إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إنتاج مشترك بين المسرح الوطني والمركز الثقافي جربة ومسرح الأوبرا مسرحية "جرانتي العزيزة" للفاضل الجزيري تستعيد فصولًا من تاريخ تونس المعاصر

تونس - الصباح

عرضت بمسرح الجهات بمدينة الثقافة بالعاصمة مساء الخميس، وفي إطار أيام قرطاج المسرحية التي تختتم اليوم، مسرحية "جرانتي العزيزة" إنتاج المسرح الوطني التونسي والمركز الثقافي جربة ومسرح الأوبرا تونس. المسرحية من إخراج الفاضل الجزيري، الذي أعد السينوغرافيا أيضًا مع نص ودراماتورجيا جماعي، وهي من أداء إشراق مطر وسليم الذيب، وبمشاركة العازفين لطفي السافي على آلة التشيلو، وإلياس بلاغي على آلة البيانو، ومهدي ذاكر على آلة الكمنجة.

مسرحية "جرانتي العزيزة" هي مزيج من الغناء والموسيقى والرقص والتمثيل، وقد حاول الفاضل الجزيري في هذا العمل الجديد توثيق تاريخ تونس منذ الاستقلال إلى ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، بالاعتماد على الموسيقى وقصة عازف كمنجة بفرقة الإذاعة الوطنية. ولنا أن نشير في هذا السياق إلى أن الفاضل الجزيري قام بشكل أو بآخر برد اعتبار للفن في تونس، حيث كانت الفنون والثقافة عمومًا في العقود الأولى التي تلت استقلال البلاد تضطلع بدور كبير في بناء المجتمع الجديد، قبل أن تشهد تراجعًا استفحل مع الأعوام.

توزعت الآلات الموسيقية على الركح ووُضعت "الميكروفونات" في الجزء الأمامي منه، ثم يقتحم خمسة أفراد هذا الفضاء، أربعة رجال وامرأة. يؤدي إلياس بلاغي معزوفة على آلة البيانو لتستهل إشراق مطر العرض وكأننا إزاء حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة.

تدور أحداث المسرحية حول قصة عازف كمنجة اسمه ماهر كان على أبواب التقاعد بعد سنوات من العمل في فرقة الإذاعة الوطنية وخارجها، مما جعله طرفًا في العديد من الأعمال الموسيقية والمسرحية، وشاهدًا على أكثر من نصف قرن من الإنتاج الأدبي والفني في تنوعه. عاشق الكمنجة يجسد على الركح مع رفيقة دربه، وبحضور باقي العازفين، خلاصة خبراته التي تعكس حقبة من تاريخ الفن والإبداع، وبالتالي تاريخ البلاد، وما طبع تلك الفترة من تجاذبات بين السياسي والإبداعي استقرّت في الذاكرة.

وعلى امتداد ساعتين، روى العازف تاريخ البلاد المعاصر وخاصة المحطات السياسية التي مرت بها تونس منذ الاستقلال، مشددًا على الروابط القوية بين الفن والسياسة في كل هذه المحطات، ولعل الجملة التي نطق بها خلال العرض تلخص هذه الحقيقة: "الإذاعة والداخلية واحد".

المسرحية تستحضر العديد من الشخصيات السياسية المؤثرة في تاريخ تونس، وتسلط الضوء على كواليس هذا العالم وكيف تدار الأمور وتحاك فيه. وحتى لا يكون سرده لهذه الأحداث مملًا أو روتينيًا، اختار الفاضل الجزيري إيصاله عن طريق الموسيقى والغناء، مبينًا أن لكل تاريخ وحقبة زمنية فنانيها ومبدعيها، ومن بينهم من اقترب من النظام واستفاد منه.

وقد شاركت زوجة العازف في سرد هذه الأحداث إما عن طريق الحوار المباشر مع زوجها أو الغناء، إذ أدت إشراق مطر العديد من الأغاني التي ارتبطت بكل حقبة من تاريخ تونس، من بينها مثلًا أغنية الهادي قلّة "بابور زمر خش البحر".

وكان الغناء والعزف في مسرحية "جرانتي العزيزة" عنصرين أساسيين في المسرحية، وقد استفاد العمل من مشاركة فنانين محترفين، على غرار لطفي السافي على آلة التشيلو، الذي كانت له مداخلات خفيفة وكوميدية في المسرحية، إضافة إلى مهدي ذاكر الذي كسر حاجز الملل بعزفه المحترف على آلة الكمنجة، والمايسترو إلياس بلاغي الذي لم يكتفِ بالعزف بل شارك في سرد الأحداث، مجسدًا شخصية "عمدة" عازف البيانو الضرير.

ولم تخلُ مسرحية فاضل الجزيري من المشاعر الإنسانية، حيث شاهدنا ثنائية الحب والخيانة من خلال قصة ماهر وزوجته التي رافقته في كل مسيرته الحياتية والفنية، لتقرر نهاية المسرحية تركه والتخلي عنه بعد أن اختارت "الجرانة" أو الكمنجة والأوبيرات على حياتهما الزوجية.

وقد أحيا المسرحي الفاضل الجزيري ذكرى عدة شخصيات كانت فاعلة في المشهد الثقافي في البلاد، من بينها الموسيقي وقائد الأوكسترا السيمفوني من سنة 1979 إلى 2010، أحمد عاشور، والأساتذة بالمعهد العالي للموسيقى "زلاطكا" و"ياروش" و"سترينو"، الذي تتلمذ على يده رضا القلعي. وتطرق إلى سيرة عازفين مثل عبد الحميد بن علجية والسيد شطا، وكذلك المسرحيين محمد إدريس والحبيب بولعراس، وقدم لمسة وفاء إلى مدير التصوير الحبيب المسروقي الذي رحل سنة 1980 عن عمر لم يتجاوز الثلاثين سنة.

كما تحدث الجزيري عن عدد من الرموز السياسية على غرار الزعيم بورقيبة، أيضًا صالح بن يوسف، والهادي نويرة، وأحمد بن صالح، والشاذلي القليبي، وعبد الرؤوف الباسطي، ومجموعة "بريسبكتيف"، وغيرهم من الشخصيات التي تركت بصمتها في المشهد الفني والسياسي في تونس، وصولًا إلى مرحلة فرار بن علي واندلاع الثورة التي ربما عبر عنها فاضل الجزيري بمشهد تخلي الزوجة عن زوجها واختيارها للسعودية كمكان للاستقرار فيها.

ولنا أن نذكر أن آلة الكمنجة في تونس لها موقع خاص في الذائقة الفنية بفضل موسيقيين أبدعوا فيها مثل الراحل رضا القلعي، وهي معروفة في بلادنا باسم "الجرانة"، ولأجل ذلك تحمل المسرحية الجديدة للفاضل الجزيري عنوان "جرانتي العزيزة".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إنتاج مشترك بين المسرح الوطني والمركز الثقافي جربة ومسرح الأوبرا  مسرحية "جرانتي العزيزة" للفاضل الجزيري تستعيد فصولًا من تاريخ تونس المعاصر

تونس - الصباح

عرضت بمسرح الجهات بمدينة الثقافة بالعاصمة مساء الخميس، وفي إطار أيام قرطاج المسرحية التي تختتم اليوم، مسرحية "جرانتي العزيزة" إنتاج المسرح الوطني التونسي والمركز الثقافي جربة ومسرح الأوبرا تونس. المسرحية من إخراج الفاضل الجزيري، الذي أعد السينوغرافيا أيضًا مع نص ودراماتورجيا جماعي، وهي من أداء إشراق مطر وسليم الذيب، وبمشاركة العازفين لطفي السافي على آلة التشيلو، وإلياس بلاغي على آلة البيانو، ومهدي ذاكر على آلة الكمنجة.

مسرحية "جرانتي العزيزة" هي مزيج من الغناء والموسيقى والرقص والتمثيل، وقد حاول الفاضل الجزيري في هذا العمل الجديد توثيق تاريخ تونس منذ الاستقلال إلى ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، بالاعتماد على الموسيقى وقصة عازف كمنجة بفرقة الإذاعة الوطنية. ولنا أن نشير في هذا السياق إلى أن الفاضل الجزيري قام بشكل أو بآخر برد اعتبار للفن في تونس، حيث كانت الفنون والثقافة عمومًا في العقود الأولى التي تلت استقلال البلاد تضطلع بدور كبير في بناء المجتمع الجديد، قبل أن تشهد تراجعًا استفحل مع الأعوام.

توزعت الآلات الموسيقية على الركح ووُضعت "الميكروفونات" في الجزء الأمامي منه، ثم يقتحم خمسة أفراد هذا الفضاء، أربعة رجال وامرأة. يؤدي إلياس بلاغي معزوفة على آلة البيانو لتستهل إشراق مطر العرض وكأننا إزاء حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة.

تدور أحداث المسرحية حول قصة عازف كمنجة اسمه ماهر كان على أبواب التقاعد بعد سنوات من العمل في فرقة الإذاعة الوطنية وخارجها، مما جعله طرفًا في العديد من الأعمال الموسيقية والمسرحية، وشاهدًا على أكثر من نصف قرن من الإنتاج الأدبي والفني في تنوعه. عاشق الكمنجة يجسد على الركح مع رفيقة دربه، وبحضور باقي العازفين، خلاصة خبراته التي تعكس حقبة من تاريخ الفن والإبداع، وبالتالي تاريخ البلاد، وما طبع تلك الفترة من تجاذبات بين السياسي والإبداعي استقرّت في الذاكرة.

وعلى امتداد ساعتين، روى العازف تاريخ البلاد المعاصر وخاصة المحطات السياسية التي مرت بها تونس منذ الاستقلال، مشددًا على الروابط القوية بين الفن والسياسة في كل هذه المحطات، ولعل الجملة التي نطق بها خلال العرض تلخص هذه الحقيقة: "الإذاعة والداخلية واحد".

المسرحية تستحضر العديد من الشخصيات السياسية المؤثرة في تاريخ تونس، وتسلط الضوء على كواليس هذا العالم وكيف تدار الأمور وتحاك فيه. وحتى لا يكون سرده لهذه الأحداث مملًا أو روتينيًا، اختار الفاضل الجزيري إيصاله عن طريق الموسيقى والغناء، مبينًا أن لكل تاريخ وحقبة زمنية فنانيها ومبدعيها، ومن بينهم من اقترب من النظام واستفاد منه.

وقد شاركت زوجة العازف في سرد هذه الأحداث إما عن طريق الحوار المباشر مع زوجها أو الغناء، إذ أدت إشراق مطر العديد من الأغاني التي ارتبطت بكل حقبة من تاريخ تونس، من بينها مثلًا أغنية الهادي قلّة "بابور زمر خش البحر".

وكان الغناء والعزف في مسرحية "جرانتي العزيزة" عنصرين أساسيين في المسرحية، وقد استفاد العمل من مشاركة فنانين محترفين، على غرار لطفي السافي على آلة التشيلو، الذي كانت له مداخلات خفيفة وكوميدية في المسرحية، إضافة إلى مهدي ذاكر الذي كسر حاجز الملل بعزفه المحترف على آلة الكمنجة، والمايسترو إلياس بلاغي الذي لم يكتفِ بالعزف بل شارك في سرد الأحداث، مجسدًا شخصية "عمدة" عازف البيانو الضرير.

ولم تخلُ مسرحية فاضل الجزيري من المشاعر الإنسانية، حيث شاهدنا ثنائية الحب والخيانة من خلال قصة ماهر وزوجته التي رافقته في كل مسيرته الحياتية والفنية، لتقرر نهاية المسرحية تركه والتخلي عنه بعد أن اختارت "الجرانة" أو الكمنجة والأوبيرات على حياتهما الزوجية.

وقد أحيا المسرحي الفاضل الجزيري ذكرى عدة شخصيات كانت فاعلة في المشهد الثقافي في البلاد، من بينها الموسيقي وقائد الأوكسترا السيمفوني من سنة 1979 إلى 2010، أحمد عاشور، والأساتذة بالمعهد العالي للموسيقى "زلاطكا" و"ياروش" و"سترينو"، الذي تتلمذ على يده رضا القلعي. وتطرق إلى سيرة عازفين مثل عبد الحميد بن علجية والسيد شطا، وكذلك المسرحيين محمد إدريس والحبيب بولعراس، وقدم لمسة وفاء إلى مدير التصوير الحبيب المسروقي الذي رحل سنة 1980 عن عمر لم يتجاوز الثلاثين سنة.

كما تحدث الجزيري عن عدد من الرموز السياسية على غرار الزعيم بورقيبة، أيضًا صالح بن يوسف، والهادي نويرة، وأحمد بن صالح، والشاذلي القليبي، وعبد الرؤوف الباسطي، ومجموعة "بريسبكتيف"، وغيرهم من الشخصيات التي تركت بصمتها في المشهد الفني والسياسي في تونس، وصولًا إلى مرحلة فرار بن علي واندلاع الثورة التي ربما عبر عنها فاضل الجزيري بمشهد تخلي الزوجة عن زوجها واختيارها للسعودية كمكان للاستقرار فيها.

ولنا أن نذكر أن آلة الكمنجة في تونس لها موقع خاص في الذائقة الفنية بفضل موسيقيين أبدعوا فيها مثل الراحل رضا القلعي، وهي معروفة في بلادنا باسم "الجرانة"، ولأجل ذلك تحمل المسرحية الجديدة للفاضل الجزيري عنوان "جرانتي العزيزة".