إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ناجي جلول لـ"الصباح": التفاوت في نتائج الباكالوريا سببه الفقر والتفاوت التنموي.. وهذه رسالتي لوزيرة التربية

 

- سأعلن ترشحي للانتخابات الرئاسية حين توفر هذه الشروط

 تونس- الصباح

قال رئيس "حزب الإتلاف الوطني" ووزير التربية الأسبق ناجي جلول إن التفاوت في نتائج اختبارات الباكالوريا هو هيكلي ومرتبط بطبيعة المجتمع التونسي وبطبيعة منوال التنمية التونسي وبالاختيارات الاقتصادية المعتمدة منذ سنوات التسعينات..

واعتبر في حوار لـ"الصباح" أن التفاوت الصارخ في النتائج بين الجهات، سببه الرئيسي هو الدروس الخصوصية،.. وشدّد على أن المشكل يكمن في منظومة التعليم الابتدائي، التي يجب التركيز عليها في أي عملية الإصلاح، في حين أن بقية المراحل (الإعدادي والثانوي) فإن إصلاحها ليس بالأمر العسير.. داعيا إلى العودة إلى الحلول التي وردت بـ"الكتاب الأبيض"..

وكشف جلول أن حزبه رشحه للترشح للانتخابات الرئاسية، لكن إعلانه رسميا الترشح رهين توفر شرطين، الأول توضيح شروط الترشح وفق القانون الانتخابي والدستور، والثاني، تحديد موعد نهائي وواضح للانتخابات..، وفي ما يلي نص الحوار:

التقاه: رفيق بن عبد الله

*كيف تفسرون تفاوت نتائج مناظرة الباكالوريا بين الجهات على غرار هذه السنة؟

-التفاوت في نتائج مناظرة الباكالوريا بين الجهات الداخلية والجهات الساحلية، ليس أمرا جديدا، تقريبا اعتدنا على أن تأتي نتائج المناطق الواقعة في الساحل التونسي وصفاقس في طليعة ترتيب الجهات التي تحقق أفضل النتائج منذ تسعينات القرن الماضي..

شخصيا، أعتبره تفاوتا هيكليا وغير مرتبط بالضرورة بوزارة التربية، بل بأسباب وعوامل أخرى عديدة أهمها طبيعة المجتمع التونسي وطبيعة المنوال التنموي المتبع منذ التسعينات، وباختيارات اقتصادية، وأيضا نتيجة انتشار ثقافة الاستثمار في الأبناء، فالعائلة التونسية اليوم هي من تسعى إلى التميز والنجاح عبر الاستثمار في التعليم وخاصة في الباكالوريا وما بعدها..

وأيضا هناك عامل المناخ الثقافي السائد بعدد من الجهات الواقعة بالشمال الشرقي والشريط الساحلي، والذي يشجع على الإبداع والخلق، كالسينما، والمسرح، والموسيقى، عكس ما تعانيه الجهات الداخلية، من شبه تصحر ثقافي..

*هل توافق الرأي القائل بأن هذا التفاوت في النتائج له علاقة بالتفاوت التنموي بين الجهات؟

-طبعا، هناك سبب رئيسي هو الفقر، والتفاوت التنموي والاقتصادي بين الجهات ينعكس على نتائج الباكالوريا.. فولايات الداخل تعاني من الفقر ونقص التنمية، وانتشار الأميّة، والأهم أن كذبة التعليم العمومي انتهت..

*كيف ذلك والحال أن جل التلاميذ المتميزين أتموا تعليمهم في التعليم العمومي؟

-أنا أعتبر أن التفاوت الصارخ في النتائج بين الجهات، سببه الرئيسي هو الدروس الخصوصية، فأغلب الناجحين في الباكالوريا استفادوا من الدروس الخصوصية..، ومن عجز عن تمويلها من الصعب تحصيل نتائج متميزة..

فالمدرسة العمومية التي كانت تساهم في محاربة التفاوت الطبقي هي حاليا تسبب في تعميق التفاوت الطبقي، لاحظ أن هناك تناميا لظاهرة العنف في المؤسسات التربوية نتيجة لإحساس بالظلم والقهر والضيم.. واليوم أصبح لنا تعليم خاص داخل المدارس العمومية..

*هناك مبالغة أنت بصدد إعطاء صورة متشائمة عن قطاع التعليم في تونس؟

-سأعطيك بعض الأرقام والإحصائيات التي تؤكد أن التعليم في تونس في أزمة ويحتاج إلى إصلاحات هيكلية مرتبطة أشد الارتباط بمنوال التنمية، الذي أعتبره كارثيا ويجب تغييره.

مثلا هناك 15 بالمائة فقط من التونسيين ممن تحصلوا على الباكالوريا، وأغلبهم عاطلون عن العمل، و25.78 بالمائة من التونسيين لا تعليم لهم، أي يعانون من الأميّة، كما أن 29 بالمائة لم يتجاوزا التعليم الثانوي، و85 بالمائة من التونسيين لم يكملوا مرحلة التعليم الثانوي..

هذا الواقع، ينعكس على نتائج الباكالوريا التي لا تعكس المستوى الحقيقي للتلميذ التونسي ولا يجب أن تحجب مشاكل التونسيين.. وهي نتائج أعتبرها "مكياجا" من خلال المواد الاختيارية وبالدروس الخصوصية..

ووفق آخر تصنيف لتونس في التصنيف الدولي لتقييم التعليم "بيزا" لسنة 2015 (يضم 80 دولة) نحن في أسفل الترتيب (75) بالنسبة لمستوى التلاميذ في سن 15 سنة والذي يضم مؤشر القراءة، والرياضيات، والعلوم. إذ أن 72 بالمائة من تلاميذنا لا يجيدون قراءة اللغة العربية في حدها الأدنى، و75 بالمائة لا يجيدون الرياضيات في حدها الأدنى..

*من موقعكم كخبير ووزير تربية سابق أين ترى الخلل في منظومتنا التربوية؟

-أرى أن المشكل يكمن أساسا في منظومة التعليم ابتدائي، التي يجب التركيز عليها في عملية الإصلاح، في حين أن بقية المراحل (الإعدادي والثانوي) فإن إصلاحها ليس بالأمر العسير..

وإصلاح التعليم في تونس يتلخص في خمسة محاور كبرى هي: تطوير المناهج التربوية، القضاء على التشغيل الهش، الترفيع في أجور المدرسين، القضاء على الانتداب الاجتماعي، وتكوين المدرسين عبر آلية "الماجستير المهني".

لقد كنت أول من قام بإصلاح التعليم الابتدائي عبر إعادة مدارس تكوين المدرسين. وقمت بتشريك القطاع الخاص في ترميم المؤسسات التربوية وبناء مشاريع سكنية للإطار التربوي.. وأشرفت على إطلاق أول مشروع إصلاحي تشاركي لمنظومة التعليم في تونس سنة 2016، بدأنا بحوار وطني وأشركنا فيه الكل من إطار تربوي من مختلف المراحل التعليمية، وممثلي الأولياء، اتحاد الشغل، ومنظمات المجتمع المدني، أنتج الحوار عدة تقارير، منها "الكتاب الأبيض" الذي يشخص مشاكل المنظومة التربوية، ويقدم حلولا لها، كما أعددنا على ضوء الحوار، مشروع قانون توجيهي للتعليم..

*لماذا لم ينجح الإصلاح ولم ينفذ؟

-لقد وضعنا عصارة الحوار الوطني حول إصلاح التعليم، والمتمثل خاصة في مشروع القانون التوجيهي الجديد للتعليم، على مكتب يوسف الشاهد رئيس الحكومة الأسبق آنذاك، لكنه تجاهله ورفض إحالته على مجلس الوزراء، ثم إحالته على البرلمان..

*لماذا فعل ذلك؟

-لأنه كان لديه مشكل مع ناجي جلول..

*وهل توقف الأمر عند الكتاب الأبيض؟

-لا لقد انطلقنا في تجربة أخرى، فقد عملت، حين باشرت إدارة المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية سنة 2019، على إعداد دراسة حول إصلاح قطاع التربية في تونس، وهي دراسة أشرفت عليها وزيرة التربية الحالية السيدة سلوى العباسي، بصفتها خبيرة لدى المعهد، (متفقدة عامة للتعليم الثانوي) وساهمت في إنجاز "مدونة الإصلاحات الإستراتيجية الكبرى" في الباب المتعلق بقطاع التربية، وهي مدونة ممتازة ونتائجها منشورة بموقع المعهد وموجودة على مكتب رئيس الجمهورية قيس سعيد..

*ما هي رسالتكم لوزيرة التربية الحالية؟

-أدعو وزيرة التربية اليوم للمضي قدما في عملية الإصلاح، لديها فرصة تاريخية، فالطريق أمامها ممهدة وخالية من العراقيل، ولديها الحلول الممكنة لمباشرة الإصلاح، وهي حلول وردت في الكتاب الأبيض، كما شاركت في موضوع الإصلاح وتعرفه جيدا، من خلال الدراسة التي أشرفت على إنجازها.

أعتقد أنه يجب مواصلة إصلاح قطاع التعليم انطلاقا مما جاء في "الكتاب الأبيض"، ومما ورد في نتائج الدراسة التي قام بها معهد الدراسات الإستراتيجية.

*خضتم تجربة الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019، هل قررتم الترشح مجددا في الانتخابات المقررة قبل نهاية العام الحالي؟

-لقد رشحني حزبي في المؤتمر المنعقد بالمنستير يومي 4 و5 ماي 2024، لكن إعلان ترشحي رسميا سابق لأوانه.

*لماذا؟

-لأنه لا نعلم متى يتم تحديد موعد دقيق للانتخابات، كما أن شروط الترشح لم يتم توضيحها بعد من قبل الهيئة المستقلة للانتخابات. وقد أعلن عن ترشحي رسميا عندما يتم الإعلان عن موعد الانتخابات، وبعد الكشف عن شروط الترشح وفتح باب الترشّحات..، هناك غموض يكتنف الانتخابات الرئاسية..

*لكن رئيس الجمهورية أكد على أن الانتخابات ستجرى في موعدها؟

-وماذا يمنعه من تأكيد هذا الموعد وإعلان تاريخ واضح للانتخابات؟

*الدستور والقانون الانتخابي يمنحانه أجلا بثلاثة أشهر قبل إصدار الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين ليوم الاقتراع؟

-صحيح، لكن الوقت ينفد، فكيف يمكن للمرشحين المحتملين الاستعداد لخوض غمار الانتخابات وما يتطلبه ذلك من وقت وجهد والاستعداد المسبق للحملة الانتخابية، وخاصة توفير شروط الترشح التي تتطلب وقتا مثل التزكيات (الشعبية أو النيابية)، ولا يعلمون متى سيتم تنظيم هذه الانتخابات.

هناك غموض كبير يحيط بموعد الانتخابات وشروط الترشح لها، والروزنامة المفصلة المتعلقة بها، ما يخلق نوعا من التوتر والتوجس..

*وماذا تقترحون في هذا الشأن؟

-أقترح الإسراع بتحديد موعد للانتخابات وتوضيح شروط الترشح، والإفراج عن المساجين الراغبين في الترشح للرئاسية للسماح لهم بخوضها احتراما لمبدأ تكافؤ الفرص الوارد بالدستور.. وترك الأمر للتونسيين للاختيار والتصويت على الأجدر..

*هل ترى أن الأحزاب ما تزال قادرة على تأطير الحياة السياسية في البلاد؟

-لقد جرت شيطنة الأحزاب خلال الفترة الماضية، وذلك عبر خطاب إعلامي قزّم دورها وزاد في تهميشها..

جل بلدان العالم فيها أحزاب سواء انتهجت الديمقراطية أو غيرها، لقد حدثت ثورة في بلادنا، وقد كان للأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات ونقابات، دور طلائعي في تأطير الحراك الاجتماعي والثوري،.. أنظر مثلا ماذا حصل من وفوضى وحالة عدم استقرار في بعض البلدان التي ليس لها تجربة في المجال الحزبي والجمعياتي، مثل ليبيا..

أرى أن للأحزاب دور أساسي في تأطير الحياة السياسية، والدور السياسي في هذا الإطار يظل تثقيفيا وبيداغوجيا خاصة في توعية عموم الناس..

* لكن البعض يرى أن الأحزاب تنكرت لعهودها وساهمت أو تسببت في حصول أخطاء وتجاوزات كارثية خلال العشرية الماضية؟

-أنا أؤمن أن مستقبل الديمقراطية في البلاد هي الأحزاب. لذلك ترشحي للرئاسية سيكون من منطلق حزبي وليس فردي أو مستقل.

هناك أحزاب أخطأت وكلنا نتعلم من أخطائنا، والأحزاب تحتاج إلى عقود من الممارسة السياسية حتى تنضج، لماذا نحكم عليها بالفشل؟، الخطأ في شيطنة الأحزاب والجمعيات والنقابات..

*وهل برنامجك الانتخابي جاهز؟

-نعم هو موجود وعرضناه في المؤتمر السابق للحزب، وستقوم بعرض تفاصيله حين تحين الفرصة.

*ما هي خطوطه العريضة؟

لقد أعددنا مائة إجراء وضعناها مفصلة في كتيّب.. منها عشرة إجراءات اجتماعية واقتصادية جاهزة للتنفيذ بشكل فوري، ومرشح الحزب ملزم بتطبيقها في صورة فوزه بالانتخابات.. وعلى رأسها إقرار عفو تشريعي عام،.. والرفع في جرايات المتقاعدين، علما أن 500 ألف متقاعد يتقاضون أقل من الأجر الأدنى، فضلا عن الرفع من الأجر الأدنى المضمون إلى 300 أورو ما يعادل ألف دينار.

*لكن هذا الوعد يبدو غير واقعي ويتطلب توفر تمويلات ألا يمكن أن يكون له انعكاس مالي على الصناديق الاجتماعية؟

-بعض البلدان مثل المغرب والأردن رفعت في قيمة الأجر الأدنى واقتربت من معدل 300 أورو.. وهذا الأمر ممكن في تونس، ولن يساهم في تحطيم الاقتصاد بل في تحسين الدورة الاقتصادية في جميع المجالات..

*من أين ستأتي بالتمويل؟

-سنستأنس من التجربة الأيرلندية في الإصلاح الجبائي، وسنعمل على الخفض في نسب الجباية وتوسيع قاعدة المطالبين بالأداء من خلال دمج القطاع الموازي، ودمج البنوك العمومية، وبالتالي نضمن توفير موارد جديدة للدولة..

كما سنعمل على المدى المتوسط والبعيد على وضع منوال تنمية جديد يستلهم من التجربة الهندية ومن تجربة دولة سنغافورة.. من خلال إرجاع دور الدولة كقاطرة للتنمية، وحماية ثروات البلاد، من خلال منع تصدير منتجات المواد الخام والثروات الباطنية، قبل تصنيعها وتكريرها وتعليبها في تونس، مثل الفسفاط، وزيت زيتون، والجبس، ومواد البناء..

*وماذا عن الجانب السياسي والمؤسساتي؟

-سأعمل على العودة إلى دستور 2014 مع إدخال بعض التعديلات، مع الاكتفاء بغرفة تشريعية واحدة..

*كيف تتوقعون نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية؟

-أتوقع أنها ستكون مرتفعة، عكس المحطات الانتخابية السابقة، وأتوقع أن يكون هناك دور ثان للانتخابات الرئاسية، كما أن صوت الشباب سيكون حاسما في هذه الانتخابات..

من هو ناجي جلول؟

أستاذ جامعي في التاريخ الإسلامي، سياسي وقيادي سابق في "حركة نداء تونس".

ولد في 17 أكتوبر 1957 بالبقالطة من ولاية المنستير وتلقى دراسته الأولى في تونس ثم أكمل دراسته العليا في السوربون.

تحصل على الدكتوراه في الحضارة الإسلامية من جامعة السوربون وحاصل على التأهيل الجامعي عام 2000.

عضو مؤسس للجنة الوطنية للتاريخ العسكري وللمجلة التونسية للتاريخ العسكري.

شغل منصب وزير التربية في حكومة الحبيب الصيد وحكومة يوسف الشاهد من فيفري 2015 إلى أفريل 2017، ومدير بالمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية (سبتمبر 2017 – ديسمبر 2019)

لديه العديد من المؤلفات أهمها "التحصينات الساحلية لإيالة تونس في العهد العثماني" و"الرباطات البحرية بإفريقية في العصر الوسيط"، وعشرات المقالات حول التاريخ العسكري والتحصيّنات والمعاقل والمعارك في العصر الوسيط.

كان عضوا في المكتب السياسي لـ"الحزب الجمهوري" قبل أن يستقيل في سبتمبر 2013.

في فيفري 2014 أعلن ناجـي جلّـول عن انضمامه إلى "حركة نداء تونس" إلى أن استقال منها في جوان 2019.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ناجي جلول لـ"الصباح":  التفاوت في نتائج الباكالوريا سببه الفقر والتفاوت التنموي.. وهذه رسالتي لوزيرة التربية

 

- سأعلن ترشحي للانتخابات الرئاسية حين توفر هذه الشروط

 تونس- الصباح

قال رئيس "حزب الإتلاف الوطني" ووزير التربية الأسبق ناجي جلول إن التفاوت في نتائج اختبارات الباكالوريا هو هيكلي ومرتبط بطبيعة المجتمع التونسي وبطبيعة منوال التنمية التونسي وبالاختيارات الاقتصادية المعتمدة منذ سنوات التسعينات..

واعتبر في حوار لـ"الصباح" أن التفاوت الصارخ في النتائج بين الجهات، سببه الرئيسي هو الدروس الخصوصية،.. وشدّد على أن المشكل يكمن في منظومة التعليم الابتدائي، التي يجب التركيز عليها في أي عملية الإصلاح، في حين أن بقية المراحل (الإعدادي والثانوي) فإن إصلاحها ليس بالأمر العسير.. داعيا إلى العودة إلى الحلول التي وردت بـ"الكتاب الأبيض"..

وكشف جلول أن حزبه رشحه للترشح للانتخابات الرئاسية، لكن إعلانه رسميا الترشح رهين توفر شرطين، الأول توضيح شروط الترشح وفق القانون الانتخابي والدستور، والثاني، تحديد موعد نهائي وواضح للانتخابات..، وفي ما يلي نص الحوار:

التقاه: رفيق بن عبد الله

*كيف تفسرون تفاوت نتائج مناظرة الباكالوريا بين الجهات على غرار هذه السنة؟

-التفاوت في نتائج مناظرة الباكالوريا بين الجهات الداخلية والجهات الساحلية، ليس أمرا جديدا، تقريبا اعتدنا على أن تأتي نتائج المناطق الواقعة في الساحل التونسي وصفاقس في طليعة ترتيب الجهات التي تحقق أفضل النتائج منذ تسعينات القرن الماضي..

شخصيا، أعتبره تفاوتا هيكليا وغير مرتبط بالضرورة بوزارة التربية، بل بأسباب وعوامل أخرى عديدة أهمها طبيعة المجتمع التونسي وطبيعة المنوال التنموي المتبع منذ التسعينات، وباختيارات اقتصادية، وأيضا نتيجة انتشار ثقافة الاستثمار في الأبناء، فالعائلة التونسية اليوم هي من تسعى إلى التميز والنجاح عبر الاستثمار في التعليم وخاصة في الباكالوريا وما بعدها..

وأيضا هناك عامل المناخ الثقافي السائد بعدد من الجهات الواقعة بالشمال الشرقي والشريط الساحلي، والذي يشجع على الإبداع والخلق، كالسينما، والمسرح، والموسيقى، عكس ما تعانيه الجهات الداخلية، من شبه تصحر ثقافي..

*هل توافق الرأي القائل بأن هذا التفاوت في النتائج له علاقة بالتفاوت التنموي بين الجهات؟

-طبعا، هناك سبب رئيسي هو الفقر، والتفاوت التنموي والاقتصادي بين الجهات ينعكس على نتائج الباكالوريا.. فولايات الداخل تعاني من الفقر ونقص التنمية، وانتشار الأميّة، والأهم أن كذبة التعليم العمومي انتهت..

*كيف ذلك والحال أن جل التلاميذ المتميزين أتموا تعليمهم في التعليم العمومي؟

-أنا أعتبر أن التفاوت الصارخ في النتائج بين الجهات، سببه الرئيسي هو الدروس الخصوصية، فأغلب الناجحين في الباكالوريا استفادوا من الدروس الخصوصية..، ومن عجز عن تمويلها من الصعب تحصيل نتائج متميزة..

فالمدرسة العمومية التي كانت تساهم في محاربة التفاوت الطبقي هي حاليا تسبب في تعميق التفاوت الطبقي، لاحظ أن هناك تناميا لظاهرة العنف في المؤسسات التربوية نتيجة لإحساس بالظلم والقهر والضيم.. واليوم أصبح لنا تعليم خاص داخل المدارس العمومية..

*هناك مبالغة أنت بصدد إعطاء صورة متشائمة عن قطاع التعليم في تونس؟

-سأعطيك بعض الأرقام والإحصائيات التي تؤكد أن التعليم في تونس في أزمة ويحتاج إلى إصلاحات هيكلية مرتبطة أشد الارتباط بمنوال التنمية، الذي أعتبره كارثيا ويجب تغييره.

مثلا هناك 15 بالمائة فقط من التونسيين ممن تحصلوا على الباكالوريا، وأغلبهم عاطلون عن العمل، و25.78 بالمائة من التونسيين لا تعليم لهم، أي يعانون من الأميّة، كما أن 29 بالمائة لم يتجاوزا التعليم الثانوي، و85 بالمائة من التونسيين لم يكملوا مرحلة التعليم الثانوي..

هذا الواقع، ينعكس على نتائج الباكالوريا التي لا تعكس المستوى الحقيقي للتلميذ التونسي ولا يجب أن تحجب مشاكل التونسيين.. وهي نتائج أعتبرها "مكياجا" من خلال المواد الاختيارية وبالدروس الخصوصية..

ووفق آخر تصنيف لتونس في التصنيف الدولي لتقييم التعليم "بيزا" لسنة 2015 (يضم 80 دولة) نحن في أسفل الترتيب (75) بالنسبة لمستوى التلاميذ في سن 15 سنة والذي يضم مؤشر القراءة، والرياضيات، والعلوم. إذ أن 72 بالمائة من تلاميذنا لا يجيدون قراءة اللغة العربية في حدها الأدنى، و75 بالمائة لا يجيدون الرياضيات في حدها الأدنى..

*من موقعكم كخبير ووزير تربية سابق أين ترى الخلل في منظومتنا التربوية؟

-أرى أن المشكل يكمن أساسا في منظومة التعليم ابتدائي، التي يجب التركيز عليها في عملية الإصلاح، في حين أن بقية المراحل (الإعدادي والثانوي) فإن إصلاحها ليس بالأمر العسير..

وإصلاح التعليم في تونس يتلخص في خمسة محاور كبرى هي: تطوير المناهج التربوية، القضاء على التشغيل الهش، الترفيع في أجور المدرسين، القضاء على الانتداب الاجتماعي، وتكوين المدرسين عبر آلية "الماجستير المهني".

لقد كنت أول من قام بإصلاح التعليم الابتدائي عبر إعادة مدارس تكوين المدرسين. وقمت بتشريك القطاع الخاص في ترميم المؤسسات التربوية وبناء مشاريع سكنية للإطار التربوي.. وأشرفت على إطلاق أول مشروع إصلاحي تشاركي لمنظومة التعليم في تونس سنة 2016، بدأنا بحوار وطني وأشركنا فيه الكل من إطار تربوي من مختلف المراحل التعليمية، وممثلي الأولياء، اتحاد الشغل، ومنظمات المجتمع المدني، أنتج الحوار عدة تقارير، منها "الكتاب الأبيض" الذي يشخص مشاكل المنظومة التربوية، ويقدم حلولا لها، كما أعددنا على ضوء الحوار، مشروع قانون توجيهي للتعليم..

*لماذا لم ينجح الإصلاح ولم ينفذ؟

-لقد وضعنا عصارة الحوار الوطني حول إصلاح التعليم، والمتمثل خاصة في مشروع القانون التوجيهي الجديد للتعليم، على مكتب يوسف الشاهد رئيس الحكومة الأسبق آنذاك، لكنه تجاهله ورفض إحالته على مجلس الوزراء، ثم إحالته على البرلمان..

*لماذا فعل ذلك؟

-لأنه كان لديه مشكل مع ناجي جلول..

*وهل توقف الأمر عند الكتاب الأبيض؟

-لا لقد انطلقنا في تجربة أخرى، فقد عملت، حين باشرت إدارة المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية سنة 2019، على إعداد دراسة حول إصلاح قطاع التربية في تونس، وهي دراسة أشرفت عليها وزيرة التربية الحالية السيدة سلوى العباسي، بصفتها خبيرة لدى المعهد، (متفقدة عامة للتعليم الثانوي) وساهمت في إنجاز "مدونة الإصلاحات الإستراتيجية الكبرى" في الباب المتعلق بقطاع التربية، وهي مدونة ممتازة ونتائجها منشورة بموقع المعهد وموجودة على مكتب رئيس الجمهورية قيس سعيد..

*ما هي رسالتكم لوزيرة التربية الحالية؟

-أدعو وزيرة التربية اليوم للمضي قدما في عملية الإصلاح، لديها فرصة تاريخية، فالطريق أمامها ممهدة وخالية من العراقيل، ولديها الحلول الممكنة لمباشرة الإصلاح، وهي حلول وردت في الكتاب الأبيض، كما شاركت في موضوع الإصلاح وتعرفه جيدا، من خلال الدراسة التي أشرفت على إنجازها.

أعتقد أنه يجب مواصلة إصلاح قطاع التعليم انطلاقا مما جاء في "الكتاب الأبيض"، ومما ورد في نتائج الدراسة التي قام بها معهد الدراسات الإستراتيجية.

*خضتم تجربة الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019، هل قررتم الترشح مجددا في الانتخابات المقررة قبل نهاية العام الحالي؟

-لقد رشحني حزبي في المؤتمر المنعقد بالمنستير يومي 4 و5 ماي 2024، لكن إعلان ترشحي رسميا سابق لأوانه.

*لماذا؟

-لأنه لا نعلم متى يتم تحديد موعد دقيق للانتخابات، كما أن شروط الترشح لم يتم توضيحها بعد من قبل الهيئة المستقلة للانتخابات. وقد أعلن عن ترشحي رسميا عندما يتم الإعلان عن موعد الانتخابات، وبعد الكشف عن شروط الترشح وفتح باب الترشّحات..، هناك غموض يكتنف الانتخابات الرئاسية..

*لكن رئيس الجمهورية أكد على أن الانتخابات ستجرى في موعدها؟

-وماذا يمنعه من تأكيد هذا الموعد وإعلان تاريخ واضح للانتخابات؟

*الدستور والقانون الانتخابي يمنحانه أجلا بثلاثة أشهر قبل إصدار الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين ليوم الاقتراع؟

-صحيح، لكن الوقت ينفد، فكيف يمكن للمرشحين المحتملين الاستعداد لخوض غمار الانتخابات وما يتطلبه ذلك من وقت وجهد والاستعداد المسبق للحملة الانتخابية، وخاصة توفير شروط الترشح التي تتطلب وقتا مثل التزكيات (الشعبية أو النيابية)، ولا يعلمون متى سيتم تنظيم هذه الانتخابات.

هناك غموض كبير يحيط بموعد الانتخابات وشروط الترشح لها، والروزنامة المفصلة المتعلقة بها، ما يخلق نوعا من التوتر والتوجس..

*وماذا تقترحون في هذا الشأن؟

-أقترح الإسراع بتحديد موعد للانتخابات وتوضيح شروط الترشح، والإفراج عن المساجين الراغبين في الترشح للرئاسية للسماح لهم بخوضها احتراما لمبدأ تكافؤ الفرص الوارد بالدستور.. وترك الأمر للتونسيين للاختيار والتصويت على الأجدر..

*هل ترى أن الأحزاب ما تزال قادرة على تأطير الحياة السياسية في البلاد؟

-لقد جرت شيطنة الأحزاب خلال الفترة الماضية، وذلك عبر خطاب إعلامي قزّم دورها وزاد في تهميشها..

جل بلدان العالم فيها أحزاب سواء انتهجت الديمقراطية أو غيرها، لقد حدثت ثورة في بلادنا، وقد كان للأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات ونقابات، دور طلائعي في تأطير الحراك الاجتماعي والثوري،.. أنظر مثلا ماذا حصل من وفوضى وحالة عدم استقرار في بعض البلدان التي ليس لها تجربة في المجال الحزبي والجمعياتي، مثل ليبيا..

أرى أن للأحزاب دور أساسي في تأطير الحياة السياسية، والدور السياسي في هذا الإطار يظل تثقيفيا وبيداغوجيا خاصة في توعية عموم الناس..

* لكن البعض يرى أن الأحزاب تنكرت لعهودها وساهمت أو تسببت في حصول أخطاء وتجاوزات كارثية خلال العشرية الماضية؟

-أنا أؤمن أن مستقبل الديمقراطية في البلاد هي الأحزاب. لذلك ترشحي للرئاسية سيكون من منطلق حزبي وليس فردي أو مستقل.

هناك أحزاب أخطأت وكلنا نتعلم من أخطائنا، والأحزاب تحتاج إلى عقود من الممارسة السياسية حتى تنضج، لماذا نحكم عليها بالفشل؟، الخطأ في شيطنة الأحزاب والجمعيات والنقابات..

*وهل برنامجك الانتخابي جاهز؟

-نعم هو موجود وعرضناه في المؤتمر السابق للحزب، وستقوم بعرض تفاصيله حين تحين الفرصة.

*ما هي خطوطه العريضة؟

لقد أعددنا مائة إجراء وضعناها مفصلة في كتيّب.. منها عشرة إجراءات اجتماعية واقتصادية جاهزة للتنفيذ بشكل فوري، ومرشح الحزب ملزم بتطبيقها في صورة فوزه بالانتخابات.. وعلى رأسها إقرار عفو تشريعي عام،.. والرفع في جرايات المتقاعدين، علما أن 500 ألف متقاعد يتقاضون أقل من الأجر الأدنى، فضلا عن الرفع من الأجر الأدنى المضمون إلى 300 أورو ما يعادل ألف دينار.

*لكن هذا الوعد يبدو غير واقعي ويتطلب توفر تمويلات ألا يمكن أن يكون له انعكاس مالي على الصناديق الاجتماعية؟

-بعض البلدان مثل المغرب والأردن رفعت في قيمة الأجر الأدنى واقتربت من معدل 300 أورو.. وهذا الأمر ممكن في تونس، ولن يساهم في تحطيم الاقتصاد بل في تحسين الدورة الاقتصادية في جميع المجالات..

*من أين ستأتي بالتمويل؟

-سنستأنس من التجربة الأيرلندية في الإصلاح الجبائي، وسنعمل على الخفض في نسب الجباية وتوسيع قاعدة المطالبين بالأداء من خلال دمج القطاع الموازي، ودمج البنوك العمومية، وبالتالي نضمن توفير موارد جديدة للدولة..

كما سنعمل على المدى المتوسط والبعيد على وضع منوال تنمية جديد يستلهم من التجربة الهندية ومن تجربة دولة سنغافورة.. من خلال إرجاع دور الدولة كقاطرة للتنمية، وحماية ثروات البلاد، من خلال منع تصدير منتجات المواد الخام والثروات الباطنية، قبل تصنيعها وتكريرها وتعليبها في تونس، مثل الفسفاط، وزيت زيتون، والجبس، ومواد البناء..

*وماذا عن الجانب السياسي والمؤسساتي؟

-سأعمل على العودة إلى دستور 2014 مع إدخال بعض التعديلات، مع الاكتفاء بغرفة تشريعية واحدة..

*كيف تتوقعون نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية؟

-أتوقع أنها ستكون مرتفعة، عكس المحطات الانتخابية السابقة، وأتوقع أن يكون هناك دور ثان للانتخابات الرئاسية، كما أن صوت الشباب سيكون حاسما في هذه الانتخابات..

من هو ناجي جلول؟

أستاذ جامعي في التاريخ الإسلامي، سياسي وقيادي سابق في "حركة نداء تونس".

ولد في 17 أكتوبر 1957 بالبقالطة من ولاية المنستير وتلقى دراسته الأولى في تونس ثم أكمل دراسته العليا في السوربون.

تحصل على الدكتوراه في الحضارة الإسلامية من جامعة السوربون وحاصل على التأهيل الجامعي عام 2000.

عضو مؤسس للجنة الوطنية للتاريخ العسكري وللمجلة التونسية للتاريخ العسكري.

شغل منصب وزير التربية في حكومة الحبيب الصيد وحكومة يوسف الشاهد من فيفري 2015 إلى أفريل 2017، ومدير بالمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية (سبتمبر 2017 – ديسمبر 2019)

لديه العديد من المؤلفات أهمها "التحصينات الساحلية لإيالة تونس في العهد العثماني" و"الرباطات البحرية بإفريقية في العصر الوسيط"، وعشرات المقالات حول التاريخ العسكري والتحصيّنات والمعاقل والمعارك في العصر الوسيط.

كان عضوا في المكتب السياسي لـ"الحزب الجمهوري" قبل أن يستقيل في سبتمبر 2013.

في فيفري 2014 أعلن ناجـي جلّـول عن انضمامه إلى "حركة نداء تونس" إلى أن استقال منها في جوان 2019.