لم تكن سنة 2023 بالنسبة للأحزاب السياسية في تونس والعمل الحزبي والسياسي بشكل عام أفضل من سابقتها من حيث تواصل تراجع دورها وانحسار حضورها في الحياة اليومية للتونسيين خاصة بعد تخلي الشارع التونسي عن مساندتها أو التعاطف معها وفقدانه الثقة في قدرتها على تغيير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، مع بقاء دائرة المشاركة والنشاط الحزبيين تقريبا في دائرة ضيفة من الأنصار وهو أمر يسري سواء على المعارضة التي تلقت ضربات موجعة منذ 25 جويلية 2021، أو تلك التي تدعم مسار رئيس الجمهورية قيس سعيد..
وتعكس نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت يوم 24 ديسمبر 2023، ذروة عزوف الناخبين التونسيين عن التصويت مقارنة بمحطات انتخابية سابقة، وهي نسبة تعبّر وبالأساس عن تواصل فقدان ثقة التونسيين في الشأن الانتخابي والسياسي وفي النخب السياسية والحزبية بشكل عام بدأت ملامحها تتشكل بشكل تدريجي منذ سنوات وتحديدا خلال الانتخابات البلدية التي جرت في ماي من سنة 2018.
عموما، عرفت سنة 2023، أحداثا ساهمت في مزيد إضعاف دور الأحزاب السياسية وفقدانها لعنصر الضغط وورقة الهيمنة على الشارع والتأثير فيه، مقابل نجاح محاولات تقزيم حضورها الذي بدأ يخفت شيئا فشيئا واقتصر تواجدها في بعض المناسبات والأعياد الوطنية مثل ذكرى 14 جانفي، وذكرى الاستقلال، ويوم عيد الجمهورية في شكل مسيرات ومظاهرات ضعيفة المشاركة والتأثير مقارنة بالسنوات الماضية..، أو في شكل إصدار بيانات حزبية أو تصريحات إعلامية..
ويمكن توزيع تلك الأحداث التي طبعت الحياة السياسية في تونس خلال سنة 2023، بين ثلاثة عوامل مؤثرة ساهمت جلها في تكريس حالة الجمود والشلل.. وهي العامل القضائي، ثم العامل الانتخابي، وأخيرا العامل السياسي.
قيادات حزبية وسياسية خلف القضبان
في ما يتعلق بالعامل الأول، تميزت سنة 2023 بإثارة أكبر قضية ذات خلفية سياسية على اعتبار حجم القيادات الحزبية والسياسية التي تم إيقافها وإيداعها بالسجن منذ بداية السنة وتحديدا خلال شهر مارس من نفس السنة، في ما بات يعرف بقضية "التآمر على الدولة".
وانطلقت الإيقافات في 11 فيفري 2023، وشملت إيقاف 17 من النشطاء السياسيين والقيادات الحزبية. وبين 22 و23 من نفس الشهر، أذنت النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بالاحتفاظ بقيادات من مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" وهم عصام الشابي وشيماء عيسى وجوهر بن مبارك..
هذه القضية التي ما تزال سارية المفعول وتوسعت دائرة المتهمين فيها، تمثل أكبر ضربة موجعة تلقتها أكبر أحزاب المعارضة ومنها حركة النهضة، والتيار الديمقراطي، والحزب الجمهوري وغيرها من الأحزاب، وفقدت على إثرها جانبا كبيرا من قدرتها على المناورة والتأثير خاصة بعد توقيف معظم قياداتها..
كما شهدت نفس السنة وفي وقت لاحق وتحديدا بتاريخ 4 أكتوبر 2023 إيقاف رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، وهو الحدث الذي ساهم في إضعاف حضور الحزب نسبيا بالفضاء العام وهو الحزب المعارض الوحيد الذي بقي يحتفظ بجزء مهم من أنصاره ويشهد تواترا في نشاطه الحزبي والسياسي المعارض لتوجهات مسار 25 جويلية، ومرشحا قويا لمنافسة زعيمته على منصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة مبدئيا في أكتوبر 2024.
وأوقفت رئيسة حزب الدستوري الحر من أمام القصر الرئاسي بقرطاج، عندما كانت بصدد معاينة رفض مكتب الضبط تسلّم مطلب متعلق بالطعن في أوامر رئاسية ووجهت لها تهم تعلقت بـ"تعطيل حرّية العمل ومعالجة معطيات شخصيّة دون إذن صاحبها، والاعتداء المقصود به الهرج بالبلاد التونسية"..
تعليق نشاط أحزاب بسبب شبهات فساد
وفي ثاني أكبر ضربة موجعة تتلقاها الأحزاب التونسية في شكلها التقليدي، شهدت سنة 2023، تعليق نشاط نحو 100 حزب سياسي بتهمة تعلقت بشبهات مالية وتهم متعلقة بالفساد، وساهم هذا الإجراء الذي عجزت حكومات سابقة عن تنفيذه، في رسم صورة نمطية سلبية وقاتمة لدى الرأي العام عن النشاط الحزبي والسياسي بشكل عام.
وكانت مديرة ديوان رئيس الحكومة، سامية الشرفي، قد كشفت خلال جلسة استماع عقدت في ديسمبر الحالي بالبرلمان، إن الحكومة بادرت بالتنبيه على 150 حزبا، بخصوص توضيح أوضاعها المالية، وأصدرت الجهات القضائية أحكاما بتعليق نشاط 97 حزبا بعد الشروع في تتبع الأحزاب لتي لم تقدم تقاريرها المالية منذ سنة 2018. وأشارت الشرفي إلى أن "أحكاما صدرت تتعلق بحل 15 حزبا، في حين حل 14 حزبا نفسه بنفسه بين 2020 و2022، في إطار عمل الحكومة على تكريس الشفافية المالية وحماية الأحزاب من المال الفاسد والمشبوه".
محاولات رأب الصدع ورص الصفوف
من حيث العامل السياسي، عرفت جل الأحزاب السياسية من مختلف العائلات والتوجهات السياسية من اليمين أو اليسار، وفي مختلف الحقب الزمنية انقسامات داخلية في صفوفها، وحاولت بعض الأحزاب خلال سنة 2023 إعادة التموقع ورص الصفوف وإعادة التواجد في الشارع وكسب ثقته المفقودة، أو في المنابر الوطنية، من خلال عقد مؤتمراتها وتجديد قياداتها الحزبية، أو من خلال تجديد خطاب المعارضة والانتقاد الحاد للسلطة الحالية، أو العكس بالنسبة لبعض الأحزاب المساندة لمسار 25 جويلية التي يحاول بعضها التواجد في الساحة السياسية مستغلة تمثيليتها في البرلمان (حركة الشعب، حزب حراك 25 جويلية..)
ومن أبرز الأحزاب التي حاولت تجديد قياداتها حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي فشل في الحفاظ على وحدته وانقسم إلى شقين، شق معارض بزعامة زياد الأخضر، وشق مساند لمسار 25 جويلية بقيادة النشاط منجي الرحوي، وذلك خلال مؤتمره المنعقد خلال الفترة من 28 إلى 30 أفريل 2023.
ورغم محاولة إنقاذ وزنها السياسي ولملمة جروحها السياسية، فشلت حركة النهضة في عقد مؤتمرها الذي كان مقررا خلال شهر أكتوبر الماضي، وذلك بعد تأجيله بقرار من مجلس الشورى، خاصة بعد أن تم إيقاف معظم قياداته التاريخية، أبرزهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، وملاحقتهم قضائيا، وبعد إيقاف نائب رئيس الحركة منذر الونيسي بمعية عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى في 5 سبتمبر الماضي بعد تسريب صوتي منسوب إلى رئيس الحركة المؤقت منذر الونيسي في حوار إعلامي تحدث فيه عن فساد داخل الحركة، فضلا عن وجود تكتلات وصراع مواقع.
من الأحزاب المعارضة الأخرى التي عقدت مؤتمرها الوطني التيار الديمقراطي الذي عقد مؤتمره في 28 أفريل 2023، وانتخب رئيس جديد (نبيل الحاجي) خلفا لرئيسه السابق غازي الشواشي الذي تم إيقافه في قضية التآمر على أمن الدولة، أو حزب آفاق تونس الذي عقد مؤتمرا استثنائيا قبل أيام (10 ديسمبر الماضي) وانتخب ريم محجوب رئيسة للحزب خلفا لفاضل عبد الكافي الذي قدم استقالته في وقت سابق...
ورغم محاولات التشكل في جبهات سياسية معارضة (مثل تجربة الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية المكونة من أحزاب التكتل الديقراطي، التيار، القطب، وحزب العمال، أو جبهة الخلاص الوطني التي تضم أربعة أحزاب سياسية أبرزها حركة النهضة..) تواصلت خلال سنة 2023 الانقسامات والاختلافات الداخلية بين الأحزاب المكونة لتلك الجبهات أو داخل تلك الأحزاب نفسها..
مقاطعة سياسية وعزوف انتخابي..
أما العامل الثالث الذي ساهم في إضعاف حضور الأحزاب السياسية في الشارع التونسي، هو عامل المشاركة في الشأن الانتخابي.
فقد شهدت سنة 2023 حدثين انتخابيين، الأول هو الدور الثاني من الانتخابات التشريعية التي أفرزت البرلمان الحالي برئاسة عبد المجيد بودربالة، والحدث الثاني هو انتخابات المجالس المحلية، وفي كلا المحطتين، تمسكت العارضة بمقاطعتهما وعدم المشاركة فيهما، فيما اكتفت بعض الأحزاب المساندة لمسار 25 جويلية بالمشاركة فيها بصفة مباشرة مثل الأحزاب الجديدة وليدة ما بعد 25 جويلية 2021، أو بصفة غير مباشرة مثل حركة الشعب والتيار الشعبي..
ومثلت المحطات الانتخابية خلال سنة 2023 في الواقع مواصلة استكمال لمشروع الرئيس قيس سعيد في ما بات يعرف بمشروع البناء القاعدي، وهو الذي عرف بأخذ مسافة عن الأحزاب السياسية..
لكن أهم ميزة في الانتخابات تسجيلها لنسب مشاركة ضعيفة قياسية من حيث عدد المقترعين. ولم تتجاوز في كلتا المحطتين حاجز الـ12 بالمائة من مجموع الناخبين. ما يمثل دليلا على حالة اليأس التي غمرت التونسيين من الطبقة السياسية وتكريسا لحالة القطيعة التي بدأت ملامحها تبرز في محطات انتخابية سابقة خاصة في انتخابات أكتوبر 2019 وما بعدها..
وتمثل حالة العزوف الانتخابي أبرز حدث يمكن أن تكون له تداعيات على بقية المحطات الانتخابية المقبلة، وخاصة الانتخابات الرئاسية، وتعكس أيضا حالة الرفض ضد طبقة سياسية نشأت خلال عشرية ما بعد 2011، بسبب فشلها لا فقط في تحقيق الحد الأدنى من وعود انتخابية فضفاضة وغير واقعية في التنمية والرقي الاقتصادي والاجتماعي، بل أيضا عجز جلها عن تطبيق مبادئ وقيم طالما تعهدت بها مثل الحوكمة والشفافية والمساءلة والعمل الديمقراطي السليم صلب هياكلها الداخلية وطرق تسييرها وإدارتها والتصرف في مواردها المالية..
رفيق بن عبد الله
تونس- الصباح
لم تكن سنة 2023 بالنسبة للأحزاب السياسية في تونس والعمل الحزبي والسياسي بشكل عام أفضل من سابقتها من حيث تواصل تراجع دورها وانحسار حضورها في الحياة اليومية للتونسيين خاصة بعد تخلي الشارع التونسي عن مساندتها أو التعاطف معها وفقدانه الثقة في قدرتها على تغيير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، مع بقاء دائرة المشاركة والنشاط الحزبيين تقريبا في دائرة ضيفة من الأنصار وهو أمر يسري سواء على المعارضة التي تلقت ضربات موجعة منذ 25 جويلية 2021، أو تلك التي تدعم مسار رئيس الجمهورية قيس سعيد..
وتعكس نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت يوم 24 ديسمبر 2023، ذروة عزوف الناخبين التونسيين عن التصويت مقارنة بمحطات انتخابية سابقة، وهي نسبة تعبّر وبالأساس عن تواصل فقدان ثقة التونسيين في الشأن الانتخابي والسياسي وفي النخب السياسية والحزبية بشكل عام بدأت ملامحها تتشكل بشكل تدريجي منذ سنوات وتحديدا خلال الانتخابات البلدية التي جرت في ماي من سنة 2018.
عموما، عرفت سنة 2023، أحداثا ساهمت في مزيد إضعاف دور الأحزاب السياسية وفقدانها لعنصر الضغط وورقة الهيمنة على الشارع والتأثير فيه، مقابل نجاح محاولات تقزيم حضورها الذي بدأ يخفت شيئا فشيئا واقتصر تواجدها في بعض المناسبات والأعياد الوطنية مثل ذكرى 14 جانفي، وذكرى الاستقلال، ويوم عيد الجمهورية في شكل مسيرات ومظاهرات ضعيفة المشاركة والتأثير مقارنة بالسنوات الماضية..، أو في شكل إصدار بيانات حزبية أو تصريحات إعلامية..
ويمكن توزيع تلك الأحداث التي طبعت الحياة السياسية في تونس خلال سنة 2023، بين ثلاثة عوامل مؤثرة ساهمت جلها في تكريس حالة الجمود والشلل.. وهي العامل القضائي، ثم العامل الانتخابي، وأخيرا العامل السياسي.
قيادات حزبية وسياسية خلف القضبان
في ما يتعلق بالعامل الأول، تميزت سنة 2023 بإثارة أكبر قضية ذات خلفية سياسية على اعتبار حجم القيادات الحزبية والسياسية التي تم إيقافها وإيداعها بالسجن منذ بداية السنة وتحديدا خلال شهر مارس من نفس السنة، في ما بات يعرف بقضية "التآمر على الدولة".
وانطلقت الإيقافات في 11 فيفري 2023، وشملت إيقاف 17 من النشطاء السياسيين والقيادات الحزبية. وبين 22 و23 من نفس الشهر، أذنت النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بالاحتفاظ بقيادات من مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" وهم عصام الشابي وشيماء عيسى وجوهر بن مبارك..
هذه القضية التي ما تزال سارية المفعول وتوسعت دائرة المتهمين فيها، تمثل أكبر ضربة موجعة تلقتها أكبر أحزاب المعارضة ومنها حركة النهضة، والتيار الديمقراطي، والحزب الجمهوري وغيرها من الأحزاب، وفقدت على إثرها جانبا كبيرا من قدرتها على المناورة والتأثير خاصة بعد توقيف معظم قياداتها..
كما شهدت نفس السنة وفي وقت لاحق وتحديدا بتاريخ 4 أكتوبر 2023 إيقاف رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، وهو الحدث الذي ساهم في إضعاف حضور الحزب نسبيا بالفضاء العام وهو الحزب المعارض الوحيد الذي بقي يحتفظ بجزء مهم من أنصاره ويشهد تواترا في نشاطه الحزبي والسياسي المعارض لتوجهات مسار 25 جويلية، ومرشحا قويا لمنافسة زعيمته على منصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة مبدئيا في أكتوبر 2024.
وأوقفت رئيسة حزب الدستوري الحر من أمام القصر الرئاسي بقرطاج، عندما كانت بصدد معاينة رفض مكتب الضبط تسلّم مطلب متعلق بالطعن في أوامر رئاسية ووجهت لها تهم تعلقت بـ"تعطيل حرّية العمل ومعالجة معطيات شخصيّة دون إذن صاحبها، والاعتداء المقصود به الهرج بالبلاد التونسية"..
تعليق نشاط أحزاب بسبب شبهات فساد
وفي ثاني أكبر ضربة موجعة تتلقاها الأحزاب التونسية في شكلها التقليدي، شهدت سنة 2023، تعليق نشاط نحو 100 حزب سياسي بتهمة تعلقت بشبهات مالية وتهم متعلقة بالفساد، وساهم هذا الإجراء الذي عجزت حكومات سابقة عن تنفيذه، في رسم صورة نمطية سلبية وقاتمة لدى الرأي العام عن النشاط الحزبي والسياسي بشكل عام.
وكانت مديرة ديوان رئيس الحكومة، سامية الشرفي، قد كشفت خلال جلسة استماع عقدت في ديسمبر الحالي بالبرلمان، إن الحكومة بادرت بالتنبيه على 150 حزبا، بخصوص توضيح أوضاعها المالية، وأصدرت الجهات القضائية أحكاما بتعليق نشاط 97 حزبا بعد الشروع في تتبع الأحزاب لتي لم تقدم تقاريرها المالية منذ سنة 2018. وأشارت الشرفي إلى أن "أحكاما صدرت تتعلق بحل 15 حزبا، في حين حل 14 حزبا نفسه بنفسه بين 2020 و2022، في إطار عمل الحكومة على تكريس الشفافية المالية وحماية الأحزاب من المال الفاسد والمشبوه".
محاولات رأب الصدع ورص الصفوف
من حيث العامل السياسي، عرفت جل الأحزاب السياسية من مختلف العائلات والتوجهات السياسية من اليمين أو اليسار، وفي مختلف الحقب الزمنية انقسامات داخلية في صفوفها، وحاولت بعض الأحزاب خلال سنة 2023 إعادة التموقع ورص الصفوف وإعادة التواجد في الشارع وكسب ثقته المفقودة، أو في المنابر الوطنية، من خلال عقد مؤتمراتها وتجديد قياداتها الحزبية، أو من خلال تجديد خطاب المعارضة والانتقاد الحاد للسلطة الحالية، أو العكس بالنسبة لبعض الأحزاب المساندة لمسار 25 جويلية التي يحاول بعضها التواجد في الساحة السياسية مستغلة تمثيليتها في البرلمان (حركة الشعب، حزب حراك 25 جويلية..)
ومن أبرز الأحزاب التي حاولت تجديد قياداتها حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي فشل في الحفاظ على وحدته وانقسم إلى شقين، شق معارض بزعامة زياد الأخضر، وشق مساند لمسار 25 جويلية بقيادة النشاط منجي الرحوي، وذلك خلال مؤتمره المنعقد خلال الفترة من 28 إلى 30 أفريل 2023.
ورغم محاولة إنقاذ وزنها السياسي ولملمة جروحها السياسية، فشلت حركة النهضة في عقد مؤتمرها الذي كان مقررا خلال شهر أكتوبر الماضي، وذلك بعد تأجيله بقرار من مجلس الشورى، خاصة بعد أن تم إيقاف معظم قياداته التاريخية، أبرزهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، وملاحقتهم قضائيا، وبعد إيقاف نائب رئيس الحركة منذر الونيسي بمعية عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى في 5 سبتمبر الماضي بعد تسريب صوتي منسوب إلى رئيس الحركة المؤقت منذر الونيسي في حوار إعلامي تحدث فيه عن فساد داخل الحركة، فضلا عن وجود تكتلات وصراع مواقع.
من الأحزاب المعارضة الأخرى التي عقدت مؤتمرها الوطني التيار الديمقراطي الذي عقد مؤتمره في 28 أفريل 2023، وانتخب رئيس جديد (نبيل الحاجي) خلفا لرئيسه السابق غازي الشواشي الذي تم إيقافه في قضية التآمر على أمن الدولة، أو حزب آفاق تونس الذي عقد مؤتمرا استثنائيا قبل أيام (10 ديسمبر الماضي) وانتخب ريم محجوب رئيسة للحزب خلفا لفاضل عبد الكافي الذي قدم استقالته في وقت سابق...
ورغم محاولات التشكل في جبهات سياسية معارضة (مثل تجربة الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية المكونة من أحزاب التكتل الديقراطي، التيار، القطب، وحزب العمال، أو جبهة الخلاص الوطني التي تضم أربعة أحزاب سياسية أبرزها حركة النهضة..) تواصلت خلال سنة 2023 الانقسامات والاختلافات الداخلية بين الأحزاب المكونة لتلك الجبهات أو داخل تلك الأحزاب نفسها..
مقاطعة سياسية وعزوف انتخابي..
أما العامل الثالث الذي ساهم في إضعاف حضور الأحزاب السياسية في الشارع التونسي، هو عامل المشاركة في الشأن الانتخابي.
فقد شهدت سنة 2023 حدثين انتخابيين، الأول هو الدور الثاني من الانتخابات التشريعية التي أفرزت البرلمان الحالي برئاسة عبد المجيد بودربالة، والحدث الثاني هو انتخابات المجالس المحلية، وفي كلا المحطتين، تمسكت العارضة بمقاطعتهما وعدم المشاركة فيهما، فيما اكتفت بعض الأحزاب المساندة لمسار 25 جويلية بالمشاركة فيها بصفة مباشرة مثل الأحزاب الجديدة وليدة ما بعد 25 جويلية 2021، أو بصفة غير مباشرة مثل حركة الشعب والتيار الشعبي..
ومثلت المحطات الانتخابية خلال سنة 2023 في الواقع مواصلة استكمال لمشروع الرئيس قيس سعيد في ما بات يعرف بمشروع البناء القاعدي، وهو الذي عرف بأخذ مسافة عن الأحزاب السياسية..
لكن أهم ميزة في الانتخابات تسجيلها لنسب مشاركة ضعيفة قياسية من حيث عدد المقترعين. ولم تتجاوز في كلتا المحطتين حاجز الـ12 بالمائة من مجموع الناخبين. ما يمثل دليلا على حالة اليأس التي غمرت التونسيين من الطبقة السياسية وتكريسا لحالة القطيعة التي بدأت ملامحها تبرز في محطات انتخابية سابقة خاصة في انتخابات أكتوبر 2019 وما بعدها..
وتمثل حالة العزوف الانتخابي أبرز حدث يمكن أن تكون له تداعيات على بقية المحطات الانتخابية المقبلة، وخاصة الانتخابات الرئاسية، وتعكس أيضا حالة الرفض ضد طبقة سياسية نشأت خلال عشرية ما بعد 2011، بسبب فشلها لا فقط في تحقيق الحد الأدنى من وعود انتخابية فضفاضة وغير واقعية في التنمية والرقي الاقتصادي والاجتماعي، بل أيضا عجز جلها عن تطبيق مبادئ وقيم طالما تعهدت بها مثل الحوكمة والشفافية والمساءلة والعمل الديمقراطي السليم صلب هياكلها الداخلية وطرق تسييرها وإدارتها والتصرف في مواردها المالية..