شهدت الساحة الاقتصادية في تونس، مؤخرا، مؤشرا لافتا تمثل في ارتفاع احتياطي البلاد من العملة الصعبة، ليبلغ لأول مرة منذ مطلع العام الجاري مستوى يغطي 109 أيام من التوريد، وهو ما يعادل قرابة أربعة أشهر، وذلك بعد فترة من التراجع الحاد في شهر فيفري الماضي، حيث تدنى الغطاء إلى ما دون 90 يوما.
هذا التطور الذي قد يبدو تقنيا للبعض، يحمل في طياته مؤشرات مهمة على أكثر من صعيد: من انتظام تدفقات الموارد المالية، إلى تحسن نسبي في المناخ النقدي، ومن انعكاسات إيجابية على القدرة الشرائية والاستقرار الاقتصادي، إلى تحديات تفرضها المرحلة القادمة على صناع القرار.
خلفية التراجع في فيفري الماضي
لإدراك دلالات هذا التحسن، يجدر التوقف عند أسباب الأزمة التي عاشتها البلاد قبل أشهر قليلة.
ففي شهر فيفري الماضي، تراجعت احتياطيات تونس من العملة الصعبة بشكل لافت تحت تأثير تزامن عدة عوامل، منها ارتفاع قيمة الواردات، خاصة المواد الطاقية والغذائية، في ظل ارتفاع الأسعار العالمية، وهو ما شكل ضغطا متواصلا على ميزان الدفوعات، فضلا عن صرف عدد من التمويلات الخارجية التي كانت الدولة بصدد التفاوض حولها مع شركاء دوليين كصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل البنك المركزي يتحرك بقدرات محدودة في مواجهة حاجيات السوق. إضافة إلى ضعف إيرادات بعض القطاعات الحيوية مثل الفسفاط في تلك الفترة، مقابل تراجع طفيف في تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج بسبب تباطؤ اقتصادي عالمي، إلى جانب خلاص تونس لديونها الخارجية في النصف الأول من العام الجاري، وهي مستحقات ثقيلة، تسببت في انحدار الاحتياطي النقدي إلى مستويات مقلقة.
كل هذه الظروف تضافرت لتُقلّص الغطاء النقدي وتزيد من المخاوف بشأن القدرة على الوفاء بمتطلبات التوريد، خصوصا في ظل حساسية السوق التونسية لأي تقلب خارجي.
عوامل الارتفاع إلى مستوى 109 أيام
ومنذ جويلية الماضي، تغيرت المعطيات بشكل ملموس ليتحقق هذا الارتفاع في الاحتياطي من العملة الصعبة.
أول هذه العوامل تمثل في الانتعاش السياحي الملحوظ خلال موسم الصيف، إذ سجلت تونس توافدا قياسيا للسياح، وارتفعت العائدات بالعملة الأجنبية إلى مستويات قاربت أرقام ما قبل الجائحة، وهو ما انعكس مباشرة على أرصدة البنك المركزي.
العنصر الثاني، حسب ما كشفه خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، يكمن في العودة التدريجية لإنتاج الفسفاط، وحسن تصريف صادراته بعد عودة الهدوء الاجتماعي في الحوض المنجمي، مما عزز المداخيل بالعملة الصعبة. كما لعبت تحويلات التونسيين بالخارج دورا رئيسيا في تعزيز خزائن الدولة من النقد الأجنبي، ذلك أن تحويلاتهم استقرت على وتيرة إيجابية مدعومة بالتحسن في سوق العمل الأوروبية بالخصوص.
إلى جانب ذلك، تمكنت تونس من الحصول على بعض القروض والتمويلات الثنائية من دول صديقة وشركاء تقليديين، وهو ما ساعد على تنويع مصادر السيولة الأجنبية في فترة حساسة. هذه العوامل مجتمعة ساهمت في رفع مستوى الاحتياطي ليبلغ سقفا مريحا نسبيا مقارنة بالأشهر السابقة.
قراءة اقتصادية في هذا التطور
الوصول إلى غطاء يقارب 109 أيام توريد يعني من الناحية التقنية أن تونس أصبحت تتمتع بهامش أوسع لمواجهة حاجياتها من المواد الأساسية والمحروقات والسلع الاستهلاكية دون ضغط كبير على عملتها الوطنية.
فالمستوى الذي تم بلوغه يُعد وفق المعايير الدولية مقبولا، إذ يُعتبر توفر غطاء يتراوح بين 3 و4 أشهر من التوريد مؤشرا على قدر معقول من الاستقرار النقدي.
هذا التطور، حسب الخبراء، يرسل رسالة طمأنة إلى الأسواق المالية وإلى الشركاء الدوليين حول قدرة تونس على الحفاظ على التوازنات الكبرى ولو مرحليا، كما أنه يمنح البنك المركزي مجالا أوسع لتدبير السياسة النقدية دون خوف مفرط من نزيف في المدخرات.
من زاوية أخرى، قد ينعكس هذا التحسن نسبيا على استقرار سعر صرف الدينار التونسي في مواجهة العملات الأجنبية، وهو ما يقلل من الضغوط التضخمية التي تتغذى عادة من تراجع العملة الوطنية.
التحديات الكامنة وراء المؤشرات الإيجابية
رغم وجاهة هذا المؤشر، فإن التحليل الموضوعي يفرض عدم الوقوع في فخ التفاؤل المفرط.
ذلك أن ارتفاع الاحتياطي الحالي يبقى ظرفيا في أجزاء منه، إذ يعتمد بشكل خاص على موسمية العائدات السياحية التي قد لا تستمر بنفس الوتيرة في الأشهر المقبلة.
كما أن الاعتماد على القروض والتمويلات الخارجية كوسيلة لإنعاش المدخرات النقدية قد يحمل مخاطر مستقبلية، خصوصا إذا تم استعمالها لسد العجز المالي لا لتمويل مشاريع إنتاجية تُدرّ عائدات مستدامة.
إلى جانب ذلك، يبقى الاقتصاد التونسي عرضة لتقلبات السوق العالمية، سواء في أسعار الطاقة أو في حركة التجارة الدولية.
فأي صدمات خارجية، مثل الارتفاع المفاجئ لأسعار النفط أو تباطؤ الطلب على صادرات تونس من المنتوجات الفلاحية والصناعية، قد يُعيد الاحتياطي النقدي إلى مسار التراجع.
ولا ننسى أن تونس رفضت التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وعوّلت على مواردها الذاتية، وهو أحد أهم العناصر الإيجابية التي دفعت بفرض سياسات نقدية صارمة، أرجعت الثقة للمستثمرين.
انعكاسات على المرحلة القادمة
على المدى القصير، يمنح ارتفاع الاحتياطي تونس متنفسا هاما لإدارة شؤونها الاقتصادية والمالية بأقل ضغوط.
فهو يساعد الحكومة على تأمين الحاجيات الاستراتيجية من القمح والمواد الطاقية، ما يعني الحد من المخاوف بخصوص تواصل تزويد الأسواق المحلية.
كما أنه يخفف من التوترات المرتبطة بفاتورة الاستيراد، ويسمح باستقرار نسبي للأسعار، بما يحافظ على القدرة الشرائية للمواطن ولو جزئيا.
على مستوى السياسة النقدية، يتمتع البنك المركزي بمرونة أكبر في التحكم في سعر الصرف والحد من المضاربات في السوق الموازية.
اقتصاديا أيضا، يمكن لهذا المؤشر أن يُعزّز ثقة الشركاء الدوليين في قدرة تونس على الوفاء بتعهداتها المالية، ما يسهل عمليات التفاوض للحصول على تمويلات إضافية بشروط أخف.
كما قد يشكل عامل جذب أفضل للاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تنظر عادة إلى استقرار العملة والاحتياطي كإحدى علامات الأمان المالي.
ما الذي تحتاجه تونس لتثبيت هذا المكسب؟
يبقى السؤال الجوهري هو كيفية تحويل هذا الارتفاع من ظرفية إيجابية إلى اتجاه مستدام.
الحل، حسب خبراء الاقتصاد، يكمن في مراجعة البنية الاقتصادية نحو تنويع مصادر العملة الصعبة، عبر تطوير صادرات القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وتعزيز الإنتاج الوطني القادر على تقليص التبعية للواردات، إلى جانب تحسين مناخ الأعمال لجذب استثمارات نوعية.
كما يتطلب الأمر إصلاحا جبائيا وهيكليا يوفر موارد ذاتية للدولة ويقلل من اعتمادها المفرط على المديونية الخارجية.
إلى ذلك، من الضروري الحفاظ على استقرار اجتماعي واقتصادي يضمن استمرارية نسق الإنتاج في القطاعات الحيوية مثل الفسفاط والطاقة، إذ أثبتت السنوات الماضية أن أي اضطرابات اجتماعية تنعكس مباشرة وسلبا على العائدات بالعملة الصعبة.
ولا يمكن الحديث عن استدامة الاحتياطيات النقدية دون إعادة هيكلة قطاع الطاقة وإيجاد حلول لمنظومة الدعم التي تُثقل كاهل المالية العمومية.
وإجمالا، يُعد وصول احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى 109 أيام توريد إنجازا نسبيا يعكس تحسنا في عدة قطاعات اقتصادية، ويمنح البلاد هوامش أوسع للتحرك في الظرفية الحالية، خاصة بعد الضغوط الكبيرة التي عانتها في بداية السنة.
غير أن هذا المؤشر وحده لا يكفي ما لم يترافق مع إصلاحات عميقة تضمن ديناميكية اقتصادية طويلة المدى، وتُقلل من هشاشة البلاد أمام الصدمات الخارجية.
المرحلة القادمة ستكون اختبارا لمدى قدرة الدولة على تثبيت هذا المكسب وتحويله إلى رافعة حقيقية للنمو.
فالنجاح في ذلك لن يكون بالاعتماد على عوامل ظرفية، بل عبر رؤية اقتصادية متكاملة تضع في صلبها تنويع مصادر الثروة وتحقيق التوازن بين الاستقرار النقدي والتنمية الاجتماعية. ومن هنا، فإن الاحتياطي النقدي ليس مجرد رقم في تقارير البنك المركزي، بل هو مرآة لواقع اقتصادي يحتاج إلى سياسات رشيدة تقود تونس نحو مرحلة أكثر ثباتا واستدامة.
سفيان المهداوي
شهدت الساحة الاقتصادية في تونس، مؤخرا، مؤشرا لافتا تمثل في ارتفاع احتياطي البلاد من العملة الصعبة، ليبلغ لأول مرة منذ مطلع العام الجاري مستوى يغطي 109 أيام من التوريد، وهو ما يعادل قرابة أربعة أشهر، وذلك بعد فترة من التراجع الحاد في شهر فيفري الماضي، حيث تدنى الغطاء إلى ما دون 90 يوما.
هذا التطور الذي قد يبدو تقنيا للبعض، يحمل في طياته مؤشرات مهمة على أكثر من صعيد: من انتظام تدفقات الموارد المالية، إلى تحسن نسبي في المناخ النقدي، ومن انعكاسات إيجابية على القدرة الشرائية والاستقرار الاقتصادي، إلى تحديات تفرضها المرحلة القادمة على صناع القرار.
خلفية التراجع في فيفري الماضي
لإدراك دلالات هذا التحسن، يجدر التوقف عند أسباب الأزمة التي عاشتها البلاد قبل أشهر قليلة.
ففي شهر فيفري الماضي، تراجعت احتياطيات تونس من العملة الصعبة بشكل لافت تحت تأثير تزامن عدة عوامل، منها ارتفاع قيمة الواردات، خاصة المواد الطاقية والغذائية، في ظل ارتفاع الأسعار العالمية، وهو ما شكل ضغطا متواصلا على ميزان الدفوعات، فضلا عن صرف عدد من التمويلات الخارجية التي كانت الدولة بصدد التفاوض حولها مع شركاء دوليين كصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل البنك المركزي يتحرك بقدرات محدودة في مواجهة حاجيات السوق. إضافة إلى ضعف إيرادات بعض القطاعات الحيوية مثل الفسفاط في تلك الفترة، مقابل تراجع طفيف في تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج بسبب تباطؤ اقتصادي عالمي، إلى جانب خلاص تونس لديونها الخارجية في النصف الأول من العام الجاري، وهي مستحقات ثقيلة، تسببت في انحدار الاحتياطي النقدي إلى مستويات مقلقة.
كل هذه الظروف تضافرت لتُقلّص الغطاء النقدي وتزيد من المخاوف بشأن القدرة على الوفاء بمتطلبات التوريد، خصوصا في ظل حساسية السوق التونسية لأي تقلب خارجي.
عوامل الارتفاع إلى مستوى 109 أيام
ومنذ جويلية الماضي، تغيرت المعطيات بشكل ملموس ليتحقق هذا الارتفاع في الاحتياطي من العملة الصعبة.
أول هذه العوامل تمثل في الانتعاش السياحي الملحوظ خلال موسم الصيف، إذ سجلت تونس توافدا قياسيا للسياح، وارتفعت العائدات بالعملة الأجنبية إلى مستويات قاربت أرقام ما قبل الجائحة، وهو ما انعكس مباشرة على أرصدة البنك المركزي.
العنصر الثاني، حسب ما كشفه خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، يكمن في العودة التدريجية لإنتاج الفسفاط، وحسن تصريف صادراته بعد عودة الهدوء الاجتماعي في الحوض المنجمي، مما عزز المداخيل بالعملة الصعبة. كما لعبت تحويلات التونسيين بالخارج دورا رئيسيا في تعزيز خزائن الدولة من النقد الأجنبي، ذلك أن تحويلاتهم استقرت على وتيرة إيجابية مدعومة بالتحسن في سوق العمل الأوروبية بالخصوص.
إلى جانب ذلك، تمكنت تونس من الحصول على بعض القروض والتمويلات الثنائية من دول صديقة وشركاء تقليديين، وهو ما ساعد على تنويع مصادر السيولة الأجنبية في فترة حساسة. هذه العوامل مجتمعة ساهمت في رفع مستوى الاحتياطي ليبلغ سقفا مريحا نسبيا مقارنة بالأشهر السابقة.
قراءة اقتصادية في هذا التطور
الوصول إلى غطاء يقارب 109 أيام توريد يعني من الناحية التقنية أن تونس أصبحت تتمتع بهامش أوسع لمواجهة حاجياتها من المواد الأساسية والمحروقات والسلع الاستهلاكية دون ضغط كبير على عملتها الوطنية.
فالمستوى الذي تم بلوغه يُعد وفق المعايير الدولية مقبولا، إذ يُعتبر توفر غطاء يتراوح بين 3 و4 أشهر من التوريد مؤشرا على قدر معقول من الاستقرار النقدي.
هذا التطور، حسب الخبراء، يرسل رسالة طمأنة إلى الأسواق المالية وإلى الشركاء الدوليين حول قدرة تونس على الحفاظ على التوازنات الكبرى ولو مرحليا، كما أنه يمنح البنك المركزي مجالا أوسع لتدبير السياسة النقدية دون خوف مفرط من نزيف في المدخرات.
من زاوية أخرى، قد ينعكس هذا التحسن نسبيا على استقرار سعر صرف الدينار التونسي في مواجهة العملات الأجنبية، وهو ما يقلل من الضغوط التضخمية التي تتغذى عادة من تراجع العملة الوطنية.
التحديات الكامنة وراء المؤشرات الإيجابية
رغم وجاهة هذا المؤشر، فإن التحليل الموضوعي يفرض عدم الوقوع في فخ التفاؤل المفرط.
ذلك أن ارتفاع الاحتياطي الحالي يبقى ظرفيا في أجزاء منه، إذ يعتمد بشكل خاص على موسمية العائدات السياحية التي قد لا تستمر بنفس الوتيرة في الأشهر المقبلة.
كما أن الاعتماد على القروض والتمويلات الخارجية كوسيلة لإنعاش المدخرات النقدية قد يحمل مخاطر مستقبلية، خصوصا إذا تم استعمالها لسد العجز المالي لا لتمويل مشاريع إنتاجية تُدرّ عائدات مستدامة.
إلى جانب ذلك، يبقى الاقتصاد التونسي عرضة لتقلبات السوق العالمية، سواء في أسعار الطاقة أو في حركة التجارة الدولية.
فأي صدمات خارجية، مثل الارتفاع المفاجئ لأسعار النفط أو تباطؤ الطلب على صادرات تونس من المنتوجات الفلاحية والصناعية، قد يُعيد الاحتياطي النقدي إلى مسار التراجع.
ولا ننسى أن تونس رفضت التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وعوّلت على مواردها الذاتية، وهو أحد أهم العناصر الإيجابية التي دفعت بفرض سياسات نقدية صارمة، أرجعت الثقة للمستثمرين.
انعكاسات على المرحلة القادمة
على المدى القصير، يمنح ارتفاع الاحتياطي تونس متنفسا هاما لإدارة شؤونها الاقتصادية والمالية بأقل ضغوط.
فهو يساعد الحكومة على تأمين الحاجيات الاستراتيجية من القمح والمواد الطاقية، ما يعني الحد من المخاوف بخصوص تواصل تزويد الأسواق المحلية.
كما أنه يخفف من التوترات المرتبطة بفاتورة الاستيراد، ويسمح باستقرار نسبي للأسعار، بما يحافظ على القدرة الشرائية للمواطن ولو جزئيا.
على مستوى السياسة النقدية، يتمتع البنك المركزي بمرونة أكبر في التحكم في سعر الصرف والحد من المضاربات في السوق الموازية.
اقتصاديا أيضا، يمكن لهذا المؤشر أن يُعزّز ثقة الشركاء الدوليين في قدرة تونس على الوفاء بتعهداتها المالية، ما يسهل عمليات التفاوض للحصول على تمويلات إضافية بشروط أخف.
كما قد يشكل عامل جذب أفضل للاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تنظر عادة إلى استقرار العملة والاحتياطي كإحدى علامات الأمان المالي.
ما الذي تحتاجه تونس لتثبيت هذا المكسب؟
يبقى السؤال الجوهري هو كيفية تحويل هذا الارتفاع من ظرفية إيجابية إلى اتجاه مستدام.
الحل، حسب خبراء الاقتصاد، يكمن في مراجعة البنية الاقتصادية نحو تنويع مصادر العملة الصعبة، عبر تطوير صادرات القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وتعزيز الإنتاج الوطني القادر على تقليص التبعية للواردات، إلى جانب تحسين مناخ الأعمال لجذب استثمارات نوعية.
كما يتطلب الأمر إصلاحا جبائيا وهيكليا يوفر موارد ذاتية للدولة ويقلل من اعتمادها المفرط على المديونية الخارجية.
إلى ذلك، من الضروري الحفاظ على استقرار اجتماعي واقتصادي يضمن استمرارية نسق الإنتاج في القطاعات الحيوية مثل الفسفاط والطاقة، إذ أثبتت السنوات الماضية أن أي اضطرابات اجتماعية تنعكس مباشرة وسلبا على العائدات بالعملة الصعبة.
ولا يمكن الحديث عن استدامة الاحتياطيات النقدية دون إعادة هيكلة قطاع الطاقة وإيجاد حلول لمنظومة الدعم التي تُثقل كاهل المالية العمومية.
وإجمالا، يُعد وصول احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى 109 أيام توريد إنجازا نسبيا يعكس تحسنا في عدة قطاعات اقتصادية، ويمنح البلاد هوامش أوسع للتحرك في الظرفية الحالية، خاصة بعد الضغوط الكبيرة التي عانتها في بداية السنة.
غير أن هذا المؤشر وحده لا يكفي ما لم يترافق مع إصلاحات عميقة تضمن ديناميكية اقتصادية طويلة المدى، وتُقلل من هشاشة البلاد أمام الصدمات الخارجية.
المرحلة القادمة ستكون اختبارا لمدى قدرة الدولة على تثبيت هذا المكسب وتحويله إلى رافعة حقيقية للنمو.
فالنجاح في ذلك لن يكون بالاعتماد على عوامل ظرفية، بل عبر رؤية اقتصادية متكاملة تضع في صلبها تنويع مصادر الثروة وتحقيق التوازن بين الاستقرار النقدي والتنمية الاجتماعية. ومن هنا، فإن الاحتياطي النقدي ليس مجرد رقم في تقارير البنك المركزي، بل هو مرآة لواقع اقتصادي يحتاج إلى سياسات رشيدة تقود تونس نحو مرحلة أكثر ثباتا واستدامة.