إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس تصنّع 3168 دواء جنيسا وتصدّر إلى 26 دولة.. الصناعات الدوائية.. تميّز محلّي في انتظار مكانة دولية "مستحقّه"

 

  • تونس يمكن أن تحقق الاكتفاء الدوائي.. وفي إفريقيا أسواق واعدة
  • الصناعات الصيدلانية قطاع أساسي في دعم اقتصاد البلاد مع إمكانيات للنمو والتصدير
  • شركات التوزيع يجب أن تكون حاضرة في عملية التصدير

تونس – الصباح

سوق ضخمة عائداتها تصل إلى تريليونات الدولارات، تشتّد فيها المنافسة وتتحكّم فيها دول وشركات في فرض منتوجاتها.. تلك السوق هي سوق تصنيع الأدوية وتوزيعها عبر العالم.. سوق فريدة من نوعها وحسّاسة جدا ولا يمكن الاستغناء عنها، ومن سنة إلى أخرى تتطوّر استثماراتها وعائداتها بشكل مذهل.. سوق مجبرة على تحدّي الأزمات ولا تعرف ركودا أبدا بالنظر لدورها الحيوي في إنقاذ ملايين المرضى عبر العالم.. ولعل الأرقام الأخيرة والصادرة عن منصّات موثوقة تبرز بوضوح حجم وأهمية هذا السوق في اقتصاديات الدول حيث يتوقع أن يصل حجم سوق التصنيع الدوائي العالمي إلى 184.9 مليار دولار مع موفى سنة 2024 مع توقعات بزيادة تصل إلى 345.6 مليار دولار بحلول عام 2033 بمعدل نمو سنوي في حدود 7.2%وفقا لما ذكرته منصة "غلوب نيوز واير"  (GlobeNewswire).. أما الإيرادات العالمية لهذه السوق فمن المتوقع أن تصل إلى 1.16 تريليون دولار بنهاية عام 2024 وإلى 1.45 تريليون دولار بحلول عام 2029 وفق آخر المؤشرات الاقتصادية المتعلّقة بهذه السوق..

وتونس ليست بمنأى عن معاملات هذه السوق ولا مؤشراتها حيث تعتبر من البلدان العربية الرائدة في مجال صناعة الأدوية والصناعات الصيدلانية بشكل عام إلى جانب الأردن والمملكة العربية السعودية والمغرب ومصر، وتتميز الصناعة الدوائية التونسية بتقنياتها المتقدّمة وجودة منتوجاتها الدوائية وسلامتها، ووفق تقارير دولية مختصة فإن بلادنا تغطّي نصف احتياجاتها الدوائية محليا مع سوق بقيمة 2.15 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن تنمو الإيرادات بنسبة 12.9% سنويا حتى تصل إلى 5.03 مليارات دولار بحلول  2030 وفقا لما نشرته مؤخرا منصة (Maximize Market Research).

وكان وزير الصحة مصطفى الفرجاني، صرّح مؤخرا خلال زيارته إلى ولاية صفاقس أن وزارته تتوجه إلى إعادة هيكلة الصناعات الدوائية في تونس بصفة جذرية مع السعي للتعويل على الذات، حيث أشار الفرجاني إلى أن الأدوية المصنّعة في تونس توفّر ما يناهز 75% من حاجيات التونسيين وأن الوصول إلى الاكتفاء الدوائي ممكن بفضل الكفاءات التونسية من أطباء وصيادلة .

والاكتفاء الدوائي أو تحسين نسبة تغطية الحاجيات لتفوق الـ 90 بالمائة ليس هدفا مستحيلا، بل إمكانية واردة في غضون العقدين القادمين إذا تمّ إيلاء هذه الصناعة الحيوية الأهمية اللازمة والاهتمام بكل حلقاتها من التصنيع إلى التوزيع وصولا إلى البيع في الصيدليات، كما وأنه من الذكاء المراهنة على هذه الصناعة والتي يمكن أن تكون رافدا مهما للاقتصاد الوطني خاصة وأن وجود تونس في إفريقيا يعد نقطة قوة يجب التفكير بها واستغلالها بالشكل الأمثل خاصة بوجود أسواق افريقية واعدة ومميزة وتثق في جودة المنتوج الدوائي التونسي.. ولكن تميّز هذا المنتوج لا يحجب الصعوبات التي تعيشها هذه الصناعة في بعض حلقات الإنتاج كما أن أهمية الرهانات لا يجب أن تحجب تواضع الإمكانيات بما يجعل إعادة هيكلة القطاع، كما أكّد ذلك وزير الصناعة، أمرا ضروريا وعاجلا ..

صناعة الأدوية.. تقاليد وانجازات !

أن تصل منظومة الأدوية إلى تغطية نصف حاجيات التونسيين، فإن ذلك لم يأت صدفة بل كان نتيجة عقود من العمل والاجتهاد والحرص على الجودة والالتزام بالمعايير الدولية وشراكة متميزة بين القطاع العام والخاص في قطاع حيوي لا يسمح بهامش الخطأ.. وكانت أول شركة لصناعة الأدوية في تونس قد تم بعثها منذ سنة 1989 وهذا القطاع لا يكتفي بتغطية جزء هام من حاجياتنا الداخلية بل له حضور في الأسواق الخارجية حيث بلغت القيمة الإجمالية للعائدات المالية لتصدير الأدوية التونسية سنة 2020، حوالي 160 مليون دينار ..

وكانت المديرة العامة لوحدة النهوض بالاستثمار والصادرات في قطاع الصحّة بوزارة الصحة، نادية فنينة، قد صرّحت منذ أسابيع قليلة أن عائدات تونس من خدمة تصدير الأدوية الجنيسة تقدّر بـ300 مليون دينار.. وخلال الأيام التي نظّمتها في ماي الماضي الجمعية التونسية للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية أكّد المدير العام للوكالة الوطنية للدواء والمواد الصحية، التي تم إحداثها منذ سنتين، عبد الرزاق الهذيلي أن تونس تقوم بتصنيع 3168 دواء جنيسا و46 دواء من البدائل الحيوية، والأدوية الجنيسة هي تلك الأدوية التي أصبحت مادتها الفعّالة ضمن المجال العام ولا تخضع إلى ملكية براءة الاختراع، وبالتالي لم يعد تصنيعها محتكرا على مالك براءة الاختراع وتصل نسبة استعمال هذه الأدوية في دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا إلى نسبة 70 بالمائة، وفي تونس تؤكد "الجمعية التونسية للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية" إلى أن كلفة الدواء الجنيس أقل بـ40 بالمائة.

ووفق بعض التقارير الدولية المختصّة يقدّر حجم معاملات سوق الأدوية الجنيسة عبر العالم بـ 413.6 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 508.79 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029.

وأهمية منظومة تصنيع الأدوية في تونس وإشعاعها الخارجي جعل الأطراف المعنية وأساسا وزارة الصحة تطمح إلى تحقيق من60 إلى70 بالمائة من حاجياتنا خلال الفترة القادمة. وتعتبر المخابر التي تحت إشراف الصيدلية المركزية من أهم مخابر تصنيع الأدوية رغم بعض الصعوبات التي تواجهها الصيدلية المركزية في السنوات الأخيرة خاصة في علاقة بديونها المتخلّدة في ذمة المستشفيات و"الكنام" والتي ناهزت 1173 مليار دينار.. وفي الجلسة البرلمانية الأخيرة حول مناقشة ميزانية وزارة الصحّة أكد رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بالبرلمان النائب نبيه ثابت أن مصانع الأدوية في تونس توفر حوالي 60 ألف موطن شغل من بينهم حوالي 6000 إطار، وأن بعض هذه المصانع واجهت صعوبات في التزوّد بالمواد الأولية بالنظر إلى ارتفاع كلفة شراء وتوريد هذه المواد وتم إغلاق بعضها وهو ما أنتج أزمة تزوّد بالدواء بدأت منذ 2018 وهي متواصلة إلى اليوم، وقد طالب رئيس اللجنة البرلمانية للصحّة بضرورة إعفاء المعاليم الديوانية على هذه المواد الأولية حتى يحافظ سوق تصنيع الأدوية على استقراره ويستطيع التطوير من نفسه.

 وكان مجلس نواب الشعب، قد صادق مؤخرا على تعديل الفصل 30 من مشروع قانون المالية لسنة 2025، والمتعلق بإعفاء الأدوية الموردة من قبل الصيدلية المركزية التونسية من المعاليم والاداءات. وكانت وزيرة المالية سهام نمصية أشارت في جلسة مناقشة قانون المالية الأخير إلى أنه تم دائما توفير دعم مالي للصيدلية المركزية حتى تتجاوز إشكاليات السيولة التي تواجهها، حيث أفادت وزيرة المالية أنه وقع سنة 2023 تخصيص 200 مليون دينار لفائدة الصيدلية المركزية وسنة 2024 تم تخصيص 200 مليون دينار، كما ستعمل خلال سنة 2025 على توفير 150 مليون دينار لفائدتها.

وتعتبر الصيدلية المركزية شريكا أساسيا في منظومة تصنيع الأدوية من خلال عدد من المخابر والشركات، ومؤخرا تم استعادة الشركة التونسية للصناعات الصيدلية سيفات التي  استأنفت نشاطها بعد تعطل دام حوالي سنتين، وكانت هذه الشركة رائدة في منظومة تصدير الأدوية وأن الهدف من إعادتها إلى النشاط وفق التصريحات الرسمية يتمثّل في تلبية حاجيات السوق التونسية من الأدوية إضافة إلى غزو الأسواق الأجنبية على غرار السوق الإفريقية، حيث أشار المدير العام للوكالة الوطنية عبد الرزاق الهذيلي في تصريح سابق إلى أن "جودة الصناعة الدوائية التونسية مشهود لها دوليا والدليل على ذلك أن تونس تقوم بتصدير منتوجها إلى 26 دولة..«

إحداث الوكالة الوطنية للدواء.. خطوة إلى الأمام !

في جويلية 2023 صدر القانون المُحدث للوكالة الوطنية للدواء والمواد الصحية، التي تخضع لإشراف وزارة الصحة وتعتبر خطوة مهمة إلى الأمام في حماية الحق في الصحة وتنظيم قطاع المنظومة الدوائية ورقمنتها والحرص على جودتها واستجابتها للمعايير الدولية. وحسب نص القانون المنظّم لها، فإن الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة تسهر على «ضمان شفافية التصرف في الدواء ومواد الصحة"، ومن أبرز مهامها المساهمة في اقتراح السياسات الوطنية في مجال الدواء ومواد الصحة وإسناد أو اقتراح إسناد التراخيص في ميدان صنع وتسجيل وتوريد وتصدير وتوزيع وتسويق الدواء ومواد الصحة ومكوناتها، كذلك تتولى الوكالة إسناد التراخيص في إجراء التجارب السريرية ومراقبتها فضلا عن ضمان حماية وفاعلية وجودة الدواء ومواد الصحة ومكوناتها وخاصة منها الأدوية ذات الاستعمال البشري والاستعمال البيطري والمستلزمات الطبية والمكملات الغذائية ومواد التجميل وغيرها من المواد الصحية.

 كما تشرف الوكالة على مراقبة المواد السامة والمواد المخدرة والمواد المؤثرة عقليا وتقدم المعلومات الملائمة لمهنيي الصحة والمرضى حول الاستعمال الرشيد للدواء ومواد الصحة مع مكافحة تقليد الدواء ومواد الصحة ومسالك الاتجار غير المشروع.

وتهتم الوكالة أيضا بتطوير الاختبارات العلمية والفنية اللازمة للدواء، ومراقبة المواد المرخص فيها من قبل الوكالة بعد تسويقها، فضلا عن السهر على ترشيد استعمال الدواء ومواد الصحة والمستلزمات الطبية بالقطاعين العمومي والخاص.

وتجمع الوكالة أربعة هياكل مهمة وحسّاسة في منظومة الدواء وهي وحدة الصيدلة والدواء وإدارة التفقّد الصيدلي والمخبر الوطني لمراقبة الأدوية والمركز الوطني لليقظة الدوائية، ومن خلال تجميع هذه الهياكل تحت وكالة وطنية، فإن ذلك سيساهم بشكل كبير في رفع درجة الأمان الصحّي لدى المرض ويدعم جودة المنتوجات الصيدلانية كما سيدعم رقابة كل الأدوية التي تدخل السوق التونسية بما يمكّن من التصدّي لعدة أدوية غير آمنة مثل المكمّلات الغذائية التي تشهد إقبالا كبيرا رغم المضار الكثيرة التي تختلف أسبابها .

ومن مهام الوكالة أيضا هو تشجيع الاستثمار في قطاع صناعة الأدوية وتحفيز المستثمرين التونسيين عبر جملة من التسهيلات ومنها الرخص، والتشجيع والتحفيز عندما يكون مؤطّرا بشكل واضح ستكون له نتائج إيجابية على قطاع واعد مثل قطاع تصنيع الأدوية.

 

نائب رئيس الغرفة النقابية للصيادلة وموزّعي الأدوية ونائب رئيس الجمعية الإفريقية لموزّعي الأدوية رازي ملياني لـ"الصباح": قطاع توزيع الأدوية شريك أساسي في الصناعة ويضمّ 70 شركة ..

حول واقع تصنيع الأدوية في تونس وقدرتها على المنافسة وفق معايير دولية والنفاذ إلى الأسواق الخارجية وخاصة الأسواق الإفريقية والتي تعتبر أسواقا واعدة ومميزة اليوم، كان لنائب رئيس الغرفة النقابية التونسية للصيادلة وموزّعي الأدوية ونائب رئيس الجمعية الإفريقية لموزّعي الأدوية، رازي ملياني، وجهة نظر متفائلة في علاقة بتطوّر منظومة صناعة الأدوية في تونس وقدرتها على المنافسة الدولية، إلا أن ذلك لم يثن محدّثنا عن التطرّق إلى واقع قطاع توزيع الأدوية في تونس والذي يعتبر الحلقة الأهم في سوق الأدوية باعتباره همزة الوصل الأساسية بين مصنّعي الدواء والصيادلة ..

وفي هذا السياق يقول رازي ملياني:"بالنسبة لتصنيع الأدوية فإن تونس تقدّمت شوطا مهمّا مقارنة بباقي الدول الإفريقية حيث نجحت في تغطية 50% من حاجياتها الدوائية وهذا بالنسبة للدول الإفريقية يعتبر إنجازا طبيا لافتا، خاصة إذا علمنا أن دول إفريقيا جنوب الصحراء تستورد 90% من أدويتها«.

رازي ملياني أشار إلى أن من أهم حلقات سوق صناعة الأدوية في تونس نجد موزّعي الأدوية، وقال إن شركات توزيع الأدوية وعلى أهميتها في هذه السوق طالما يتم تجاهل دورها وأهميتها، حيث لا يمكن أن يتم توفير الأدوية للمرضى دون وجود هذه الحلقة الأساسية التي تربط بين المصنّعين والصيادلة، ويضيف رازي ملياني:"أهمية قطاع توزيع الأدوية في تونس لا يكمن دوره فقط في ربط الصلة بين عملية التصنيع وبيع الأدوية، بل لأنه قطاع له خصوصيته ولا يكتفي بالقيام بالدور التقليدي بل هو قطاع متفاعل مع حاجيات المرضى وطلبات الصيادلة، حيث إذا تم تسجيل نقص أو غياب دواء تقوم الصيدلية بالاتصال بموزّع الدواء الذي يقوم بتوفيره بشكل فوري دون انتظار مواعيد التوزيع اليومية كما هو معمول به في بقية الدول بما في ذلك المتطوّرة منها، وهذه الخدمة توفّرها شركات توزيع الأدوية على كامل تراب الجمهورية خاصة وأن هذه الشركات لا تتركّز في تونس الكبرى أو المدن الكبرى بل تغطّي كل المناطق«.

وحسب نائب رئيس الغرفة النقابية التونسية للصيادلة وموزّعي الأدوية رازي ملياني، فإن عدد شركات توزيع الأدوية تبلغ حوالي 70 شركة تشغّل كل منها في المتوسّط بين 40 و50 عاملا وهذا العدد قد يتضاعف بالنسبة للشركات الكبرى كما يمكّن أن يتقلّص إلى النصف بالنسبة للشركات الصغرى آو المبتدئة.

 رازي الملياني أشار أيضا إلى شركات توزيع الأدوية التي تعيش بدورها صعوبات كبيرة، فزيادة على الكلفة خاصة مع غلاء السيارات والمحروقات، أكد أن الكلفة زادت حتى في تصنيع الأدوية لأسباب مختلفة ومنها صعوبات عالمية، حيث لم تعد المواد الأولية متوفّرة بالكمية الكافية وهو ما أدّى لارتفاع الأسعار عند التصنيع وعند التغليف وهذا زاد في كلفة الدواء، وفي ذات السياق يقول رازي ملياني:"رغم ارتفاع الكلفة نحن كموزعين لا يمكننا تجاوز التسعيرة التي تقرّها الدولة، والتي تريد في نفس الوقت توفير الدواء ولكن بكلفة منخفضة، ولكن اليوم هذه المعادلة تبدو صعبة إن لم نقل مستحيلة، ولكن في المقابل اليوم شركات توزيع الأدوية تعيش بهامش ربح في حدود 1% أو حتى دون ذلك ممّا جعل أغلبية هذه الشركات تواجه صعوبات كبيرة تهدّد حتى كيانها ووجودها وهي التي تغطّي بوجودها وبمخازنها كامل البلاد وتضمن وصول الدواء إلى أي مريض في أي جهة أو منطقة«.

وبسؤال محدّثنا ما إذا كانت نسبة استهلاك الأدوية قد زادت في السنوات الأخيرة كما يزعم البعض أكد أنه لا يمكن الجزم بذلك لان الدواء مرتبط بالمرض وهناك أمراض زادت وأمراض تقلّصت، وبالتالي هناك أدوية زاد استهلاكها وهناك أدوية تقلّصت نسب استهلاكها، ويذكر أن عدد الصيدليات اليوم في تونس حوالي 2600 صيدلية، ويشير محدّثنا إلى أن هذه الصيدليات تستند بشكل كبير على شركات توزيع الأدوية متى تم التأخير في صرف متخلّدات "الكنام" لدى هذه الصيدليات حيث يواصل موزّعو الأدوية تزويد هذه الصيدليات، كما وأن شركات التوزيع تعدّ موردا مهما للصيدلية المركزية خاصة وأنه تم إلغاء مدة الخلاص وأصبح ثمن التزوّد يدفع بشكل حيني ويومي للصيدلية المركزية، التي تستحق سيولة مالية دائمة بسبب بعض الصعوبات المالية التي تواجهها«.

وتشهد منظومة توزيع الأدوية في كل العالم قفزة نوعية وتتنافس شركات عملاقة على الظفر بأسواق جديدة ولأن السوق الإفريقية تبدو دائما سوقا واعدة في شتّى المجالات، فإن سؤالنا لنائب رئيس الجمعية الإفريقية لتوزيع الأدوية رازي ملياني كان حول ما إذا كانت اليوم شركات توزيع الأدوية التونسية تراهن على اقتحام الأسواق الخارجية، وفي إجابة عن هذا السؤال يقول محدّثنا:"لسوء الحظّ يمنع القانون التونسي عن هذه الشركات توسيع نشاطها والتوزيع في الخارج رغم كل الخبرات التي اكتسبتها والكفاءات التي تزخر بها وإمكانياتها المشهود بها، فزملاء المهنة في الجمعية الإفريقية لموزّعي الأدوية وفي آخر زيارة لهم لتونس كانوا في قمة الانبهار بالمستوى الذي وصلته شركاتنا وفي عددها المرتفع خاصة مقارنة بدول أخرى حيث لا يفوق عدد شركات توزيع الأدوية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفي فرنسا ثلاث شركات، في حين أن هذا القطاع عندنا هو قطاع متنوّع ويعجّ بالكفاءات، وكان يفترض مع تطوّر حركة التصنيع أن يتم التفكير بجدية في منح فرصة لهذا القطاع ليبدع في الخارج مع التزامه طبعا بكل الشروط التي تحمي منظومتنا الدوائية وتحمي المرضى، فمن الغريب أن تستعين شركات صناعة الأدوية في تونس بموزعين دوليين في حين أن الشركات التونسية يمكنها أن تقوم بهذا الدور خاصة في الأسواق الإفريقية التي نملك فيها سمعة جيدة وعلاقات واسعة، علما وأن سوق الأدوية في العالم هو أحد أبرز الأسواق الحيوية وتتنافس فيه عدة دول بقوة، فلماذا ونحن نملك كل المؤهلات لا نقتحم هذا السوق تصنيعا وتوزيعا وهو ما سيسهم حتما في القفزة بالصناعات الدوائية التونسية إلى مراتب متقدمة على مستوى العالم«.

وحول قدرة تونس على تحقيق الاكتفاء الدوائي في غضون السنوات المقبلة، يؤكد رازي ملياني أن ذلك ممكن لأن السوق التونسية تملك كل الإمكانيات لفعل ذلك من مهارات وكفاءات استطاعت اليوم أن تغطّي 50 بالمائة من حاجيات البلاد ولا شيء يمنعها من أن تغطّي نسبة مائة بالمائة من الحاجيات، ويضيف رازي ملياني:"لكن ذلك يكون بشرط الاهتمام بكل عناصر ومكونات هذه الصناعة ومنها قطاع توزيع الأدوية الذي ما زال يعاني من التهميش رغم انه من المكاسب الكبرى، وقد رأينا في السنة الفارطة عندما تم إيقاف النشاط لمدة ثلاثة أيام احتجاجا على الأوضاع الصعبة التي باتت تعيشها بعض الشركات كيف أثّر ذلك على عملية التزوّد بالأدوية بالنسبة للصيدليات وللمرضى على حدّ سواء«.

ووفق رازي ملياني فإن سوق صناعة الأدوية الذي يضم حوالي 50 مصنعا ملتزم بالجودة وهذه الجودة هي محلّ إشادة من كل المتدخلين والفاعلين في الميدان، ولكن رغم النجاح التصنيعي إلا أن هامش الربح في التوزيع لم تتم مراجعته منذ 30 سنة وهو ما يخلق بعد ذلك صعوبات ومشاكل تهدّد وجود شركات التوزيع التي تعتبر مكسبا وطنيا ورافدا من روافد النهوض بقطاع تصنيع الأدوية.

 ويختم رازي ملياني حديثه قائلا:"عند إن إيقاف النشاط المؤقت السنة الماضية بالنسبة لشركات الأدوية كوسيلة احتجاج بسبب الصعوبات التي تواجهها، تفاعلت الحكومة مع مطالبنا وتم التخلّي عن قيمة 1 بالمائة على القيمة المضافة وهو ما يؤكد وعي الدولة بأهمية هذا القطاع وحيويته ومطلبنا اليوم مواصلة هذا الاهتمام والوعي ومساعدتنا بحلول تراعي العصر وضرورة الإدماج الرقمي والتكنولوجي حتى نطوّر ونحسّن جودة خدمة التوزيع بما ينعكس بشكل إيجابي على كل المنظومة الصحية.

 

مديرة التفقدية الصيدلية بوزارة الصحة د. هدى رحماني لـ"الصباح":الإنتاج المحلّي للأدوية يغطّي 80% من الاحتياجات

عند الحديث على الصناعات الدوائية في تونس لا يمكن تجاوز الدور الكبير الذي تلعبه وزارة الصحة في دعم هذه الصناعة وفي مراقبة جودتها وفي التدخّل لحلّ المشاكل الهيكلية والطارئة وتسهيل عملية النفاذ إلى الأسواق الخارجية، ولعلّ حديث وزير الصحة مصطفى الفرجاني مؤخرا خلال زيارته إلى ولاية صفاقس عن توجّه الوزارة إلى إعادة هيكلة الصناعات الدوائية في تونس بصفة جذرية مع السعي للتعويل على الذات، يتنزّل في إطار وعي الوزارة بأهمية هذا القطاع وضرورة العمل على تطويره ..

وفي هذا السياق كان تصريح مديرة التفقدية الصيدلية بوزارة الصحة د.هدى رحماني، لجريدة "الصباح" حيث أكدت من خلاله أن الصناعات الصيدلانية التونسية تتميّز بقدرة كبيرة على الإنتاج، قائلة:"نلاحظ وجود توازن بين الشركات المحلية والشركات المتعددة الجنسيات المتواجدة ببلادنا. وتساهم هذه الديناميكية في تلبية الطلب المحلي وتعزيز القدرة التنافسية على الصعيدين الوطني والدولي لتلبية الاحتياجات وتعتمد التغطية الوطنية في تونس على نظام مختلط يجمع بين الإنتاج المحلي والتوريد"، وتضيف د.هدى رحماني أن هذه المقاربة مكّنت تونس من ضمان تغطية فعالة وكافية للأدوية الأساسية مع تلبية احتياجات العلاجات المتخصصة.

ولمعرفة المزيد عن هذه الصناعات الصيدلانية في تونس ومكوّنات القطاع وأهميته، تقول د. هدى رحماني:"يتكون القطاع الصيدلاني التونسي بشكل أساسي من شركات محلية تقوم بتصنيع مجموعة كبيرة من الأدوية بما في ذلك الأدوية الجنيسة والمنتجات الصيدلانية المبتكرة والأجهزة الطبية. وتغطي هذه الشركات السوق المحلي وتقوم بعضها بتصدير منتجاتها إلى إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا  .

وحول الإنتاج المحلّي للأدوية تقول دكتورة هدى الرحماني أن الإنتاج المحلي للأدوية يلعب دورا مهما في تغطية الاحتياجات حيث يمثل حوالي 80٪ من الأدوية المستهلكة في البلاد وهذا يساهم في تقليل التكاليف على النظام الصحي وعلى المرضى مما يجعل الحصول على العلاج أيسر، وذلك زيادة عن كمية الأدوية المتاحة حيث أن إنتاج الأدوية محليا عادة ما يكون أسرع وأقل تكلفة.

كما أشارت محدّثتنا إلى أن الإنتاج المحلي للأدوية يساهم في ضمان توفر الأدوية الحيوية بشكل مستمر حيث يقلل من إمكانية نقص أو عدم توفر الأدوية وهو ما يمثل مشكلة في البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الواردات.

وبالنسبة لطبيعة الأدوية التي تنتجها تونس قالت د.هدى الرحماني: "تشمل الأدوية المنتجة محليا مجموعة واسعة من الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية وأدوية ضغط الدم والمسكنات.. وتعد الأدوية الجنيسة المنتجة محليا مهمة حيث تساهم بشكل كبير في علاج الأمراض الشائعة وفي ضمان الرعاية الصحية على نطاق واسع كما تمكن البلاد من الحفاظ على استقلاليتها في إدارة احتياجاتها الصحية".

 وجود صناعة محلية من خلال الأدوية الجنيسة والتغطية الواسعة لحاجيات المرضى لم يمنع ضرورة استيراد بعض الأدوية حفاظا على الأمن الصحي للتونسيين، وعن ذلك تقول د. هدى الرحماني:"على الرغم من أن الإنتاج المحلي يهيمن، إلا أن بعض أنواع الأدوية يجب استيرادها ولا تفوق نسبة الأدوية المستوردة 30٪ من الأدوية المستهلكة في تونس وتشمل بالأساس الأدوية المتخصصة والمبتكرة". وتضيف أن من بين هذه الأدوية نجد الأدوية البيولوجية، المستخدمة في العلاجات المبتكرة مثل العلاجات الموجهة وعلاج المناعة والأدوية المستخدمة في معالجة السرطان، والتي تتطلب تركيبات عالية التقنية وبحوث متقدمة.

والأدوية الموجهة للعلاجات المتخصصة الأخرى، مثل الأدوية النادرة أو المتطورة في مجالات مثل الأعصاب، والدم، والمناعة. حيث أشارت إلى أن واردات الأدوية: "تسمح بتغطية الاحتياجات العلاجية المتخصصة، لاسيما فيما يتعلق بالأمراض النادرة أو العلاجات المتقدمة التي لا تُنتج محليًا بسبب تعقيد تصنيعها أو تكلفتها المرتفعة.«

وبالنسبة للمقارنة بين الإنتاج المحلي والواردات من حيث القيمة تقول د.هدى الرحماني:"تظهر تغطية الأدوية من حيث القيمة أن الإنتاج المحلي يمثل بين 70% و80% من الأدوية المستهلكة من حيث الحجم، بينما تمثل الواردات بين 20% و30% من حيث الحجم، إلا أن الكلفة المادية للواردات تناهز الـ50% من حيث الكلفة ويرجع ذلك إلى كون الأدوية المستوردة متمثلة أساسا في أدوية متخصصة ومبتكرة".

 وحول واقع القطاع الصيدلاني  تقول د. هدى الرحماني في تصريحها لـ "الصباح" إن تونس تتمتّع بقطاع صيدلاني متطور حيث يوجد حوالي 50 مصنع للأدوية أغلبها للأدوية البشرية مع وجود مصانع للأدوية الحيوانية قادرة على تلبية الاحتياجات المحلية مع تصدير جزء من المنتوج، ويتركز الإنتاج أساسا على الأدوية الجنيسة مع وجود إنتاج لأدوية العلاجات المتخصصة ويبقى تحقيق التوازن بين الإنتاج المحلي والواردات أمرا أساسيا لضمان توفير العلاج للمواطن من ناحية واستدامة النظام الصحي من ناحية أخرى".

وحول الصعوبات أو التحديات التي تواجهها الصناعة الصيدلانية التونسية تقول محدّثتنا أن هناك العديد من التحديات على الرغم من المزايا ومنها تلك المتعلّقة بتحديات الصناعة الصيدلانية التونسية حيث تتمتع تونس بإطار تنظيمي صارم يفرض على المصنع الامتثال للمعايير المثلى الخاصة بالجودة والسلامة والتنظيم عند التصنيع مما يجعل الأدوية المصنعة محليا ذات جودة عالية، بالإضافة إلى المنافسة الدولية المتزايدة، والاعتماد على المواد الأولية المستوردة، حيث تؤكد د.هدى الرحماني أن جزءا كبيرا من المواد الأولية اللازمة لتصنيع الأدوية يتم استيراده، مما يعرض الشركات للمخاطر المرتبطة بتقلبات الأسعار العالمية والاعتماد على الموردين الأجانب.

ومن التحديات التي أشارت لها أيضا مديرة التفقدية الصيدلانية بوزارة الصحة د.هدى رحماني هو الوصول إلى السوق الدولي، قائلة:"على الرغم من أن تونس تمتلك إمكانيات تصدير، إلا أنها يجب أن تتغلب على عقبات مثل تعقيد اللوائح الدولية، وكذلك المنافسة المتزايدة من منتجي الدول ذات التكلفة المنخفضة".

وختمت د. هدى رحماني حديثها بالقول أنه "على الرغم من وجود تحديات كبيرة، تظل الصناعات الصيدلية التونسية قطاعا أساسيا في دعم اقتصاد البلاد مع إمكانيات كبيرة للنمو والتصدير".

الصناعات الدوائية في أرقام :

  • عائدات تونس من خدمة تصدير الأدوية الجنيسة 300 مليون دينار
  • تونس تقوم بتصنيع 3168 دواء جنيسا
  • تونس تصنّع 46 دواء من البدائل الحيوية
  • الجمعية التونسية للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية: كلفة الدواء الجنيس أقلّ بـ 40%
  • حجم معاملات سوق الأدوية الجنيسة عبر العالم: 413.6 مليار دولار في عام 2024
  • عدد مصانع الأدوية في تونس 70 شركة ومصنعا
  • مصانع الأدوية توفّر 60 ألف موطن شغل
  • وزارة المالية خصّصت 150 مليون دينار كدعم في ميزانية 2025
  • تونس تقوم بتصدير منتوجاتها إلى 26 دولة
  • وزارة الصحة: الأدوية المستوردة في السوق المحلية لا تفوق نسبتها 30 %
  • الكلفة المادية للوردات تناهز 50% من كلفة الدواء

منية العرفاوي

تونس تصنّع 3168 دواء جنيسا وتصدّر إلى 26 دولة..  الصناعات الدوائية.. تميّز محلّي في انتظار مكانة دولية "مستحقّه"

 

  • تونس يمكن أن تحقق الاكتفاء الدوائي.. وفي إفريقيا أسواق واعدة
  • الصناعات الصيدلانية قطاع أساسي في دعم اقتصاد البلاد مع إمكانيات للنمو والتصدير
  • شركات التوزيع يجب أن تكون حاضرة في عملية التصدير

تونس – الصباح

سوق ضخمة عائداتها تصل إلى تريليونات الدولارات، تشتّد فيها المنافسة وتتحكّم فيها دول وشركات في فرض منتوجاتها.. تلك السوق هي سوق تصنيع الأدوية وتوزيعها عبر العالم.. سوق فريدة من نوعها وحسّاسة جدا ولا يمكن الاستغناء عنها، ومن سنة إلى أخرى تتطوّر استثماراتها وعائداتها بشكل مذهل.. سوق مجبرة على تحدّي الأزمات ولا تعرف ركودا أبدا بالنظر لدورها الحيوي في إنقاذ ملايين المرضى عبر العالم.. ولعل الأرقام الأخيرة والصادرة عن منصّات موثوقة تبرز بوضوح حجم وأهمية هذا السوق في اقتصاديات الدول حيث يتوقع أن يصل حجم سوق التصنيع الدوائي العالمي إلى 184.9 مليار دولار مع موفى سنة 2024 مع توقعات بزيادة تصل إلى 345.6 مليار دولار بحلول عام 2033 بمعدل نمو سنوي في حدود 7.2%وفقا لما ذكرته منصة "غلوب نيوز واير"  (GlobeNewswire).. أما الإيرادات العالمية لهذه السوق فمن المتوقع أن تصل إلى 1.16 تريليون دولار بنهاية عام 2024 وإلى 1.45 تريليون دولار بحلول عام 2029 وفق آخر المؤشرات الاقتصادية المتعلّقة بهذه السوق..

وتونس ليست بمنأى عن معاملات هذه السوق ولا مؤشراتها حيث تعتبر من البلدان العربية الرائدة في مجال صناعة الأدوية والصناعات الصيدلانية بشكل عام إلى جانب الأردن والمملكة العربية السعودية والمغرب ومصر، وتتميز الصناعة الدوائية التونسية بتقنياتها المتقدّمة وجودة منتوجاتها الدوائية وسلامتها، ووفق تقارير دولية مختصة فإن بلادنا تغطّي نصف احتياجاتها الدوائية محليا مع سوق بقيمة 2.15 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن تنمو الإيرادات بنسبة 12.9% سنويا حتى تصل إلى 5.03 مليارات دولار بحلول  2030 وفقا لما نشرته مؤخرا منصة (Maximize Market Research).

وكان وزير الصحة مصطفى الفرجاني، صرّح مؤخرا خلال زيارته إلى ولاية صفاقس أن وزارته تتوجه إلى إعادة هيكلة الصناعات الدوائية في تونس بصفة جذرية مع السعي للتعويل على الذات، حيث أشار الفرجاني إلى أن الأدوية المصنّعة في تونس توفّر ما يناهز 75% من حاجيات التونسيين وأن الوصول إلى الاكتفاء الدوائي ممكن بفضل الكفاءات التونسية من أطباء وصيادلة .

والاكتفاء الدوائي أو تحسين نسبة تغطية الحاجيات لتفوق الـ 90 بالمائة ليس هدفا مستحيلا، بل إمكانية واردة في غضون العقدين القادمين إذا تمّ إيلاء هذه الصناعة الحيوية الأهمية اللازمة والاهتمام بكل حلقاتها من التصنيع إلى التوزيع وصولا إلى البيع في الصيدليات، كما وأنه من الذكاء المراهنة على هذه الصناعة والتي يمكن أن تكون رافدا مهما للاقتصاد الوطني خاصة وأن وجود تونس في إفريقيا يعد نقطة قوة يجب التفكير بها واستغلالها بالشكل الأمثل خاصة بوجود أسواق افريقية واعدة ومميزة وتثق في جودة المنتوج الدوائي التونسي.. ولكن تميّز هذا المنتوج لا يحجب الصعوبات التي تعيشها هذه الصناعة في بعض حلقات الإنتاج كما أن أهمية الرهانات لا يجب أن تحجب تواضع الإمكانيات بما يجعل إعادة هيكلة القطاع، كما أكّد ذلك وزير الصناعة، أمرا ضروريا وعاجلا ..

صناعة الأدوية.. تقاليد وانجازات !

أن تصل منظومة الأدوية إلى تغطية نصف حاجيات التونسيين، فإن ذلك لم يأت صدفة بل كان نتيجة عقود من العمل والاجتهاد والحرص على الجودة والالتزام بالمعايير الدولية وشراكة متميزة بين القطاع العام والخاص في قطاع حيوي لا يسمح بهامش الخطأ.. وكانت أول شركة لصناعة الأدوية في تونس قد تم بعثها منذ سنة 1989 وهذا القطاع لا يكتفي بتغطية جزء هام من حاجياتنا الداخلية بل له حضور في الأسواق الخارجية حيث بلغت القيمة الإجمالية للعائدات المالية لتصدير الأدوية التونسية سنة 2020، حوالي 160 مليون دينار ..

وكانت المديرة العامة لوحدة النهوض بالاستثمار والصادرات في قطاع الصحّة بوزارة الصحة، نادية فنينة، قد صرّحت منذ أسابيع قليلة أن عائدات تونس من خدمة تصدير الأدوية الجنيسة تقدّر بـ300 مليون دينار.. وخلال الأيام التي نظّمتها في ماي الماضي الجمعية التونسية للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية أكّد المدير العام للوكالة الوطنية للدواء والمواد الصحية، التي تم إحداثها منذ سنتين، عبد الرزاق الهذيلي أن تونس تقوم بتصنيع 3168 دواء جنيسا و46 دواء من البدائل الحيوية، والأدوية الجنيسة هي تلك الأدوية التي أصبحت مادتها الفعّالة ضمن المجال العام ولا تخضع إلى ملكية براءة الاختراع، وبالتالي لم يعد تصنيعها محتكرا على مالك براءة الاختراع وتصل نسبة استعمال هذه الأدوية في دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا إلى نسبة 70 بالمائة، وفي تونس تؤكد "الجمعية التونسية للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية" إلى أن كلفة الدواء الجنيس أقل بـ40 بالمائة.

ووفق بعض التقارير الدولية المختصّة يقدّر حجم معاملات سوق الأدوية الجنيسة عبر العالم بـ 413.6 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 508.79 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029.

وأهمية منظومة تصنيع الأدوية في تونس وإشعاعها الخارجي جعل الأطراف المعنية وأساسا وزارة الصحة تطمح إلى تحقيق من60 إلى70 بالمائة من حاجياتنا خلال الفترة القادمة. وتعتبر المخابر التي تحت إشراف الصيدلية المركزية من أهم مخابر تصنيع الأدوية رغم بعض الصعوبات التي تواجهها الصيدلية المركزية في السنوات الأخيرة خاصة في علاقة بديونها المتخلّدة في ذمة المستشفيات و"الكنام" والتي ناهزت 1173 مليار دينار.. وفي الجلسة البرلمانية الأخيرة حول مناقشة ميزانية وزارة الصحّة أكد رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بالبرلمان النائب نبيه ثابت أن مصانع الأدوية في تونس توفر حوالي 60 ألف موطن شغل من بينهم حوالي 6000 إطار، وأن بعض هذه المصانع واجهت صعوبات في التزوّد بالمواد الأولية بالنظر إلى ارتفاع كلفة شراء وتوريد هذه المواد وتم إغلاق بعضها وهو ما أنتج أزمة تزوّد بالدواء بدأت منذ 2018 وهي متواصلة إلى اليوم، وقد طالب رئيس اللجنة البرلمانية للصحّة بضرورة إعفاء المعاليم الديوانية على هذه المواد الأولية حتى يحافظ سوق تصنيع الأدوية على استقراره ويستطيع التطوير من نفسه.

 وكان مجلس نواب الشعب، قد صادق مؤخرا على تعديل الفصل 30 من مشروع قانون المالية لسنة 2025، والمتعلق بإعفاء الأدوية الموردة من قبل الصيدلية المركزية التونسية من المعاليم والاداءات. وكانت وزيرة المالية سهام نمصية أشارت في جلسة مناقشة قانون المالية الأخير إلى أنه تم دائما توفير دعم مالي للصيدلية المركزية حتى تتجاوز إشكاليات السيولة التي تواجهها، حيث أفادت وزيرة المالية أنه وقع سنة 2023 تخصيص 200 مليون دينار لفائدة الصيدلية المركزية وسنة 2024 تم تخصيص 200 مليون دينار، كما ستعمل خلال سنة 2025 على توفير 150 مليون دينار لفائدتها.

وتعتبر الصيدلية المركزية شريكا أساسيا في منظومة تصنيع الأدوية من خلال عدد من المخابر والشركات، ومؤخرا تم استعادة الشركة التونسية للصناعات الصيدلية سيفات التي  استأنفت نشاطها بعد تعطل دام حوالي سنتين، وكانت هذه الشركة رائدة في منظومة تصدير الأدوية وأن الهدف من إعادتها إلى النشاط وفق التصريحات الرسمية يتمثّل في تلبية حاجيات السوق التونسية من الأدوية إضافة إلى غزو الأسواق الأجنبية على غرار السوق الإفريقية، حيث أشار المدير العام للوكالة الوطنية عبد الرزاق الهذيلي في تصريح سابق إلى أن "جودة الصناعة الدوائية التونسية مشهود لها دوليا والدليل على ذلك أن تونس تقوم بتصدير منتوجها إلى 26 دولة..«

إحداث الوكالة الوطنية للدواء.. خطوة إلى الأمام !

في جويلية 2023 صدر القانون المُحدث للوكالة الوطنية للدواء والمواد الصحية، التي تخضع لإشراف وزارة الصحة وتعتبر خطوة مهمة إلى الأمام في حماية الحق في الصحة وتنظيم قطاع المنظومة الدوائية ورقمنتها والحرص على جودتها واستجابتها للمعايير الدولية. وحسب نص القانون المنظّم لها، فإن الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة تسهر على «ضمان شفافية التصرف في الدواء ومواد الصحة"، ومن أبرز مهامها المساهمة في اقتراح السياسات الوطنية في مجال الدواء ومواد الصحة وإسناد أو اقتراح إسناد التراخيص في ميدان صنع وتسجيل وتوريد وتصدير وتوزيع وتسويق الدواء ومواد الصحة ومكوناتها، كذلك تتولى الوكالة إسناد التراخيص في إجراء التجارب السريرية ومراقبتها فضلا عن ضمان حماية وفاعلية وجودة الدواء ومواد الصحة ومكوناتها وخاصة منها الأدوية ذات الاستعمال البشري والاستعمال البيطري والمستلزمات الطبية والمكملات الغذائية ومواد التجميل وغيرها من المواد الصحية.

 كما تشرف الوكالة على مراقبة المواد السامة والمواد المخدرة والمواد المؤثرة عقليا وتقدم المعلومات الملائمة لمهنيي الصحة والمرضى حول الاستعمال الرشيد للدواء ومواد الصحة مع مكافحة تقليد الدواء ومواد الصحة ومسالك الاتجار غير المشروع.

وتهتم الوكالة أيضا بتطوير الاختبارات العلمية والفنية اللازمة للدواء، ومراقبة المواد المرخص فيها من قبل الوكالة بعد تسويقها، فضلا عن السهر على ترشيد استعمال الدواء ومواد الصحة والمستلزمات الطبية بالقطاعين العمومي والخاص.

وتجمع الوكالة أربعة هياكل مهمة وحسّاسة في منظومة الدواء وهي وحدة الصيدلة والدواء وإدارة التفقّد الصيدلي والمخبر الوطني لمراقبة الأدوية والمركز الوطني لليقظة الدوائية، ومن خلال تجميع هذه الهياكل تحت وكالة وطنية، فإن ذلك سيساهم بشكل كبير في رفع درجة الأمان الصحّي لدى المرض ويدعم جودة المنتوجات الصيدلانية كما سيدعم رقابة كل الأدوية التي تدخل السوق التونسية بما يمكّن من التصدّي لعدة أدوية غير آمنة مثل المكمّلات الغذائية التي تشهد إقبالا كبيرا رغم المضار الكثيرة التي تختلف أسبابها .

ومن مهام الوكالة أيضا هو تشجيع الاستثمار في قطاع صناعة الأدوية وتحفيز المستثمرين التونسيين عبر جملة من التسهيلات ومنها الرخص، والتشجيع والتحفيز عندما يكون مؤطّرا بشكل واضح ستكون له نتائج إيجابية على قطاع واعد مثل قطاع تصنيع الأدوية.

 

نائب رئيس الغرفة النقابية للصيادلة وموزّعي الأدوية ونائب رئيس الجمعية الإفريقية لموزّعي الأدوية رازي ملياني لـ"الصباح": قطاع توزيع الأدوية شريك أساسي في الصناعة ويضمّ 70 شركة ..

حول واقع تصنيع الأدوية في تونس وقدرتها على المنافسة وفق معايير دولية والنفاذ إلى الأسواق الخارجية وخاصة الأسواق الإفريقية والتي تعتبر أسواقا واعدة ومميزة اليوم، كان لنائب رئيس الغرفة النقابية التونسية للصيادلة وموزّعي الأدوية ونائب رئيس الجمعية الإفريقية لموزّعي الأدوية، رازي ملياني، وجهة نظر متفائلة في علاقة بتطوّر منظومة صناعة الأدوية في تونس وقدرتها على المنافسة الدولية، إلا أن ذلك لم يثن محدّثنا عن التطرّق إلى واقع قطاع توزيع الأدوية في تونس والذي يعتبر الحلقة الأهم في سوق الأدوية باعتباره همزة الوصل الأساسية بين مصنّعي الدواء والصيادلة ..

وفي هذا السياق يقول رازي ملياني:"بالنسبة لتصنيع الأدوية فإن تونس تقدّمت شوطا مهمّا مقارنة بباقي الدول الإفريقية حيث نجحت في تغطية 50% من حاجياتها الدوائية وهذا بالنسبة للدول الإفريقية يعتبر إنجازا طبيا لافتا، خاصة إذا علمنا أن دول إفريقيا جنوب الصحراء تستورد 90% من أدويتها«.

رازي ملياني أشار إلى أن من أهم حلقات سوق صناعة الأدوية في تونس نجد موزّعي الأدوية، وقال إن شركات توزيع الأدوية وعلى أهميتها في هذه السوق طالما يتم تجاهل دورها وأهميتها، حيث لا يمكن أن يتم توفير الأدوية للمرضى دون وجود هذه الحلقة الأساسية التي تربط بين المصنّعين والصيادلة، ويضيف رازي ملياني:"أهمية قطاع توزيع الأدوية في تونس لا يكمن دوره فقط في ربط الصلة بين عملية التصنيع وبيع الأدوية، بل لأنه قطاع له خصوصيته ولا يكتفي بالقيام بالدور التقليدي بل هو قطاع متفاعل مع حاجيات المرضى وطلبات الصيادلة، حيث إذا تم تسجيل نقص أو غياب دواء تقوم الصيدلية بالاتصال بموزّع الدواء الذي يقوم بتوفيره بشكل فوري دون انتظار مواعيد التوزيع اليومية كما هو معمول به في بقية الدول بما في ذلك المتطوّرة منها، وهذه الخدمة توفّرها شركات توزيع الأدوية على كامل تراب الجمهورية خاصة وأن هذه الشركات لا تتركّز في تونس الكبرى أو المدن الكبرى بل تغطّي كل المناطق«.

وحسب نائب رئيس الغرفة النقابية التونسية للصيادلة وموزّعي الأدوية رازي ملياني، فإن عدد شركات توزيع الأدوية تبلغ حوالي 70 شركة تشغّل كل منها في المتوسّط بين 40 و50 عاملا وهذا العدد قد يتضاعف بالنسبة للشركات الكبرى كما يمكّن أن يتقلّص إلى النصف بالنسبة للشركات الصغرى آو المبتدئة.

 رازي الملياني أشار أيضا إلى شركات توزيع الأدوية التي تعيش بدورها صعوبات كبيرة، فزيادة على الكلفة خاصة مع غلاء السيارات والمحروقات، أكد أن الكلفة زادت حتى في تصنيع الأدوية لأسباب مختلفة ومنها صعوبات عالمية، حيث لم تعد المواد الأولية متوفّرة بالكمية الكافية وهو ما أدّى لارتفاع الأسعار عند التصنيع وعند التغليف وهذا زاد في كلفة الدواء، وفي ذات السياق يقول رازي ملياني:"رغم ارتفاع الكلفة نحن كموزعين لا يمكننا تجاوز التسعيرة التي تقرّها الدولة، والتي تريد في نفس الوقت توفير الدواء ولكن بكلفة منخفضة، ولكن اليوم هذه المعادلة تبدو صعبة إن لم نقل مستحيلة، ولكن في المقابل اليوم شركات توزيع الأدوية تعيش بهامش ربح في حدود 1% أو حتى دون ذلك ممّا جعل أغلبية هذه الشركات تواجه صعوبات كبيرة تهدّد حتى كيانها ووجودها وهي التي تغطّي بوجودها وبمخازنها كامل البلاد وتضمن وصول الدواء إلى أي مريض في أي جهة أو منطقة«.

وبسؤال محدّثنا ما إذا كانت نسبة استهلاك الأدوية قد زادت في السنوات الأخيرة كما يزعم البعض أكد أنه لا يمكن الجزم بذلك لان الدواء مرتبط بالمرض وهناك أمراض زادت وأمراض تقلّصت، وبالتالي هناك أدوية زاد استهلاكها وهناك أدوية تقلّصت نسب استهلاكها، ويذكر أن عدد الصيدليات اليوم في تونس حوالي 2600 صيدلية، ويشير محدّثنا إلى أن هذه الصيدليات تستند بشكل كبير على شركات توزيع الأدوية متى تم التأخير في صرف متخلّدات "الكنام" لدى هذه الصيدليات حيث يواصل موزّعو الأدوية تزويد هذه الصيدليات، كما وأن شركات التوزيع تعدّ موردا مهما للصيدلية المركزية خاصة وأنه تم إلغاء مدة الخلاص وأصبح ثمن التزوّد يدفع بشكل حيني ويومي للصيدلية المركزية، التي تستحق سيولة مالية دائمة بسبب بعض الصعوبات المالية التي تواجهها«.

وتشهد منظومة توزيع الأدوية في كل العالم قفزة نوعية وتتنافس شركات عملاقة على الظفر بأسواق جديدة ولأن السوق الإفريقية تبدو دائما سوقا واعدة في شتّى المجالات، فإن سؤالنا لنائب رئيس الجمعية الإفريقية لتوزيع الأدوية رازي ملياني كان حول ما إذا كانت اليوم شركات توزيع الأدوية التونسية تراهن على اقتحام الأسواق الخارجية، وفي إجابة عن هذا السؤال يقول محدّثنا:"لسوء الحظّ يمنع القانون التونسي عن هذه الشركات توسيع نشاطها والتوزيع في الخارج رغم كل الخبرات التي اكتسبتها والكفاءات التي تزخر بها وإمكانياتها المشهود بها، فزملاء المهنة في الجمعية الإفريقية لموزّعي الأدوية وفي آخر زيارة لهم لتونس كانوا في قمة الانبهار بالمستوى الذي وصلته شركاتنا وفي عددها المرتفع خاصة مقارنة بدول أخرى حيث لا يفوق عدد شركات توزيع الأدوية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفي فرنسا ثلاث شركات، في حين أن هذا القطاع عندنا هو قطاع متنوّع ويعجّ بالكفاءات، وكان يفترض مع تطوّر حركة التصنيع أن يتم التفكير بجدية في منح فرصة لهذا القطاع ليبدع في الخارج مع التزامه طبعا بكل الشروط التي تحمي منظومتنا الدوائية وتحمي المرضى، فمن الغريب أن تستعين شركات صناعة الأدوية في تونس بموزعين دوليين في حين أن الشركات التونسية يمكنها أن تقوم بهذا الدور خاصة في الأسواق الإفريقية التي نملك فيها سمعة جيدة وعلاقات واسعة، علما وأن سوق الأدوية في العالم هو أحد أبرز الأسواق الحيوية وتتنافس فيه عدة دول بقوة، فلماذا ونحن نملك كل المؤهلات لا نقتحم هذا السوق تصنيعا وتوزيعا وهو ما سيسهم حتما في القفزة بالصناعات الدوائية التونسية إلى مراتب متقدمة على مستوى العالم«.

وحول قدرة تونس على تحقيق الاكتفاء الدوائي في غضون السنوات المقبلة، يؤكد رازي ملياني أن ذلك ممكن لأن السوق التونسية تملك كل الإمكانيات لفعل ذلك من مهارات وكفاءات استطاعت اليوم أن تغطّي 50 بالمائة من حاجيات البلاد ولا شيء يمنعها من أن تغطّي نسبة مائة بالمائة من الحاجيات، ويضيف رازي ملياني:"لكن ذلك يكون بشرط الاهتمام بكل عناصر ومكونات هذه الصناعة ومنها قطاع توزيع الأدوية الذي ما زال يعاني من التهميش رغم انه من المكاسب الكبرى، وقد رأينا في السنة الفارطة عندما تم إيقاف النشاط لمدة ثلاثة أيام احتجاجا على الأوضاع الصعبة التي باتت تعيشها بعض الشركات كيف أثّر ذلك على عملية التزوّد بالأدوية بالنسبة للصيدليات وللمرضى على حدّ سواء«.

ووفق رازي ملياني فإن سوق صناعة الأدوية الذي يضم حوالي 50 مصنعا ملتزم بالجودة وهذه الجودة هي محلّ إشادة من كل المتدخلين والفاعلين في الميدان، ولكن رغم النجاح التصنيعي إلا أن هامش الربح في التوزيع لم تتم مراجعته منذ 30 سنة وهو ما يخلق بعد ذلك صعوبات ومشاكل تهدّد وجود شركات التوزيع التي تعتبر مكسبا وطنيا ورافدا من روافد النهوض بقطاع تصنيع الأدوية.

 ويختم رازي ملياني حديثه قائلا:"عند إن إيقاف النشاط المؤقت السنة الماضية بالنسبة لشركات الأدوية كوسيلة احتجاج بسبب الصعوبات التي تواجهها، تفاعلت الحكومة مع مطالبنا وتم التخلّي عن قيمة 1 بالمائة على القيمة المضافة وهو ما يؤكد وعي الدولة بأهمية هذا القطاع وحيويته ومطلبنا اليوم مواصلة هذا الاهتمام والوعي ومساعدتنا بحلول تراعي العصر وضرورة الإدماج الرقمي والتكنولوجي حتى نطوّر ونحسّن جودة خدمة التوزيع بما ينعكس بشكل إيجابي على كل المنظومة الصحية.

 

مديرة التفقدية الصيدلية بوزارة الصحة د. هدى رحماني لـ"الصباح":الإنتاج المحلّي للأدوية يغطّي 80% من الاحتياجات

عند الحديث على الصناعات الدوائية في تونس لا يمكن تجاوز الدور الكبير الذي تلعبه وزارة الصحة في دعم هذه الصناعة وفي مراقبة جودتها وفي التدخّل لحلّ المشاكل الهيكلية والطارئة وتسهيل عملية النفاذ إلى الأسواق الخارجية، ولعلّ حديث وزير الصحة مصطفى الفرجاني مؤخرا خلال زيارته إلى ولاية صفاقس عن توجّه الوزارة إلى إعادة هيكلة الصناعات الدوائية في تونس بصفة جذرية مع السعي للتعويل على الذات، يتنزّل في إطار وعي الوزارة بأهمية هذا القطاع وضرورة العمل على تطويره ..

وفي هذا السياق كان تصريح مديرة التفقدية الصيدلية بوزارة الصحة د.هدى رحماني، لجريدة "الصباح" حيث أكدت من خلاله أن الصناعات الصيدلانية التونسية تتميّز بقدرة كبيرة على الإنتاج، قائلة:"نلاحظ وجود توازن بين الشركات المحلية والشركات المتعددة الجنسيات المتواجدة ببلادنا. وتساهم هذه الديناميكية في تلبية الطلب المحلي وتعزيز القدرة التنافسية على الصعيدين الوطني والدولي لتلبية الاحتياجات وتعتمد التغطية الوطنية في تونس على نظام مختلط يجمع بين الإنتاج المحلي والتوريد"، وتضيف د.هدى رحماني أن هذه المقاربة مكّنت تونس من ضمان تغطية فعالة وكافية للأدوية الأساسية مع تلبية احتياجات العلاجات المتخصصة.

ولمعرفة المزيد عن هذه الصناعات الصيدلانية في تونس ومكوّنات القطاع وأهميته، تقول د. هدى رحماني:"يتكون القطاع الصيدلاني التونسي بشكل أساسي من شركات محلية تقوم بتصنيع مجموعة كبيرة من الأدوية بما في ذلك الأدوية الجنيسة والمنتجات الصيدلانية المبتكرة والأجهزة الطبية. وتغطي هذه الشركات السوق المحلي وتقوم بعضها بتصدير منتجاتها إلى إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا  .

وحول الإنتاج المحلّي للأدوية تقول دكتورة هدى الرحماني أن الإنتاج المحلي للأدوية يلعب دورا مهما في تغطية الاحتياجات حيث يمثل حوالي 80٪ من الأدوية المستهلكة في البلاد وهذا يساهم في تقليل التكاليف على النظام الصحي وعلى المرضى مما يجعل الحصول على العلاج أيسر، وذلك زيادة عن كمية الأدوية المتاحة حيث أن إنتاج الأدوية محليا عادة ما يكون أسرع وأقل تكلفة.

كما أشارت محدّثتنا إلى أن الإنتاج المحلي للأدوية يساهم في ضمان توفر الأدوية الحيوية بشكل مستمر حيث يقلل من إمكانية نقص أو عدم توفر الأدوية وهو ما يمثل مشكلة في البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الواردات.

وبالنسبة لطبيعة الأدوية التي تنتجها تونس قالت د.هدى الرحماني: "تشمل الأدوية المنتجة محليا مجموعة واسعة من الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية وأدوية ضغط الدم والمسكنات.. وتعد الأدوية الجنيسة المنتجة محليا مهمة حيث تساهم بشكل كبير في علاج الأمراض الشائعة وفي ضمان الرعاية الصحية على نطاق واسع كما تمكن البلاد من الحفاظ على استقلاليتها في إدارة احتياجاتها الصحية".

 وجود صناعة محلية من خلال الأدوية الجنيسة والتغطية الواسعة لحاجيات المرضى لم يمنع ضرورة استيراد بعض الأدوية حفاظا على الأمن الصحي للتونسيين، وعن ذلك تقول د. هدى الرحماني:"على الرغم من أن الإنتاج المحلي يهيمن، إلا أن بعض أنواع الأدوية يجب استيرادها ولا تفوق نسبة الأدوية المستوردة 30٪ من الأدوية المستهلكة في تونس وتشمل بالأساس الأدوية المتخصصة والمبتكرة". وتضيف أن من بين هذه الأدوية نجد الأدوية البيولوجية، المستخدمة في العلاجات المبتكرة مثل العلاجات الموجهة وعلاج المناعة والأدوية المستخدمة في معالجة السرطان، والتي تتطلب تركيبات عالية التقنية وبحوث متقدمة.

والأدوية الموجهة للعلاجات المتخصصة الأخرى، مثل الأدوية النادرة أو المتطورة في مجالات مثل الأعصاب، والدم، والمناعة. حيث أشارت إلى أن واردات الأدوية: "تسمح بتغطية الاحتياجات العلاجية المتخصصة، لاسيما فيما يتعلق بالأمراض النادرة أو العلاجات المتقدمة التي لا تُنتج محليًا بسبب تعقيد تصنيعها أو تكلفتها المرتفعة.«

وبالنسبة للمقارنة بين الإنتاج المحلي والواردات من حيث القيمة تقول د.هدى الرحماني:"تظهر تغطية الأدوية من حيث القيمة أن الإنتاج المحلي يمثل بين 70% و80% من الأدوية المستهلكة من حيث الحجم، بينما تمثل الواردات بين 20% و30% من حيث الحجم، إلا أن الكلفة المادية للواردات تناهز الـ50% من حيث الكلفة ويرجع ذلك إلى كون الأدوية المستوردة متمثلة أساسا في أدوية متخصصة ومبتكرة".

 وحول واقع القطاع الصيدلاني  تقول د. هدى الرحماني في تصريحها لـ "الصباح" إن تونس تتمتّع بقطاع صيدلاني متطور حيث يوجد حوالي 50 مصنع للأدوية أغلبها للأدوية البشرية مع وجود مصانع للأدوية الحيوانية قادرة على تلبية الاحتياجات المحلية مع تصدير جزء من المنتوج، ويتركز الإنتاج أساسا على الأدوية الجنيسة مع وجود إنتاج لأدوية العلاجات المتخصصة ويبقى تحقيق التوازن بين الإنتاج المحلي والواردات أمرا أساسيا لضمان توفير العلاج للمواطن من ناحية واستدامة النظام الصحي من ناحية أخرى".

وحول الصعوبات أو التحديات التي تواجهها الصناعة الصيدلانية التونسية تقول محدّثتنا أن هناك العديد من التحديات على الرغم من المزايا ومنها تلك المتعلّقة بتحديات الصناعة الصيدلانية التونسية حيث تتمتع تونس بإطار تنظيمي صارم يفرض على المصنع الامتثال للمعايير المثلى الخاصة بالجودة والسلامة والتنظيم عند التصنيع مما يجعل الأدوية المصنعة محليا ذات جودة عالية، بالإضافة إلى المنافسة الدولية المتزايدة، والاعتماد على المواد الأولية المستوردة، حيث تؤكد د.هدى الرحماني أن جزءا كبيرا من المواد الأولية اللازمة لتصنيع الأدوية يتم استيراده، مما يعرض الشركات للمخاطر المرتبطة بتقلبات الأسعار العالمية والاعتماد على الموردين الأجانب.

ومن التحديات التي أشارت لها أيضا مديرة التفقدية الصيدلانية بوزارة الصحة د.هدى رحماني هو الوصول إلى السوق الدولي، قائلة:"على الرغم من أن تونس تمتلك إمكانيات تصدير، إلا أنها يجب أن تتغلب على عقبات مثل تعقيد اللوائح الدولية، وكذلك المنافسة المتزايدة من منتجي الدول ذات التكلفة المنخفضة".

وختمت د. هدى رحماني حديثها بالقول أنه "على الرغم من وجود تحديات كبيرة، تظل الصناعات الصيدلية التونسية قطاعا أساسيا في دعم اقتصاد البلاد مع إمكانيات كبيرة للنمو والتصدير".

الصناعات الدوائية في أرقام :

  • عائدات تونس من خدمة تصدير الأدوية الجنيسة 300 مليون دينار
  • تونس تقوم بتصنيع 3168 دواء جنيسا
  • تونس تصنّع 46 دواء من البدائل الحيوية
  • الجمعية التونسية للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية: كلفة الدواء الجنيس أقلّ بـ 40%
  • حجم معاملات سوق الأدوية الجنيسة عبر العالم: 413.6 مليار دولار في عام 2024
  • عدد مصانع الأدوية في تونس 70 شركة ومصنعا
  • مصانع الأدوية توفّر 60 ألف موطن شغل
  • وزارة المالية خصّصت 150 مليون دينار كدعم في ميزانية 2025
  • تونس تقوم بتصدير منتوجاتها إلى 26 دولة
  • وزارة الصحة: الأدوية المستوردة في السوق المحلية لا تفوق نسبتها 30 %
  • الكلفة المادية للوردات تناهز 50% من كلفة الدواء

منية العرفاوي