إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: في ندوة التميمي حول الحركات الاحتجاجية الشبابية : حتى نواصل التفكير مع مالك الصغيري .. (4/4)

بقلم: نوفل سلامة(*)

المداخلة الأخيرة في هذه الندوة كانت شهادة صديقه الأستاذ ماهر حنين الذي يتقاسم معه الحيرة الفكرية وهواجس البناء ليسار جديد وانفعالات التيه والشرود ويتفق معه في تشخيص الحالة اليسارية المتعثرة والتطورات العالمية الحاصلة وما يشهده العالم من تحولات فكرية عميقة خاصة فيما يخص النقد الموجه للديمقراطية التمثيلية ومسألة تراجع الثقة في الأحزاب السياسية وقدرتها على تمثيل الناس وكل التراجعات التي تعرفها الأحزاب اليسارية وما يحصل من توجه عالمي جديد في استنباط بدائل احتجاج جديدة وأشكال معارضة جديدة في التعبير عن الرفض والغصب والإيمان بان المستقبل يسير نحو هذا النوع من الحركات الشبابية الاحتجاجية التي تأخذ من الشارع ميدان معارضة وتنديد بسياسات وخيارات السلطة الحاكمة.

يقول ماهر حنين عن رفيقه مالك الصغيري بأنه كان مسكونا بتجربة والده النضالية والسجنية غير أن الملفت أن نشأته الأولى في عائلة متدينة إسلامية ومناضلة لم تمنعه من أن يصبح هو الآخر مناضلا يساريا ومن خارج نضال والده وخارج الدائرة الإسلامية وهذا المعطى المهم كونه تربي في فضاء إسلامي وأصبح مناضلا يساريا يساعد في فهم جوانب من شخصية ماهر الصغيري وهي أن تجربة محنة والده والفضاء الحر الذي توفر له في البيت للنقاش وإبداء الرأي والنقد قد جعله يختار طريقه المختلف عن طريق الوالد وهذه الخصوصية هي التي جعلته يتعامل بسهولة وبكل يسر مع الفضاء الإسلامي وتكون علاقته مع الفاعلين فيه من خارج المقولة التقليدية التي تعادي الدين وتنبذه وتكره المنتسبين إليه ولعل هذا ما جعل علاقته بالمسألة الدينية ومسألة الهوية غير متشنجة ولا عدائية وموقفه من الدين يختلف عن موقف غيره من الرفاق وهذه الرؤية سوف نجدها تتطور فيما بعد في مشروع حركة جيل جديد أين الدين والهوية لا يمثلان في الحالة التونسية عامل تعطيل للتقدم.

كان مالك الصغيري دائم السؤال ودائم التأمل في وضع اليسار ودائم التفكير في مسألة كيف يمكن لليسار أن يتجاوز خيار الاحتجاج والتنديد ليصيح حالة حكم ومشروع دولة ؟ وهل يمكن أن نبني يسارا جديدا بالاحتجاج فقط ؟ وهل تكفي المعارضة والاحتجاج أم أن اليسار يحتاج إلى أفق أرحب ورؤية أخرى تبدأ من الانسجام مع الذات والعودة إلى النفس العميقة.

كان يتساءل في حيرة عن إمكانية بناء يسار جديد الفاعلون فيه جيل تائه خارج للتو من تجربة حزبية غير موفقة .. جيل تائه فكره تجاوز الزعامة وتجاوز الانتماء الهرمي للحزب وتخلص من قيود وأسر النظرية المعطوبة والمتعثرة.. وهذه الحيرة هي التي جعلته في سنوات قلية ينتقل من ماركسي ملتهب بالنظرية إلى ماركسي مهووس بالتحليل والفهم ومنفتح على كتابات مختلفة ومطلع على منجز فكري يبدو في الظاهر الجمع بينه لا يستقيم ومن دون رابط يجمعه من قرامشي إلى حسن حنفي إلى عبد الله العروي وغيرهم كثير .. كان مؤمنا بفكرة الفضاء العمومي الذي يحتوي الجميع والطارد للإقصاء والإنكار والتفرد بالحقيقة التي ظل يبحث عنها .

انتهت هذه الندوة الفارقة في تاريخ المؤسسة وهو عمل يحسب للسيد عبد الجليل التميمي الذي احتضن هذه التجربة النضالية والفكرية لشاب يساري توقف به قطار الحياة وغيبه الموت وكان من الممكن أن يضيف أكثر للوطن وللفكر عموما في وقت يتم فيه تعمد تغييبه من المشهد الإعلامي بعد أن تم السطو العلني على أفكاره وأفكار حركته من شباب جيل جديد فالكثير من الأفكار التي أسسها ومن المقولات التي اشتغل عليها والشعارات التي رفعها نجدها اليوم حاضرة في فضاءات أخرى وحتى في فضاء السلطة فالكثير من الرؤى التي كان يناقشها مالك الصغيري ويروج لها ويدافع عنها على أنها هي خيار المستقبل نجدها اليوم عند غيره في عملية انتحال وسرقة قذرة ويتم تبنيها وتفعيلها على أرض الواقع وفي الخطاب من دون أي ذكر لصاحبها فمقولة جيل جديد والتأسيس من جديد ونهاية الأحزاب وعجزها عن تلبية مطالب الشارع والمراهنة على الحركات الشبابية الاحتجاجية الشارعية ونقد المركزية الأوروبية في انتاج المعرفة ومعارضة التدخل الأجنبي في السيادة الوطنية ورفض علاقات الهيمنة والتبعية والتميز الفكري وعدم الرضوخ إلى القوالب المعرفية التي أسرنا فيها الآخر وحكمنا بها ومنعنا من رؤية الأشياء والعالم من منظور مختلف هي كلها أفكار حركة جيل جديد وأفكار مالك الصغيري ورفاقه ولكن يتم تبنيها اليوم من دون أي إشارة إلى منتجها ومؤسسها الأول.

انتهت هذه الندوة بنظرة حالمة ومتفائلة من أن طريق بناء يسار جديد وإعادة تشبيبه ما زال قائما وأن مواصلة التفكير مع مالك وهو غائب عنا ممكن أيضا بل لعله ضروري حتى يبقى الوفاء لروحه حيا دوما .. هذه ندوة من أجل مالك الصغيري ومن أجل حركة جيل جديد من شاب يساري تائه يبحث عن عودته .. أنها ندوة من أجل مواصلة التفكير في كل ما تركه مالك الصغيري غير مكتمل.

(*)ناشط مجتمعي

(انتهى)

 

منتدى الصباح: في ندوة التميمي حول الحركات الاحتجاجية الشبابية : حتى نواصل التفكير مع مالك الصغيري .. (4/4)

بقلم: نوفل سلامة(*)

المداخلة الأخيرة في هذه الندوة كانت شهادة صديقه الأستاذ ماهر حنين الذي يتقاسم معه الحيرة الفكرية وهواجس البناء ليسار جديد وانفعالات التيه والشرود ويتفق معه في تشخيص الحالة اليسارية المتعثرة والتطورات العالمية الحاصلة وما يشهده العالم من تحولات فكرية عميقة خاصة فيما يخص النقد الموجه للديمقراطية التمثيلية ومسألة تراجع الثقة في الأحزاب السياسية وقدرتها على تمثيل الناس وكل التراجعات التي تعرفها الأحزاب اليسارية وما يحصل من توجه عالمي جديد في استنباط بدائل احتجاج جديدة وأشكال معارضة جديدة في التعبير عن الرفض والغصب والإيمان بان المستقبل يسير نحو هذا النوع من الحركات الشبابية الاحتجاجية التي تأخذ من الشارع ميدان معارضة وتنديد بسياسات وخيارات السلطة الحاكمة.

يقول ماهر حنين عن رفيقه مالك الصغيري بأنه كان مسكونا بتجربة والده النضالية والسجنية غير أن الملفت أن نشأته الأولى في عائلة متدينة إسلامية ومناضلة لم تمنعه من أن يصبح هو الآخر مناضلا يساريا ومن خارج نضال والده وخارج الدائرة الإسلامية وهذا المعطى المهم كونه تربي في فضاء إسلامي وأصبح مناضلا يساريا يساعد في فهم جوانب من شخصية ماهر الصغيري وهي أن تجربة محنة والده والفضاء الحر الذي توفر له في البيت للنقاش وإبداء الرأي والنقد قد جعله يختار طريقه المختلف عن طريق الوالد وهذه الخصوصية هي التي جعلته يتعامل بسهولة وبكل يسر مع الفضاء الإسلامي وتكون علاقته مع الفاعلين فيه من خارج المقولة التقليدية التي تعادي الدين وتنبذه وتكره المنتسبين إليه ولعل هذا ما جعل علاقته بالمسألة الدينية ومسألة الهوية غير متشنجة ولا عدائية وموقفه من الدين يختلف عن موقف غيره من الرفاق وهذه الرؤية سوف نجدها تتطور فيما بعد في مشروع حركة جيل جديد أين الدين والهوية لا يمثلان في الحالة التونسية عامل تعطيل للتقدم.

كان مالك الصغيري دائم السؤال ودائم التأمل في وضع اليسار ودائم التفكير في مسألة كيف يمكن لليسار أن يتجاوز خيار الاحتجاج والتنديد ليصيح حالة حكم ومشروع دولة ؟ وهل يمكن أن نبني يسارا جديدا بالاحتجاج فقط ؟ وهل تكفي المعارضة والاحتجاج أم أن اليسار يحتاج إلى أفق أرحب ورؤية أخرى تبدأ من الانسجام مع الذات والعودة إلى النفس العميقة.

كان يتساءل في حيرة عن إمكانية بناء يسار جديد الفاعلون فيه جيل تائه خارج للتو من تجربة حزبية غير موفقة .. جيل تائه فكره تجاوز الزعامة وتجاوز الانتماء الهرمي للحزب وتخلص من قيود وأسر النظرية المعطوبة والمتعثرة.. وهذه الحيرة هي التي جعلته في سنوات قلية ينتقل من ماركسي ملتهب بالنظرية إلى ماركسي مهووس بالتحليل والفهم ومنفتح على كتابات مختلفة ومطلع على منجز فكري يبدو في الظاهر الجمع بينه لا يستقيم ومن دون رابط يجمعه من قرامشي إلى حسن حنفي إلى عبد الله العروي وغيرهم كثير .. كان مؤمنا بفكرة الفضاء العمومي الذي يحتوي الجميع والطارد للإقصاء والإنكار والتفرد بالحقيقة التي ظل يبحث عنها .

انتهت هذه الندوة الفارقة في تاريخ المؤسسة وهو عمل يحسب للسيد عبد الجليل التميمي الذي احتضن هذه التجربة النضالية والفكرية لشاب يساري توقف به قطار الحياة وغيبه الموت وكان من الممكن أن يضيف أكثر للوطن وللفكر عموما في وقت يتم فيه تعمد تغييبه من المشهد الإعلامي بعد أن تم السطو العلني على أفكاره وأفكار حركته من شباب جيل جديد فالكثير من الأفكار التي أسسها ومن المقولات التي اشتغل عليها والشعارات التي رفعها نجدها اليوم حاضرة في فضاءات أخرى وحتى في فضاء السلطة فالكثير من الرؤى التي كان يناقشها مالك الصغيري ويروج لها ويدافع عنها على أنها هي خيار المستقبل نجدها اليوم عند غيره في عملية انتحال وسرقة قذرة ويتم تبنيها وتفعيلها على أرض الواقع وفي الخطاب من دون أي ذكر لصاحبها فمقولة جيل جديد والتأسيس من جديد ونهاية الأحزاب وعجزها عن تلبية مطالب الشارع والمراهنة على الحركات الشبابية الاحتجاجية الشارعية ونقد المركزية الأوروبية في انتاج المعرفة ومعارضة التدخل الأجنبي في السيادة الوطنية ورفض علاقات الهيمنة والتبعية والتميز الفكري وعدم الرضوخ إلى القوالب المعرفية التي أسرنا فيها الآخر وحكمنا بها ومنعنا من رؤية الأشياء والعالم من منظور مختلف هي كلها أفكار حركة جيل جديد وأفكار مالك الصغيري ورفاقه ولكن يتم تبنيها اليوم من دون أي إشارة إلى منتجها ومؤسسها الأول.

انتهت هذه الندوة بنظرة حالمة ومتفائلة من أن طريق بناء يسار جديد وإعادة تشبيبه ما زال قائما وأن مواصلة التفكير مع مالك وهو غائب عنا ممكن أيضا بل لعله ضروري حتى يبقى الوفاء لروحه حيا دوما .. هذه ندوة من أجل مالك الصغيري ومن أجل حركة جيل جديد من شاب يساري تائه يبحث عن عودته .. أنها ندوة من أجل مواصلة التفكير في كل ما تركه مالك الصغيري غير مكتمل.

(*)ناشط مجتمعي

(انتهى)

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews