أعلنت عدة أحزاب عن تواريخ لمؤتمراتها.. وبين مؤتمرات أنجزت وأخرى لم يحن تاريخها بعد وثالثة معلقة على خلافات داخلية، نتبين نوعية هذه الاحزاب.. حيث تعتبر المؤتمرات الحزبية، محطات أساسية في تاريخ الاحزاب ومناسبة لترسيخ النفس الديمقراطي داخلها من خلال هياكل داخلية منتخبة وشرعية وتعبّر عن تطلعات ورغبات القواعد والأنصار، كما تكون المؤتمرات فرصة لتصحيح المسارات متى اختلت وكذلك لمساءلة القيادة واختيار الشخصيات القادرة على القيادة وعلى تنفيذ التصورات والتوجهات الكبرى للأحزاب بما ينسجم مع مرجعياتها وإيديولوجياتها.
ولكن خلال العشر سنوات الماضية ظلت المؤتمرات بمفهوم التجديد والتصحيح والاختيار الحر للقيادة داخل الأحزاب، شبه مفقودة، رغم حرص اغلب هذه الاحزاب وخاصة البارزة منها عن عقد مؤتمراتها.. وإذا كان افتقاد اغلب هذه المؤتمرات لروح التنافس الديمقراطي النزيه من قياداتها وشخصياتها البارزة، بما يخدم مصلحة هذا الحزب او ذاك، يبرر قبل الثورة بالخوف من اختراق النظام لبعض الاحزاب المناضلة وتدميرها من الداخل ولذلك رأينا شخصيات تستمر في القيادة لمدة عقود، الا أن بعد الثورة اختلفت المعادلة في علاقة بقيادة الحزب وبالشخصيات التي تملك سلطة القرار داخله.
واذا كانت مؤتمرات الأحزاب التأسيسية أو الدورية العادية خطوة مهمة في تقوية الاحزاب وضمان بروزها ووصولها الى السلطة بعد ذلك وترك بصمتها في الحكم، فإنها يمكن ان تكون كذلك خطوة الى الوراء ومحطة من محطات التصدع والانشقاق داخل الاحزاب وبوابة لتأجيج الصراعات وتفجير الخلافات وخلق الانقسامات وهو ما حصل مع حزب نداء تونس الذي وصل الى الحكم ولكن بعد ذلك انقرض تماما من المشهد السياسي.
ولعل انقراض الحزب الذي اكتسح الانتخابات وقتها رئاسيا وتشريعيا ثم اختفى من المشهد السياسي، يؤكد نوعية الاحزاب خاصة تلك التي برزت او تكونت بعد الثورة حيث أكدت التجربة أن هناك أحزابا مؤسسة على مرجعية فكرية ومشروع مجتمعي ووحدة تنظيمية واحزاب اخرى مؤسسة على مصالح أشخاص سرعان ما تنتهي بانتهاء تلك المصالح أو بتضاربها وهذه الاحزاب تحولت الى احزاب اللحظة سواء كانت لحظة سياسية او انتخابية والتي سرعان ما تختفي وتنطفئ بانتهاء الغرض منها كما حصل مع حزب النداء وقلب تونس وتحيا تونس والبديل وغيرها من الأحزاب.. وتصنّف هذه الأحزاب بأنها أحزاب التعبئة الجماهيرية التي لا تقوم على افكار او مشروع بل هي مجرد وسيلة للوصول الى السلطة ولذلك تفشل أو لا تسعى أبدا لإرساء هيكلة حزبية تصمد لسنوات.
مؤتمرات لتثبيت الزعيم..
تمنح المؤتمرات للأحزاب الشرعية والمشروعية السياسية وتعزز الثقة بين القيادة والقواعد ولكن السؤال هو هل ان المؤتمرات التي تقوم بها الاحزاب الوطنية والتي لا تحدث في الغالب تغييرات على مستوى القيادة حيث تنجح الشخصيات النافذة والمؤثرة في المحافظة على مكانتها في الواجهة سواء بسبب أن فكرة الحزب بالأساس تقوم على شخصية المؤسس أو الزعيم أو باعتبار أن القائد هو الشخصية التي تضمن التمويل للحزب..
منذ ايام عقد حزب آفاق تونس مؤتمره وفاز الرئيس الملتحق بالحزب منذ أشهر محمد الفاضل عبد الكافي بالرئاسة وبنسبة ناهزت 74 بالمائة من الاصوات امام قيادات كانت مؤسسة للحزب، والمثير واللافت للانتباه هو شعار هذا المؤتمر وهو "تونس تتبدل بجرة قلم" المقتبس من مقولة للرئيس الجديد كانت اثارت الكثير من الجدل وهو ما يعني ان حتى شعار الحزب كان في خدمة الرئيس الجديد ويدفع كل المؤتمرين إلى انتخابه! طبعا بعيدا عن منطق التنافس ومن هو الأفضل.
كما قرر أيضا حزب حركة مشروع تونس عقد مؤتمره يومي 19 و20 مارس 2022، وسيخصص المؤتمر لانتخاب الرئيس والمجلس المركزي، أو ما يتوافق مع الرؤية التنظيمية التي سيعتمدها المؤتمر، وفق البلاغ الصحفي للحزب.. خاصة وان حزب مشروع تونس والذي كان من اول الاحزاب التي انشقت عن نداء تونس ظل لسنوات تحت تصرف مؤسسه محسن مرزوق، ولعل المؤتمر القادم سيكون لتثبيت القيادة الحالية، وليس للتصحيح ومراجعة الخيارات السابقة، رغم الأداء الهزيل للحزب وتراجع إشعاعه السياسي.
الخوف من المؤتمرات..
منذ سنة تقريبا، وحركة النهضة تعيش على وقع خلافات حادة بسبب مؤتمرها المؤجل للعام الثاني على التوالي، واذا كان سبب التأجيل في البداية اقترن بظروف الجائحة الا ان اليوم سبب التأجيل هو خوف القيادة الحالية بزعامة راشد الغنوشي من أن تفقد امتيازاتها خاصة بعد الازمة الحادة التي انتهى إليها الحزب وجعلته يفقد مكانته في المشهد بالإضافة إلى الأزمة الداخلية وانشقاق اكثر من 100 عضو من الحركة وهو الامر الذي وصف عندها بالزلزال الذي ضرب الحركة في ذروة ازمتها السياسية.
ويؤكد جل المنشقين عن الحزب انه لم تكن هناك ممارسة ديمقراطية داخل الحركة، لأن بعض القرارات كانت تطبخ في الكواليس ويروّج انها اتخذت من خلال نقاشات مجلس الشورى وان ما يعرف بالشق الموالي للغنوشي، استفرد بالرأي وسار بالحركة في مسارات خاطئة..
ورغم ان عدد من قيادات الحركة الرافضة الانشقاق او نشر الغسيل الداخلي تؤكد ان النهضة وبعد كل ما مرّت به في الاشهر الاخيرة هي اليوم في مرحلة مراجعات وتأمل استعدادا لمؤتمرها، الا ان ذلك لا يخفي تمسك القيادة الحالية بامتيازاتها داخل الحزب ورفضها لكل الاصوات الداخلية المنتقدة والغاضبة وهو ما يجعل المؤتمر القادم مغامرة كبرى بالنسبة لها لأنه قد يأتي بما يريده راشد الغنوشي ومن معه.
منية العرفاوي
تونس- الصباح
أعلنت عدة أحزاب عن تواريخ لمؤتمراتها.. وبين مؤتمرات أنجزت وأخرى لم يحن تاريخها بعد وثالثة معلقة على خلافات داخلية، نتبين نوعية هذه الاحزاب.. حيث تعتبر المؤتمرات الحزبية، محطات أساسية في تاريخ الاحزاب ومناسبة لترسيخ النفس الديمقراطي داخلها من خلال هياكل داخلية منتخبة وشرعية وتعبّر عن تطلعات ورغبات القواعد والأنصار، كما تكون المؤتمرات فرصة لتصحيح المسارات متى اختلت وكذلك لمساءلة القيادة واختيار الشخصيات القادرة على القيادة وعلى تنفيذ التصورات والتوجهات الكبرى للأحزاب بما ينسجم مع مرجعياتها وإيديولوجياتها.
ولكن خلال العشر سنوات الماضية ظلت المؤتمرات بمفهوم التجديد والتصحيح والاختيار الحر للقيادة داخل الأحزاب، شبه مفقودة، رغم حرص اغلب هذه الاحزاب وخاصة البارزة منها عن عقد مؤتمراتها.. وإذا كان افتقاد اغلب هذه المؤتمرات لروح التنافس الديمقراطي النزيه من قياداتها وشخصياتها البارزة، بما يخدم مصلحة هذا الحزب او ذاك، يبرر قبل الثورة بالخوف من اختراق النظام لبعض الاحزاب المناضلة وتدميرها من الداخل ولذلك رأينا شخصيات تستمر في القيادة لمدة عقود، الا أن بعد الثورة اختلفت المعادلة في علاقة بقيادة الحزب وبالشخصيات التي تملك سلطة القرار داخله.
واذا كانت مؤتمرات الأحزاب التأسيسية أو الدورية العادية خطوة مهمة في تقوية الاحزاب وضمان بروزها ووصولها الى السلطة بعد ذلك وترك بصمتها في الحكم، فإنها يمكن ان تكون كذلك خطوة الى الوراء ومحطة من محطات التصدع والانشقاق داخل الاحزاب وبوابة لتأجيج الصراعات وتفجير الخلافات وخلق الانقسامات وهو ما حصل مع حزب نداء تونس الذي وصل الى الحكم ولكن بعد ذلك انقرض تماما من المشهد السياسي.
ولعل انقراض الحزب الذي اكتسح الانتخابات وقتها رئاسيا وتشريعيا ثم اختفى من المشهد السياسي، يؤكد نوعية الاحزاب خاصة تلك التي برزت او تكونت بعد الثورة حيث أكدت التجربة أن هناك أحزابا مؤسسة على مرجعية فكرية ومشروع مجتمعي ووحدة تنظيمية واحزاب اخرى مؤسسة على مصالح أشخاص سرعان ما تنتهي بانتهاء تلك المصالح أو بتضاربها وهذه الاحزاب تحولت الى احزاب اللحظة سواء كانت لحظة سياسية او انتخابية والتي سرعان ما تختفي وتنطفئ بانتهاء الغرض منها كما حصل مع حزب النداء وقلب تونس وتحيا تونس والبديل وغيرها من الأحزاب.. وتصنّف هذه الأحزاب بأنها أحزاب التعبئة الجماهيرية التي لا تقوم على افكار او مشروع بل هي مجرد وسيلة للوصول الى السلطة ولذلك تفشل أو لا تسعى أبدا لإرساء هيكلة حزبية تصمد لسنوات.
مؤتمرات لتثبيت الزعيم..
تمنح المؤتمرات للأحزاب الشرعية والمشروعية السياسية وتعزز الثقة بين القيادة والقواعد ولكن السؤال هو هل ان المؤتمرات التي تقوم بها الاحزاب الوطنية والتي لا تحدث في الغالب تغييرات على مستوى القيادة حيث تنجح الشخصيات النافذة والمؤثرة في المحافظة على مكانتها في الواجهة سواء بسبب أن فكرة الحزب بالأساس تقوم على شخصية المؤسس أو الزعيم أو باعتبار أن القائد هو الشخصية التي تضمن التمويل للحزب..
منذ ايام عقد حزب آفاق تونس مؤتمره وفاز الرئيس الملتحق بالحزب منذ أشهر محمد الفاضل عبد الكافي بالرئاسة وبنسبة ناهزت 74 بالمائة من الاصوات امام قيادات كانت مؤسسة للحزب، والمثير واللافت للانتباه هو شعار هذا المؤتمر وهو "تونس تتبدل بجرة قلم" المقتبس من مقولة للرئيس الجديد كانت اثارت الكثير من الجدل وهو ما يعني ان حتى شعار الحزب كان في خدمة الرئيس الجديد ويدفع كل المؤتمرين إلى انتخابه! طبعا بعيدا عن منطق التنافس ومن هو الأفضل.
كما قرر أيضا حزب حركة مشروع تونس عقد مؤتمره يومي 19 و20 مارس 2022، وسيخصص المؤتمر لانتخاب الرئيس والمجلس المركزي، أو ما يتوافق مع الرؤية التنظيمية التي سيعتمدها المؤتمر، وفق البلاغ الصحفي للحزب.. خاصة وان حزب مشروع تونس والذي كان من اول الاحزاب التي انشقت عن نداء تونس ظل لسنوات تحت تصرف مؤسسه محسن مرزوق، ولعل المؤتمر القادم سيكون لتثبيت القيادة الحالية، وليس للتصحيح ومراجعة الخيارات السابقة، رغم الأداء الهزيل للحزب وتراجع إشعاعه السياسي.
الخوف من المؤتمرات..
منذ سنة تقريبا، وحركة النهضة تعيش على وقع خلافات حادة بسبب مؤتمرها المؤجل للعام الثاني على التوالي، واذا كان سبب التأجيل في البداية اقترن بظروف الجائحة الا ان اليوم سبب التأجيل هو خوف القيادة الحالية بزعامة راشد الغنوشي من أن تفقد امتيازاتها خاصة بعد الازمة الحادة التي انتهى إليها الحزب وجعلته يفقد مكانته في المشهد بالإضافة إلى الأزمة الداخلية وانشقاق اكثر من 100 عضو من الحركة وهو الامر الذي وصف عندها بالزلزال الذي ضرب الحركة في ذروة ازمتها السياسية.
ويؤكد جل المنشقين عن الحزب انه لم تكن هناك ممارسة ديمقراطية داخل الحركة، لأن بعض القرارات كانت تطبخ في الكواليس ويروّج انها اتخذت من خلال نقاشات مجلس الشورى وان ما يعرف بالشق الموالي للغنوشي، استفرد بالرأي وسار بالحركة في مسارات خاطئة..
ورغم ان عدد من قيادات الحركة الرافضة الانشقاق او نشر الغسيل الداخلي تؤكد ان النهضة وبعد كل ما مرّت به في الاشهر الاخيرة هي اليوم في مرحلة مراجعات وتأمل استعدادا لمؤتمرها، الا ان ذلك لا يخفي تمسك القيادة الحالية بامتيازاتها داخل الحزب ورفضها لكل الاصوات الداخلية المنتقدة والغاضبة وهو ما يجعل المؤتمر القادم مغامرة كبرى بالنسبة لها لأنه قد يأتي بما يريده راشد الغنوشي ومن معه.