلمان بعد ذلك الى أزمة عصفت بعمل وحسن سير مجلس نواب الشعب بسبب رفض كتلة الدستوري الحرّ لرئاسته للبرلمان .
وبالتالي فإن قرار التخلّي عن الرئاسة حتى وان كان لا تأثير له على المشهد العام ولا على سير الأحداث إلا انه محاولة أخيرة من الغنوشي لتحشيد الصفوف من حوله سياسيا واستعادة المنشقين وهو يستعد مع مكونات جبهة الخلاص لتحرّك 15 أكتوبر القادم والذي سيكون اخر اختبار شعبي يخوضه الغنوشي لاستعادة شرعية الحركة شعبيا .
التخلّي اضطرار وليس خيارا
في الوقت الذي كان يفترض بالزعيم التاريخي لحركة النهضة أن يتخلى عن رئاسة حزبه منذ عقود، اختار راشد الغنوشي أن يتشبث بالرئاسة وأن يخلق لنفسه جبهة رفض داخل حزبه من طرف قيادات تاريخية أيضا اضطرت في النهاية الى المغادرة لأنها فشلت في التغيير من الداخل ولعل أبرزها عبد اللطيف المكي وقبله محمد بن سالم وعبد الحميد الجلاصي، وذلك التصدّع الداخلي والتيار الرافض والذي حاول الغنوشي خنقه لسنوات هو ما جعل الحزب يفشل في القيام بأي ردة فعل في مواجهة زلزال 25 جويلية.. لتتالى الخيبات بعد ذلك من خلال تخلّي الشارع عن دعم ومساندة النهضة في تحركاتها الاحتجاجية شعبيا وكذلك بعد تخلي القوى الدولية عن دعم حركة النهضة ودعم مشروع الإسلام السياسي في منطقة الثورات العربية، ورغم ذلك ما زال راشد الغنوشي يوهم نفسه بالنصر ويناور من أجل استعادة شعبيته وتأثيره .
ولعل تمسكه برئاسة برلمان منحل تجاوزته الأحداث ولن يعود أبدا حتى ولو تم إسقاط مشروع قيس سعيد السياسي اكبر دليل على ذلك فمؤخرا شارك ماهر مذيوب في الدورة 145 للجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي بتفويض من رئيس مجلس نواب الشعب المنحل راشد الغنوشي وهو الموقف الذي أثار حفيظة جزء من المعارضة والتي ترفض كذلك مسار قيس سعيد حيث وجهت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، محضر تنبيه بواسطة عدل تنفيذ لرئيس البرلمان المحل راشد الغنوشي لتحذيره من مغبة التكلم باسم نواب الحزب في أي موقع كان، وقال حزب الدستوري الحرّ في بلاغ له للرأي العام أن "كل ما يصدر عن الغنوشي من قرارات أو تحركات في حق البرلمان المحل يعتبر تحيلا وانتحال صفة موجبين للتتبع الجزائي".
وكل ما سبق يؤكد مدى الخسارة الفادحة التي مُني بها الغنوشي سياسيا وان قراره بعدم الترشّح لن يرتّب آثارا تمكنه من تسجيل بعض النقاط حيث اعتبر القيادي السابق محمد بن سالم أن هذا قرار عدم الترشح متأخر وصعب التحقيق على أرض الواقع، مشيرا الى أنه "لم يبق شيء في حركة النهضة وهي في طريقها إلى الزوال بسبب تمسك الغنوشي بالرئاسة وعدم تكريس الديمقراطية والتداول على السلطة داخل الحزب " .
ويبدو أن هذا التقييم لا ينفرد به فقط الوزير والقيادي السابق في الحركة بل يتقاسمه عدد من القيادات النهضوية سواء المنشقة او تلك التي أبقت على انتمائها للحركة حتى لا تزيد في تعميق أزمة الحزب في مواجهة السلطة.. حيث بدا من الواضح أن قرار الغنوشي في التخلي عن رئاسة الحركة لم يكن له أي تأثير داخل الحركة ذاتها ولم يستقبل باستحسان كبير كما كان متوقعا لان الأضرار الحاصلة أكبر من أي قرار يتخذه الغنوشي اليوم لرأب الصدع أو لمحاولة استعادة المنشقين .
منية العرفاوي
تونس- الصباح
لم يكترث الرأي العام كثيرا لإعلان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن نيته في التخلي عن رئاسة الحركة في المؤتمر القادم وأنه لن يجدد ترشحه ولا تأكيده أن حزبه لا يسعى لاستعادة السلطة بل لاستعادة المسار الديمقراطي.. وذلك لأسباب عدة منها أن الأغلبية ترى أن الغنوشي يتحمّل مسؤولية كاملة في كل الأوضاع التي انتهينا إليها وأن قراراته الخاطئة وطريقة تسييره للدولة من خلال حزبه والذي لم يكن يوما بعيدا عن صناعة القرار خلال العشر سنوات الماضية، أدت بطريقة ما الى تمهيد الطريق أمام استحواذ رئيس الجمهورية قيس سعيد على السلطة وإعلان إجراءات 25 جويلية التي أفضت الى كل النتائج الكارثية التي نعيشها اليوم .
وإذا كانت الأغلبية ما تزال غير واثقة في قرار الغنوشي ولم تأخذه على محمل الجدّ بالنظر الى شدة تمسّكه بمنصب رئاسة الحركة منذ أكثر من أربعين سنة.. فإن قرار راشد الغنوشي لا يبدو قرارا تلقائيا بل هو قرار فرضته الضرورة واللحظة التاريخية حيث يدرك رئيس حركة النهضة أكثر من غيره انه فشل في إدارة صراعه مع قيس سعيد من موقعه في جبهة المعارضة وانه بعد أكثر من سنة عجز عن قلب الموازين لصالحه سياسيا وبالتالي فان قراره اليوم بالتخلي عن الرئاسة هو قرار تكتيكي للتراجع عن مسار أدرك ربما متأخرا ان كلفته السياسية كانت ثقيلة ..
فتشبّث الغنوشي برئاسة الحركة وإصراره على تغيير الفصل 30 من القانون الأساسي الذي قيل وقتها انه يضمن له الرئاسة مدى الحياة في مؤتمر الحزب العاشر، هو ما صدّع الجبهة الداخلية لحركة النهضة مباشرة بعد إعلان إجراءات 25 جويلية وهو ما أدى وقتها الى استقالة قيادات وازنة داخل الحركة من الصف الأول والثاني وكذلك الى احتجاج شباب الحركة لغياب آليات العمل الديمقراطي داخلها وانفراد الغنوشي بالرأي وبسلطة القرار ..
خاصة وأن هناك قيادات داخل الحركة يرون أن بداية الانحراف بمصير الحزب بدأ بعد التلاعب بقائمات الترشح في 2019 وإصرار راشد الغنوشي على الترشّح وتحول وجوده على رأس البرلمان بعد ذلك الى أزمة عصفت بعمل وحسن سير مجلس نواب الشعب بسبب رفض كتلة الدستوري الحرّ لرئاسته للبرلمان .
وبالتالي فإن قرار التخلّي عن الرئاسة حتى وان كان لا تأثير له على المشهد العام ولا على سير الأحداث إلا انه محاولة أخيرة من الغنوشي لتحشيد الصفوف من حوله سياسيا واستعادة المنشقين وهو يستعد مع مكونات جبهة الخلاص لتحرّك 15 أكتوبر القادم والذي سيكون اخر اختبار شعبي يخوضه الغنوشي لاستعادة شرعية الحركة شعبيا .
التخلّي اضطرار وليس خيارا
في الوقت الذي كان يفترض بالزعيم التاريخي لحركة النهضة أن يتخلى عن رئاسة حزبه منذ عقود، اختار راشد الغنوشي أن يتشبث بالرئاسة وأن يخلق لنفسه جبهة رفض داخل حزبه من طرف قيادات تاريخية أيضا اضطرت في النهاية الى المغادرة لأنها فشلت في التغيير من الداخل ولعل أبرزها عبد اللطيف المكي وقبله محمد بن سالم وعبد الحميد الجلاصي، وذلك التصدّع الداخلي والتيار الرافض والذي حاول الغنوشي خنقه لسنوات هو ما جعل الحزب يفشل في القيام بأي ردة فعل في مواجهة زلزال 25 جويلية.. لتتالى الخيبات بعد ذلك من خلال تخلّي الشارع عن دعم ومساندة النهضة في تحركاتها الاحتجاجية شعبيا وكذلك بعد تخلي القوى الدولية عن دعم حركة النهضة ودعم مشروع الإسلام السياسي في منطقة الثورات العربية، ورغم ذلك ما زال راشد الغنوشي يوهم نفسه بالنصر ويناور من أجل استعادة شعبيته وتأثيره .
ولعل تمسكه برئاسة برلمان منحل تجاوزته الأحداث ولن يعود أبدا حتى ولو تم إسقاط مشروع قيس سعيد السياسي اكبر دليل على ذلك فمؤخرا شارك ماهر مذيوب في الدورة 145 للجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي بتفويض من رئيس مجلس نواب الشعب المنحل راشد الغنوشي وهو الموقف الذي أثار حفيظة جزء من المعارضة والتي ترفض كذلك مسار قيس سعيد حيث وجهت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، محضر تنبيه بواسطة عدل تنفيذ لرئيس البرلمان المحل راشد الغنوشي لتحذيره من مغبة التكلم باسم نواب الحزب في أي موقع كان، وقال حزب الدستوري الحرّ في بلاغ له للرأي العام أن "كل ما يصدر عن الغنوشي من قرارات أو تحركات في حق البرلمان المحل يعتبر تحيلا وانتحال صفة موجبين للتتبع الجزائي".
وكل ما سبق يؤكد مدى الخسارة الفادحة التي مُني بها الغنوشي سياسيا وان قراره بعدم الترشّح لن يرتّب آثارا تمكنه من تسجيل بعض النقاط حيث اعتبر القيادي السابق محمد بن سالم أن هذا قرار عدم الترشح متأخر وصعب التحقيق على أرض الواقع، مشيرا الى أنه "لم يبق شيء في حركة النهضة وهي في طريقها إلى الزوال بسبب تمسك الغنوشي بالرئاسة وعدم تكريس الديمقراطية والتداول على السلطة داخل الحزب " .
ويبدو أن هذا التقييم لا ينفرد به فقط الوزير والقيادي السابق في الحركة بل يتقاسمه عدد من القيادات النهضوية سواء المنشقة او تلك التي أبقت على انتمائها للحركة حتى لا تزيد في تعميق أزمة الحزب في مواجهة السلطة.. حيث بدا من الواضح أن قرار الغنوشي في التخلي عن رئاسة الحركة لم يكن له أي تأثير داخل الحركة ذاتها ولم يستقبل باستحسان كبير كما كان متوقعا لان الأضرار الحاصلة أكبر من أي قرار يتخذه الغنوشي اليوم لرأب الصدع أو لمحاولة استعادة المنشقين .