إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ندوة برلمانية.. دعوة إلى رقمنة الإدارة وتنقيح مجلة الصرف

 

- مطالبة الحكومة بمراجعة المنظومة القانونية للاستثمار

-وضع خارطة رقمية للأراضي المعدة للاستثمار في تونس

طالب العديد من أعضاء مجلس نواب الشعب أمس خلال ندوة انتظمت بقصر باردو ببادرة من الأكاديمية البرلمانية حول رهانات الاستثمار في تونس وتحدياته، بمراجعة المنظومة القانونية للاستثمار بصفة جذرية وإصلاح التشريعات الجبائية ذات العلاقة بهذا المجال مع ضمان استمرار القاعدة الجبائية، والتسريع في إحالة مشروع مجلة الصرف إلى المجلس النيابي، والتقليص من التراخيص ومراجعة كراسات الشروط، ومزيد الاهتمام بالرقمنة والذكاء الاصطناعي لتلافي التعقيدات الإدارية المتسببة في تعطيل المستثمرين وعرقلة انجاز مشاريعهم، وهناك منهم من دعا إلى وضع منوال تنموي جديد وتشجيع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ودفع التصدير والتوجه إلى أسواق جديدة خاصة في إفريقيا ودعم الدبلوماسية الاقتصادية، في حين هناك من يرى أنه لابد من معالجة المشاكل العقارية ومشكل إحجام القطاع البنكي على تمويل باعثي المشاريع من خريجي الجامعات وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وشددوا على ضرورة تفعيل خطوط التمويل الموجهة للاستثمار المنصوص عليها بقانون المالية لسنة 2025، وهناك من طالب البنك المركزي بالتخفيض في نسبة الفائدة المديرية. وعبر بعض النواب عن رغبتهم في القضاء على الاقتصاد الريعي الذي يخدم عددا محدودا من العائلات وهناك من قال إنه في ظل وجود فساد في الإدارة يستحيل النهوض بالاستثمار، ومن المقترحات الأخرى التي تم تقديمها خلال الندوة إجراء تدقيق في القروض التي حصلت عليها تونس منذ 2011 لتبين مدى مساهمتها في الاستثمار، والقيام بتوزيع عادل للمناطق الصناعية العمومية ومراقبة المناطق الصناعية الخاصة لأنه تم تحويل الرصيد العقاري للكثير منها إلى مباني سكنية. وهناك من النواب من شدد على أن الاستثمار الحقيقي هو استثمار في الموارد البشرية وفي وضع الاستراتيجيات الوطنية الكبرى التي توضح الرؤية أمام مختلف القطاعات، ولم يخف أغلب النواب انزعاجهم من بطء الحكومة في القيام بالإصلاحات التي ينتظرها الشعب التونسي والتي من شأنها أن تغير وضع البلاد نحو الأفضل.

أما رئيس المجلس إبراهيم بودربالة فأشار إلى أن ملتقيات الأكاديمية البرلمانية تعد فرصة للحوار بين النواب المشرعين وبين إطارات الدولة والمنظمات الوطنية، ولاحظ أن هناك من بين المقترحات التي تقدم بها النواب خلال الندوة ما يتعلق بالسياسات العامة للدولة، وذكر أن الحكومة هي المطالبة بتنفيذ هذه السياسات وبين أنه يجب على رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة الاستماع إلى النواب.

سياسة الدولة في الاستثمار    

وقبل فتح باب النقاش العام، تم تقديم مداخلة حول سياسة الدولة في مجال الاستثمار من قبل أميرة الكلاعي المكلفة بالإشراف على الإدارة العامة للاتفاقيات والنزاعات الدولية في مجال الاستثمار بوزارة الاقتصاد والتخطيط، وأشارت فيها بالخصوص إلى  تطور أهم مؤشرات الاستثمار وأبرز الصعوبات والأهداف المراد تحقيقها، فمن حيث التشخيص، هناك حسب قولها بطء نسبي في نسق الاستثمار الجملي وتقلص حصّته من الناتج مقارنة بمجهود الاستثمار الضروري لدفع حركية التنمية، كما هناك تأثير واضح لأزمة كوفيد على الاستثمار وتسببها في ضعف نسقه مقارنة بالأهداف المرسومة، وتواصل المنحى التنازلي لمساهمة الاستثمار العمومي وضعف حصة الاستثمار الخارجي المباشر مع بطء استقطاب مشاريع جديدة مقابل تعدد عمليات التوسعة.

وذكرت الكلاعي أن ترتيب تونس في التقارير الدولية يعكس وجود هذه الإشكاليات إذ أن ترتيب تونس في أغلب هذه التقارير سجل تراجعا وهو ما يؤثر سلبا على استقطاب الاستثمارات الخارجية سواء في مجال الاستثمارات العمومية وحتى الاستثمارات الخاصة. وتتمثل أهم الصعوبات حسب قولها في ضعف الآفاق الاقتصادية الدولية وتراجع الطلب الخارجي خاصّة من السوق الأوروبية، وضعف ديناميكية حركة التنمية الاقتصادية مع تواتر الأزمات والصعوبات الظرفية لعديد القطاعات من فلاحة وسياحة وبناء وعدّة أنشطة صناعية، وكما أشارت إلى تراجع مؤشر إدراك مناخ الأعمال في السنوات الأخيرة وهو ما أبرزه مسح مناخ الأعمال للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية.  وذكرت أن عوائق الاستثمار تتمثل بالخصوص في صعوبات المعاملات والنفاذ للتمويل والإخلال بالمنافسة والسوق الموازية وتعقد الإجراءات الإدارية والفساد وضعف البنية التحتية واللوجستية وضعف نجاعة منظومة الاستثمار ومحدودية رقمنة الخدمات  وتعقّد مسار بعث المشاريع بسبب كراسات الشروط ومواصلة العمل بالتراخيص لعدد هام من الأنشطة الاقتصادية، وذلك فضلا عن ارتفاع حصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة المصنفة لدى البنوك والتي تمثل حوالي 25 بالمائة مقابل ضعف فاعلية آليات المساندة، وضعف ثقافة الريادة والرغبة في بعث المشاريع من قبل الفئات الشابة. وخلصت إلى أن هذه الصعوبات تواجه المستثمر التونسي والأجنبي على حد سواء ويجب إيجاد حلول لها. 

حركية جديدة

وتحدثت ممثلة وزارة الاقتصاد والتخطيط أميرة الكلاعي إثر ذلك، عن الحركية الجديدة للاستثمار الهادفة إلى تحقيق نجاعة المنظومة التشريعية للاستثمار وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار. ولاحظت وجود إرادة سياسية واضحة لدفع الاستثمار تبلورت من خلال الشروع في تنفيذ استراتيجيات قطاعيّة جديدة وبذل مجهود  لتعبئة خطوط تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسّطة، وتواصل تشجيع المشاريع المستدامة والمجددة وإنجاز مشاريع مهيكلة كبرى في إطار التعاون الدولي والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتوفير تسهيلات جديدة لتحسين نجاعة الاستثمار العمومي والاستثمار الخاص بناء على المرسوم 68 لسنة 2022 وتعزيز المبادرات القطاعية لمجابهة التحدّيات المتعلقة بالأمن الغذائي والانتقال الطاقي والتغيرات المناخية والانتقال الرقمي، وتطوير المنظومة التشريعية والترتيبية ذات العلاقة بالاستثمار، وتسريع تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال وخاصة تبسيط الإجراءات ورقمنة الخدمات المسداة للمستثمرين إضافة إلى إعداد إطار قانوني جديد للابتكار والتجديد.

وأضافت أميرة الكلاعي أن تحقيق هذه الأهداف يتم من خلال جملة من الآليات التي تتمثل في تنفيذ إستراتجية تحسين مناخ الأعمال ورقمنة مسار المستثمر، وتحسين المنظومة التشريعية للاستثمار، وتحسين المنظومة المؤسساتية للاستثمار، والترويج لموقع تونس. وفي ما يتعلق بالإستراتيجية الوطنية لتحسين مناخ الأعمال فقد انطلقت في سنة 2023 وهناك أيضا حسب قولها استراتيجيات قطاعية تهم الماء والصناعة والصحة والتربية والعدالة والنقل والتكنولوجيا وريادة الأعمال والبيئة وتتمثل المنهجية المعتمدة لتحسين مناخ الأعمال في القيام بحوار بين القطاعين العام والخاص.

إصلاح مناخ الأعمال

واستعرضت أميرة الكلاعي محاور إصلاحات مناخ الأعمال ويتعلق المحور الأول بالملكية العقارية وتتمثل الإجراءات المتخذة في اعتماد منظومة معلوماتية وطنية موحدة ومتشابكة تجمع كل المعطيات العقارية وتبسيط مختلف الإجراءات المتعلقة بنقل الملكية ورقمنتها ووضع خارطة رقمية للأراضي المعدة للاستثمار في تونس. أما المحور الثاني فيتعلق بخدمات الجماعات المحلية والربط بالشبكات العمومية من خلال التسريع في مراجعة أمثلة التهيئة الترابية وإصدارها وإطلاق بوابة رقمية للتصرف في منظومة رخص البناء  ورقمنة مطالب الربط بشبكة الكهرباء والغاز بالنسبة للمستثمرين. ويتعلق المحور الثالث بالإطار التشريعي  للاستثمار وذلك بمراجعة الأمر الحكومي عـدد 389 لسنة 2017 المتعلق بالحوافز المالية لفائدة الاستثمارات المنجزة في إطار قانون الاستثمار، وإصدار دليل إجراءات وتوحيد وتعميم التصنيفة التونسية للأنشطة على جميع الهياكل العمومية المعنية بالاستثمار، ومراجعة قائمة القطاعات ذات الأولوية لمزيد توجيه الحوافز للقطاعات الواعدة.

أما المحور الرابع فيتعلق بدعم حرية الاستثمار من خلال  إصدار الأمر المتعلق بحذف الدفعة الثالثة من التراخيص ومراجعة كراسات شروط تعاطي الأنشطة الاقتصادية، بينما يتعلق المحور الخامس بالمشروع والمبادرة الخاصة وذلك بإعداد برنامج لمرافقة المؤسسات الصغرى والمتوسطة المحدثة خلال الثلاث سنوات الأولى من النشاط. ويتعلق المحور السادس بالتشغيلية، وذلك بإعداد خارطة وطنية للموارد البشرية حسب التوزيع الجغرافي والاختصاص والمهن، ووضع منظومة وطنية للتأهيل المهني، ووضع منظومة يقظة واستشراف لحاجيات سوق الشغل من الاختصاصات الجديدة والكفاءات. في حين يتمثل المحور الموالي في الاهتمام باللوجستيك من مواني ومطارات وكل ما من شأنه تسهيل تنقل السلع والبشر، وتتعلق بقية المحاور حسب ما أشارت إليه ممثلة وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتجارة العابرة للحدود والتمويل ومراجعة قانون الصرف والاشتغال على مراجعة شاملة للمنظومة الجبائية ودعم اقتصاد المعرفة بتنقيح قانون الشركات الناشئة وهناك محور يتعلق ببعث المشاريع والمبادرة الخاصة وهو يهدف إلى مساندة المؤسسة لكي تبقى ناشطة مع تبسيط مسار المستثمر ورقمنته.. وقالت إن الهدف المنشود هو الضغط على آجال بعث المؤسسة وبينت أنه في دول أخرى يستطيع المستثمر بعث مشروع ودخوله حيز النشاط في غضون خمس ساعات أما في تونس فلا يقع التقيد بالآجال القانونية. وفسرت أن البوابة الوطنية للمستثمر تمثل نقطة نفاذ موحدة لمختلف بالخدمات الإدارية المسداة لفائدة المؤسسة وسينطلق عمل البوابة سنة 2026.

المنظومة التشريعية

وإضافة إلى تنفيذ إستراتيجية تحسين مناخ الأعمال ورقمنة مسار المستثمر، بينت أميرة الكلاعي أن العنصر الثاني الذي يتم الاشتغال عليه يتمثل في تحسين المنظومة التشريعية للاستثمار، وهو ما يتطلب مراجعة قانون الاستثمار والتوجه نحو مزيد تبسيط الإجراءات وتحسين نجاعة المنظومة بالتركيز على الأولويات الوطنيّة وتطوير منظومة الحوكمة المؤسساتية، وتجسيم مقتضيات المرسوم عدد 68 لسنة 2022  المتعلّقة خاصّة بتسريع إنجاز المشاريع العمومية ودفع المشاريع المنجزة في إطار الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ومشاريع الطاقات المتجددة  ودفع الاستثمار في قطاعات الفلاحة والصناعة وتطوير البنية التحتية والتكنولوجية وفي قطاعي السكن والبعث العقاري. وأضافت أنه يجب مراجعة الاتفاقيات الدولية للاستثمار بهدف ضمان توازن أمثل بين مصالح المستثمر الأجنبي وحقوقه من جهة ومصالح الدولة التونسيّة المضيفة للاستثمار وتكريس سيادتها من جهة أخرى، ويجب صياغة أنموذج جديد ذو توجّه تنموي يحترم مقتضيات التنمية المستدامة في مختلف مستوياتها ويدعم سياسة الدولة في استقطاب الاستثمار الخارجي وبينت أنه سيتم تشريك القطاع الخاص في تحديد الوجهات الاستثمارية الجديدة ويتم حاليا الاشتغال على اتفاقية مع اليابان واتفاقية مع كندا واتفاقيات قارية مع إفريقيا.

وقدمت ممثلة الوزارة لنواب الشعب ملامح قانون الاستثمار الحالي وأهداف مشروع القانون الجديد المتعلق بالاستثمار والمتمثلة في تحسين مناخ الأعمال وتعزيز جاذبية تونس للاستثمار وإرساء حوكمة ناجعة للمنظومة ودفع استثمار التونسيين بالخارج وتيسر النفاذ للعقارات المعدة للاستثمار ودفع التصدير والاندماج في سلاسل القيمة العالمية والقطع مع المنظومة التشريعية السابقة. وأكدت أن هذا المشروع سيعرض قريبا على مجلس الوزراء للمصادقة عليه ثم ستقع إحالته على مجلس نواب الشعب، كما يتم حسب قولها الاشتغال على مراجعة منظومة التراخيص. وفسرت أنه في مرحلة أولى صدر الأمر الحكومي عدد 417 لسنة 2018 وتضمن القائمة الحصرية للأنشطة الاقتصادية الخاضعة لترخيص وقائمة التراخيص الإدارية لإنجاز مشروع وتتكون هذه القائمة من 270 ترخيصا تتوزع على قائمة الأنشطة الاقتصادية الخاضعة لترخيص وتتضمن 100 ترخيص، وقائمة الأنشطة الاقتصادية التي تم حذف تراخيص ممارستها وتتضمن 27 ترخيصا، وقائمة التراخيص الإدارية المستوجبة لإنجاز مشروع وآجال وإجراءات وشروط إسنادها وتتضمن 143 ترخيصا. وبينت أنه في مرحلة ثانية صدر الأمر الرئاسي عدد 317 لسنة 2022 المنقح والمتمم للأمر الحكومي عدد 417 لسنة 2018 وتم من خلاله إضافة ترخيصين لممارسة الأنشطة الاقتصادية وحذف 15 ترخيصا لممارسة الأنشطة الاقتصادية وحذف 10 تراخيص إدارية لإنجاز مشروع، وذكرت أنه بالنسبة إلى المرحلة الثالثة فإن التراخيص التي سيتم حذفها في إطار مشروع الأمر المنقح والمتمم للأمر الحكومي عدد 417 لسنة 2018 هي 20 ترخيصا لممارسة الأنشطة الاقتصادية و12 ترخيصا إداريا لإنجاز مشروع، وأضافت أنه من أهم أحكام مشروع الأمر المذكور إلزام الوزارات والهياكل والهيئات العمومية بتحيين المعطيات المتعلقة بكراسات الشروط والتراخيص الراجعة إليها بالنظر على مستوى المنصة الرقمية، وهذه المنصة بثلاث لغات وهي تضم قائمة تراخيص وكرّاسات شروط ممارسة الأنشطة الاقتصادية وتوضّح شروط وإجراءات وآجال إسنادها. وخلصت إلى أن الهدف هو أن يكون الفصل الرابع والفصل السابع من قانون الاستثمار يكرسان مبدأ حرية الاستثمار وتسهيل النفاذ إلى السوق وضمان المعاملة بالمثل بين جميع المستثمرين التونسيين والأجانب بطريقة واضحة ومراجعة 167 كراس شروط لممارسة الأنشطة الاقتصادية وأغلبها لدى وزارتي الفلاحة والنقل ثم وزارة التجارة وتليها وزارة الصحة وذلك مع الرقابة السابقة واللاحقة من قبل الدولة. وقالت إن هناك كراسات شروط تضمنت تعقيدات كبيرة وكان من الأفضل الإبقاء على الترخيص وترتب عن العمل بالكراسات المعقدة العزوف عن ممارسة بعض الأنشطة وبروز اقتصاد الريع وهو ما يتطلب تعويضها وتبسيطها ويتمثل هدف الوزارة في مراجعة مائة كراس شروط لتخليصها من البيروقراطية المكبلة ولتحرير الاقتصاد.

المؤسسات الصغرى والمتوسطة

ويتعلق المحور الموالي الذي تشتغل عليه وزارة الاقتصاد والتخطيط حسب قول أميرة الكلاعي في النهوض بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة وبلغ عدد المؤسسات الصغرى والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تشغل أقل من 200 عامل 825707 شركة سنة 2022 أي ما يمثل 99 فاصل 9 بالمائة من النسيج المؤسساتي وبلغ عدد المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تشغل بين 6 و199 عاملا  20294 شركة سنة 2022 أي ما يعادل 2 فاصل 5 بالمائة من مجموع الشركات وساهمت في توفير حوالي 43 بالمائة من مواطن الشغل في القطاع المنظم، وأوضحت أن الهدف الاستراتجي يتمثل في العمل على جعل هذه المؤسسات محركا للاقتصاد وخلق فرص العمل والتنمية المستدامة واستعرضت الكلاعي محاور هذه الإستراتيجية وخلصت إلى التأكيد على ضرورة وجود إطار خاص بالسياسات العمومية الموجة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة ولاحظت غياب هذا الإطار في تونس وأشارت إلى تشتت السياسات المعتمدة بين عدد من الوزارات القطاعية وهياكل الإحاطة ومؤسسات التمويل في ظل غياب هيكل أو إطار يضمن الترابط والتكامل بينها وعدم توفّر آليات لمتابعة وتقييم مدى نجاعة هذه السياسات.

وبينت أن أهم الإشكاليات في علاقة بالاستثمار تتمثل في صعوبة تحديد العرض التونسي بسبب غياب معايير فنية لتقييم فرص الاستثمار وعدم توفر المعلومة الدقيقة حول الرصيد العقاري المخصصة للاستثمار وقلة المعلومات المتوفرة حول فرص الاستثمار في المناطق الداخلية وقلة المشاريع المدة للعرض لذلك تم التفكير في إعداد خارطة وطنية استثمارية وهي أداة إستراتيجية تهدف إلى تحديد وتوجيه الاستثمارات بطريقة مدروسة ومنهجية، وهي تقدم تصورًا شاملًا للفرص الاستثمارية المتوفّرة في إقليم معين، بناءً على ميزاته التفاضلية والتنافسية على غرار موارده الطبيعية والبشرية، وبُنيته التحتية، واحتياجات السوق. 

  دور البنك المركزي

عن دور البنك المركزي التونسي في دفع الاستثمار تحدث معز اللجمي المدير العام للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي وسفيان بنور المدير العام للتعديل والرقابة الاحترازية الكلية بالبنك المركزي التونسي، وبين معز اللجمي أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي هو من أهم عوامل دفع الاستثمار في تونس وذكر أن الاستثمار في حد ذاته ليس غاية بل الغاية هي تحقيق النمو الاقتصادي وأن يكون الاقتصاد قادرا على بعث مواطن شغل وله احتياطي من العملة الأجنبية وأن تكون نسبة التضخم ضعيفة بما يحمي القدرة الشرائية للمواطن. وفسر أنه لا يمكن تحقيق نسبة نمو مرتفعة مقابل نسبة تضخم مرتفعة، وأنه لا بد أن تكون كافة السياسات في خدمة الأهداف الاقتصادية وهي السياسة المالية العمومية والسياسة النقدية وسياسة سعر الصرف والسياسة الاحترازية الكلية والسياسة التجارية والسياسة القطاعية وسياسة التشغيل. ولاحظ أن الاقتصاد الوطني تعرض إلى سلسلة من الصدمات الداخلية والخارجية أدت إلى وقوع الاقتصاد في فخ النمو المنخفض، وأضاف أن دفع الاستثمار يقتضي تعاون كل الأطراف المعنية.

وتطرق اللجمي إثر ذلك إلى دور السياسة النقدية في تحقيق الاستثمار الاقتصادي وفسر أنه لابد من المحافظة على قيمة العملة واستقرارها وبالتالي لابد من المحافظة على نسبة التضخم وذكر أن البلدان التي فيها نسبة تضخم صغيرة فإن نسبة الفائدة تكون بالضرورة صغيرة. وخلص إلى أن السيطرة على التضخم والإبقاء عليه في مستويات منخفضة من شأنها أن تساهم في توفير بيئة اقتصادية قادرة على جذب الاستثمار وتعزيزه على الصعيدين المحلي والأجنبي ودفع مستوى التشغيل. وفسر ممثل البنك المركزي للنواب علاقة التحكم في التضخم بدعم الاستقرار الاقتصادي وما يترتب عن اختلال التوازن بين العرض والطلب ثم تطرق إلى النتائج التي تم تحقيقها من خلال السياسة النقدية الحذرة المتبعة من قبل البنك المركزي والتي مكنت حسب قوله من التحكم في التضخم والرجوع به إلى مستويات مقبولة كما عبر عن ارتياحه للمحافظة على استقرار الدينار وذكر أنه في البنك المركزي تم وضع المصلحة الوطنية فوق جميع المصالح الأخرى. وقدم لنواب الشعب معطيات حول نقاط القوة في تجارب مقارنة مثل الصين والهند وألمانيا وسنغفورة والبرازيل وجنوب إفريقيا والإمارات ونيوزيلاندا وتركيا وفيتنام.

أما سفيان بنور فركز على دور الاستقرار المالي وصلابة القطاع البنكي في دفع الاستثمار وبين أن تتالي الصدمات ذات الصبغة الكلية على غرار جائحة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية والتوترات الجيوسياسية بالمنطقة أثرت على سلاسل التزويد العالمية والأسعار وانخفاض الطلب على أهم الأسواق الشريكة لتونس وأدى إلى تدهور الوضعية الاقتصادية لعديد المؤسسات وضعف قدرتها التنافسية والاستثمارية، فضلا عن غياب تمويلات وقدم ممثل البنك المركزي معطيات حول القطاع المالي في تونس وأهم المؤشرات المسجلة خلال سنة 2024 وبين أنه يوجد في تونس 22 بنكا تتوزع على 2041 فرعا منها 7 بنوك غير مقيمة و8 مؤسسات إيجار مالي و2 مؤسسات إدارة الديون و2 بنوك أعمال و6 مؤسسات دفع ولاحظ تعدد المتدخلين في القطاع المالي بهدف تغطية مختلف احتياجات التمويل وتمثل حصة البنوك المقيمة من مجموع أصول القطاع البنكي من حيث المساهمة في تمويل الاقتصاد بنسبة 93 فاصل 4 بالمائة. كما استعرض مؤشرات نشاط القطاعي البنكي خلال سنة 2024 ومن بين هذه المؤشرات أن إيداعات حرفاء البنوك بلغت 114549 مليون دينار والقروض الموجهة للاقتصاد كانت في حدود 118537 مليون دينار.. 

وتحدث سفيان بنور إثر ذلك عن المهام القانونية للبنك المركزي خاصة ما تعلق بالتحكم في التضخم والعمل على ضمان استقرار الدينار وضمان توفر قطاع بنكي صلب ومتين على اعتبار أنه ركيزة أساسية لتمويل الاقتصاد ودفع الاستثمار، وأشار إلى دور البنك المركزي في التثقيف المالي كرافعة للاستثمار والاندماج المالي، وفسر كيف أن شبكة الأمان المالي ضمانة للاستقرار المالي ودعامة للاستثمار، كما عرّج على الإطار الترتيبي الحالي المنظم للتمويل البنكي ودور البنك المركزي في تعزيز الاستثمار في الاقتصاد الأخضر وأكد على وجود فرص استثمارية واعدة خاصة في الطاقات المتجددة والتكنولوجيات النظيفة ويعمل البنك المركزي حاليا حسب قوله على تعزيز مساهمة البنوك في هذا المجال، وذكر أنه سيتم العمل على ملاءمة معايير التصرف الحذر للأخذ بعين الاعتبار طبيعة المخاطر المناخية والحاجة إلى تشجيع التمويلات النظيفة والمستدامة ويمكن كذلك من التفكير في وضع آليات نقدية في مجال إعادة تمويل لفائدة الاقتصاد الأخضر وذلك من خلال وضع شروط ميسرة في هذا المجال. وأشار ممثل البنك المركزي إلى أن هذا البنك يلعب دورا كبيرا في تعزيز الاستثمار المباشر عبر التمويل التشاركي وهو ينتظر من هذه الآلية أن توفر عدة مزايا لتحفيز الاستثمار من أهمها تقليل الضغط على النظام المصرفي وتوفير بدائل تمويلية أكثر تنوعا وتحفيز ريادة الأعمال عبر الحصول على تمويلات دون حاجة إلى ضمانات مشددة كما هو الحال في البنوك، وتوسيع فرص التمويل خاصة الشركات الناشئة عبر النفاذ إلى مصادر تمويل بديلة خارج النظام المصرفي التقليدي مما يساعدها على الانطلاق والنمو.. وأشار إلى البنك المركزي يلعب دورا هاما في معاضدة مجهودات الدولة في دفع الاستثمار وبين أن هذا الدور هو نقدي بالأساس لكنه اقتصادي أيضا. ومن المسائل الأخرى التي تحدث عنها سفيان بنور المدير العام للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي الإجراءات المتخذة لفائدة المستثمر غير المقيم، والمبادئ العامة وفقا لمنظومة الصرف..

 رؤية القطاع الخاص

تطرق هشام اللومي نائب رئيس الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية خلال الندوة البرلمانية حول الاستثمار إلى رؤية القطاع الخاص للاستثمار في تونس، وبين أن الاتحاد دفع باستمرار بالملف الاقتصادي والتنموي إلى واجهة الاهتمام، وازداد هذا الحرص مع الأزمات التي مرت بها تونس على غرار بقية بلدان العالم مثل جائحة كوفيد 19 وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. ولاحظ أن الوضع الاقتصادي في تونس يتطلب من الجميع مضَاعَفَة الجهد والعمل على توفير مناخ مشجع على الاستثمار، وتحسين الإطار الذي تَنْشَطُ فيه المؤسسة وتعبئة كل الطاقات من أجل خلق فرص عمل جديدة للشباب وخاصة من خريجي الجامعات. وأضاف أن مناخ الاستثمار في حاجة إلى العديد من القرارات الشجاعة والجريئة وعلى رأسها تحرير الاستثمار وتشجيع المبادرة الخاصة وهناك حاجة إلى نقلة نوعية في مجال تشجيع الاستثمار وتحريره ويتطلب تحقيق هذه النقلة حسب رأي اللومي إتباع سياسة جبائية تحقق النمو وتشجع على الاستثمار والتصدير والاعتناء بكل عناصر التنافسية وخاصة منظومات الإنتاج التي تحقق السيادة الغذائية والصحية والطاقية.

وطالب بإقرار أفضل التشريعات في مجال الاستثمار بالاعتماد على دراسات مقارنة مع البلدان المنافسة وتحيين هذه التشريعات بصفة متواصلة وتحيين الدراسات القطاعية والقيام بمسح للقدرات والإمكانيات التنموية بالجهات بشكل مستمر ووضعها على ذمة المستثمرين إلى جانب مواصلة إتباع سياسة المواثيق القطاعية والقيام بصفة دورية بدراسات مقارنة مع البلدان الشبيهة بتونس والمنافسة لها خاصة من حيث القدرة التنافسية والإمكانيات اللوجستية والنظام الجبائي والقدرة على استقطاب الاستثمار الأجنبي.  ودعا ممثل منظمة الأعراف إلى تشجيع التصدير من خلال إعداد خطة متكاملة وإعادة النظر في بعض الاتفاقيات التجارية غير المتوازنة بالنسبة لتونس والتي تضر بالنسيج الاقتصادي الوطني، وإلى التشجيع على تدويل المؤسسة التونسية وعلى انتصابها بالخارج لأن ذلك يفتح آفاقا للمنتجات التونسية في الأسواق الأجنبية وتوظيف الكفاءات التونسية وتأطيرها.

كما طالب اللومي بإيجاد حلول عاجلة لقضية تمويل الاستثمار والمشاريع سواء للشباب أو للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وبإصلاح مجلة الصرف لتكون في مستوى مجلات الصرف المعمول بها في البلدان المنافسة لتونس وهو ما سيسهل استقطاب الاستثمار الأجنبي وكذلك تشجيع الاستثمار التونسي بالخارج. ودعا إلى التصدي للتهريب ودمج القطاع غير المنظم في القطاع المنظم ورفع العراقيل على المشاريع المعطلة والعناية أكثر بالبحث والتجديد ومواكبة التكنولوجيا والمراهنة على المعرفة وخلق القيمة المضافة واقتحام مجالات الصناعات الذكية لأنها تمثل المستقبل وفيها أفاق واعدة. وطالب بملاءمة التعليم والتكوين المهني مع حاجيات السوق وخاصة المهن الذكية والإحاطة بالشباب لبعث مشاريعهم الخاصة، وببعث مناطق صناعية ذكية في كل الجهات والأقاليم ومراجعة قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتدعيم نظام اللزمات ومزيد العناية بالتونسيين بالخارج وتشجيعهم على الاستثمار في تونس وعلى تسويق المنتجات التونسية ببلدان إقامتهم ومكافحة كل أشكال الإغراق التي تَضَرَّرَت منه المنتوجات الوطنية والعمل على الاستفادة من موجة إعادة توجيه الاستثمارات التي بَرَزَتْ على المستوى العالمي جراء تداعيات كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية وأكد على وجود فرص حقيقية أمام تونس لتكون وجهة للمستثمرين الأجانب الذين يسعون إلى نقل نشاطهم لوجهات جديدة تمكّن من الاستجابة السريعة لطلبات السوق خاصة في المجالات الحساسة كالأدوية والغذاء والطاقة ومكونات الإلكترونيك والميكانيك ودعا إلى بذل كل الجهود وحسن تسويق قدرات تونس وإمكانيتها لاستقطاب هذه الاستثمارات. ولاحظ أن دفع الاستثمار هو السبيل الوحيد للتشغيل والتصدير وخلق الثروات وتنمية الدخل الوطني وتحقيق الاستقرار والرفاه ويرى اللومي أن تونس قادرة على مواكبة المتغيرات والاستثمار في الصناعات الذكية والمتطورة وفي الطاقات المتجددة وفي كل المجالات المرتبطة بالسيادة الوطنية وخاصة الغذائية والصحية والطاقية وأكد أن القطاع الصناعي وبقية قطاعات الفلاحة والصيد البحري والسياحة والصناعات التقليدية والخدمات تتوفر على فرص للاستثمار شَرط تَوَفَّر المناخ المناسب وتطوير التشريعات التي تعزز من تنافسية الاقتصاد.

وعبر اللومي عن أمله في أن يمنح مجلس نواب الشعب الأولوية لمشاريع القوانين ذات الطابع الاقتصادي وذات العلاقة بتشجيع الاستثمار وأن يقوم بمراجعة مجلة الصرف والتقليص من الضغط الجبائي على المؤسسات. وذكر أنه لا بد أيضا من تطوير مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية وتطوير علاقات تونس مع شرَكَائها التقليديين والبحث عن شركاء جدد على قاعدة تحقيق المصلحة المشتركة والتركيز على تجسيد تكامل اقتصادي حقيقي مع ليبيا والجزائر وتطوير المناطق الحدودية معهما واستكمال تجسيد مشروع بعث المنطقة التجارية الحرة المشتركة التونسية الليبية وأضاف أن هناك حاجة لمناخ اقتصادي يمكن من بعث مؤسسات ناجعة. وذكر أنه لا بد من التركيز على التصدير لأن تشجيعه تراجع خلال السنوات الماضية ويجب دفع القطاع الصناعي وإحداث رجة عبر الإصلاح.

السيادة الغذائية

وفي عرض حول الاستثمار في القطاع الفلاحي أداة لدفع التنمية،  أشار معز بن زغدان رئيس الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري  إلى أن الاتحاد يعتبر الفلاحة قاطرة للاقتصاد ومحرك للتنمية لأن الهوية الاقتصادية لتونس هي هوية فلاحية وذلك لأن الفلاحة هي أول قطاع يرتكز عليه الاقتصاد الوطني لأنه يساهم في 10 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و12 بالمائة من قيمة الصادرات ولأنه على مستوى نسبة النمو التي تم بلوغها سنة 2024 ساهم فيها بصفر فاصل 97 بالمائة وساهم القطاع في 25 فاصل 6 بالمائة من الصادرات وسجل الميزان التجاري الغذائي فائضا هاما. وأكد زغدان على ارتباط الفلاحة بالأمن القومي والسيادة الوطنية، وذكر أنه من المتوقع أن تسجل تونس في الفترة الممتدة من 2022 إلى 2050 انخفاضا في الزراعات الكبرى والبطاطا والإنتاج الحيواني ويرى أن هذه التحديات تتطلب تشجيعات واستثمارات جديدة وتوفير مناخ استثمار محفز ومشجع على الإنتاج. ولاحظ أنه رغم الأرقام الهامة التي حققتها الفلاحة فان منوال التنمية المعتمد منذ عقود تجاهل الاستثمار في الفلاحة الوطنية واعتمد خيار التوريد من الخارج ومازال هذا القطاع يدار بعقلية الطوارئ وليس عقلية الاستشراف. وتمثل حصة القطاع الفلاحي في مجموع الاستثمارات 6 فاصل 4 بالمائة وحصة التأمين الفلاحي تمثل 2 فاصل 5 بالمائة من إجمالي معاملات قطاع التأمين وتبلغ نسبة تمويل البنوك للقطاع الفلاحي 7 بالمائة فقط وهي غير موجهة لصغار الفلاحين ويرى ممثل إتحاد الفلاحين والبحارة أن الاستثمار الناجح هو الذي تتوفر فيه العوامل المشجعة ماليا وفنيا وتشريعيا. وأضاف أن الاتحاد يطالب بثورة تشريعية تفتح الطريق أمام بناء جهاز إنتاج وطني قوي وقادر على الصمود ودعم الاستثمار في المعرفة. ويقترح الاتحاد حسب قوله إحداث صندوق وطني للاستثمار في السيادة الغذائية.

سعيدة بوهلال

في ندوة برلمانية..  دعوة إلى رقمنة الإدارة وتنقيح مجلة الصرف

 

- مطالبة الحكومة بمراجعة المنظومة القانونية للاستثمار

-وضع خارطة رقمية للأراضي المعدة للاستثمار في تونس

طالب العديد من أعضاء مجلس نواب الشعب أمس خلال ندوة انتظمت بقصر باردو ببادرة من الأكاديمية البرلمانية حول رهانات الاستثمار في تونس وتحدياته، بمراجعة المنظومة القانونية للاستثمار بصفة جذرية وإصلاح التشريعات الجبائية ذات العلاقة بهذا المجال مع ضمان استمرار القاعدة الجبائية، والتسريع في إحالة مشروع مجلة الصرف إلى المجلس النيابي، والتقليص من التراخيص ومراجعة كراسات الشروط، ومزيد الاهتمام بالرقمنة والذكاء الاصطناعي لتلافي التعقيدات الإدارية المتسببة في تعطيل المستثمرين وعرقلة انجاز مشاريعهم، وهناك منهم من دعا إلى وضع منوال تنموي جديد وتشجيع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ودفع التصدير والتوجه إلى أسواق جديدة خاصة في إفريقيا ودعم الدبلوماسية الاقتصادية، في حين هناك من يرى أنه لابد من معالجة المشاكل العقارية ومشكل إحجام القطاع البنكي على تمويل باعثي المشاريع من خريجي الجامعات وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وشددوا على ضرورة تفعيل خطوط التمويل الموجهة للاستثمار المنصوص عليها بقانون المالية لسنة 2025، وهناك من طالب البنك المركزي بالتخفيض في نسبة الفائدة المديرية. وعبر بعض النواب عن رغبتهم في القضاء على الاقتصاد الريعي الذي يخدم عددا محدودا من العائلات وهناك من قال إنه في ظل وجود فساد في الإدارة يستحيل النهوض بالاستثمار، ومن المقترحات الأخرى التي تم تقديمها خلال الندوة إجراء تدقيق في القروض التي حصلت عليها تونس منذ 2011 لتبين مدى مساهمتها في الاستثمار، والقيام بتوزيع عادل للمناطق الصناعية العمومية ومراقبة المناطق الصناعية الخاصة لأنه تم تحويل الرصيد العقاري للكثير منها إلى مباني سكنية. وهناك من النواب من شدد على أن الاستثمار الحقيقي هو استثمار في الموارد البشرية وفي وضع الاستراتيجيات الوطنية الكبرى التي توضح الرؤية أمام مختلف القطاعات، ولم يخف أغلب النواب انزعاجهم من بطء الحكومة في القيام بالإصلاحات التي ينتظرها الشعب التونسي والتي من شأنها أن تغير وضع البلاد نحو الأفضل.

أما رئيس المجلس إبراهيم بودربالة فأشار إلى أن ملتقيات الأكاديمية البرلمانية تعد فرصة للحوار بين النواب المشرعين وبين إطارات الدولة والمنظمات الوطنية، ولاحظ أن هناك من بين المقترحات التي تقدم بها النواب خلال الندوة ما يتعلق بالسياسات العامة للدولة، وذكر أن الحكومة هي المطالبة بتنفيذ هذه السياسات وبين أنه يجب على رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة الاستماع إلى النواب.

سياسة الدولة في الاستثمار    

وقبل فتح باب النقاش العام، تم تقديم مداخلة حول سياسة الدولة في مجال الاستثمار من قبل أميرة الكلاعي المكلفة بالإشراف على الإدارة العامة للاتفاقيات والنزاعات الدولية في مجال الاستثمار بوزارة الاقتصاد والتخطيط، وأشارت فيها بالخصوص إلى  تطور أهم مؤشرات الاستثمار وأبرز الصعوبات والأهداف المراد تحقيقها، فمن حيث التشخيص، هناك حسب قولها بطء نسبي في نسق الاستثمار الجملي وتقلص حصّته من الناتج مقارنة بمجهود الاستثمار الضروري لدفع حركية التنمية، كما هناك تأثير واضح لأزمة كوفيد على الاستثمار وتسببها في ضعف نسقه مقارنة بالأهداف المرسومة، وتواصل المنحى التنازلي لمساهمة الاستثمار العمومي وضعف حصة الاستثمار الخارجي المباشر مع بطء استقطاب مشاريع جديدة مقابل تعدد عمليات التوسعة.

وذكرت الكلاعي أن ترتيب تونس في التقارير الدولية يعكس وجود هذه الإشكاليات إذ أن ترتيب تونس في أغلب هذه التقارير سجل تراجعا وهو ما يؤثر سلبا على استقطاب الاستثمارات الخارجية سواء في مجال الاستثمارات العمومية وحتى الاستثمارات الخاصة. وتتمثل أهم الصعوبات حسب قولها في ضعف الآفاق الاقتصادية الدولية وتراجع الطلب الخارجي خاصّة من السوق الأوروبية، وضعف ديناميكية حركة التنمية الاقتصادية مع تواتر الأزمات والصعوبات الظرفية لعديد القطاعات من فلاحة وسياحة وبناء وعدّة أنشطة صناعية، وكما أشارت إلى تراجع مؤشر إدراك مناخ الأعمال في السنوات الأخيرة وهو ما أبرزه مسح مناخ الأعمال للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية.  وذكرت أن عوائق الاستثمار تتمثل بالخصوص في صعوبات المعاملات والنفاذ للتمويل والإخلال بالمنافسة والسوق الموازية وتعقد الإجراءات الإدارية والفساد وضعف البنية التحتية واللوجستية وضعف نجاعة منظومة الاستثمار ومحدودية رقمنة الخدمات  وتعقّد مسار بعث المشاريع بسبب كراسات الشروط ومواصلة العمل بالتراخيص لعدد هام من الأنشطة الاقتصادية، وذلك فضلا عن ارتفاع حصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة المصنفة لدى البنوك والتي تمثل حوالي 25 بالمائة مقابل ضعف فاعلية آليات المساندة، وضعف ثقافة الريادة والرغبة في بعث المشاريع من قبل الفئات الشابة. وخلصت إلى أن هذه الصعوبات تواجه المستثمر التونسي والأجنبي على حد سواء ويجب إيجاد حلول لها. 

حركية جديدة

وتحدثت ممثلة وزارة الاقتصاد والتخطيط أميرة الكلاعي إثر ذلك، عن الحركية الجديدة للاستثمار الهادفة إلى تحقيق نجاعة المنظومة التشريعية للاستثمار وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار. ولاحظت وجود إرادة سياسية واضحة لدفع الاستثمار تبلورت من خلال الشروع في تنفيذ استراتيجيات قطاعيّة جديدة وبذل مجهود  لتعبئة خطوط تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسّطة، وتواصل تشجيع المشاريع المستدامة والمجددة وإنجاز مشاريع مهيكلة كبرى في إطار التعاون الدولي والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتوفير تسهيلات جديدة لتحسين نجاعة الاستثمار العمومي والاستثمار الخاص بناء على المرسوم 68 لسنة 2022 وتعزيز المبادرات القطاعية لمجابهة التحدّيات المتعلقة بالأمن الغذائي والانتقال الطاقي والتغيرات المناخية والانتقال الرقمي، وتطوير المنظومة التشريعية والترتيبية ذات العلاقة بالاستثمار، وتسريع تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال وخاصة تبسيط الإجراءات ورقمنة الخدمات المسداة للمستثمرين إضافة إلى إعداد إطار قانوني جديد للابتكار والتجديد.

وأضافت أميرة الكلاعي أن تحقيق هذه الأهداف يتم من خلال جملة من الآليات التي تتمثل في تنفيذ إستراتجية تحسين مناخ الأعمال ورقمنة مسار المستثمر، وتحسين المنظومة التشريعية للاستثمار، وتحسين المنظومة المؤسساتية للاستثمار، والترويج لموقع تونس. وفي ما يتعلق بالإستراتيجية الوطنية لتحسين مناخ الأعمال فقد انطلقت في سنة 2023 وهناك أيضا حسب قولها استراتيجيات قطاعية تهم الماء والصناعة والصحة والتربية والعدالة والنقل والتكنولوجيا وريادة الأعمال والبيئة وتتمثل المنهجية المعتمدة لتحسين مناخ الأعمال في القيام بحوار بين القطاعين العام والخاص.

إصلاح مناخ الأعمال

واستعرضت أميرة الكلاعي محاور إصلاحات مناخ الأعمال ويتعلق المحور الأول بالملكية العقارية وتتمثل الإجراءات المتخذة في اعتماد منظومة معلوماتية وطنية موحدة ومتشابكة تجمع كل المعطيات العقارية وتبسيط مختلف الإجراءات المتعلقة بنقل الملكية ورقمنتها ووضع خارطة رقمية للأراضي المعدة للاستثمار في تونس. أما المحور الثاني فيتعلق بخدمات الجماعات المحلية والربط بالشبكات العمومية من خلال التسريع في مراجعة أمثلة التهيئة الترابية وإصدارها وإطلاق بوابة رقمية للتصرف في منظومة رخص البناء  ورقمنة مطالب الربط بشبكة الكهرباء والغاز بالنسبة للمستثمرين. ويتعلق المحور الثالث بالإطار التشريعي  للاستثمار وذلك بمراجعة الأمر الحكومي عـدد 389 لسنة 2017 المتعلق بالحوافز المالية لفائدة الاستثمارات المنجزة في إطار قانون الاستثمار، وإصدار دليل إجراءات وتوحيد وتعميم التصنيفة التونسية للأنشطة على جميع الهياكل العمومية المعنية بالاستثمار، ومراجعة قائمة القطاعات ذات الأولوية لمزيد توجيه الحوافز للقطاعات الواعدة.

أما المحور الرابع فيتعلق بدعم حرية الاستثمار من خلال  إصدار الأمر المتعلق بحذف الدفعة الثالثة من التراخيص ومراجعة كراسات شروط تعاطي الأنشطة الاقتصادية، بينما يتعلق المحور الخامس بالمشروع والمبادرة الخاصة وذلك بإعداد برنامج لمرافقة المؤسسات الصغرى والمتوسطة المحدثة خلال الثلاث سنوات الأولى من النشاط. ويتعلق المحور السادس بالتشغيلية، وذلك بإعداد خارطة وطنية للموارد البشرية حسب التوزيع الجغرافي والاختصاص والمهن، ووضع منظومة وطنية للتأهيل المهني، ووضع منظومة يقظة واستشراف لحاجيات سوق الشغل من الاختصاصات الجديدة والكفاءات. في حين يتمثل المحور الموالي في الاهتمام باللوجستيك من مواني ومطارات وكل ما من شأنه تسهيل تنقل السلع والبشر، وتتعلق بقية المحاور حسب ما أشارت إليه ممثلة وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتجارة العابرة للحدود والتمويل ومراجعة قانون الصرف والاشتغال على مراجعة شاملة للمنظومة الجبائية ودعم اقتصاد المعرفة بتنقيح قانون الشركات الناشئة وهناك محور يتعلق ببعث المشاريع والمبادرة الخاصة وهو يهدف إلى مساندة المؤسسة لكي تبقى ناشطة مع تبسيط مسار المستثمر ورقمنته.. وقالت إن الهدف المنشود هو الضغط على آجال بعث المؤسسة وبينت أنه في دول أخرى يستطيع المستثمر بعث مشروع ودخوله حيز النشاط في غضون خمس ساعات أما في تونس فلا يقع التقيد بالآجال القانونية. وفسرت أن البوابة الوطنية للمستثمر تمثل نقطة نفاذ موحدة لمختلف بالخدمات الإدارية المسداة لفائدة المؤسسة وسينطلق عمل البوابة سنة 2026.

المنظومة التشريعية

وإضافة إلى تنفيذ إستراتيجية تحسين مناخ الأعمال ورقمنة مسار المستثمر، بينت أميرة الكلاعي أن العنصر الثاني الذي يتم الاشتغال عليه يتمثل في تحسين المنظومة التشريعية للاستثمار، وهو ما يتطلب مراجعة قانون الاستثمار والتوجه نحو مزيد تبسيط الإجراءات وتحسين نجاعة المنظومة بالتركيز على الأولويات الوطنيّة وتطوير منظومة الحوكمة المؤسساتية، وتجسيم مقتضيات المرسوم عدد 68 لسنة 2022  المتعلّقة خاصّة بتسريع إنجاز المشاريع العمومية ودفع المشاريع المنجزة في إطار الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ومشاريع الطاقات المتجددة  ودفع الاستثمار في قطاعات الفلاحة والصناعة وتطوير البنية التحتية والتكنولوجية وفي قطاعي السكن والبعث العقاري. وأضافت أنه يجب مراجعة الاتفاقيات الدولية للاستثمار بهدف ضمان توازن أمثل بين مصالح المستثمر الأجنبي وحقوقه من جهة ومصالح الدولة التونسيّة المضيفة للاستثمار وتكريس سيادتها من جهة أخرى، ويجب صياغة أنموذج جديد ذو توجّه تنموي يحترم مقتضيات التنمية المستدامة في مختلف مستوياتها ويدعم سياسة الدولة في استقطاب الاستثمار الخارجي وبينت أنه سيتم تشريك القطاع الخاص في تحديد الوجهات الاستثمارية الجديدة ويتم حاليا الاشتغال على اتفاقية مع اليابان واتفاقية مع كندا واتفاقيات قارية مع إفريقيا.

وقدمت ممثلة الوزارة لنواب الشعب ملامح قانون الاستثمار الحالي وأهداف مشروع القانون الجديد المتعلق بالاستثمار والمتمثلة في تحسين مناخ الأعمال وتعزيز جاذبية تونس للاستثمار وإرساء حوكمة ناجعة للمنظومة ودفع استثمار التونسيين بالخارج وتيسر النفاذ للعقارات المعدة للاستثمار ودفع التصدير والاندماج في سلاسل القيمة العالمية والقطع مع المنظومة التشريعية السابقة. وأكدت أن هذا المشروع سيعرض قريبا على مجلس الوزراء للمصادقة عليه ثم ستقع إحالته على مجلس نواب الشعب، كما يتم حسب قولها الاشتغال على مراجعة منظومة التراخيص. وفسرت أنه في مرحلة أولى صدر الأمر الحكومي عدد 417 لسنة 2018 وتضمن القائمة الحصرية للأنشطة الاقتصادية الخاضعة لترخيص وقائمة التراخيص الإدارية لإنجاز مشروع وتتكون هذه القائمة من 270 ترخيصا تتوزع على قائمة الأنشطة الاقتصادية الخاضعة لترخيص وتتضمن 100 ترخيص، وقائمة الأنشطة الاقتصادية التي تم حذف تراخيص ممارستها وتتضمن 27 ترخيصا، وقائمة التراخيص الإدارية المستوجبة لإنجاز مشروع وآجال وإجراءات وشروط إسنادها وتتضمن 143 ترخيصا. وبينت أنه في مرحلة ثانية صدر الأمر الرئاسي عدد 317 لسنة 2022 المنقح والمتمم للأمر الحكومي عدد 417 لسنة 2018 وتم من خلاله إضافة ترخيصين لممارسة الأنشطة الاقتصادية وحذف 15 ترخيصا لممارسة الأنشطة الاقتصادية وحذف 10 تراخيص إدارية لإنجاز مشروع، وذكرت أنه بالنسبة إلى المرحلة الثالثة فإن التراخيص التي سيتم حذفها في إطار مشروع الأمر المنقح والمتمم للأمر الحكومي عدد 417 لسنة 2018 هي 20 ترخيصا لممارسة الأنشطة الاقتصادية و12 ترخيصا إداريا لإنجاز مشروع، وأضافت أنه من أهم أحكام مشروع الأمر المذكور إلزام الوزارات والهياكل والهيئات العمومية بتحيين المعطيات المتعلقة بكراسات الشروط والتراخيص الراجعة إليها بالنظر على مستوى المنصة الرقمية، وهذه المنصة بثلاث لغات وهي تضم قائمة تراخيص وكرّاسات شروط ممارسة الأنشطة الاقتصادية وتوضّح شروط وإجراءات وآجال إسنادها. وخلصت إلى أن الهدف هو أن يكون الفصل الرابع والفصل السابع من قانون الاستثمار يكرسان مبدأ حرية الاستثمار وتسهيل النفاذ إلى السوق وضمان المعاملة بالمثل بين جميع المستثمرين التونسيين والأجانب بطريقة واضحة ومراجعة 167 كراس شروط لممارسة الأنشطة الاقتصادية وأغلبها لدى وزارتي الفلاحة والنقل ثم وزارة التجارة وتليها وزارة الصحة وذلك مع الرقابة السابقة واللاحقة من قبل الدولة. وقالت إن هناك كراسات شروط تضمنت تعقيدات كبيرة وكان من الأفضل الإبقاء على الترخيص وترتب عن العمل بالكراسات المعقدة العزوف عن ممارسة بعض الأنشطة وبروز اقتصاد الريع وهو ما يتطلب تعويضها وتبسيطها ويتمثل هدف الوزارة في مراجعة مائة كراس شروط لتخليصها من البيروقراطية المكبلة ولتحرير الاقتصاد.

المؤسسات الصغرى والمتوسطة

ويتعلق المحور الموالي الذي تشتغل عليه وزارة الاقتصاد والتخطيط حسب قول أميرة الكلاعي في النهوض بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة وبلغ عدد المؤسسات الصغرى والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تشغل أقل من 200 عامل 825707 شركة سنة 2022 أي ما يمثل 99 فاصل 9 بالمائة من النسيج المؤسساتي وبلغ عدد المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تشغل بين 6 و199 عاملا  20294 شركة سنة 2022 أي ما يعادل 2 فاصل 5 بالمائة من مجموع الشركات وساهمت في توفير حوالي 43 بالمائة من مواطن الشغل في القطاع المنظم، وأوضحت أن الهدف الاستراتجي يتمثل في العمل على جعل هذه المؤسسات محركا للاقتصاد وخلق فرص العمل والتنمية المستدامة واستعرضت الكلاعي محاور هذه الإستراتيجية وخلصت إلى التأكيد على ضرورة وجود إطار خاص بالسياسات العمومية الموجة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة ولاحظت غياب هذا الإطار في تونس وأشارت إلى تشتت السياسات المعتمدة بين عدد من الوزارات القطاعية وهياكل الإحاطة ومؤسسات التمويل في ظل غياب هيكل أو إطار يضمن الترابط والتكامل بينها وعدم توفّر آليات لمتابعة وتقييم مدى نجاعة هذه السياسات.

وبينت أن أهم الإشكاليات في علاقة بالاستثمار تتمثل في صعوبة تحديد العرض التونسي بسبب غياب معايير فنية لتقييم فرص الاستثمار وعدم توفر المعلومة الدقيقة حول الرصيد العقاري المخصصة للاستثمار وقلة المعلومات المتوفرة حول فرص الاستثمار في المناطق الداخلية وقلة المشاريع المدة للعرض لذلك تم التفكير في إعداد خارطة وطنية استثمارية وهي أداة إستراتيجية تهدف إلى تحديد وتوجيه الاستثمارات بطريقة مدروسة ومنهجية، وهي تقدم تصورًا شاملًا للفرص الاستثمارية المتوفّرة في إقليم معين، بناءً على ميزاته التفاضلية والتنافسية على غرار موارده الطبيعية والبشرية، وبُنيته التحتية، واحتياجات السوق. 

  دور البنك المركزي

عن دور البنك المركزي التونسي في دفع الاستثمار تحدث معز اللجمي المدير العام للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي وسفيان بنور المدير العام للتعديل والرقابة الاحترازية الكلية بالبنك المركزي التونسي، وبين معز اللجمي أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي هو من أهم عوامل دفع الاستثمار في تونس وذكر أن الاستثمار في حد ذاته ليس غاية بل الغاية هي تحقيق النمو الاقتصادي وأن يكون الاقتصاد قادرا على بعث مواطن شغل وله احتياطي من العملة الأجنبية وأن تكون نسبة التضخم ضعيفة بما يحمي القدرة الشرائية للمواطن. وفسر أنه لا يمكن تحقيق نسبة نمو مرتفعة مقابل نسبة تضخم مرتفعة، وأنه لا بد أن تكون كافة السياسات في خدمة الأهداف الاقتصادية وهي السياسة المالية العمومية والسياسة النقدية وسياسة سعر الصرف والسياسة الاحترازية الكلية والسياسة التجارية والسياسة القطاعية وسياسة التشغيل. ولاحظ أن الاقتصاد الوطني تعرض إلى سلسلة من الصدمات الداخلية والخارجية أدت إلى وقوع الاقتصاد في فخ النمو المنخفض، وأضاف أن دفع الاستثمار يقتضي تعاون كل الأطراف المعنية.

وتطرق اللجمي إثر ذلك إلى دور السياسة النقدية في تحقيق الاستثمار الاقتصادي وفسر أنه لابد من المحافظة على قيمة العملة واستقرارها وبالتالي لابد من المحافظة على نسبة التضخم وذكر أن البلدان التي فيها نسبة تضخم صغيرة فإن نسبة الفائدة تكون بالضرورة صغيرة. وخلص إلى أن السيطرة على التضخم والإبقاء عليه في مستويات منخفضة من شأنها أن تساهم في توفير بيئة اقتصادية قادرة على جذب الاستثمار وتعزيزه على الصعيدين المحلي والأجنبي ودفع مستوى التشغيل. وفسر ممثل البنك المركزي للنواب علاقة التحكم في التضخم بدعم الاستقرار الاقتصادي وما يترتب عن اختلال التوازن بين العرض والطلب ثم تطرق إلى النتائج التي تم تحقيقها من خلال السياسة النقدية الحذرة المتبعة من قبل البنك المركزي والتي مكنت حسب قوله من التحكم في التضخم والرجوع به إلى مستويات مقبولة كما عبر عن ارتياحه للمحافظة على استقرار الدينار وذكر أنه في البنك المركزي تم وضع المصلحة الوطنية فوق جميع المصالح الأخرى. وقدم لنواب الشعب معطيات حول نقاط القوة في تجارب مقارنة مثل الصين والهند وألمانيا وسنغفورة والبرازيل وجنوب إفريقيا والإمارات ونيوزيلاندا وتركيا وفيتنام.

أما سفيان بنور فركز على دور الاستقرار المالي وصلابة القطاع البنكي في دفع الاستثمار وبين أن تتالي الصدمات ذات الصبغة الكلية على غرار جائحة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية والتوترات الجيوسياسية بالمنطقة أثرت على سلاسل التزويد العالمية والأسعار وانخفاض الطلب على أهم الأسواق الشريكة لتونس وأدى إلى تدهور الوضعية الاقتصادية لعديد المؤسسات وضعف قدرتها التنافسية والاستثمارية، فضلا عن غياب تمويلات وقدم ممثل البنك المركزي معطيات حول القطاع المالي في تونس وأهم المؤشرات المسجلة خلال سنة 2024 وبين أنه يوجد في تونس 22 بنكا تتوزع على 2041 فرعا منها 7 بنوك غير مقيمة و8 مؤسسات إيجار مالي و2 مؤسسات إدارة الديون و2 بنوك أعمال و6 مؤسسات دفع ولاحظ تعدد المتدخلين في القطاع المالي بهدف تغطية مختلف احتياجات التمويل وتمثل حصة البنوك المقيمة من مجموع أصول القطاع البنكي من حيث المساهمة في تمويل الاقتصاد بنسبة 93 فاصل 4 بالمائة. كما استعرض مؤشرات نشاط القطاعي البنكي خلال سنة 2024 ومن بين هذه المؤشرات أن إيداعات حرفاء البنوك بلغت 114549 مليون دينار والقروض الموجهة للاقتصاد كانت في حدود 118537 مليون دينار.. 

وتحدث سفيان بنور إثر ذلك عن المهام القانونية للبنك المركزي خاصة ما تعلق بالتحكم في التضخم والعمل على ضمان استقرار الدينار وضمان توفر قطاع بنكي صلب ومتين على اعتبار أنه ركيزة أساسية لتمويل الاقتصاد ودفع الاستثمار، وأشار إلى دور البنك المركزي في التثقيف المالي كرافعة للاستثمار والاندماج المالي، وفسر كيف أن شبكة الأمان المالي ضمانة للاستقرار المالي ودعامة للاستثمار، كما عرّج على الإطار الترتيبي الحالي المنظم للتمويل البنكي ودور البنك المركزي في تعزيز الاستثمار في الاقتصاد الأخضر وأكد على وجود فرص استثمارية واعدة خاصة في الطاقات المتجددة والتكنولوجيات النظيفة ويعمل البنك المركزي حاليا حسب قوله على تعزيز مساهمة البنوك في هذا المجال، وذكر أنه سيتم العمل على ملاءمة معايير التصرف الحذر للأخذ بعين الاعتبار طبيعة المخاطر المناخية والحاجة إلى تشجيع التمويلات النظيفة والمستدامة ويمكن كذلك من التفكير في وضع آليات نقدية في مجال إعادة تمويل لفائدة الاقتصاد الأخضر وذلك من خلال وضع شروط ميسرة في هذا المجال. وأشار ممثل البنك المركزي إلى أن هذا البنك يلعب دورا كبيرا في تعزيز الاستثمار المباشر عبر التمويل التشاركي وهو ينتظر من هذه الآلية أن توفر عدة مزايا لتحفيز الاستثمار من أهمها تقليل الضغط على النظام المصرفي وتوفير بدائل تمويلية أكثر تنوعا وتحفيز ريادة الأعمال عبر الحصول على تمويلات دون حاجة إلى ضمانات مشددة كما هو الحال في البنوك، وتوسيع فرص التمويل خاصة الشركات الناشئة عبر النفاذ إلى مصادر تمويل بديلة خارج النظام المصرفي التقليدي مما يساعدها على الانطلاق والنمو.. وأشار إلى البنك المركزي يلعب دورا هاما في معاضدة مجهودات الدولة في دفع الاستثمار وبين أن هذا الدور هو نقدي بالأساس لكنه اقتصادي أيضا. ومن المسائل الأخرى التي تحدث عنها سفيان بنور المدير العام للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي الإجراءات المتخذة لفائدة المستثمر غير المقيم، والمبادئ العامة وفقا لمنظومة الصرف..

 رؤية القطاع الخاص

تطرق هشام اللومي نائب رئيس الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية خلال الندوة البرلمانية حول الاستثمار إلى رؤية القطاع الخاص للاستثمار في تونس، وبين أن الاتحاد دفع باستمرار بالملف الاقتصادي والتنموي إلى واجهة الاهتمام، وازداد هذا الحرص مع الأزمات التي مرت بها تونس على غرار بقية بلدان العالم مثل جائحة كوفيد 19 وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. ولاحظ أن الوضع الاقتصادي في تونس يتطلب من الجميع مضَاعَفَة الجهد والعمل على توفير مناخ مشجع على الاستثمار، وتحسين الإطار الذي تَنْشَطُ فيه المؤسسة وتعبئة كل الطاقات من أجل خلق فرص عمل جديدة للشباب وخاصة من خريجي الجامعات. وأضاف أن مناخ الاستثمار في حاجة إلى العديد من القرارات الشجاعة والجريئة وعلى رأسها تحرير الاستثمار وتشجيع المبادرة الخاصة وهناك حاجة إلى نقلة نوعية في مجال تشجيع الاستثمار وتحريره ويتطلب تحقيق هذه النقلة حسب رأي اللومي إتباع سياسة جبائية تحقق النمو وتشجع على الاستثمار والتصدير والاعتناء بكل عناصر التنافسية وخاصة منظومات الإنتاج التي تحقق السيادة الغذائية والصحية والطاقية.

وطالب بإقرار أفضل التشريعات في مجال الاستثمار بالاعتماد على دراسات مقارنة مع البلدان المنافسة وتحيين هذه التشريعات بصفة متواصلة وتحيين الدراسات القطاعية والقيام بمسح للقدرات والإمكانيات التنموية بالجهات بشكل مستمر ووضعها على ذمة المستثمرين إلى جانب مواصلة إتباع سياسة المواثيق القطاعية والقيام بصفة دورية بدراسات مقارنة مع البلدان الشبيهة بتونس والمنافسة لها خاصة من حيث القدرة التنافسية والإمكانيات اللوجستية والنظام الجبائي والقدرة على استقطاب الاستثمار الأجنبي.  ودعا ممثل منظمة الأعراف إلى تشجيع التصدير من خلال إعداد خطة متكاملة وإعادة النظر في بعض الاتفاقيات التجارية غير المتوازنة بالنسبة لتونس والتي تضر بالنسيج الاقتصادي الوطني، وإلى التشجيع على تدويل المؤسسة التونسية وعلى انتصابها بالخارج لأن ذلك يفتح آفاقا للمنتجات التونسية في الأسواق الأجنبية وتوظيف الكفاءات التونسية وتأطيرها.

كما طالب اللومي بإيجاد حلول عاجلة لقضية تمويل الاستثمار والمشاريع سواء للشباب أو للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وبإصلاح مجلة الصرف لتكون في مستوى مجلات الصرف المعمول بها في البلدان المنافسة لتونس وهو ما سيسهل استقطاب الاستثمار الأجنبي وكذلك تشجيع الاستثمار التونسي بالخارج. ودعا إلى التصدي للتهريب ودمج القطاع غير المنظم في القطاع المنظم ورفع العراقيل على المشاريع المعطلة والعناية أكثر بالبحث والتجديد ومواكبة التكنولوجيا والمراهنة على المعرفة وخلق القيمة المضافة واقتحام مجالات الصناعات الذكية لأنها تمثل المستقبل وفيها أفاق واعدة. وطالب بملاءمة التعليم والتكوين المهني مع حاجيات السوق وخاصة المهن الذكية والإحاطة بالشباب لبعث مشاريعهم الخاصة، وببعث مناطق صناعية ذكية في كل الجهات والأقاليم ومراجعة قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتدعيم نظام اللزمات ومزيد العناية بالتونسيين بالخارج وتشجيعهم على الاستثمار في تونس وعلى تسويق المنتجات التونسية ببلدان إقامتهم ومكافحة كل أشكال الإغراق التي تَضَرَّرَت منه المنتوجات الوطنية والعمل على الاستفادة من موجة إعادة توجيه الاستثمارات التي بَرَزَتْ على المستوى العالمي جراء تداعيات كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية وأكد على وجود فرص حقيقية أمام تونس لتكون وجهة للمستثمرين الأجانب الذين يسعون إلى نقل نشاطهم لوجهات جديدة تمكّن من الاستجابة السريعة لطلبات السوق خاصة في المجالات الحساسة كالأدوية والغذاء والطاقة ومكونات الإلكترونيك والميكانيك ودعا إلى بذل كل الجهود وحسن تسويق قدرات تونس وإمكانيتها لاستقطاب هذه الاستثمارات. ولاحظ أن دفع الاستثمار هو السبيل الوحيد للتشغيل والتصدير وخلق الثروات وتنمية الدخل الوطني وتحقيق الاستقرار والرفاه ويرى اللومي أن تونس قادرة على مواكبة المتغيرات والاستثمار في الصناعات الذكية والمتطورة وفي الطاقات المتجددة وفي كل المجالات المرتبطة بالسيادة الوطنية وخاصة الغذائية والصحية والطاقية وأكد أن القطاع الصناعي وبقية قطاعات الفلاحة والصيد البحري والسياحة والصناعات التقليدية والخدمات تتوفر على فرص للاستثمار شَرط تَوَفَّر المناخ المناسب وتطوير التشريعات التي تعزز من تنافسية الاقتصاد.

وعبر اللومي عن أمله في أن يمنح مجلس نواب الشعب الأولوية لمشاريع القوانين ذات الطابع الاقتصادي وذات العلاقة بتشجيع الاستثمار وأن يقوم بمراجعة مجلة الصرف والتقليص من الضغط الجبائي على المؤسسات. وذكر أنه لا بد أيضا من تطوير مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية وتطوير علاقات تونس مع شرَكَائها التقليديين والبحث عن شركاء جدد على قاعدة تحقيق المصلحة المشتركة والتركيز على تجسيد تكامل اقتصادي حقيقي مع ليبيا والجزائر وتطوير المناطق الحدودية معهما واستكمال تجسيد مشروع بعث المنطقة التجارية الحرة المشتركة التونسية الليبية وأضاف أن هناك حاجة لمناخ اقتصادي يمكن من بعث مؤسسات ناجعة. وذكر أنه لا بد من التركيز على التصدير لأن تشجيعه تراجع خلال السنوات الماضية ويجب دفع القطاع الصناعي وإحداث رجة عبر الإصلاح.

السيادة الغذائية

وفي عرض حول الاستثمار في القطاع الفلاحي أداة لدفع التنمية،  أشار معز بن زغدان رئيس الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري  إلى أن الاتحاد يعتبر الفلاحة قاطرة للاقتصاد ومحرك للتنمية لأن الهوية الاقتصادية لتونس هي هوية فلاحية وذلك لأن الفلاحة هي أول قطاع يرتكز عليه الاقتصاد الوطني لأنه يساهم في 10 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و12 بالمائة من قيمة الصادرات ولأنه على مستوى نسبة النمو التي تم بلوغها سنة 2024 ساهم فيها بصفر فاصل 97 بالمائة وساهم القطاع في 25 فاصل 6 بالمائة من الصادرات وسجل الميزان التجاري الغذائي فائضا هاما. وأكد زغدان على ارتباط الفلاحة بالأمن القومي والسيادة الوطنية، وذكر أنه من المتوقع أن تسجل تونس في الفترة الممتدة من 2022 إلى 2050 انخفاضا في الزراعات الكبرى والبطاطا والإنتاج الحيواني ويرى أن هذه التحديات تتطلب تشجيعات واستثمارات جديدة وتوفير مناخ استثمار محفز ومشجع على الإنتاج. ولاحظ أنه رغم الأرقام الهامة التي حققتها الفلاحة فان منوال التنمية المعتمد منذ عقود تجاهل الاستثمار في الفلاحة الوطنية واعتمد خيار التوريد من الخارج ومازال هذا القطاع يدار بعقلية الطوارئ وليس عقلية الاستشراف. وتمثل حصة القطاع الفلاحي في مجموع الاستثمارات 6 فاصل 4 بالمائة وحصة التأمين الفلاحي تمثل 2 فاصل 5 بالمائة من إجمالي معاملات قطاع التأمين وتبلغ نسبة تمويل البنوك للقطاع الفلاحي 7 بالمائة فقط وهي غير موجهة لصغار الفلاحين ويرى ممثل إتحاد الفلاحين والبحارة أن الاستثمار الناجح هو الذي تتوفر فيه العوامل المشجعة ماليا وفنيا وتشريعيا. وأضاف أن الاتحاد يطالب بثورة تشريعية تفتح الطريق أمام بناء جهاز إنتاج وطني قوي وقادر على الصمود ودعم الاستثمار في المعرفة. ويقترح الاتحاد حسب قوله إحداث صندوق وطني للاستثمار في السيادة الغذائية.

سعيدة بوهلال