لم تكن معركة بن قردان مجرّد معركة دحرت فيها قواتنا العسكرية والأمنية تنظيم «داعش» الإرهاب ومنعت تمدّده في المنطقة المغاربية، بل كانت ملحمة حقيقية التحم فيها الأهالي بالقوات العسكرية والأمنية من أجل دحر أخطر هجوم إرهابي تعرضت له تونس في تاريخها والذي كان يهدف الى إقامة إمارة «داعشية» في الجنوب التونسي.
وككل سنة انطلقت منذ يوم أمس بمدينة بن قردان الصامدة فعاليات الذكرى التاسعة لملحمة بن قردان التي وقعت يوم 7 مارس 2016 ولكن قبل ذلك اليوم تم التفطّن عن طريق أجهزة الاستعلامات الى وجود مخطط للهجوم واستمرت العملية بعد ذلك اليوم في تعقّب العناصر الخطيرة والقضاء عليهم الى جانب القبض على البقية وتقديمهم للمحاكمة، وقد سقط في تلك العملية شهداء من قواتنا البواسل.
وتكريما لذكراهم وبطولاتهم يُحتفى سنويا بالملحمة، حيث دأبت تونس على إحياء هذه الذكرى واعتبارها معركة فاصلة في حماية تراب الوطن وسيادته.
وقد انطلقت أمس فعاليات الذكرى التاسعة لملحمة بن قردان بموكب رسمي، مع فقرات احتفالية متنوعة، بالتزامن مع تاريخ 2 مارس، الموافق لتاريخ التفطّن لتحصّن مجموعة إرهابية بمنزل بمنطقة العويجاء ببن قردان وانطلاق المواجهات التي انتهت بالقضاء على كامل المجموعة الإرهابية وسيتواصل إحياء هذه الذكرى حتى يوم الجمعة القادم ببرنامج متنوّع سيكون للموسيقى الصوفية والأجواء الروحانية، النصيب الأوفر فيه، انسجاما مع الشهر الكريم، إضافة الى فقرات شبابية ورياضية وأنشطة فكرية .
واليوم، وبعد تسع سنوات، تطرح الأسئلة مجددا حول وعود الاستثمار وإنجاز المشاريع الكبرى التنموية والاستثمارية والمنطقة الصناعية، وهي جميعها وعود حكومية قدمتها الحكومات المتعاقبة لأهالي بن قردان في إطار سياسية تحصين المناطق الحدودية من الاختراق الإرهابي وكذلك تنمية المناطق الداخلية التي مازالت تعاني من التهميش.
ملحمة بن قردان.. بطولة شعبية وعسكرية
يوم 2 مارس 2016 وتحديدا في منطقة العويجاء التي كانت معروفة لدى الأجهزة بوجود أعداد كبيرة من المتشدّدين، تدخلت قوات عسكرية وتم القضاء على 5 إرهابيين بعد ورود معلومات حول تحصّنهم بأحد المنازل في تلك المنطقة وفي يوم 7 مارس تم الهجوم على الثكنة العسكرية بالمدينة وضرب محطّة الإشارة وغرفة العقيد آمر الفوج، إضافة إلى الهجوم المتزامن على منطقتي الشرطة والحرس وكذلك المعتمدية.
ولكن الهجوم فشل بعد المقاومة الباسلة من القوات العسكرية بدعم لوجستي فوري من القوات الأمنية وبمساعدة بطولية من الأهالي بما جعل المجموعة الإرهابية المهاجمة تتكبّد خسائر فادحة وفرار عناصرها لتقع ملاحقتهم في كل الاتجاهات ومحاصرتهم والقضاء عليهم وخلال تلك الملاحقة تم اكتشاف مخازن ذخيرة محيطة بالمدينة هدفها عزل المدينة عن مناطق جرجيس ومدنين وتطاوين وقطع الإمدادات عنها لجعلها «إمارة داعشيّة» وقد تواصلت الملاحقات الأمنية إلى حدود يوم 20 مارس من السنة نفسها بالقضاء على أحد أخطر العناصر الإرهابية مثل محمّد كردي. وبعد القضاء على عناصر المجموعة المهاجمة تواصلت العمليات الأمنية في ملاحقة وتتبّع المورطين بمختلف الاشكال في اعداد هذا الهجوم إلى ما بعد شهر مارس في إطار عمليات استباقيّة، على غرار العمليّة الأمنيّة الاستباقيّة التّي قامت بها وحدات الحرس الوطني يوم 11 ماي 2016 بجهة المنيهلة من ولاية أريانة والصمار من ولاية تطاوين. وقد أسفرت أيضا عملية بن قردان عن إيقاف العنصر الإرهابي الخطير عادل الغندري الصّادرة في شأنه عديد مناشير التّفتيش من أجل ضلوعه في عديد العمليّات الإرهابيّة في تونس. كما كشفت السلطات يوم 24 ماي 2016 عن مخزن للأسلحة ببن قردان يحتوي على 29 قطعة سلاح من نوع كلاشنيكوف و3 قاذفات «آر بي جي».
محاكمة إرهابيي عملية بن قردان
خلّفت عملية بن قردان 13 قتيلا بين قوات الأمن والجيش و7 شهداء مدنيين وذلك وفق المعطيات الرسمية، كما أسفرت المواجهات المسلحة عن مقتل 55 إرهابيا واعتقال عشرات آخرين وتقديمهم للمحاكمة أمام القضاء التونسي. وخلال محاكمة الإرهابيين في الطور الابتدائي مثل 96 متهما في هذه القضية أمام القضاء، الذي كان أصدر يوم 6 مارس 2022 أحكاما ابتدائية بالإعدام ضد 16 متهما وبالسجن مدى الحياة في حق 15 آخرين وبالسجن بين 20 و30 عاما ضد 14 متهما وبأحكام تتراوح بين 4 و15 سنة سجنا ضد آخرين.
وفي بداية شهر جانفي الماضي أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في القضايا الإرهابية بمحكمة الاستئناف بتونس بخصوص ملف الهجوم الإرهابي على مدينة بن قردان أحكاما قريبة من أحكام الطور الابتدائي وتراوحت بين الإعدام والمؤبّد والسجن لمدد تفوق عشر سنوات بالإضافة الى عدم سماع الدعوى في بعض الملفات.
تنمية المدينة لمواجهة شبح الإرهاب
أثبتت التجربة الميدانية أن ضعف المؤشرات التنموية بالإضافة الى عوامل اجتماعية أخرى مثل الفقر والبطالة خاصة في المناطق الحدودية المهمشة من بين الأسباب التي يتغذّى منها الإرهاب باستغلال ظروف بعض الشباب واستغلال غضبهم على الوضع.. واليوم بالرغم من انهزام الإرهاب على أرض الميدان في أكثر من واقعة واجتثاث أشرس الخلايا من جبال القصرين خاصة مثل الشعانبي وسمامة فإن ذلك لا ينفي أن الخلايا النائمة مازالت موجودة خاصة وأن الأفكار المتطرّفة لم يتم اجتثاثها الى اليوم بشكل كامل وما الإيقاعات الأمنية المتكررة الى اليوم ببعض هذه الخلايا إلا دليلا على ذلك..
ثم انه وبعد انتهاء الحرب في سوريا والتطورات الأخيرة التي شهدتها دمشق، بات يطرح رهانات وتحديات جديدة خاصة في علاقة بخطر «العائدين من بؤر التوتر» حيث لو تمكّن هؤلاء الإرهابيين وبعد سنوات من القتال والتدرّب على استعمال السلاح من دخول تونس فإنهم سيعودون للتمركز بمناطق يرونها آمنة بالنسبة لهم مثل الجبال لأنها تساعدهم على التخفي وهو ما يضاعف اليوم مسؤولية الأجهزة في اليقظة والانتباه الشديد، خاصة في المناطق الحدودية والتي قد تكون معابر لهذه العودة المحتملة .
ورغم أهمية الجهود الأمنية التي لا يمكن التشكيك فيها، إلا أن الحلول التنموية تبقى من الحلول الصلبة التي تحمي من التطرّف على المدى البعيد، واليوم بن قردان، كما هو الشأن لمدن أخرى، تحتاج الى انتعاشة تنموية محلية تقطع الطريق أمام الإرهاب، والتهريب الذي يتغذّى منه. كما أن أهالي بن قردان اليوم يُطالبون باعتبار 7 مارس يوما وطنيا، ليكون مناسبة وطنية تُخلَّد فيها ذكرى الشهداء وتُجدَّد العزيمة لمواصلة حماية تونس من كل تهديد يمسّ أمنها واستقرارها كما يطالب الأهالي الدولة بالإيفاء بتعهداتها تجاه المنطقة والإسراع بتنفيذ القرارات التي تمّ الإعلان عنها عقب الملحمة.
منية العرفاوي
لم تكن معركة بن قردان مجرّد معركة دحرت فيها قواتنا العسكرية والأمنية تنظيم «داعش» الإرهاب ومنعت تمدّده في المنطقة المغاربية، بل كانت ملحمة حقيقية التحم فيها الأهالي بالقوات العسكرية والأمنية من أجل دحر أخطر هجوم إرهابي تعرضت له تونس في تاريخها والذي كان يهدف الى إقامة إمارة «داعشية» في الجنوب التونسي.
وككل سنة انطلقت منذ يوم أمس بمدينة بن قردان الصامدة فعاليات الذكرى التاسعة لملحمة بن قردان التي وقعت يوم 7 مارس 2016 ولكن قبل ذلك اليوم تم التفطّن عن طريق أجهزة الاستعلامات الى وجود مخطط للهجوم واستمرت العملية بعد ذلك اليوم في تعقّب العناصر الخطيرة والقضاء عليهم الى جانب القبض على البقية وتقديمهم للمحاكمة، وقد سقط في تلك العملية شهداء من قواتنا البواسل.
وتكريما لذكراهم وبطولاتهم يُحتفى سنويا بالملحمة، حيث دأبت تونس على إحياء هذه الذكرى واعتبارها معركة فاصلة في حماية تراب الوطن وسيادته.
وقد انطلقت أمس فعاليات الذكرى التاسعة لملحمة بن قردان بموكب رسمي، مع فقرات احتفالية متنوعة، بالتزامن مع تاريخ 2 مارس، الموافق لتاريخ التفطّن لتحصّن مجموعة إرهابية بمنزل بمنطقة العويجاء ببن قردان وانطلاق المواجهات التي انتهت بالقضاء على كامل المجموعة الإرهابية وسيتواصل إحياء هذه الذكرى حتى يوم الجمعة القادم ببرنامج متنوّع سيكون للموسيقى الصوفية والأجواء الروحانية، النصيب الأوفر فيه، انسجاما مع الشهر الكريم، إضافة الى فقرات شبابية ورياضية وأنشطة فكرية .
واليوم، وبعد تسع سنوات، تطرح الأسئلة مجددا حول وعود الاستثمار وإنجاز المشاريع الكبرى التنموية والاستثمارية والمنطقة الصناعية، وهي جميعها وعود حكومية قدمتها الحكومات المتعاقبة لأهالي بن قردان في إطار سياسية تحصين المناطق الحدودية من الاختراق الإرهابي وكذلك تنمية المناطق الداخلية التي مازالت تعاني من التهميش.
ملحمة بن قردان.. بطولة شعبية وعسكرية
يوم 2 مارس 2016 وتحديدا في منطقة العويجاء التي كانت معروفة لدى الأجهزة بوجود أعداد كبيرة من المتشدّدين، تدخلت قوات عسكرية وتم القضاء على 5 إرهابيين بعد ورود معلومات حول تحصّنهم بأحد المنازل في تلك المنطقة وفي يوم 7 مارس تم الهجوم على الثكنة العسكرية بالمدينة وضرب محطّة الإشارة وغرفة العقيد آمر الفوج، إضافة إلى الهجوم المتزامن على منطقتي الشرطة والحرس وكذلك المعتمدية.
ولكن الهجوم فشل بعد المقاومة الباسلة من القوات العسكرية بدعم لوجستي فوري من القوات الأمنية وبمساعدة بطولية من الأهالي بما جعل المجموعة الإرهابية المهاجمة تتكبّد خسائر فادحة وفرار عناصرها لتقع ملاحقتهم في كل الاتجاهات ومحاصرتهم والقضاء عليهم وخلال تلك الملاحقة تم اكتشاف مخازن ذخيرة محيطة بالمدينة هدفها عزل المدينة عن مناطق جرجيس ومدنين وتطاوين وقطع الإمدادات عنها لجعلها «إمارة داعشيّة» وقد تواصلت الملاحقات الأمنية إلى حدود يوم 20 مارس من السنة نفسها بالقضاء على أحد أخطر العناصر الإرهابية مثل محمّد كردي. وبعد القضاء على عناصر المجموعة المهاجمة تواصلت العمليات الأمنية في ملاحقة وتتبّع المورطين بمختلف الاشكال في اعداد هذا الهجوم إلى ما بعد شهر مارس في إطار عمليات استباقيّة، على غرار العمليّة الأمنيّة الاستباقيّة التّي قامت بها وحدات الحرس الوطني يوم 11 ماي 2016 بجهة المنيهلة من ولاية أريانة والصمار من ولاية تطاوين. وقد أسفرت أيضا عملية بن قردان عن إيقاف العنصر الإرهابي الخطير عادل الغندري الصّادرة في شأنه عديد مناشير التّفتيش من أجل ضلوعه في عديد العمليّات الإرهابيّة في تونس. كما كشفت السلطات يوم 24 ماي 2016 عن مخزن للأسلحة ببن قردان يحتوي على 29 قطعة سلاح من نوع كلاشنيكوف و3 قاذفات «آر بي جي».
محاكمة إرهابيي عملية بن قردان
خلّفت عملية بن قردان 13 قتيلا بين قوات الأمن والجيش و7 شهداء مدنيين وذلك وفق المعطيات الرسمية، كما أسفرت المواجهات المسلحة عن مقتل 55 إرهابيا واعتقال عشرات آخرين وتقديمهم للمحاكمة أمام القضاء التونسي. وخلال محاكمة الإرهابيين في الطور الابتدائي مثل 96 متهما في هذه القضية أمام القضاء، الذي كان أصدر يوم 6 مارس 2022 أحكاما ابتدائية بالإعدام ضد 16 متهما وبالسجن مدى الحياة في حق 15 آخرين وبالسجن بين 20 و30 عاما ضد 14 متهما وبأحكام تتراوح بين 4 و15 سنة سجنا ضد آخرين.
وفي بداية شهر جانفي الماضي أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في القضايا الإرهابية بمحكمة الاستئناف بتونس بخصوص ملف الهجوم الإرهابي على مدينة بن قردان أحكاما قريبة من أحكام الطور الابتدائي وتراوحت بين الإعدام والمؤبّد والسجن لمدد تفوق عشر سنوات بالإضافة الى عدم سماع الدعوى في بعض الملفات.
تنمية المدينة لمواجهة شبح الإرهاب
أثبتت التجربة الميدانية أن ضعف المؤشرات التنموية بالإضافة الى عوامل اجتماعية أخرى مثل الفقر والبطالة خاصة في المناطق الحدودية المهمشة من بين الأسباب التي يتغذّى منها الإرهاب باستغلال ظروف بعض الشباب واستغلال غضبهم على الوضع.. واليوم بالرغم من انهزام الإرهاب على أرض الميدان في أكثر من واقعة واجتثاث أشرس الخلايا من جبال القصرين خاصة مثل الشعانبي وسمامة فإن ذلك لا ينفي أن الخلايا النائمة مازالت موجودة خاصة وأن الأفكار المتطرّفة لم يتم اجتثاثها الى اليوم بشكل كامل وما الإيقاعات الأمنية المتكررة الى اليوم ببعض هذه الخلايا إلا دليلا على ذلك..
ثم انه وبعد انتهاء الحرب في سوريا والتطورات الأخيرة التي شهدتها دمشق، بات يطرح رهانات وتحديات جديدة خاصة في علاقة بخطر «العائدين من بؤر التوتر» حيث لو تمكّن هؤلاء الإرهابيين وبعد سنوات من القتال والتدرّب على استعمال السلاح من دخول تونس فإنهم سيعودون للتمركز بمناطق يرونها آمنة بالنسبة لهم مثل الجبال لأنها تساعدهم على التخفي وهو ما يضاعف اليوم مسؤولية الأجهزة في اليقظة والانتباه الشديد، خاصة في المناطق الحدودية والتي قد تكون معابر لهذه العودة المحتملة .
ورغم أهمية الجهود الأمنية التي لا يمكن التشكيك فيها، إلا أن الحلول التنموية تبقى من الحلول الصلبة التي تحمي من التطرّف على المدى البعيد، واليوم بن قردان، كما هو الشأن لمدن أخرى، تحتاج الى انتعاشة تنموية محلية تقطع الطريق أمام الإرهاب، والتهريب الذي يتغذّى منه. كما أن أهالي بن قردان اليوم يُطالبون باعتبار 7 مارس يوما وطنيا، ليكون مناسبة وطنية تُخلَّد فيها ذكرى الشهداء وتُجدَّد العزيمة لمواصلة حماية تونس من كل تهديد يمسّ أمنها واستقرارها كما يطالب الأهالي الدولة بالإيفاء بتعهداتها تجاه المنطقة والإسراع بتنفيذ القرارات التي تمّ الإعلان عنها عقب الملحمة.