إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ماذا عن المسؤولية العقدية للطبيب ؟

 

 

المسؤولية المدنية مسؤولية تترتب بموجب دعوى تعويض يرفعها المريض أو ورثته لجبر ضرر لحق بهم

العربي الذيب

مستشار بمجلس نواب الشعب

صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 75 بتاريخ 20 جوان 2024 قانون عدد 32 لسنة 2024 مؤرخ في 19 جوان 2024 يتعلق بحقوق المنتفعين بالخدمات الصحية والمسؤولية الطبية، وهو قانون ذو أهمية قصوى على اعتبار أنه لأول مرة يتمّ إرساء إطار قانوني جامع وموحّد يضبط حقوق المنتفعين بالخدمات الصحية وآليات الوقاية من المخاطر والأضرار المرتبطة بها ونظام المسؤولية الطبية والاستشفائية لمهنيي الصحة ولمختلف الهياكل والمؤسسات الصحية بالقطاعين العام والخاص ونظام التعويض للمتضررين.

 وينصّ القانون المذكور على أن إصدار النصوص الترتيبية الخاصة به يتمّ في أجل أقصاه ستة (6) أشهر من تاريخ دخوله حيز النفاذ، وأنه يتواصل النظر في قضايا المسؤولية الطبيّة المنشورة طبقا للقوانين والإجراءات المعمول بها، ومن ثمّ نلقي الضوء على مسألة التعامل مع مسؤولية الطبيب في هذا المجال، قبل دخوله حيز النفاذ.

وفي هذا الإطار يمكن القول إن الطبيب يمكن أن يتعرّض إلى ثلاثة أنواع من المسؤولية، وهي المسؤولية التأديبية والمسؤولية المدنية والمسؤولية الجزائية. ونقتصر في هذا المقال على الحديث عن المسؤولية المدنية في جزئها العقدي وليس في جزئها التقصيري.

 تُعرف المسؤولية المدنية بأنها مسؤولية تترتب بموجب دعوى تعويض يرفعها المريض أو ورثته لجبر ضرر لحق بهم. وقد يكون مصدر التزام الطبيب عقدا يربطه بالمتضرر، فتكون مسؤوليته عقدية يحكمها ويحدد مداها العقد من جهة، والقواعد الخاصة بالمسؤولية العقدية من جهة أخرى. علما أن هناك اجتهادات ترى أن المسؤولية الطبيّة هي مسؤولية عقدية، على أساس أن الطبيب والمريض يجمعهما عقد يلتزم بموجبه الطبيب بعلاج المريض من أجل شفائه دون أن يكون ملزما بتحقيق هذه النتيجة وهو الشفاء. فالطبيب يلتزم ببذل العناية مقابل أجر يدفعه المريض.

ومن هذا المنظور فإن العلاقة العقدية هي العلاقة الرابطة بين الطبيب والمريض ويحتل فيها الاعتبار الشخصي مكانة هامة، ويُحدد فيها العقد واجبات المريض ويضبط التزاماته. كما يجب أن تتوفر في العقد شروط الصحة وخاصة منها الرضى وواجب الإعلام والتنصيص على التزام الطبيب.

ويوجب شرط الرضى أن يُحيط الطبيب المريض علما بطبيعة العلاج ومخاطر العملية الجراحية مثلا وإلا كان مسؤولا عن كافة النتائج الضارة جراء تدخله ولو لم يرتكب خطأ في عمله. كما أن الطبيب الذي استخدم مادة معينة لعلاج عين مريض رغم ما بها من حساسية خاصة يمكن أن تتعارض مع استخدام هذه المادة الفعّالة فيترتب على ذلك فقدان المريض لعينه، يعتبر مسؤولا رغم فعالية المادة المستخدمة من جهة وعدم ارتكابه أي خطأ أو إهمال في العمل العلاجي من جهة أخرى، لأنه لم يحط المريض علما بمدى الخطورة المحتملة لاستخدام المادة المذكورة حتى يكون على بيّنة من ذلك ويقرر بحرية قبول العلاج من عدمه.

بينما يُلزم واجب الإعلام الطبيب بإعطاء كل التفاصيل الفنية، التي لا يستطيع المريض استيعابها علميا. فقد تستدعي الحالة النفسية للمريض دفع الطبيب إلى إخفاء بعض النتائج أو طرحها بطريقة عامة تفاديا لما له من أثر على نفسية المريض، ولكن يجب ألا يكون ذلك بهدف تضليل المريض وحمله على قبول طريقة معينة للعلاج لغرض مادي أو تجاري وإلا يُعدّ سببا في قيام مسؤولية الطبيب.

ويمكن للعقد أن يُوجب على الطبيب التزاما بتحقيق نتيجة أو يلزمه ببذل عناية. وهذا الالتزام الأخير ما تتضمنه أغلب العقود الطبية. حيث يتمثّل التزام الطبيب في هذه الحالة في اليقظة وبذل المجهود الصادق بما يتّفق والأصول العلمية القائمة بهدف شفاء المريض أو تحسين حالته، وإنّ الإخلال بذلك يرتّب مسؤولية، فيُسأل عن كل تقصير في مسلكه الطبي مهما كانت درجة جسامته. علما أنه إذا خاب العلاج أو ساءت حالة المريض، فلا يعني هذا أن الطبيب أخلّ بالتزامه إلا إذا ثبت تقصيره في العناية، أي قام الدليل على خطئه كي تترتب عليه المسؤولية. أما التزام الطبيب بتحقيق نتيجة فيتمثل في الالتزام بسلامة المريض الذي لا يعني التزاما بشفائه، وإنما التزاما بعدم تعرضه لأي أذى ناتج عن استعمال الأدوات والأجهزة أو الأدوية وبعدم نقل مرض آخر إلى المريض. ولا تنتفي مسؤولية الطبيب في الالتزام بتحقيق نتيجة، حتى ولو كان العيب موجودا بالآلة المستعملة ويصعب كشفه إلا أنه يستطيع أن يدفع طبقا للقواعد العامة المسؤولية بإقامة الدليل على أن الضرر راجع لسبب أجنبي لا يد له فيه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ماذا عن المسؤولية العقدية للطبيب ؟

 

 

المسؤولية المدنية مسؤولية تترتب بموجب دعوى تعويض يرفعها المريض أو ورثته لجبر ضرر لحق بهم

العربي الذيب

مستشار بمجلس نواب الشعب

صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 75 بتاريخ 20 جوان 2024 قانون عدد 32 لسنة 2024 مؤرخ في 19 جوان 2024 يتعلق بحقوق المنتفعين بالخدمات الصحية والمسؤولية الطبية، وهو قانون ذو أهمية قصوى على اعتبار أنه لأول مرة يتمّ إرساء إطار قانوني جامع وموحّد يضبط حقوق المنتفعين بالخدمات الصحية وآليات الوقاية من المخاطر والأضرار المرتبطة بها ونظام المسؤولية الطبية والاستشفائية لمهنيي الصحة ولمختلف الهياكل والمؤسسات الصحية بالقطاعين العام والخاص ونظام التعويض للمتضررين.

 وينصّ القانون المذكور على أن إصدار النصوص الترتيبية الخاصة به يتمّ في أجل أقصاه ستة (6) أشهر من تاريخ دخوله حيز النفاذ، وأنه يتواصل النظر في قضايا المسؤولية الطبيّة المنشورة طبقا للقوانين والإجراءات المعمول بها، ومن ثمّ نلقي الضوء على مسألة التعامل مع مسؤولية الطبيب في هذا المجال، قبل دخوله حيز النفاذ.

وفي هذا الإطار يمكن القول إن الطبيب يمكن أن يتعرّض إلى ثلاثة أنواع من المسؤولية، وهي المسؤولية التأديبية والمسؤولية المدنية والمسؤولية الجزائية. ونقتصر في هذا المقال على الحديث عن المسؤولية المدنية في جزئها العقدي وليس في جزئها التقصيري.

 تُعرف المسؤولية المدنية بأنها مسؤولية تترتب بموجب دعوى تعويض يرفعها المريض أو ورثته لجبر ضرر لحق بهم. وقد يكون مصدر التزام الطبيب عقدا يربطه بالمتضرر، فتكون مسؤوليته عقدية يحكمها ويحدد مداها العقد من جهة، والقواعد الخاصة بالمسؤولية العقدية من جهة أخرى. علما أن هناك اجتهادات ترى أن المسؤولية الطبيّة هي مسؤولية عقدية، على أساس أن الطبيب والمريض يجمعهما عقد يلتزم بموجبه الطبيب بعلاج المريض من أجل شفائه دون أن يكون ملزما بتحقيق هذه النتيجة وهو الشفاء. فالطبيب يلتزم ببذل العناية مقابل أجر يدفعه المريض.

ومن هذا المنظور فإن العلاقة العقدية هي العلاقة الرابطة بين الطبيب والمريض ويحتل فيها الاعتبار الشخصي مكانة هامة، ويُحدد فيها العقد واجبات المريض ويضبط التزاماته. كما يجب أن تتوفر في العقد شروط الصحة وخاصة منها الرضى وواجب الإعلام والتنصيص على التزام الطبيب.

ويوجب شرط الرضى أن يُحيط الطبيب المريض علما بطبيعة العلاج ومخاطر العملية الجراحية مثلا وإلا كان مسؤولا عن كافة النتائج الضارة جراء تدخله ولو لم يرتكب خطأ في عمله. كما أن الطبيب الذي استخدم مادة معينة لعلاج عين مريض رغم ما بها من حساسية خاصة يمكن أن تتعارض مع استخدام هذه المادة الفعّالة فيترتب على ذلك فقدان المريض لعينه، يعتبر مسؤولا رغم فعالية المادة المستخدمة من جهة وعدم ارتكابه أي خطأ أو إهمال في العمل العلاجي من جهة أخرى، لأنه لم يحط المريض علما بمدى الخطورة المحتملة لاستخدام المادة المذكورة حتى يكون على بيّنة من ذلك ويقرر بحرية قبول العلاج من عدمه.

بينما يُلزم واجب الإعلام الطبيب بإعطاء كل التفاصيل الفنية، التي لا يستطيع المريض استيعابها علميا. فقد تستدعي الحالة النفسية للمريض دفع الطبيب إلى إخفاء بعض النتائج أو طرحها بطريقة عامة تفاديا لما له من أثر على نفسية المريض، ولكن يجب ألا يكون ذلك بهدف تضليل المريض وحمله على قبول طريقة معينة للعلاج لغرض مادي أو تجاري وإلا يُعدّ سببا في قيام مسؤولية الطبيب.

ويمكن للعقد أن يُوجب على الطبيب التزاما بتحقيق نتيجة أو يلزمه ببذل عناية. وهذا الالتزام الأخير ما تتضمنه أغلب العقود الطبية. حيث يتمثّل التزام الطبيب في هذه الحالة في اليقظة وبذل المجهود الصادق بما يتّفق والأصول العلمية القائمة بهدف شفاء المريض أو تحسين حالته، وإنّ الإخلال بذلك يرتّب مسؤولية، فيُسأل عن كل تقصير في مسلكه الطبي مهما كانت درجة جسامته. علما أنه إذا خاب العلاج أو ساءت حالة المريض، فلا يعني هذا أن الطبيب أخلّ بالتزامه إلا إذا ثبت تقصيره في العناية، أي قام الدليل على خطئه كي تترتب عليه المسؤولية. أما التزام الطبيب بتحقيق نتيجة فيتمثل في الالتزام بسلامة المريض الذي لا يعني التزاما بشفائه، وإنما التزاما بعدم تعرضه لأي أذى ناتج عن استعمال الأدوات والأجهزة أو الأدوية وبعدم نقل مرض آخر إلى المريض. ولا تنتفي مسؤولية الطبيب في الالتزام بتحقيق نتيجة، حتى ولو كان العيب موجودا بالآلة المستعملة ويصعب كشفه إلا أنه يستطيع أن يدفع طبقا للقواعد العامة المسؤولية بإقامة الدليل على أن الضرر راجع لسبب أجنبي لا يد له فيه.