إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لأول مرة وثائق حصرية من أرشيف وزارة العدل الأمريكية.. "الصباح" تفتح ملف "عقود اللوبيينغ"..وارتباطها بعالم السياسة و"البزنس"

 

تونس-الصباح

بالرغم من قانونيته في العديد من دول العالم واستخدامه كنظرية للترويج والبروباغندا وتحسين صورة جهة ما سواء كانت حزبية أو حكومية أو تجارية، فان عبارة اللوبيينغ في تونس تصفها العديد من القراءات بالورطة السياسية لارتباطها باللوبيات المالية.

واعتبارا للأدوار المتقدمة للمال وتأثيره في المنحى السياسي فقد اتهمت الاطراف المؤثرة في المشهد بارتباطها الوثيق بعالم "البزنس" حيث لم يتوقف خصوم النهضة مثلا باتهامها بالفساد وارتباطها بلوبيات الداخل والخارج وهو ما جرّ الحزب إلى أروقة المحاكم.

وواقعيا فقد ربطت أطراف حزبية المنافسة بقوة المال المتداول داخل مربع السياسة حيث أنه كلما كان الحزب مؤثرا كلما كانت أمواله متوفرة أكثر.

وإذ لا أحد قادر على التشكيك في قوة اللوبيات في التأثير، فان هذا المصطلح لا يخضع لأي مساءلة قانونية في بلادنا تماما كما هو الشأن بالنسبة لشركات سبر الآراء التي تعمل هي الاخرى على التحكم في المزاج الانتخابي للتونسيين أو ما يعرف اصطلاحا بالتحكم في الوعي السياسي للمواطنين.

جماعات للتأييد والضغط

ويتشكل اللوبيينغ وفق التعريفات المتفق عليها من جماعات للتأييد، وتعرف أيضا باسم جماعات الضغط أو اللوبي أو جماعات الحملات أو جماعات المصالح أو جماعات الاهتمامات الخاصة وتستخدم أشكالًا متنوعة من المؤثرات للوصول الى اكبر قاعدة جماهرية بغاية التأثير على الرأي العام الوطني والدولي لإقناعهم بوجهة نظر سياسية أو لتقديم صورة جديدة مغايرة لتلك الصورة النمطية المتعارف عليها.

وحتى تضمن لنفسها انتشارا أوسع، بدأت مؤسسات اللوبيينغ في عدة دول في العالم بتنظيم صفوفها ضمن قطاع خاص ووفق قوانين صارمة تفرض على المؤسسات نشر كل العقود بالتفاصيل الدقيقة على أن تتضمن اسم الشركة واسم جهة الاشهار واسباب ابرام العقد وخاصة قيمة العقد الممضى.

ونجحت الشركات والمؤسسات الامريكية في اقتحام هذا المجال وحولته الى مجال اقتصادي متعدد الجنسيات حيث يمكن لشركة امريكية ان يكون لها فروع عدة في عدد من الدول .

قضية نبيل القروي

وشكلت ليلة الأربعاء 2اكتوبر 2019 لحظة فارقة في حياة الانتخابات في بلادنا بعد تفجر قضية تعامل المرشح للرئاسة، نبيل القروي، مع شركة علاقات عامة كندية، يديرها رجل استخبارات إسرائيلي سابق، وذلك بعقد بلغت قيمته مليون دولار أمريكي.

تسرب عقد الدعاية للرأي العام الوطني دفع بالخصوم السياسيين للنبش في الوثائق الخاصة باللوبيينغ ليكتشف التونسيون معها عقودا أخرى تهم أطرافا سياسية على غرار "حركة النهضة" و"جمعية عيش تونسي" لتتشكل على إثرها مواقف دفعت إلى إسقاط قائمات "النهضة" و"عيش تونسي" والمترشح للرئاسة نبيل القروي.

وسارع حزب التيار الديمقراطي بعد تداول عقد نبيل القروي بالتوجه إلى القضاء ليقدم إعلاما بجريمة إلى وكيل الجمهورية، واعتبر التيار الديمقراطي حينها "أن الوثائق المنشورة لا يمكن السكوت عنها، ولها علاقة مباشرة بالانتخابات التشريعية والرئاسية ومضمونها خطير وخطير جدا"، وأنه "من الواجب إعلام وكيل الجمهورية وتم تقديم إعلام بجريمة، وليس شكاية لفتح بحث تحقيقي من أجل جرائم وجناية تتعلق بالاعتداء على الأمن الخارجي للدولة التونسية، وتمويلات مشبوهة لمرشح للرئاسة".

وقد كانت التهم الموجهة إلى نبيل القروي بـ"الاعتداء على أمن الدولة الخارجي وتبييض أموال وتلقي أحزاب سياسية لأموال من جهات أجنبية وحيازة أموال من الخارج من قبل مقيم وعدم التصريح بممتلكات في الخارج"، حسب نصّ الشكاية.

 "النهضة" و"عيش تونسي"

وقد يبين موقع ((lobbying.al-monitor.com نقلا عن موقع وزارة العدل الأمريكية تعاملات لـ"حركة النهضة" مع شركة لوبيينغ تسمّى (Burson-Marsteller)المتخصّصة في الاتصال والعلاقات العامة بعقد قيمته 285 ألف دولار في سنة 2014 بهدف تحسين صورتها والقيام باتصالات مع مسؤولين في الدولة الأمريكية إضافة إلى عقد آخر بقيمة 112.500 ألف دولار بمجموع يقدر بـ 397 ألف دولار.

كما بين نفس المصدر تعاقد رئيسة جمعية "عيش تونسي" ألفة التراس المترشحة للانتخابات التشريعية لسنة 2019 مع شركةAmerica to Africa Consulting التي تنشط في مجال اللوبيينغ بهدف تعزيز صورتها في الخارج وتنظيم لقاءات مع قادة دول وحكومات وكبار القادة في مجال الأعمال والفكر ورؤساء المؤسسات الإفريقية الكبرى، وتبلغ قيمة العقد 15 ألف دولار شهريا لمدة 6اشهر .

زينب البراهمي ترد..

وفي هذا الإطار جددت رئيسة المكتب القانوني بحزب "حركة النهضة" زينب البراهمي موقفها الصادر عنها في احدى ندواتها الصحفية أن ''حركة النهضة لم تبرم أي عقد لوبيينغ'، لا بصفة أصلية ولا بتوكيل ولا الحزب كشخص معنوي أو أحد قياداته ولا أحد أنصاره، وهذا ما تثبته وثائق.

وبينت البراهمي أن الملف حاليا تحت أنظار القضاء، وأشارت إلى أن البحث يتم على معنى الفصل 31 من مجلة الإجراءات الجزائية. واعتبرت أن الاتهامات الموجة لـ"النهضة" صدرت عن أطراف سياسية أرادت الاستفادة منها باطلا.

وواصلت البراهمي حديثها بالتأكيد على أن 'حزب النهضة لم يتحصل على أية مبالغ مالية سواءً عبر تحويل أو تنزيل مبالغ مالية في حسابها من الداخل أو الخارج وهذا ثابت بوثائق رسمية ولا علاقة لها لا من قريب أو من بعيد بقضية اللوبيينغ".

ونددت البراهمي بتواصل هذه الحملات ضد "حركة النهضة" وحتى من شخصيات رسمية مثل رئيس الجمهورية قيس سعيد في محاولة للضغط على القضاء، وفق تقديرها.

أسامة الخليفي ينفي..

وقد حاولت "الصباح" تسليط الضوء من جديد على موقف "حزب قلب تونس" من موضوع اللوبيينغ والتي أُتهم فيها مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية نبيل القروي بالالتجاء لقوى ضغط إسرائيلية، ففي حين دافعت "النهضة" عن سلامة إجراءاتها، فان "حزب قلب تونس" لم يكن متاحا بالشكل الكافي حيث أن المحاولة لم تنجح في البداية لاقتلاع موقف جديد بعد إقرار عدد ممن اتصلنا بهم لتقديم مواقفهم، حيث أكد أغلبهم أنه لم يعد لـ"قلب تونس" أي وجود وأن الحزب مازال موجودا فقط في دفتر عناوين الصحفيين شأنه في ذلك شأن العديد من الأحزاب الأخرى، في حين أكد آخرون استقالتهم من الحزب ولم يعد يربطهم به أي شيء.

وبعد محاولات عديدة تحصلت "الصباح" على القيادي بالحزب والبرلماني أسامة الخليفي الذي قال: "نتحدى أي شخص يؤكد أن "قلب تونس" قد تلقى أموالا من الخارج على اعتبار أن الموضوع فيه الكثير من التلاعب واللعب على المصطلحات، فالكل يروج أن الحزب تلقى تمويلا من الخارج في حين انه العكس تماما حيث أن اللوائح المالية لـ"قلب توتس" تشهد على ذلك وكل ما في الأمر أن هناك منهجا لضرب الحزب وقياداته منذ اللحظة الأولى لإعلان التأسيس.

وأضاف أن "الخصوم لم يكتفوا بهذا التعطيل بل استعملوا كل أنواع الثلب سواء في خطابات مباشرة أو عبر صفحات مشبوهة في محاولة لغلق كل ابواب المحاكمة العادلة وتثبيت كل ما يروج له بعضهم من مغالطات بمن فيهم رئيس الجمهورية."

وختم الخليفي بالتأكيد على ضرورة العودة الى "تقرير دائرة المحاسبات الذي اشار صراحة الى حملة قيس سعيد ايضا وما رافقها من صفحات وتمويلات هي الأخرى، فلماذا صمت الملاحظون عن هذه الصفحات ولماذا لا يتحدث المراقبون عن إمكانية تزوير الانتخابات أصلا، أما عن "قلب تونس" فهو كبقية الأحزاب يعيش حالة من المخاض بعد 25جويلية وهو اليوم في الصفوف في الدفاع عن الحرية والديمقراطية والشرعية الدستورية في إطار جبهة الخلاص."

أرشيف وزارة العدل الأمريكية

وعلى أهميته وتأثيره الكبير في الداخل والخارج لم يكن مفهوم اللوبيينغ بجديد عن بلادنا، حيث لم تكن "حركة النهضة" و"قلب تونس" و"عيش تونسي" أولى الجهات التي امضت عقودا مع مؤسسات أمريكية، فحسب المعلومات التي تحصلت عليها "الصباح" من داخل أرشيف وزارة العدل الأمريكية والمتاح للجميع، فإن أول عقد لوبيينغ وعلاقات عامة لجهة تونسية وقع تسجيله سنة 1946 وتحديدا في 19 ديسمبر 1946 وقام بتسجيل العقد الحبيب بورقيبة لفائدة "الحزب الدستوري الحر" ويحمل العقد رقم 415.

وبعد حوالي شهر من العقد الاول وتحديدا في 17 جانفي 1947 قامت جمعية تدعى "حركة التحرر لشمال إفريقيا" بتسجيل عقد لوبيينغ ثان لفائدة "الحزب الدستوري الحر" يحمل رقم 427 والهدف منه هو التعريف بحركة التحرر التونسية لدى الأوساط الأمريكية.

وفي 4 جوان 1947 قام المناضل محمد العابد بوحفة (من مواليد أوت 1913 بمدينة جرجيس) والذي كان يراسل عددا من الصحف الأمريكية بانتظام على غرار "النيويورك تاميز" و"الواشنطن بوست" بتسجيل عقد لوبيينغ يحمل رقم 466 لفائدة "حركة التحرر بشمال إفريقيا"، وبعد الاستقلال ففي 2 أكتوبر 1958 قام شخص أمريكي يدعى ليون ليطمان بتسجيل عقد لوبيينغ لفائدة الدولة التونسية بطلب من الشاذلي الطنني والباهي الأدغم.

وسنة1961 تعاقدت الدولة التونسية عن طريق السفارة التونسية بواشنطن مع شركة اللوبيينغ(Amram, Hahn &Sundlun) والعقد مسجل تحت رقم 1496 بأرشيف وزارة العدل الأمريكية.

ومنذ ذلك الوقت تعددت العقود بين الدولة التونسية وشركات اللوبيينغ الأمريكية إما لتحسين صورة الدولة التونسية لدى دوائر القرار الأمريكي او للحصول على مساعدات مالية أو الترويج للوجهة السياحية التونسية، وفي المجمل نجد أن هناك 3 عقود لوبيينغ قبل الاستقلال لفائدة "الحزب الدستوري الحر" أحدها أمضاه الحبيب بورقيبة وكانت الغاية منه التعريف بالقضية التونسية وضمان الدعم الأمريكي في حرب الاستقلال ضد الاحتلال الفرنسي.

وبلغ عدد العقود في دولة ما بعد الاستقلال الـ 17عقدا قامت بها الدولة التونسية عن طريق سفارتها بواشنطن أو عن طريق منشآت عمومية كالديوان الوطني للسياحة كوجهة سياحية وكالة النهوض بالاستثمارات لجلب المستثمرين من العالم وإقناعهم بالوجهة التونسية، وديوان التجارة للترويج لمنتجات وطنية كالدقلة وزيت الزيتون.

وبعد 1987 ونهاية الحكم البورقيبي ودخول الرئيس الراحل زين العابدين على الخط عملت الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ على الترويج للنظام 7نوفمبر حيث تكفلت وكالة الاتصال الخارجي في 30 ديسمبر 1996 بإمضاء أول عقد لوبيينغ تحت رقم 5148 مع شركة(Powel Tate Inc)وحمل العقد توقيع المدير العام للوكالة أسامة الرمضاني وقتها ومن تفاصيل العقد أن تتكفل الشركة الأمريكية بالتشبيك وربط التواصل بين الجانب التونسي وجهات إعلامية وشخصيات رسمية أمريكية لتبييض النظام السياسي وابعاد تهم ضرب حقوق الإنسان خاصة، وتبرير سياسات بن علي في حق خصومه من الاسلاميين واليساريين.

كما كان للجمعيات التونسية نشاطا موصوفا مع اللوبيات الأمريكية للحقوق والحريات حيث امضت جمعية تحت اسم "الجمعية التونسية للحريات" عقدا تحت عدد 5268 تضمن ضغطا على الكونغرس الامريكي ليضغط بدوره على النظام بن علي للكف عن الاعتقالات والحاملات الامنية على النشطاء السياسيين .

وواصل النظام السياسي تحت حكم بن علي بإبرام 6 عقود لوبيينغ أمضاها كلها من الجانب التونسي الوكالة التونسية للاتصال الخارجي أو سفارة تونس بواشنطن حيث كانت آخر العقود الممضاة بتاريخ ماي 2010 بقيمة إجمالية تقدر بـ 105 آلاف دولار على أن تتواصل الحملة الدعائية لنظام بن على إلى حدود15 جانفي 2011.

وقد تميزت تلك الفترة بظهور وثائق تهم تونس والعائلة الحاكمة آنذاك في إطار ما يعرف بقضية ويكيليكس بعد نشر وثائق تكشف عن حجم الفساد المستشري في البلاد والاستعدادات السرية لتغيير واجهة الحكم عبر استبعاد الرئيس الراحل بن علي وتغييره بشخصيات أخرى قريبة من قصر قرطاج ولها الولاء الكبير لعائلة الطرابلسية.

وكانت مجمل العقود الممضاة محل تتبع قضائي ضد اسامة الرمضاني بعد الثورة بخصوص طرق عمل الوكالة وكيفية ابرام العقود مع المتعاملين معها.

أما بعد الثورة فقد وقع تسجيل 4 عقود لوبيينغ لجهات أو أفراد تونسية منها عقد لنبيل القروي، وعقد لألفة التراس وعقدين لـ"حركة النهضة".

خليل الحناشي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لأول مرة وثائق حصرية من أرشيف وزارة العدل الأمريكية.. "الصباح" تفتح ملف "عقود اللوبيينغ"..وارتباطها بعالم السياسة و"البزنس"

 

تونس-الصباح

بالرغم من قانونيته في العديد من دول العالم واستخدامه كنظرية للترويج والبروباغندا وتحسين صورة جهة ما سواء كانت حزبية أو حكومية أو تجارية، فان عبارة اللوبيينغ في تونس تصفها العديد من القراءات بالورطة السياسية لارتباطها باللوبيات المالية.

واعتبارا للأدوار المتقدمة للمال وتأثيره في المنحى السياسي فقد اتهمت الاطراف المؤثرة في المشهد بارتباطها الوثيق بعالم "البزنس" حيث لم يتوقف خصوم النهضة مثلا باتهامها بالفساد وارتباطها بلوبيات الداخل والخارج وهو ما جرّ الحزب إلى أروقة المحاكم.

وواقعيا فقد ربطت أطراف حزبية المنافسة بقوة المال المتداول داخل مربع السياسة حيث أنه كلما كان الحزب مؤثرا كلما كانت أمواله متوفرة أكثر.

وإذ لا أحد قادر على التشكيك في قوة اللوبيات في التأثير، فان هذا المصطلح لا يخضع لأي مساءلة قانونية في بلادنا تماما كما هو الشأن بالنسبة لشركات سبر الآراء التي تعمل هي الاخرى على التحكم في المزاج الانتخابي للتونسيين أو ما يعرف اصطلاحا بالتحكم في الوعي السياسي للمواطنين.

جماعات للتأييد والضغط

ويتشكل اللوبيينغ وفق التعريفات المتفق عليها من جماعات للتأييد، وتعرف أيضا باسم جماعات الضغط أو اللوبي أو جماعات الحملات أو جماعات المصالح أو جماعات الاهتمامات الخاصة وتستخدم أشكالًا متنوعة من المؤثرات للوصول الى اكبر قاعدة جماهرية بغاية التأثير على الرأي العام الوطني والدولي لإقناعهم بوجهة نظر سياسية أو لتقديم صورة جديدة مغايرة لتلك الصورة النمطية المتعارف عليها.

وحتى تضمن لنفسها انتشارا أوسع، بدأت مؤسسات اللوبيينغ في عدة دول في العالم بتنظيم صفوفها ضمن قطاع خاص ووفق قوانين صارمة تفرض على المؤسسات نشر كل العقود بالتفاصيل الدقيقة على أن تتضمن اسم الشركة واسم جهة الاشهار واسباب ابرام العقد وخاصة قيمة العقد الممضى.

ونجحت الشركات والمؤسسات الامريكية في اقتحام هذا المجال وحولته الى مجال اقتصادي متعدد الجنسيات حيث يمكن لشركة امريكية ان يكون لها فروع عدة في عدد من الدول .

قضية نبيل القروي

وشكلت ليلة الأربعاء 2اكتوبر 2019 لحظة فارقة في حياة الانتخابات في بلادنا بعد تفجر قضية تعامل المرشح للرئاسة، نبيل القروي، مع شركة علاقات عامة كندية، يديرها رجل استخبارات إسرائيلي سابق، وذلك بعقد بلغت قيمته مليون دولار أمريكي.

تسرب عقد الدعاية للرأي العام الوطني دفع بالخصوم السياسيين للنبش في الوثائق الخاصة باللوبيينغ ليكتشف التونسيون معها عقودا أخرى تهم أطرافا سياسية على غرار "حركة النهضة" و"جمعية عيش تونسي" لتتشكل على إثرها مواقف دفعت إلى إسقاط قائمات "النهضة" و"عيش تونسي" والمترشح للرئاسة نبيل القروي.

وسارع حزب التيار الديمقراطي بعد تداول عقد نبيل القروي بالتوجه إلى القضاء ليقدم إعلاما بجريمة إلى وكيل الجمهورية، واعتبر التيار الديمقراطي حينها "أن الوثائق المنشورة لا يمكن السكوت عنها، ولها علاقة مباشرة بالانتخابات التشريعية والرئاسية ومضمونها خطير وخطير جدا"، وأنه "من الواجب إعلام وكيل الجمهورية وتم تقديم إعلام بجريمة، وليس شكاية لفتح بحث تحقيقي من أجل جرائم وجناية تتعلق بالاعتداء على الأمن الخارجي للدولة التونسية، وتمويلات مشبوهة لمرشح للرئاسة".

وقد كانت التهم الموجهة إلى نبيل القروي بـ"الاعتداء على أمن الدولة الخارجي وتبييض أموال وتلقي أحزاب سياسية لأموال من جهات أجنبية وحيازة أموال من الخارج من قبل مقيم وعدم التصريح بممتلكات في الخارج"، حسب نصّ الشكاية.

 "النهضة" و"عيش تونسي"

وقد يبين موقع ((lobbying.al-monitor.com نقلا عن موقع وزارة العدل الأمريكية تعاملات لـ"حركة النهضة" مع شركة لوبيينغ تسمّى (Burson-Marsteller)المتخصّصة في الاتصال والعلاقات العامة بعقد قيمته 285 ألف دولار في سنة 2014 بهدف تحسين صورتها والقيام باتصالات مع مسؤولين في الدولة الأمريكية إضافة إلى عقد آخر بقيمة 112.500 ألف دولار بمجموع يقدر بـ 397 ألف دولار.

كما بين نفس المصدر تعاقد رئيسة جمعية "عيش تونسي" ألفة التراس المترشحة للانتخابات التشريعية لسنة 2019 مع شركةAmerica to Africa Consulting التي تنشط في مجال اللوبيينغ بهدف تعزيز صورتها في الخارج وتنظيم لقاءات مع قادة دول وحكومات وكبار القادة في مجال الأعمال والفكر ورؤساء المؤسسات الإفريقية الكبرى، وتبلغ قيمة العقد 15 ألف دولار شهريا لمدة 6اشهر .

زينب البراهمي ترد..

وفي هذا الإطار جددت رئيسة المكتب القانوني بحزب "حركة النهضة" زينب البراهمي موقفها الصادر عنها في احدى ندواتها الصحفية أن ''حركة النهضة لم تبرم أي عقد لوبيينغ'، لا بصفة أصلية ولا بتوكيل ولا الحزب كشخص معنوي أو أحد قياداته ولا أحد أنصاره، وهذا ما تثبته وثائق.

وبينت البراهمي أن الملف حاليا تحت أنظار القضاء، وأشارت إلى أن البحث يتم على معنى الفصل 31 من مجلة الإجراءات الجزائية. واعتبرت أن الاتهامات الموجة لـ"النهضة" صدرت عن أطراف سياسية أرادت الاستفادة منها باطلا.

وواصلت البراهمي حديثها بالتأكيد على أن 'حزب النهضة لم يتحصل على أية مبالغ مالية سواءً عبر تحويل أو تنزيل مبالغ مالية في حسابها من الداخل أو الخارج وهذا ثابت بوثائق رسمية ولا علاقة لها لا من قريب أو من بعيد بقضية اللوبيينغ".

ونددت البراهمي بتواصل هذه الحملات ضد "حركة النهضة" وحتى من شخصيات رسمية مثل رئيس الجمهورية قيس سعيد في محاولة للضغط على القضاء، وفق تقديرها.

أسامة الخليفي ينفي..

وقد حاولت "الصباح" تسليط الضوء من جديد على موقف "حزب قلب تونس" من موضوع اللوبيينغ والتي أُتهم فيها مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية نبيل القروي بالالتجاء لقوى ضغط إسرائيلية، ففي حين دافعت "النهضة" عن سلامة إجراءاتها، فان "حزب قلب تونس" لم يكن متاحا بالشكل الكافي حيث أن المحاولة لم تنجح في البداية لاقتلاع موقف جديد بعد إقرار عدد ممن اتصلنا بهم لتقديم مواقفهم، حيث أكد أغلبهم أنه لم يعد لـ"قلب تونس" أي وجود وأن الحزب مازال موجودا فقط في دفتر عناوين الصحفيين شأنه في ذلك شأن العديد من الأحزاب الأخرى، في حين أكد آخرون استقالتهم من الحزب ولم يعد يربطهم به أي شيء.

وبعد محاولات عديدة تحصلت "الصباح" على القيادي بالحزب والبرلماني أسامة الخليفي الذي قال: "نتحدى أي شخص يؤكد أن "قلب تونس" قد تلقى أموالا من الخارج على اعتبار أن الموضوع فيه الكثير من التلاعب واللعب على المصطلحات، فالكل يروج أن الحزب تلقى تمويلا من الخارج في حين انه العكس تماما حيث أن اللوائح المالية لـ"قلب توتس" تشهد على ذلك وكل ما في الأمر أن هناك منهجا لضرب الحزب وقياداته منذ اللحظة الأولى لإعلان التأسيس.

وأضاف أن "الخصوم لم يكتفوا بهذا التعطيل بل استعملوا كل أنواع الثلب سواء في خطابات مباشرة أو عبر صفحات مشبوهة في محاولة لغلق كل ابواب المحاكمة العادلة وتثبيت كل ما يروج له بعضهم من مغالطات بمن فيهم رئيس الجمهورية."

وختم الخليفي بالتأكيد على ضرورة العودة الى "تقرير دائرة المحاسبات الذي اشار صراحة الى حملة قيس سعيد ايضا وما رافقها من صفحات وتمويلات هي الأخرى، فلماذا صمت الملاحظون عن هذه الصفحات ولماذا لا يتحدث المراقبون عن إمكانية تزوير الانتخابات أصلا، أما عن "قلب تونس" فهو كبقية الأحزاب يعيش حالة من المخاض بعد 25جويلية وهو اليوم في الصفوف في الدفاع عن الحرية والديمقراطية والشرعية الدستورية في إطار جبهة الخلاص."

أرشيف وزارة العدل الأمريكية

وعلى أهميته وتأثيره الكبير في الداخل والخارج لم يكن مفهوم اللوبيينغ بجديد عن بلادنا، حيث لم تكن "حركة النهضة" و"قلب تونس" و"عيش تونسي" أولى الجهات التي امضت عقودا مع مؤسسات أمريكية، فحسب المعلومات التي تحصلت عليها "الصباح" من داخل أرشيف وزارة العدل الأمريكية والمتاح للجميع، فإن أول عقد لوبيينغ وعلاقات عامة لجهة تونسية وقع تسجيله سنة 1946 وتحديدا في 19 ديسمبر 1946 وقام بتسجيل العقد الحبيب بورقيبة لفائدة "الحزب الدستوري الحر" ويحمل العقد رقم 415.

وبعد حوالي شهر من العقد الاول وتحديدا في 17 جانفي 1947 قامت جمعية تدعى "حركة التحرر لشمال إفريقيا" بتسجيل عقد لوبيينغ ثان لفائدة "الحزب الدستوري الحر" يحمل رقم 427 والهدف منه هو التعريف بحركة التحرر التونسية لدى الأوساط الأمريكية.

وفي 4 جوان 1947 قام المناضل محمد العابد بوحفة (من مواليد أوت 1913 بمدينة جرجيس) والذي كان يراسل عددا من الصحف الأمريكية بانتظام على غرار "النيويورك تاميز" و"الواشنطن بوست" بتسجيل عقد لوبيينغ يحمل رقم 466 لفائدة "حركة التحرر بشمال إفريقيا"، وبعد الاستقلال ففي 2 أكتوبر 1958 قام شخص أمريكي يدعى ليون ليطمان بتسجيل عقد لوبيينغ لفائدة الدولة التونسية بطلب من الشاذلي الطنني والباهي الأدغم.

وسنة1961 تعاقدت الدولة التونسية عن طريق السفارة التونسية بواشنطن مع شركة اللوبيينغ(Amram, Hahn &Sundlun) والعقد مسجل تحت رقم 1496 بأرشيف وزارة العدل الأمريكية.

ومنذ ذلك الوقت تعددت العقود بين الدولة التونسية وشركات اللوبيينغ الأمريكية إما لتحسين صورة الدولة التونسية لدى دوائر القرار الأمريكي او للحصول على مساعدات مالية أو الترويج للوجهة السياحية التونسية، وفي المجمل نجد أن هناك 3 عقود لوبيينغ قبل الاستقلال لفائدة "الحزب الدستوري الحر" أحدها أمضاه الحبيب بورقيبة وكانت الغاية منه التعريف بالقضية التونسية وضمان الدعم الأمريكي في حرب الاستقلال ضد الاحتلال الفرنسي.

وبلغ عدد العقود في دولة ما بعد الاستقلال الـ 17عقدا قامت بها الدولة التونسية عن طريق سفارتها بواشنطن أو عن طريق منشآت عمومية كالديوان الوطني للسياحة كوجهة سياحية وكالة النهوض بالاستثمارات لجلب المستثمرين من العالم وإقناعهم بالوجهة التونسية، وديوان التجارة للترويج لمنتجات وطنية كالدقلة وزيت الزيتون.

وبعد 1987 ونهاية الحكم البورقيبي ودخول الرئيس الراحل زين العابدين على الخط عملت الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ على الترويج للنظام 7نوفمبر حيث تكفلت وكالة الاتصال الخارجي في 30 ديسمبر 1996 بإمضاء أول عقد لوبيينغ تحت رقم 5148 مع شركة(Powel Tate Inc)وحمل العقد توقيع المدير العام للوكالة أسامة الرمضاني وقتها ومن تفاصيل العقد أن تتكفل الشركة الأمريكية بالتشبيك وربط التواصل بين الجانب التونسي وجهات إعلامية وشخصيات رسمية أمريكية لتبييض النظام السياسي وابعاد تهم ضرب حقوق الإنسان خاصة، وتبرير سياسات بن علي في حق خصومه من الاسلاميين واليساريين.

كما كان للجمعيات التونسية نشاطا موصوفا مع اللوبيات الأمريكية للحقوق والحريات حيث امضت جمعية تحت اسم "الجمعية التونسية للحريات" عقدا تحت عدد 5268 تضمن ضغطا على الكونغرس الامريكي ليضغط بدوره على النظام بن علي للكف عن الاعتقالات والحاملات الامنية على النشطاء السياسيين .

وواصل النظام السياسي تحت حكم بن علي بإبرام 6 عقود لوبيينغ أمضاها كلها من الجانب التونسي الوكالة التونسية للاتصال الخارجي أو سفارة تونس بواشنطن حيث كانت آخر العقود الممضاة بتاريخ ماي 2010 بقيمة إجمالية تقدر بـ 105 آلاف دولار على أن تتواصل الحملة الدعائية لنظام بن على إلى حدود15 جانفي 2011.

وقد تميزت تلك الفترة بظهور وثائق تهم تونس والعائلة الحاكمة آنذاك في إطار ما يعرف بقضية ويكيليكس بعد نشر وثائق تكشف عن حجم الفساد المستشري في البلاد والاستعدادات السرية لتغيير واجهة الحكم عبر استبعاد الرئيس الراحل بن علي وتغييره بشخصيات أخرى قريبة من قصر قرطاج ولها الولاء الكبير لعائلة الطرابلسية.

وكانت مجمل العقود الممضاة محل تتبع قضائي ضد اسامة الرمضاني بعد الثورة بخصوص طرق عمل الوكالة وكيفية ابرام العقود مع المتعاملين معها.

أما بعد الثورة فقد وقع تسجيل 4 عقود لوبيينغ لجهات أو أفراد تونسية منها عقد لنبيل القروي، وعقد لألفة التراس وعقدين لـ"حركة النهضة".

خليل الحناشي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews