إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الامتحانات تتزامن مع رمضان.. دعوات إلى تنظيم الزمن المدرسي

- رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ«الصباح»: ضرورة مراجعة المنظومة التربوية ومراعاة «التلميذ»

تتزامن امتحانات الثلاثي الثاني للسنة الدراسية الجارية مع حلول شهر رمضان، حيث انطلق التلاميذ مع أول أيام شهر رمضان في الاختبارات. وهو ما يجعل للصوم الذي يتواصل لأكثر من 10 ساعات في اليوم، تأثيرا على تركيز التلميذ بما يمكن أن يؤثر على أدائه في انجاز الامتحان. وهذه المسألة طرحت عديد التساؤلات والدعوات خاصة وأن وزارة التربية بإمكانها برمجة روزنامة الامتحانات بعيدا عن شهر رمضان الكريم على اعتبار أن نسبة الزمن المدرسي المهدور في رمضان بالتوازي مع بعض الغيابات امر يتطلب معالجة حقيقية؟ 

وفي هذا السياق قال رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم «الصباح»، إن مسألة الزمن المدرسي وتنظيم السنة الدراسية تمثل أحد العوامل الجوهرية التي تؤثر على فاعلية العملية التعليمية حيث تتشابك العديد من العوامل التي تؤدي إلى ضعف جودة التعليم وإرهاق التلاميذ والمدرسين على حد سواء. وفي السياق نفسه، نجد أن الدروس الخصوصية، التي توسعت لتشمل الفضاء الرقمي، قد أصبحت ظاهرة متفاقمة تعكس عجز المنظومة التربوية عن تلبية حاجيات المتعلمين. وبين المشكلتين، يبقى السؤال: كيف يمكن تحسين واقع التعليم وضمان مدرسة عمومية ذات جودة عالية؟

وأضاف محدثنا أن الزمن المدرسي يعاني من اختلالات هيكليّة وضغط غير منتج موضحا أن هيكلة السنة الدراسية في المنظومة التربوية التونسية تعاني من اختلالات مزمنة تؤثر سلبًا على أداء هذه المنظومة، وتكمن هذه الاختلالات في أربع نقاط رئيسيّة وفق تقديره. تتمثل الأولى، حسب تفسيره، في عدم التوازن بين الثّلاثيّات: يتميز الثلاثي الأول بطول مدته التي تتجاوز الثلاثة أشهر، مقابل ثلاثيين آخرين لا يدوم كل منهما أكثر من شهر ونصف. موضحا أن هذا الاختلال يخلق نوعًا من التراخي لدى التلاميذ في بداية العام الدراسي، حيث يدركون أن تأثير نتائجهم في هذا الثلاثي محدود مقارنة بالثلاثيين اللاحقين، ما يجعلهم يؤجلون بذل الجهد الفعلي إلى الأسابيع الأخيرة من السنة.

وتتمثل النقطة الثانية في التوزيع غير المنسجم للعطل المدرسيّة، إذ يؤدي توزيع العطل بطريقة غير مدروسة إلى كسر النسق التعليمي في كل مرة يبدأ فيها التلميذ في التكيف مع إيقاع الدراسة. فبدلا من أن تسهم العطل في تعزيز استيعاب الدروس، تتحول إلى فترات من القطيعة التي تجعل العودة إلى الدراسة أكثر صعوبة.

والنقطة الثالثة من الاخلالات في النظام التربوي تتمثل في  هيمنة التّقييم على حساب التّعلّم. إذ من الملاحظ أن جزءًا كبيرًا من أيام الدراسة الفعلية يُهدر في الاختبارات والتقييمات المستمرة، إذ تستهلك الأسابيع الأخيرة من كل ثلاثي في الامتحانات التّأليفيّة إنجازا وإصلاحا، وهو ما يحدّ من الوقت المخصص للتعليم الفعلي ويضع ضغطًا نفسيًا كبيرًا على التلاميذ والمدرسين والأولياء.

فيما وضع محدثنا النقطة الأخيرة في المسألة في تراجع جودة الحياة المدرسية: تؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى خلق بيئة تعليمية مرهقة وغير محفزة، حيث يشعر التلاميذ بالإجهاد بسبب قصر المدة الفعلية للدراسة وغياب المرونة في التقييم. كما يؤثر هذا الضغط على جودة حياة المدرسين والأولياء، وهو ما يزيد من حالة النفور من المدرسة.

الدروس الخصوصية

وفي سياق آخر، وحول الظاهرة الجديدة التي انتشرت منذ فترة وهي تطبيق الدروس الخصوصية عن بعد علق رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم قائلا بان جملة   الاختلالات التي تحدث عنها ساهمت، إلى جانب كثافة المناهج التعليمية والتفاوت المتزايد في جودة الخدمات التّعليميّة المقدّمة على مستوى المدرّسين والمؤسّسات والجهات، في جعل الدروس الخصوصية حاجة ملحة لدى شريحة واسعة من التلاميذ والأولياء. وأضاف انه «رغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة، إلا أنها شهدت تحولًا نوعيًا مع تطور وسائل الاتصال الحديثة، حيث أصبحت الدروس تُقدم عبر المنصات الرقمية».

وقال محدثنا انه بدلًا من معالجة الأسباب العميقة التي أدت إلى انتشار الدروس الخصوصية، تكتفي السلطات التربوية عادة بإصدار نصوص منع لا تلقى تطبيقًا فعليًا على أرض الواقع، حيث يؤكد الإقبال المتزايد على هذه الدروس، سواء في شكلها التقليدي أو الرقمي، وجود حاجة حقيقية لم تتمكن المنظومة الرسمية من تلبيتها.

وواصل سليم قاسم التوضيح بأنه هذا الوضع يعكس اليوم توجه العديد من المدرسين والتلاميذ إلى استخدام التطبيقات الرقمية والمنصات المخصصة للتعلم عن بعد قدرة الفاعلين التربويين على التكيف مع التحولات التكنولوجية. لكن هذا التحول يطرح تساؤلات حول مدى تكافؤ الفرص بين التلاميذ، خاصة في ظل الفجوة الرقمية التي تعاني منها بعض الفئات.

هذا وتجدر الإشارة إلى أنّه قد تمّ منذ سنة 2002 تأسيس «المدرسة الافتراضية التّونسيّة»، التي كان من المفترض أن توفر دروس الدعم والتدارك والمرافقة المدرسية. لكن هذا المشروع لم يُفعّل بالشكل المطلوب، ولو تم استغلاله بفاعلية عبر المركز الوطني للتكنولوجيات في التربية، لساهم بشكل كبير في الحد من ظاهرة الدروس الخصوصية.

ولمعالجة هذه التحديات، لا بد وفق محدثنا، من تبني مقاربة شاملة تهدف إلى تحسين جودة التعليم وإعادة هيكلة الزمن المدرسي، ومن بين الحلول الممكنة هي إعادة توزيع ثلاثيّات السنة الدراسية بشكل أكثر توازنًا، بحيث تتساوى مدد الثلاثيات الثلاث مع مراجعة ضواربها في المعدل السنوي والعمل على تطوير سياسة تقييم أكثر مرونة، تعطي الأولوية لاكتساب المهارات والمعارف بدلًا من التركيز المفرط على الامتحانات، إضافة إلى إعادة النظر في توزيع العطل لضمان استمرارية التعلّم وعدم كسر النسق الدراسي وتفعيل مشاريع التعليم الرقمي الرسمية، مثل المدرسة الافتراضية، لتوفير حلول مجانية ومؤسسية للدروس التكميلية.

دعوات لإصلاحات جذرية

كما أشار رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم الى أن تنظيم مؤتمر وطني حول تجويد العملية التعليمية، يجمع الفاعلين في المنظومة التربوية لمناقشة إصلاحات جذرية تستعيد دور المدرسة العمومية في تقديم تعليم ذي جودة عالية يعد أمرا ضروريا. وفي ختام تصريحه لـ«الصباح»، قال سليم قاسم: «إن الأزمة التي تعيشها المنظومة التربوية التونسية اليوم تتطلب حلولًا منظوميّة مجدّدة تتجاوز التدخلات السطحية والجزئية، فإعادة هيكلة الزمن المدرسي وتحسين جودة التدريس وتفعيل التعليم الرقمي الرسمي، كلها خطوات ضرورية لضمان تعليم فعال ومتوازن. وعليه، فإن أي إصلاح حقيقي يجب أن ينطلق من رؤية إستراتيجية شاملة، تجعل من المدرسة فضاءً جاذبًا للتعلم، وتعيد الثقة في التعليم العمومي كركيزة أساسية لبناء مستقبل الأجيال القادمة».

أميرة الدريدي

الامتحانات تتزامن مع رمضان.. دعوات إلى تنظيم الزمن المدرسي

- رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ«الصباح»: ضرورة مراجعة المنظومة التربوية ومراعاة «التلميذ»

تتزامن امتحانات الثلاثي الثاني للسنة الدراسية الجارية مع حلول شهر رمضان، حيث انطلق التلاميذ مع أول أيام شهر رمضان في الاختبارات. وهو ما يجعل للصوم الذي يتواصل لأكثر من 10 ساعات في اليوم، تأثيرا على تركيز التلميذ بما يمكن أن يؤثر على أدائه في انجاز الامتحان. وهذه المسألة طرحت عديد التساؤلات والدعوات خاصة وأن وزارة التربية بإمكانها برمجة روزنامة الامتحانات بعيدا عن شهر رمضان الكريم على اعتبار أن نسبة الزمن المدرسي المهدور في رمضان بالتوازي مع بعض الغيابات امر يتطلب معالجة حقيقية؟ 

وفي هذا السياق قال رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم «الصباح»، إن مسألة الزمن المدرسي وتنظيم السنة الدراسية تمثل أحد العوامل الجوهرية التي تؤثر على فاعلية العملية التعليمية حيث تتشابك العديد من العوامل التي تؤدي إلى ضعف جودة التعليم وإرهاق التلاميذ والمدرسين على حد سواء. وفي السياق نفسه، نجد أن الدروس الخصوصية، التي توسعت لتشمل الفضاء الرقمي، قد أصبحت ظاهرة متفاقمة تعكس عجز المنظومة التربوية عن تلبية حاجيات المتعلمين. وبين المشكلتين، يبقى السؤال: كيف يمكن تحسين واقع التعليم وضمان مدرسة عمومية ذات جودة عالية؟

وأضاف محدثنا أن الزمن المدرسي يعاني من اختلالات هيكليّة وضغط غير منتج موضحا أن هيكلة السنة الدراسية في المنظومة التربوية التونسية تعاني من اختلالات مزمنة تؤثر سلبًا على أداء هذه المنظومة، وتكمن هذه الاختلالات في أربع نقاط رئيسيّة وفق تقديره. تتمثل الأولى، حسب تفسيره، في عدم التوازن بين الثّلاثيّات: يتميز الثلاثي الأول بطول مدته التي تتجاوز الثلاثة أشهر، مقابل ثلاثيين آخرين لا يدوم كل منهما أكثر من شهر ونصف. موضحا أن هذا الاختلال يخلق نوعًا من التراخي لدى التلاميذ في بداية العام الدراسي، حيث يدركون أن تأثير نتائجهم في هذا الثلاثي محدود مقارنة بالثلاثيين اللاحقين، ما يجعلهم يؤجلون بذل الجهد الفعلي إلى الأسابيع الأخيرة من السنة.

وتتمثل النقطة الثانية في التوزيع غير المنسجم للعطل المدرسيّة، إذ يؤدي توزيع العطل بطريقة غير مدروسة إلى كسر النسق التعليمي في كل مرة يبدأ فيها التلميذ في التكيف مع إيقاع الدراسة. فبدلا من أن تسهم العطل في تعزيز استيعاب الدروس، تتحول إلى فترات من القطيعة التي تجعل العودة إلى الدراسة أكثر صعوبة.

والنقطة الثالثة من الاخلالات في النظام التربوي تتمثل في  هيمنة التّقييم على حساب التّعلّم. إذ من الملاحظ أن جزءًا كبيرًا من أيام الدراسة الفعلية يُهدر في الاختبارات والتقييمات المستمرة، إذ تستهلك الأسابيع الأخيرة من كل ثلاثي في الامتحانات التّأليفيّة إنجازا وإصلاحا، وهو ما يحدّ من الوقت المخصص للتعليم الفعلي ويضع ضغطًا نفسيًا كبيرًا على التلاميذ والمدرسين والأولياء.

فيما وضع محدثنا النقطة الأخيرة في المسألة في تراجع جودة الحياة المدرسية: تؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى خلق بيئة تعليمية مرهقة وغير محفزة، حيث يشعر التلاميذ بالإجهاد بسبب قصر المدة الفعلية للدراسة وغياب المرونة في التقييم. كما يؤثر هذا الضغط على جودة حياة المدرسين والأولياء، وهو ما يزيد من حالة النفور من المدرسة.

الدروس الخصوصية

وفي سياق آخر، وحول الظاهرة الجديدة التي انتشرت منذ فترة وهي تطبيق الدروس الخصوصية عن بعد علق رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم قائلا بان جملة   الاختلالات التي تحدث عنها ساهمت، إلى جانب كثافة المناهج التعليمية والتفاوت المتزايد في جودة الخدمات التّعليميّة المقدّمة على مستوى المدرّسين والمؤسّسات والجهات، في جعل الدروس الخصوصية حاجة ملحة لدى شريحة واسعة من التلاميذ والأولياء. وأضاف انه «رغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة، إلا أنها شهدت تحولًا نوعيًا مع تطور وسائل الاتصال الحديثة، حيث أصبحت الدروس تُقدم عبر المنصات الرقمية».

وقال محدثنا انه بدلًا من معالجة الأسباب العميقة التي أدت إلى انتشار الدروس الخصوصية، تكتفي السلطات التربوية عادة بإصدار نصوص منع لا تلقى تطبيقًا فعليًا على أرض الواقع، حيث يؤكد الإقبال المتزايد على هذه الدروس، سواء في شكلها التقليدي أو الرقمي، وجود حاجة حقيقية لم تتمكن المنظومة الرسمية من تلبيتها.

وواصل سليم قاسم التوضيح بأنه هذا الوضع يعكس اليوم توجه العديد من المدرسين والتلاميذ إلى استخدام التطبيقات الرقمية والمنصات المخصصة للتعلم عن بعد قدرة الفاعلين التربويين على التكيف مع التحولات التكنولوجية. لكن هذا التحول يطرح تساؤلات حول مدى تكافؤ الفرص بين التلاميذ، خاصة في ظل الفجوة الرقمية التي تعاني منها بعض الفئات.

هذا وتجدر الإشارة إلى أنّه قد تمّ منذ سنة 2002 تأسيس «المدرسة الافتراضية التّونسيّة»، التي كان من المفترض أن توفر دروس الدعم والتدارك والمرافقة المدرسية. لكن هذا المشروع لم يُفعّل بالشكل المطلوب، ولو تم استغلاله بفاعلية عبر المركز الوطني للتكنولوجيات في التربية، لساهم بشكل كبير في الحد من ظاهرة الدروس الخصوصية.

ولمعالجة هذه التحديات، لا بد وفق محدثنا، من تبني مقاربة شاملة تهدف إلى تحسين جودة التعليم وإعادة هيكلة الزمن المدرسي، ومن بين الحلول الممكنة هي إعادة توزيع ثلاثيّات السنة الدراسية بشكل أكثر توازنًا، بحيث تتساوى مدد الثلاثيات الثلاث مع مراجعة ضواربها في المعدل السنوي والعمل على تطوير سياسة تقييم أكثر مرونة، تعطي الأولوية لاكتساب المهارات والمعارف بدلًا من التركيز المفرط على الامتحانات، إضافة إلى إعادة النظر في توزيع العطل لضمان استمرارية التعلّم وعدم كسر النسق الدراسي وتفعيل مشاريع التعليم الرقمي الرسمية، مثل المدرسة الافتراضية، لتوفير حلول مجانية ومؤسسية للدروس التكميلية.

دعوات لإصلاحات جذرية

كما أشار رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم الى أن تنظيم مؤتمر وطني حول تجويد العملية التعليمية، يجمع الفاعلين في المنظومة التربوية لمناقشة إصلاحات جذرية تستعيد دور المدرسة العمومية في تقديم تعليم ذي جودة عالية يعد أمرا ضروريا. وفي ختام تصريحه لـ«الصباح»، قال سليم قاسم: «إن الأزمة التي تعيشها المنظومة التربوية التونسية اليوم تتطلب حلولًا منظوميّة مجدّدة تتجاوز التدخلات السطحية والجزئية، فإعادة هيكلة الزمن المدرسي وتحسين جودة التدريس وتفعيل التعليم الرقمي الرسمي، كلها خطوات ضرورية لضمان تعليم فعال ومتوازن. وعليه، فإن أي إصلاح حقيقي يجب أن ينطلق من رؤية إستراتيجية شاملة، تجعل من المدرسة فضاءً جاذبًا للتعلم، وتعيد الثقة في التعليم العمومي كركيزة أساسية لبناء مستقبل الأجيال القادمة».

أميرة الدريدي