إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬والطلاق‭ ‬وفشل‭ ‬خطة‭ ‬‮ "‬المصالح‭ ‬العائلي"..‬ ‮"‬الموفق‭ ‬الأسري"‬‭ ‬آلية‭ ‬جديدة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الوساطة‭ ‬العائلية‭ ‬

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬ومؤشرات‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الطلاق‭ ‬مثيرة‭ ‬للقلق‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬تأثيراتها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬العائلي‭ ‬وخاصة‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬وما‭ ‬تتركهم‭ ‬البيئة‭ ‬الأسرية‭ ‬في‭ ‬نفسيتهم‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭.. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬الأخير‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجديدة‭ ‬بهدف‭ ‬دعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬حيث‭ ‬أوصى‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬بإحداث‭ ‬نظام‭ ‬خاص‭ ‬بالتوفيق‭ ‬الأسري‭ ‬كآلية‭ ‬لحل‭ ‬الخلافات‭ ‬التي‭ ‬تنشب‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬وتقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النّظر‭ ‬بين‭ ‬طرفي‭ ‬النزاع‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬التّقاضي‭ ‬وبعدها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعث‭ ‬خطة‭ ‬جديدة‭ ‬وهي‭ ‬خطة‭ ‬‮«‬الموفّق‭ ‬الأسري‮»‬‭..‬

وسيتولّى‭ ‬الموفق‭ ‬الأسري‭ ‬مهمة‭ ‬التوفيق‭ ‬والوساطة‭ ‬الأسرية‭ ‬ومرافقة‭ ‬الأسر‭ ‬للحدّ‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬ونشر‭ ‬ثقافة‭ ‬التماسك‭ ‬الأسري‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سلوك‭ ‬قد‭ ‬يهدّد‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬ويؤثّر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الأطفال‭ ‬ونفسيتهم‭..‬،‭ ‬وليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬إرساء‭ ‬منظومة‭ ‬للوساطة‭ ‬العائلية‭ ‬لضمان‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬حيث‭ ‬وبموجب‭ ‬قانون‭ ‬عدد‭ ‬50‭ ‬لسنة‭ ‬2010‭ ‬تم‭ ‬إحداث‭ ‬خطّة‭ ‬‮«‬المصالح‭ ‬العائلي‮»‬‭ ‬بهدف‭ ‬مساعدة‭ ‬قاضي‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬النزاعات‭ ‬الزوجية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬قضايا‭ ‬الطلاق‭.. ‬ولكن‭ ‬مؤشرات‭ ‬الواقع‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الطلاق‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬وما‭ ‬ينجّر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الطلاق‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬أسرية‭ ‬تثبت‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬خطة‭ ‬المصالح‭ ‬العائلي‭ ‬لم‭ ‬تجسّد‭ ‬بنجاعة‭ ‬آلية‭ ‬الوساطة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فرض‭ ‬ضرورة‭ ‬دعم‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬بخطة‭ ‬جديدة‭ ‬ذات‭ ‬صلاحيات‭ ‬أوسع‭ ‬لتفادي‭ ‬ظاهرة‭ ‬التفكّك‭ ‬والتشتت‭ ‬الأسري‭ ‬الذي‭ ‬باتت‭ ‬تهدّد‭ ‬تماسك‭ ‬المجتمع‭ ‬ونواته‭ ‬الصلبة‭ ‬العائلة‭ .‬

وفي‭ ‬نفس‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬كمال‭ ‬المدّوري‭ ‬تم‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إحداث‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬للنفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضبط‭ ‬شروط‭ ‬الاستحقاق‭ ‬وإجراءات‭ ‬تدخّل‭ ‬صندوق‭ ‬ضمان‭ ‬النفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬ناهيك‭ ‬وأن‭ ‬نظام‭ ‬النفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬لم‭ ‬يشهدا‭ ‬أي‭ ‬تعديل‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭. ‬ووفق‭ ‬بلاغ‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬فإن‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجديدة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬المرأة‭ ‬المطلقة‭ ‬وأبنائها‭ ‬من‭ ‬الانتفاع‭ ‬بنظام‭ ‬التغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والإدماج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حوكمة‭ ‬صندوق‭ ‬النفقة‭ ‬وتبسيط‭ ‬إجراءاته‭ ‬وإيجاد‭ ‬مصادر‭ ‬جديدة‭ ‬لتمويله‭.‬

مؤشرات‭ ‬مخيفة‭ ‬تفرض‭ ‬حلولا‭ ‬سريعة‭ ‬

مع‭ ‬بداية‭ ‬السنة‭ ‬الجارية‭ ‬أكّد‭ ‬المتحدّث‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للحرس‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬حسام‭ ‬الدين‭ ‬الجبابلي‭ ‬بأنّ‭ ‬‮«‬60‭ ‬ألف‭ ‬محضر‭ ‬عدلي‭ ‬تعلّقت‭ ‬بالعنف‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الأسري‭ ‬تمت‭ ‬مباشرتها‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وحدات‭ ‬الاختصاص‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الرقم‭ ‬الضخم‭ ‬يؤكّد‭ ‬الارتفاع‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬مؤشرات‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬المسلط‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬من‭ ‬زوجة‭ ‬وأطفال‭ ‬وحتى‭ ‬أزواج،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬تشير‭ ‬إحصائيات‭ ‬شبه‭ ‬رسمية‭ ‬أنّه‭ ‬يتم‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2020،‭ ‬تسجيل‭ ‬14‭ ‬ألف‭ ‬حالة‭ ‬طلاق‭ ‬سنويا،‭ ‬بمعدل‭ ‬46‭ ‬حالة‭ ‬يوميا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬مؤشرا‭ ‬مفزعا‭ ‬يضرب‭ ‬التماسك‭ ‬الأسري‭ ‬في‭ ‬عمقه‭ ‬ويهدّد‭ ‬الاستقرار‭ ‬العائلي‭ ‬ويؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬نفسية‭ ‬الأطفال‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يخلق‭ ‬أجيالا‭ ‬غير‭ ‬سوّية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ .‬

وفي‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬الأخير‭ ‬أكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬كمال‭ ‬المدّوري‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تحديث‭ ‬المنظومة‭ ‬القانونيّة‭ ‬الخاصّة‭ ‬بالأسرة‭ ‬بوضع‭ ‬سياسة‭ ‬حماية‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬مندمجة‭ ‬ومحاربة‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الإقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبما‭ ‬يواكب‭ ‬متطلّبات‭ ‬العصر،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬استنباط‭ ‬حلول‭ ‬تضمن‭ ‬تماسك‭ ‬الأسرة‭ ‬وتوازنها‭ ‬بما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬متوازن‭ ‬يكون‭ ‬ركيزة‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ . ‬ويشمل‭ ‬التصور‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تتبناه‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إحداث‭ ‬مؤسسة‭ ‬الموفّق‭ ‬الأسري،‭ ‬إرساء‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬للنفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬وفق‭ ‬المقترح‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تقدّمت‭ ‬به‭ ‬وزارة‭ ‬الأسرة‭ ‬والمرأة‭ ‬والطّفولة‭ ‬وكبار‭ ‬السّن‭ ‬ويتضمّن‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المحاور‭ ‬الأساسيّة‭ ‬أهمّها‭ ‬شروط‭ ‬ومدة‭ ‬الانتفاع‭ ‬بتدخلات‭ ‬الصندوق‭ ‬وشروط‭ ‬الانتفاع‭ ‬بالتغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لفائدة‭ ‬المطلقة‭ ‬والأبناء‭ ‬في‭ ‬الكفالة‭ ‬وإكساب‭ ‬المطلّقة‭ ‬المعنية‭ ‬بتدخلات‭ ‬نظام‭ ‬النفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬المؤهلات‭ ‬الإضافية‭ ‬والمهارات‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتحسين‭ ‬تشغيليّتها‭ ‬وتيسير‭ ‬إدماجها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬المهنيّة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬عمل‭ ‬مؤجّر‭ ‬أو‭ ‬بهدف‭ ‬إحداث‭ ‬مشروع‭ ‬مع‭ ‬التمتّع‭ ‬بالمرافقة‭ ‬والمساندة‭ ‬للإدماج‭ ‬وفق‭ ‬إجراءات‭ ‬تفاضليّة‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إحكام‭ ‬حوكمة‭ ‬صندوق‭ ‬النفقة‭ ‬وإيجاد‭ ‬سبل‭ ‬جديدة‭ ‬لتمويله‭ ‬وتسريع‭ ‬الإجراءات‭ ‬الانتفاع‭ ‬منه‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراجعة‭ ‬القانون‭ ‬المتعلّق‭ ‬بإحداث‭ ‬صندوق‭ ‬ضمان‭ ‬النفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطّلاق‭ ‬المؤرّخ‭ ‬في‭ ‬جويلية‭ ‬1993‭ ‬لتحسين‭ ‬وتنويع‭ ‬تدخّلاته‭ ‬وخدماته‭ ‬الموجّهة‭ ‬للمطلّقة‭ ‬وأبنائها‭ ‬عند‭ ‬تعذر‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأحكام‭ ‬القضائيّة‭ ‬الباتّة‭ ‬لفائدتها‭ ‬سواء‭ ‬بسبب‭ ‬تلكؤ‭ ‬المدين‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.. ‬وظلّت‭ ‬دعوات‭ ‬مراجعات‭ ‬صندوق‭ ‬النفقة‭ ‬وإجراءات‭ ‬المتعلّقة‭ ‬به‭ ‬لسنوات‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الصندوق‭ ‬بات‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬استيعاب‭ ‬المشاكل‭ ‬الجديدة‭ ‬داخل‭ ‬الأسر‭ ‬وتعسّر‭ ‬خاصة‭ ‬المدين‭ ‬وتضخّم‭ ‬قضايا‭ ‬النفقة‭ ‬وطلبات‭ ‬جراية‭ ‬الطلاق‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ولّد‭ ‬مشاكل‭ ‬إضافية‭ .‬

إجراءات‭ ‬قد‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬قاضي‭ ‬الأسرة‭ ‬

وقد‭ ‬تساهم‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تعتزم‭ ‬الحكومة‭ ‬تنفيذها‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬قاضي‭ ‬الأسرة‭ ‬ومساعدته‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬مهامه‭ ‬وهو‭ ‬المدعو‭ ‬منذ‭ ‬أوّل‭ ‬جلسة‭ ‬صلحية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الفورية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالحضانة‭ ‬والزيارة‭ ‬والنفقة‭ ‬والسكنى‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسه‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القرارات‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬لأفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬وتحديد‭ ‬لحقوق‭ ‬أطراف‭ ‬النّزاع‭ ‬وواجباتهم‭.. ‬واليوم‭ ‬بوجود‭ ‬خطة‭ ‬الموفق‭ ‬الأسري‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬الدور‭ ‬الموكول‭ ‬إلى‭ ‬قاضي‭ ‬الأسرة‭ ‬سيتجه‭ ‬الاهتمام‭ ‬أكثر‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬الأسر‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية‭ ‬أثناء‭ ‬مراحل‭ ‬التقاضي‭.‬

منية‭ ‬العرفاوي

مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬والطلاق‭ ‬وفشل‭ ‬خطة‭ ‬‮ "‬المصالح‭ ‬العائلي"..‬ ‮"‬الموفق‭ ‬الأسري"‬‭ ‬آلية‭ ‬جديدة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الوساطة‭ ‬العائلية‭ ‬

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬ومؤشرات‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الطلاق‭ ‬مثيرة‭ ‬للقلق‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬تأثيراتها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬العائلي‭ ‬وخاصة‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬وما‭ ‬تتركهم‭ ‬البيئة‭ ‬الأسرية‭ ‬في‭ ‬نفسيتهم‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭.. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬الأخير‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجديدة‭ ‬بهدف‭ ‬دعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬حيث‭ ‬أوصى‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬بإحداث‭ ‬نظام‭ ‬خاص‭ ‬بالتوفيق‭ ‬الأسري‭ ‬كآلية‭ ‬لحل‭ ‬الخلافات‭ ‬التي‭ ‬تنشب‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬وتقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النّظر‭ ‬بين‭ ‬طرفي‭ ‬النزاع‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬التّقاضي‭ ‬وبعدها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعث‭ ‬خطة‭ ‬جديدة‭ ‬وهي‭ ‬خطة‭ ‬‮«‬الموفّق‭ ‬الأسري‮»‬‭..‬

وسيتولّى‭ ‬الموفق‭ ‬الأسري‭ ‬مهمة‭ ‬التوفيق‭ ‬والوساطة‭ ‬الأسرية‭ ‬ومرافقة‭ ‬الأسر‭ ‬للحدّ‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬ونشر‭ ‬ثقافة‭ ‬التماسك‭ ‬الأسري‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سلوك‭ ‬قد‭ ‬يهدّد‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬ويؤثّر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الأطفال‭ ‬ونفسيتهم‭..‬،‭ ‬وليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬إرساء‭ ‬منظومة‭ ‬للوساطة‭ ‬العائلية‭ ‬لضمان‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬حيث‭ ‬وبموجب‭ ‬قانون‭ ‬عدد‭ ‬50‭ ‬لسنة‭ ‬2010‭ ‬تم‭ ‬إحداث‭ ‬خطّة‭ ‬‮«‬المصالح‭ ‬العائلي‮»‬‭ ‬بهدف‭ ‬مساعدة‭ ‬قاضي‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬النزاعات‭ ‬الزوجية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬قضايا‭ ‬الطلاق‭.. ‬ولكن‭ ‬مؤشرات‭ ‬الواقع‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الطلاق‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬وما‭ ‬ينجّر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الطلاق‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬أسرية‭ ‬تثبت‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬خطة‭ ‬المصالح‭ ‬العائلي‭ ‬لم‭ ‬تجسّد‭ ‬بنجاعة‭ ‬آلية‭ ‬الوساطة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فرض‭ ‬ضرورة‭ ‬دعم‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬بخطة‭ ‬جديدة‭ ‬ذات‭ ‬صلاحيات‭ ‬أوسع‭ ‬لتفادي‭ ‬ظاهرة‭ ‬التفكّك‭ ‬والتشتت‭ ‬الأسري‭ ‬الذي‭ ‬باتت‭ ‬تهدّد‭ ‬تماسك‭ ‬المجتمع‭ ‬ونواته‭ ‬الصلبة‭ ‬العائلة‭ .‬

وفي‭ ‬نفس‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬كمال‭ ‬المدّوري‭ ‬تم‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إحداث‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬للنفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضبط‭ ‬شروط‭ ‬الاستحقاق‭ ‬وإجراءات‭ ‬تدخّل‭ ‬صندوق‭ ‬ضمان‭ ‬النفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬ناهيك‭ ‬وأن‭ ‬نظام‭ ‬النفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬لم‭ ‬يشهدا‭ ‬أي‭ ‬تعديل‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭. ‬ووفق‭ ‬بلاغ‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬فإن‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجديدة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬المرأة‭ ‬المطلقة‭ ‬وأبنائها‭ ‬من‭ ‬الانتفاع‭ ‬بنظام‭ ‬التغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والإدماج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حوكمة‭ ‬صندوق‭ ‬النفقة‭ ‬وتبسيط‭ ‬إجراءاته‭ ‬وإيجاد‭ ‬مصادر‭ ‬جديدة‭ ‬لتمويله‭.‬

مؤشرات‭ ‬مخيفة‭ ‬تفرض‭ ‬حلولا‭ ‬سريعة‭ ‬

مع‭ ‬بداية‭ ‬السنة‭ ‬الجارية‭ ‬أكّد‭ ‬المتحدّث‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للحرس‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬حسام‭ ‬الدين‭ ‬الجبابلي‭ ‬بأنّ‭ ‬‮«‬60‭ ‬ألف‭ ‬محضر‭ ‬عدلي‭ ‬تعلّقت‭ ‬بالعنف‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الأسري‭ ‬تمت‭ ‬مباشرتها‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وحدات‭ ‬الاختصاص‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الرقم‭ ‬الضخم‭ ‬يؤكّد‭ ‬الارتفاع‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬مؤشرات‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬المسلط‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬من‭ ‬زوجة‭ ‬وأطفال‭ ‬وحتى‭ ‬أزواج،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬السياق‭ ‬تشير‭ ‬إحصائيات‭ ‬شبه‭ ‬رسمية‭ ‬أنّه‭ ‬يتم‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2020،‭ ‬تسجيل‭ ‬14‭ ‬ألف‭ ‬حالة‭ ‬طلاق‭ ‬سنويا،‭ ‬بمعدل‭ ‬46‭ ‬حالة‭ ‬يوميا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬مؤشرا‭ ‬مفزعا‭ ‬يضرب‭ ‬التماسك‭ ‬الأسري‭ ‬في‭ ‬عمقه‭ ‬ويهدّد‭ ‬الاستقرار‭ ‬العائلي‭ ‬ويؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬نفسية‭ ‬الأطفال‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يخلق‭ ‬أجيالا‭ ‬غير‭ ‬سوّية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ .‬

وفي‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬الأخير‭ ‬أكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬كمال‭ ‬المدّوري‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تحديث‭ ‬المنظومة‭ ‬القانونيّة‭ ‬الخاصّة‭ ‬بالأسرة‭ ‬بوضع‭ ‬سياسة‭ ‬حماية‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬مندمجة‭ ‬ومحاربة‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الإقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبما‭ ‬يواكب‭ ‬متطلّبات‭ ‬العصر،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬استنباط‭ ‬حلول‭ ‬تضمن‭ ‬تماسك‭ ‬الأسرة‭ ‬وتوازنها‭ ‬بما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬متوازن‭ ‬يكون‭ ‬ركيزة‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ . ‬ويشمل‭ ‬التصور‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تتبناه‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إحداث‭ ‬مؤسسة‭ ‬الموفّق‭ ‬الأسري،‭ ‬إرساء‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬للنفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬وفق‭ ‬المقترح‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تقدّمت‭ ‬به‭ ‬وزارة‭ ‬الأسرة‭ ‬والمرأة‭ ‬والطّفولة‭ ‬وكبار‭ ‬السّن‭ ‬ويتضمّن‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المحاور‭ ‬الأساسيّة‭ ‬أهمّها‭ ‬شروط‭ ‬ومدة‭ ‬الانتفاع‭ ‬بتدخلات‭ ‬الصندوق‭ ‬وشروط‭ ‬الانتفاع‭ ‬بالتغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لفائدة‭ ‬المطلقة‭ ‬والأبناء‭ ‬في‭ ‬الكفالة‭ ‬وإكساب‭ ‬المطلّقة‭ ‬المعنية‭ ‬بتدخلات‭ ‬نظام‭ ‬النفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطلاق‭ ‬المؤهلات‭ ‬الإضافية‭ ‬والمهارات‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتحسين‭ ‬تشغيليّتها‭ ‬وتيسير‭ ‬إدماجها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬المهنيّة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬عمل‭ ‬مؤجّر‭ ‬أو‭ ‬بهدف‭ ‬إحداث‭ ‬مشروع‭ ‬مع‭ ‬التمتّع‭ ‬بالمرافقة‭ ‬والمساندة‭ ‬للإدماج‭ ‬وفق‭ ‬إجراءات‭ ‬تفاضليّة‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إحكام‭ ‬حوكمة‭ ‬صندوق‭ ‬النفقة‭ ‬وإيجاد‭ ‬سبل‭ ‬جديدة‭ ‬لتمويله‭ ‬وتسريع‭ ‬الإجراءات‭ ‬الانتفاع‭ ‬منه‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراجعة‭ ‬القانون‭ ‬المتعلّق‭ ‬بإحداث‭ ‬صندوق‭ ‬ضمان‭ ‬النفقة‭ ‬وجراية‭ ‬الطّلاق‭ ‬المؤرّخ‭ ‬في‭ ‬جويلية‭ ‬1993‭ ‬لتحسين‭ ‬وتنويع‭ ‬تدخّلاته‭ ‬وخدماته‭ ‬الموجّهة‭ ‬للمطلّقة‭ ‬وأبنائها‭ ‬عند‭ ‬تعذر‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأحكام‭ ‬القضائيّة‭ ‬الباتّة‭ ‬لفائدتها‭ ‬سواء‭ ‬بسبب‭ ‬تلكؤ‭ ‬المدين‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.. ‬وظلّت‭ ‬دعوات‭ ‬مراجعات‭ ‬صندوق‭ ‬النفقة‭ ‬وإجراءات‭ ‬المتعلّقة‭ ‬به‭ ‬لسنوات‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الصندوق‭ ‬بات‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬استيعاب‭ ‬المشاكل‭ ‬الجديدة‭ ‬داخل‭ ‬الأسر‭ ‬وتعسّر‭ ‬خاصة‭ ‬المدين‭ ‬وتضخّم‭ ‬قضايا‭ ‬النفقة‭ ‬وطلبات‭ ‬جراية‭ ‬الطلاق‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ولّد‭ ‬مشاكل‭ ‬إضافية‭ .‬

إجراءات‭ ‬قد‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬قاضي‭ ‬الأسرة‭ ‬

وقد‭ ‬تساهم‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تعتزم‭ ‬الحكومة‭ ‬تنفيذها‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬قاضي‭ ‬الأسرة‭ ‬ومساعدته‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬مهامه‭ ‬وهو‭ ‬المدعو‭ ‬منذ‭ ‬أوّل‭ ‬جلسة‭ ‬صلحية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الفورية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالحضانة‭ ‬والزيارة‭ ‬والنفقة‭ ‬والسكنى‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسه‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القرارات‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬لأفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬وتحديد‭ ‬لحقوق‭ ‬أطراف‭ ‬النّزاع‭ ‬وواجباتهم‭.. ‬واليوم‭ ‬بوجود‭ ‬خطة‭ ‬الموفق‭ ‬الأسري‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬الدور‭ ‬الموكول‭ ‬إلى‭ ‬قاضي‭ ‬الأسرة‭ ‬سيتجه‭ ‬الاهتمام‭ ‬أكثر‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬الأسر‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية‭ ‬أثناء‭ ‬مراحل‭ ‬التقاضي‭.‬

منية‭ ‬العرفاوي