في خضمّ التحوّلات المضطربة التي تشهدها المنطقة، من تعقيدات المشهد الليبي إلى المأساة المتواصلة في فلسطين، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى رؤى مشتركة وحلول متوازنة تضمن الأمن والاستقرار.
وفي هذا السياق جاءت زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي إلى تونس ولقائه برئيس الجمهورية قيس سعيّد، لتؤكّد أنّ البلدين الشقيقين اختارا توحيد الجهود وبناء شراكة استراتيجية تُترجم وعيهما المشترك بأنّ المصير واحد وأنّ التحديات لا يمكن مجابهتها إلا برؤية موحّدة.
المحادثات بين الرئيسين لم تقتصر في جوهرها - وفقا للمتابعين للشأن العام - على الجانب البروتوكولي، بل عكست إرادة سياسية واضحة في الدفع نحو التكامل الاقتصادي والأمني، والتسريع في تجاوز العراقيل التي عطلت في السابق انسياب التعاون. وقد شدّد رئيس الجمهورية على أنّ أمن تونس واستقرارها لا ينفصلان عن أمن ليبيا واستقرارها، مؤكّدًا أنّ التحديات المشتركة لا يمكن مواجهتها إلا بتنسيق مباشر وفعّال.
وفي هذا الاطار، برز البعد الاستراتيجي للقاء، فأولى الرسائل التي حملها لقاء قصر قرطاج تأكيد رئيس الدولة قيس سعيّد على أنّ الأزمة الليبية شأن داخلي بحت، والحل لا يمكن أن يكون إلا «ليبيا – ليبيا»، إذ لم يتردد رئيس الدولة في إعادة التأكيد على الموقف التونسي الثابت من الأزمة الليبية، بعيدًا عن كل أشكال التدخل الخارجي. وهو موقف يعكس تمسك تونس برؤية واضحة وبمبدأ السيادة الوطنية ورفض تحويل ليبيا إلى ساحة صراع دولي، معوّلة على وعي الشعب الليبي وإرادته في صياغة مستقبله.
من جانب آخر، وفيما يتعلق بالبعد الأمني ووحدة المصير، يشير ملاحظون إلى أن تونس وليبيا تتقاسمان حدودًا طويلة، لكنهما تتقاسمان أيضًا تحديات مشتركة على غرار مكافحة الإرهاب، ومواجهة شبكات التهريب والهجرة غير النظامية، والحفاظ على استقرار المنطقة. وقد شدّد الرئيس قيس سعيّد على أنّ «أمن تونس من أمن ليبيا وأمن ليبيا من أمن تونس»، وهي صياغة تختزل فلسفة كاملة تقوم على اعتبار الأمن القومي للبلدين وحدة لا تتجزأ. ومن هنا، فإن اللقاء يفتح الباب أمام تنسيق أمني أعمق قد يأخذ أشكالا جديدة في المرحلة المقبلة.
وإذا كان الأمن يمثل قاعدة الاستقرار، فإن الاقتصاد هو الرهان الحقيقي للمستقبل. وبما أن البلدين يمتلكان فرصا هائلة لخلق فضاء اقتصادي مشترك قائم على تكامل الموارد: النفط والغاز في ليبيا، والقدرات الصناعية والخدماتية في تونس، فزيارة المنفي إلى تونس تعكس رغبة متبادلة في الانتقال من منطق المبادلات الظرفية إلى منطق الشراكة الاستراتيجية التي تعود بالنفع المباشر على الشعبين، وتمنح الجنوب المتوسطي قوة تفاوضية أكبر أمام التكتلات الدولية.
اللقاء لم يقتصر على الملفات الثنائية، بل اتسع أيضا ليشمل البعد القومي الأوسع من خلال التطرق إلى القضية الفلسطينية. وقد جدد رئيس الدولة موقف تونس الثابت والدائم الرافض لجرائم الاحتلال والداعم لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة كاملة السيادة، بما يفضي إلى أن تونس ما تزال متمسكة بدورها العربي التقليدي، وأن التحالف التونسي – الليبي يمكن أن يشكل صوتا إقليميا فاعلا في القضايا الكبرى.
في قراءة لأبعاد هذه الزيارة تشير نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس نواب الشعب ريم الصغير في تصريح لـ«الصباح» إلى أن هذه الزيارة تؤكد في جوهرها موقف تونس الثابت من الأزمة الليبية والتي كانت قد عبرت عنه في وقت سابق، على اعتبار أن الحل يقتضي أن يكون «ليبيًا ليبيًا» بالأساس بما يُفضي إلى تمسك تونس بمبدأ السيادة الوطنية.
من جانب آخر وفي نفس الاتجاه، يشير أستاذ القانون العام والعلاقات الدولية عدنان الإمام في تصريح لـ«الصباح» إلى أن التنسيق بين البلدين يظل هاما في الظرف الراهن، معرجا في هذا الجانب على القمة الثلاثية بين تونس وليبيا والجزائر التي من المنتظر أن تلتئم في ليبيا، معتبرا أن عدم انعقادها في الفترة الماضية يؤشر إلى هشاشة الوضع السياسي العام في الغرب الليبي. وبالعودة إلى فحوى اللقاء، أورد محدثنا أنه من الطبيعي جدًا أن يتم التنسيق والتشاور بين البلدين بصفة دورية وفي شتى المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية، مشيرا إلى أن الوضع الجيوسياسي في المنطقة يستوجب مجابهة التحديات المشتركة من خلال بلورة رؤية مشتركة.
في هذا الخضم تكشف زيارة المنفي إلى تونس بوضوح أنّ البلدين يقفان على أعتاب مرحلة جديدة: مرحلة الانتقال من التعاون التقليدي إلى التكامل الاستراتيجي.
وهي مرحلة تتطلب إرادة سياسية، وإدارة مشتركة للتحديات، ورؤية مستقبلية قادرة على تحويل الروابط التاريخية والجغرافية إلى مشروع عملي للأمن والتنمية المشتركة. ليحمل اللقاء جملة من الرسائل إلى الداخل والخارج، مفادها أن تونس وليبيا، ورغم كل الصعاب، قادرتان على رسم طريقهما نحو الاستقرار والازدهار.
منال حرزي
في خضمّ التحوّلات المضطربة التي تشهدها المنطقة، من تعقيدات المشهد الليبي إلى المأساة المتواصلة في فلسطين، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى رؤى مشتركة وحلول متوازنة تضمن الأمن والاستقرار.
وفي هذا السياق جاءت زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي إلى تونس ولقائه برئيس الجمهورية قيس سعيّد، لتؤكّد أنّ البلدين الشقيقين اختارا توحيد الجهود وبناء شراكة استراتيجية تُترجم وعيهما المشترك بأنّ المصير واحد وأنّ التحديات لا يمكن مجابهتها إلا برؤية موحّدة.
المحادثات بين الرئيسين لم تقتصر في جوهرها - وفقا للمتابعين للشأن العام - على الجانب البروتوكولي، بل عكست إرادة سياسية واضحة في الدفع نحو التكامل الاقتصادي والأمني، والتسريع في تجاوز العراقيل التي عطلت في السابق انسياب التعاون. وقد شدّد رئيس الجمهورية على أنّ أمن تونس واستقرارها لا ينفصلان عن أمن ليبيا واستقرارها، مؤكّدًا أنّ التحديات المشتركة لا يمكن مواجهتها إلا بتنسيق مباشر وفعّال.
وفي هذا الاطار، برز البعد الاستراتيجي للقاء، فأولى الرسائل التي حملها لقاء قصر قرطاج تأكيد رئيس الدولة قيس سعيّد على أنّ الأزمة الليبية شأن داخلي بحت، والحل لا يمكن أن يكون إلا «ليبيا – ليبيا»، إذ لم يتردد رئيس الدولة في إعادة التأكيد على الموقف التونسي الثابت من الأزمة الليبية، بعيدًا عن كل أشكال التدخل الخارجي. وهو موقف يعكس تمسك تونس برؤية واضحة وبمبدأ السيادة الوطنية ورفض تحويل ليبيا إلى ساحة صراع دولي، معوّلة على وعي الشعب الليبي وإرادته في صياغة مستقبله.
من جانب آخر، وفيما يتعلق بالبعد الأمني ووحدة المصير، يشير ملاحظون إلى أن تونس وليبيا تتقاسمان حدودًا طويلة، لكنهما تتقاسمان أيضًا تحديات مشتركة على غرار مكافحة الإرهاب، ومواجهة شبكات التهريب والهجرة غير النظامية، والحفاظ على استقرار المنطقة. وقد شدّد الرئيس قيس سعيّد على أنّ «أمن تونس من أمن ليبيا وأمن ليبيا من أمن تونس»، وهي صياغة تختزل فلسفة كاملة تقوم على اعتبار الأمن القومي للبلدين وحدة لا تتجزأ. ومن هنا، فإن اللقاء يفتح الباب أمام تنسيق أمني أعمق قد يأخذ أشكالا جديدة في المرحلة المقبلة.
وإذا كان الأمن يمثل قاعدة الاستقرار، فإن الاقتصاد هو الرهان الحقيقي للمستقبل. وبما أن البلدين يمتلكان فرصا هائلة لخلق فضاء اقتصادي مشترك قائم على تكامل الموارد: النفط والغاز في ليبيا، والقدرات الصناعية والخدماتية في تونس، فزيارة المنفي إلى تونس تعكس رغبة متبادلة في الانتقال من منطق المبادلات الظرفية إلى منطق الشراكة الاستراتيجية التي تعود بالنفع المباشر على الشعبين، وتمنح الجنوب المتوسطي قوة تفاوضية أكبر أمام التكتلات الدولية.
اللقاء لم يقتصر على الملفات الثنائية، بل اتسع أيضا ليشمل البعد القومي الأوسع من خلال التطرق إلى القضية الفلسطينية. وقد جدد رئيس الدولة موقف تونس الثابت والدائم الرافض لجرائم الاحتلال والداعم لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة كاملة السيادة، بما يفضي إلى أن تونس ما تزال متمسكة بدورها العربي التقليدي، وأن التحالف التونسي – الليبي يمكن أن يشكل صوتا إقليميا فاعلا في القضايا الكبرى.
في قراءة لأبعاد هذه الزيارة تشير نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس نواب الشعب ريم الصغير في تصريح لـ«الصباح» إلى أن هذه الزيارة تؤكد في جوهرها موقف تونس الثابت من الأزمة الليبية والتي كانت قد عبرت عنه في وقت سابق، على اعتبار أن الحل يقتضي أن يكون «ليبيًا ليبيًا» بالأساس بما يُفضي إلى تمسك تونس بمبدأ السيادة الوطنية.
من جانب آخر وفي نفس الاتجاه، يشير أستاذ القانون العام والعلاقات الدولية عدنان الإمام في تصريح لـ«الصباح» إلى أن التنسيق بين البلدين يظل هاما في الظرف الراهن، معرجا في هذا الجانب على القمة الثلاثية بين تونس وليبيا والجزائر التي من المنتظر أن تلتئم في ليبيا، معتبرا أن عدم انعقادها في الفترة الماضية يؤشر إلى هشاشة الوضع السياسي العام في الغرب الليبي. وبالعودة إلى فحوى اللقاء، أورد محدثنا أنه من الطبيعي جدًا أن يتم التنسيق والتشاور بين البلدين بصفة دورية وفي شتى المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية، مشيرا إلى أن الوضع الجيوسياسي في المنطقة يستوجب مجابهة التحديات المشتركة من خلال بلورة رؤية مشتركة.
في هذا الخضم تكشف زيارة المنفي إلى تونس بوضوح أنّ البلدين يقفان على أعتاب مرحلة جديدة: مرحلة الانتقال من التعاون التقليدي إلى التكامل الاستراتيجي.
وهي مرحلة تتطلب إرادة سياسية، وإدارة مشتركة للتحديات، ورؤية مستقبلية قادرة على تحويل الروابط التاريخية والجغرافية إلى مشروع عملي للأمن والتنمية المشتركة. ليحمل اللقاء جملة من الرسائل إلى الداخل والخارج، مفادها أن تونس وليبيا، ورغم كل الصعاب، قادرتان على رسم طريقهما نحو الاستقرار والازدهار.