للأسف يتغير وزراء البيئة لكن يظل الوضع البيئي المتردي على أكثر من صعيد يراوح مكانه فيما يشبه العجز عن إيجاد الحلول الملائمة لضمان حق التونسيين في العيش في بيئة سليمة.
مناسبة هذا الكلام هو اللقاء الذي جمع أول أمس رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزير البيئة الجديد حبيب عبيد، وتناول "الأوضاع البيئية في البلاد على وجه العموم"، وفق نص بلاغ الرئاسة.
وجاء كلام الرئيس في هذا اللقاء تفصيليا لجملة المشاغل البيئة المتراكمة منذ سنوات وأسببها ومكامن العلل في التعاطي مع الملف البيئي حيث عرج الرئيس على "الفساد الذي طال هذا المجال منذ سنوات طويلة. فحتّى الهبات التي كانت تُقدّم من الخارج كانت تُقتطع منها نسبة مائوية لمن كان يُفترض أنه مشرف على حماية البيئة والمحيط. كما أن عديد المنشآت التي تم إحداثها للتطهير ولحماية المحيط لم تحقق في أحسن الأحوال إلا القليل القليل، بل أكثر من ذلك تمّ إهدار المال العام في مشاريع لم تُنجز أو أنها أُنجزت في تجاهل تام للشروط المطلوبة".
غياب إستراتيجية متكاملة
وقال الرئيس إنه "تم اغتيال البيئة في عديد المدن كقابس وصفاقس وقفصة وغيرها من المدن الأخرى. هذا فضلا عن الجرائم التي ارتكبتها بعض الجهات التي أرادت أن تُحوّل تونس إلى مصب للنفايات".
وخلص الرئيس إلى "ضرورة معالجة القضايا التي تستوجب التدخل السريع مع وضع إستراتيجية وطنية جديدة متكاملة مع كل الأطراف المتدخلة سواء في مجال التهيئة العمرانية أو في مجال الطاقة التي أثبتت التجارب العلمية أنه يمكن استخراجها من النفايات أو في مجال استعمال الفوسفوجيبس في بعض الصناعات فيتحوّل من مادة ملوّثة إلى ثروة يمكن استغلالها".
وتعد هذه الخلاصة مربط الفرس على اعتبار أن الوضع البيئي في تونس في اتجاه مستمر نحو مزيد من التدهور في غياب إستراتيجية وطنية أو سياسة بيئية ناجعة قادرة على حماية المحيط ومنع انتشار التلوث.
وللأسف ظل تداول الوزراء على وزارة البيئة منذ 25 جويلية وقبلها دون أثر يذكر على مستوى التخطيط الاستراتيجي العاجل وقصير الأمد إلى جانب الآجل منه لبداية تغيير وجه البلاد بيئيا والقطع مع الإشكاليات المتراكمة التي تهدد صحة التونسي ومحيط عيشه وصورة البلاد وبعض القطاعات الإستراتيجية الأخرى المرتبطة بالمجال البيئي على غرار السياحة.
أزمة النفايات
ولم يعد الوضع بحاجة للتشخيص ووضع اليد على مكامن الداء بقدر ما هو بحاجة لحلول ونتائج على أرض الواقع تعالج الأزمات البيئية المتراكمة والمتعددة. وفي مقدمتها أزمة إلقاء النفايات في الشوارع وعلى جنبات الطرقات، وارتفاع مستويات "التلوث البلاستيكي". وتكفي الإشارة هنا إلى جملة من المؤشرات ذات دلالة في علاقة بهذا الموضوع إذ "تنتج تونس سنويا قرابة 2,5 مليون طن من النفايات تمثل النفايات البلاستيكية 10 بالمائة منها، بحسب معطيات وزارة البيئة. ويقع إلقاء حوالي 500 ألف طن من البلاستيك، سنويا، في البحر ممّا ينجر عنه أضرار بيئية خطيرة".
ويعتبر الصندوق العالمي للطبيعة تونس من بين أهم المنتجين للبلاستيك في منطقة المتوسط إذ تستهلك تونس سنويا مليار كيس من البلاستيك، 80 بالمائة منها لا يتم تجميعها وهي غير قابلة لإعادة الرسكلة.
ويقدر الصندوق خسائر تونس الناجمة عن التلوّث بالمواد البلاستيكية بـ60 مليون دينار سنويا.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن سياسة التحكم في النفايات لم تكن ناجعة ولم تعالج بشكل جذري، إذ اقتصر دور الدولة على المسكنات والحلول الترقيعية في التعاطي مع المصبات العشوائية، التي يتم نقلها من مكان لآخر بسبب الاحتجاجات دون الانكباب على حلول مستدامة ومواكبة للتطورات في مجال التحكم في النفايات بأنواعها.
وتشير تقارير تناولت موضوع النفايات إلى "غياب التخطيط وضعف الهياكل الإدارية وتداخل الصلاحيات وضعف عمل البلديات المقتصر على تقنية الردم أو نقل المصبات".
وإلى جانب معضلة النفايات تواجه جل جهات البلاد مشاكل متعددة ومختلفة منها التلوث الصناعي وغياب النجاعة في التعامل مع التطهير الذي يتسبب في أزمة تلوث ممتدة في الشواطئ ومياه البحر وغيرها من التحديات البيئية التي يواجهها التونسي بالاحتجاج دون أن يكون المسؤول وزيرا أو غيره قادرا على تغيير الواقع وتقديم الحلول.
ويشير في هذا الصدد تقرير "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" إلى أن التحركات البيئية خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2024 اتسمت "بطابعها الجماعي المنظم وقد كانت في أغلبها وقفات وتجمعات احتجاجية ونداءات عبر وسائل الإعلام في محاولة للفت انتباه المسؤولين والسلطات المعنية إلى ضرورة التدخل العاجل للحد من وطأة التحديات البيئية على المواطنين في مختلف المناطق في البلاد".
ويبين التقرير أن "البلاد عرفت خلال النصف الأول من سنة 2024، 1161 تحركا اجتماعيا مقابل 2158 تحركا خلال نفس الفترة من سنة2023 وقد عرفت التحركات ذات الطابع البيئي نسقا تصاعديا حيث ارتفع عددها من 156 خلال السداسي الأول لسنة 2023 إلى 172 احتجاجا خلال نفس الفترة من سنة 2024".
وقد مثلت التحركات البيئية 15% من مجموع التحركات، تم تسجيل 56 % منها خلال الثلاثي الثاني من العام، لاسيما خلال شهر جوان الذي سجل 52 تحركا .
كما عرفت البلاد خلال الثلاثي الثاني من السنة "4 تحركات احتجاجية تندد بتفاقم ظاهرة التلوث الصناعي. كانت أبرزها بولاية قابس التي تواجه أزمة بيئية خانقة تتواصل مع تواصل التعاطي اللاّمسؤول مع مظاهر التلوث التي يتسبب بها المجمع الكيميائي التونسي".
وقد تم رصد "6 تحركات احتجاجية تندد بتفاقم أزمة النفايات التي تتراكم في الشوارع وأنحاء المدن بكل من ولايات صفاقس والقصرين. كما تم رصد تشكيات مجموعة من المواطنين من تزايد عدد المصبات العشوائية وغير المراقبة القريبة من الأحياء السكنية في مناطق مختلفة من سيدي بوزيد وأريانة وبنزرت".
م.ي
تونس-الصباح
للأسف يتغير وزراء البيئة لكن يظل الوضع البيئي المتردي على أكثر من صعيد يراوح مكانه فيما يشبه العجز عن إيجاد الحلول الملائمة لضمان حق التونسيين في العيش في بيئة سليمة.
مناسبة هذا الكلام هو اللقاء الذي جمع أول أمس رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزير البيئة الجديد حبيب عبيد، وتناول "الأوضاع البيئية في البلاد على وجه العموم"، وفق نص بلاغ الرئاسة.
وجاء كلام الرئيس في هذا اللقاء تفصيليا لجملة المشاغل البيئة المتراكمة منذ سنوات وأسببها ومكامن العلل في التعاطي مع الملف البيئي حيث عرج الرئيس على "الفساد الذي طال هذا المجال منذ سنوات طويلة. فحتّى الهبات التي كانت تُقدّم من الخارج كانت تُقتطع منها نسبة مائوية لمن كان يُفترض أنه مشرف على حماية البيئة والمحيط. كما أن عديد المنشآت التي تم إحداثها للتطهير ولحماية المحيط لم تحقق في أحسن الأحوال إلا القليل القليل، بل أكثر من ذلك تمّ إهدار المال العام في مشاريع لم تُنجز أو أنها أُنجزت في تجاهل تام للشروط المطلوبة".
غياب إستراتيجية متكاملة
وقال الرئيس إنه "تم اغتيال البيئة في عديد المدن كقابس وصفاقس وقفصة وغيرها من المدن الأخرى. هذا فضلا عن الجرائم التي ارتكبتها بعض الجهات التي أرادت أن تُحوّل تونس إلى مصب للنفايات".
وخلص الرئيس إلى "ضرورة معالجة القضايا التي تستوجب التدخل السريع مع وضع إستراتيجية وطنية جديدة متكاملة مع كل الأطراف المتدخلة سواء في مجال التهيئة العمرانية أو في مجال الطاقة التي أثبتت التجارب العلمية أنه يمكن استخراجها من النفايات أو في مجال استعمال الفوسفوجيبس في بعض الصناعات فيتحوّل من مادة ملوّثة إلى ثروة يمكن استغلالها".
وتعد هذه الخلاصة مربط الفرس على اعتبار أن الوضع البيئي في تونس في اتجاه مستمر نحو مزيد من التدهور في غياب إستراتيجية وطنية أو سياسة بيئية ناجعة قادرة على حماية المحيط ومنع انتشار التلوث.
وللأسف ظل تداول الوزراء على وزارة البيئة منذ 25 جويلية وقبلها دون أثر يذكر على مستوى التخطيط الاستراتيجي العاجل وقصير الأمد إلى جانب الآجل منه لبداية تغيير وجه البلاد بيئيا والقطع مع الإشكاليات المتراكمة التي تهدد صحة التونسي ومحيط عيشه وصورة البلاد وبعض القطاعات الإستراتيجية الأخرى المرتبطة بالمجال البيئي على غرار السياحة.
أزمة النفايات
ولم يعد الوضع بحاجة للتشخيص ووضع اليد على مكامن الداء بقدر ما هو بحاجة لحلول ونتائج على أرض الواقع تعالج الأزمات البيئية المتراكمة والمتعددة. وفي مقدمتها أزمة إلقاء النفايات في الشوارع وعلى جنبات الطرقات، وارتفاع مستويات "التلوث البلاستيكي". وتكفي الإشارة هنا إلى جملة من المؤشرات ذات دلالة في علاقة بهذا الموضوع إذ "تنتج تونس سنويا قرابة 2,5 مليون طن من النفايات تمثل النفايات البلاستيكية 10 بالمائة منها، بحسب معطيات وزارة البيئة. ويقع إلقاء حوالي 500 ألف طن من البلاستيك، سنويا، في البحر ممّا ينجر عنه أضرار بيئية خطيرة".
ويعتبر الصندوق العالمي للطبيعة تونس من بين أهم المنتجين للبلاستيك في منطقة المتوسط إذ تستهلك تونس سنويا مليار كيس من البلاستيك، 80 بالمائة منها لا يتم تجميعها وهي غير قابلة لإعادة الرسكلة.
ويقدر الصندوق خسائر تونس الناجمة عن التلوّث بالمواد البلاستيكية بـ60 مليون دينار سنويا.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن سياسة التحكم في النفايات لم تكن ناجعة ولم تعالج بشكل جذري، إذ اقتصر دور الدولة على المسكنات والحلول الترقيعية في التعاطي مع المصبات العشوائية، التي يتم نقلها من مكان لآخر بسبب الاحتجاجات دون الانكباب على حلول مستدامة ومواكبة للتطورات في مجال التحكم في النفايات بأنواعها.
وتشير تقارير تناولت موضوع النفايات إلى "غياب التخطيط وضعف الهياكل الإدارية وتداخل الصلاحيات وضعف عمل البلديات المقتصر على تقنية الردم أو نقل المصبات".
وإلى جانب معضلة النفايات تواجه جل جهات البلاد مشاكل متعددة ومختلفة منها التلوث الصناعي وغياب النجاعة في التعامل مع التطهير الذي يتسبب في أزمة تلوث ممتدة في الشواطئ ومياه البحر وغيرها من التحديات البيئية التي يواجهها التونسي بالاحتجاج دون أن يكون المسؤول وزيرا أو غيره قادرا على تغيير الواقع وتقديم الحلول.
ويشير في هذا الصدد تقرير "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" إلى أن التحركات البيئية خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2024 اتسمت "بطابعها الجماعي المنظم وقد كانت في أغلبها وقفات وتجمعات احتجاجية ونداءات عبر وسائل الإعلام في محاولة للفت انتباه المسؤولين والسلطات المعنية إلى ضرورة التدخل العاجل للحد من وطأة التحديات البيئية على المواطنين في مختلف المناطق في البلاد".
ويبين التقرير أن "البلاد عرفت خلال النصف الأول من سنة 2024، 1161 تحركا اجتماعيا مقابل 2158 تحركا خلال نفس الفترة من سنة2023 وقد عرفت التحركات ذات الطابع البيئي نسقا تصاعديا حيث ارتفع عددها من 156 خلال السداسي الأول لسنة 2023 إلى 172 احتجاجا خلال نفس الفترة من سنة 2024".
وقد مثلت التحركات البيئية 15% من مجموع التحركات، تم تسجيل 56 % منها خلال الثلاثي الثاني من العام، لاسيما خلال شهر جوان الذي سجل 52 تحركا .
كما عرفت البلاد خلال الثلاثي الثاني من السنة "4 تحركات احتجاجية تندد بتفاقم ظاهرة التلوث الصناعي. كانت أبرزها بولاية قابس التي تواجه أزمة بيئية خانقة تتواصل مع تواصل التعاطي اللاّمسؤول مع مظاهر التلوث التي يتسبب بها المجمع الكيميائي التونسي".
وقد تم رصد "6 تحركات احتجاجية تندد بتفاقم أزمة النفايات التي تتراكم في الشوارع وأنحاء المدن بكل من ولايات صفاقس والقصرين. كما تم رصد تشكيات مجموعة من المواطنين من تزايد عدد المصبات العشوائية وغير المراقبة القريبة من الأحياء السكنية في مناطق مختلفة من سيدي بوزيد وأريانة وبنزرت".