إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بريطانيا وإيطاليا تنفذان "خطة رواندا" في تونس..فأي موقف لبلادنا منها؟

ملف المهاجرين سيكون ذا أولوية بالنسبة للأوروبيين في سنة 2024 بعد ان حسموا أمرهم ولم يعد يرغبون من إفريقيا سوى كفاءاتها العالية

بقلم: ريم بالخذيري

ثلاثة أحداث هامة خاصة بالهجرة غير الشرعية نوقشت وأمضيت اتفاقياتها أو هي في طور الامضاء شهدتها أوروبا في أسبوع واحد. ما يؤكّد أنّ قضية الهجرة باتت تتصدر النقاش السياسي في عدة بلدان أوروبية، وغذّى ذلك تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة أو الشعبوية.

أولها :الاتفاق البريطاني الإيطالي لتمويل ودعم مشروع مشترك من أجل العودة الطوعية للمهاجرين العالقين حاليًا في تونس في إطار ما يعرف بخطة رواندا التي أقرها البرلمان البريطاني مؤخرا.

ثانيها : توصل البرلمان الأوروبي إلى اتفاق بشأن إصلاح واسع لنظام الهجرة واللجوء. وهو اتفاق وصفته المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون ب"لحظة تاريخية".

وينص هذا الإصلاح الذي يتضمن سلسلة من النصوص، على مراقبة معززة لعمليات توافد المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي وإقامة مراكز مغلقة قرب الحدود لإعادة الذين تُرفض طلباتهم للجوء بسرعة أكبر، فضلا عن آلية تضامنية إلزامية بين البلدان الأعضاء لمساعدة الدول التي تواجه ضغوطا كبيرة.

ثالثها: تصويت البرلمان الفرنسي على قانون جديد للهجرة مثير للجدل خاصة بعد أن صوت اليمين المتطرف لصالحه، وعارضه اليسار.

وبموجبه، قد يتم تجريد المواطنين مزدوجي الجنسية الذين يرتكبون جرائم ضد قوات الأمن من جنسيتهم الفرنسي . كما لا يمكن لأبناء العائلات الأجنبية المولودين في فرنسا المطالبة بالجنسية الفرنسية قبل بلوغ سن 16 و18 عاما، ويجب ألا يكونوا قد ارتكبوا أية جرائم من قبل.

وهو ما يجعل شروط لم شمل الأسرة أكثر صعوبة، كما سيتم أخذ ضمان مالي من الطلبة الأجانب الذين يذهبون إلى فرنسا للتعليم، وتهدف هذه الوديعة إلى تغطية تكاليف عودتهم في حالة اتخاذ قرار بإبعادهم من الأراضي الفرنسية.

هذه الاحداث الثلاث تعيد ملف المهاجرين الى الواجهة ما يؤكد أنه سيكون ذا أولوية قصوى بالنسبة للأوروبيين في سنة 2024 فقد تأكد أنهم حسموا أمرهم ولم يعد يرغبون من افريقيا سوى الكفاءات العالية كما أن التقاء الوسط باليمين واليمين المتطرف سيجعل الحرب قوية على هؤلاء المهاجرين.

وهذه السياسة الجديدة والأحداث الثلاثة التي تحدثنا عنها تمس بلادنا بدرجات متفاوتة حيث ينظر إليها على أنها الممر الاكبر لهؤلاء المهاجرين نحو أوروبا وبالتالي كانت فكرة تثبيت هؤلاء في بلد العبور (تونس) هو الهدف الأول ثم في مرحلة ثانية اعادتهم الى بلدانهم.

خطة رواندا

اتفق ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، وجيورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، على تمويل ودعم مشروع مشترك من أجل العودة الطوعية للمهاجرين العالقين حاليًا في تونس مستلهمين ذلك من"خطة رواندا" التي يجري العمل على تنفيذها في بريطانيا.

وكان البرلمان البريطاني قد أقر قانونًا يلغي حق اللجوء للأشخاص الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني، وقد بلغ عددهم خلال العام الماضي،فقط أكثر من 45 ألف شخص.

ووفقا لهذه الخطة سيتم إرسال الأشخاص الذين حددتهم المملكة المتحدة على أنهم مهاجرين غير شرعيين أو طالبي لجوء إلى رواندا عبر تذكرة ذهاب فقط لطلب اللجوء هناك بدلاً من المملكة المتحدة. وبررت الحكومة البريطانية أن الهدف من هذا المشروع هو تعطيل شبكات تهريب البشر وردع المهاجرين من القيام برحلة بحرية خطيرة عبر القنال إلى إنقلترا من فرنسا. وقدأثارت الخطة موجة من الانتقادات من قبل الجمعيات الخيرية وجماعات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كما قدم وزير الهجرة البريطاني، استقالته بسبب تبني الحكومة للخطة المذكورة. ومن المعروف أن ترحيل اللاجئين يكلف بريطانيا 250 مليون إسترليني.

وبهذا يكون مشروع القانون المثير للجدل قد تخطى عقبة أولى في البرلمان بإقراره في مجلس العموم ، مما يمنح متنفّسا لرئيس الوزراء ريشي سوناك.وهو ما أغراه بسحبه على المهاجرين المتواجدين في تونس من خلال الاتفاق مع إيطاليا.

بين الشكل والمضمون

المشروع البريطاني الايطالي من حيث الشكل يعتبر مقبولا حيث أصبح المهاجرون غير الشرعيين في تونس يمثلون مشكلا حقيقيا كما أنه أصبح ملفا محرجا لتونس ويتم استغلاله بأشكال مختلفة ومن جهات عديدة لتحقيق مكاسب سياسية خارجيا وداخليا وبالتالي فإن توفير فرصة العودة الى الوطن بالنسبة لهؤلاء سيغري الكثير منهم من الذين طالت اقامتهم في بلادنا دون أن يحققوا حلم اجتياز الحدود إلى أوروبا. ونعتقد أن أعدادهم سيكون بالألاف خاصة وأن تذكرة العودة ستكون معززة بمبلغ مالي لم يحدد بعد يمنح للعائد طواعية لمساعدته على فتح مشروع صغير ببلده. مثلما تفعل فرنسا مع العائدين الطوعيين التونسيين وغيرهم.

أما من حيث المضمون فهذا المشروع محفوف بالمخاطر التي قد تحكم عليه بالفشل أولها التعالي الايطالي البريطاني وذلك بتغييب تونس المعنية به في المشاورات ونعتقد أنه سيتم تلافي هذا الخطأ لأنه لا يمكن تنفيذه بمعزل عن السلطات الأمنية والسياسية في تونس فهم الأكثر دراية بواقع هؤلاء المهاجرين وما سيرصد لهم من أموال في إطار العودة الطوعية لابد أن تكون مسؤولة عنها الحكومة التونسية.

أما ثاني المخاطر التي تحف بهذا المشروع هي ان فكرة العودة الطوعية ولا حتى القسرية غير مقبولة عند اغلب المهاجرين الذين لايزالون يرون في تونس بلد عبور واملهم يتجدد كل يوم لتحقيق حلمهم وقد سجلنا عديد حوادث العنف من هؤلاء طالت حتى الامنيين الذين يحاولون منعهم من تحقيق مبتغاهم.

وبالتالي مهما كان حجم الإغراءات في هذا المشروع فلن يقبل عنه سوى القليلون.

والأصل في الأشياء أن يكون هذا المشروع الايطالي البريطاني بما يوفره من امكانيات مالية أن يوجّه الى العودة القسرية بدل الطوعيّة بالتنسيق الكامل مع تونس. فأغلب هؤلاء المهاجرين معروفين بالاسم والجنسية للسلطات التونسية ولا يعوزها سوى الإمكانيات المادية لإعادتهم الى بلدانهم وهو ما يوفره هذا المشروع.

 

 

 

بريطانيا وإيطاليا تنفذان "خطة رواندا" في تونس..فأي موقف لبلادنا منها؟

ملف المهاجرين سيكون ذا أولوية بالنسبة للأوروبيين في سنة 2024 بعد ان حسموا أمرهم ولم يعد يرغبون من إفريقيا سوى كفاءاتها العالية

بقلم: ريم بالخذيري

ثلاثة أحداث هامة خاصة بالهجرة غير الشرعية نوقشت وأمضيت اتفاقياتها أو هي في طور الامضاء شهدتها أوروبا في أسبوع واحد. ما يؤكّد أنّ قضية الهجرة باتت تتصدر النقاش السياسي في عدة بلدان أوروبية، وغذّى ذلك تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة أو الشعبوية.

أولها :الاتفاق البريطاني الإيطالي لتمويل ودعم مشروع مشترك من أجل العودة الطوعية للمهاجرين العالقين حاليًا في تونس في إطار ما يعرف بخطة رواندا التي أقرها البرلمان البريطاني مؤخرا.

ثانيها : توصل البرلمان الأوروبي إلى اتفاق بشأن إصلاح واسع لنظام الهجرة واللجوء. وهو اتفاق وصفته المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون ب"لحظة تاريخية".

وينص هذا الإصلاح الذي يتضمن سلسلة من النصوص، على مراقبة معززة لعمليات توافد المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي وإقامة مراكز مغلقة قرب الحدود لإعادة الذين تُرفض طلباتهم للجوء بسرعة أكبر، فضلا عن آلية تضامنية إلزامية بين البلدان الأعضاء لمساعدة الدول التي تواجه ضغوطا كبيرة.

ثالثها: تصويت البرلمان الفرنسي على قانون جديد للهجرة مثير للجدل خاصة بعد أن صوت اليمين المتطرف لصالحه، وعارضه اليسار.

وبموجبه، قد يتم تجريد المواطنين مزدوجي الجنسية الذين يرتكبون جرائم ضد قوات الأمن من جنسيتهم الفرنسي . كما لا يمكن لأبناء العائلات الأجنبية المولودين في فرنسا المطالبة بالجنسية الفرنسية قبل بلوغ سن 16 و18 عاما، ويجب ألا يكونوا قد ارتكبوا أية جرائم من قبل.

وهو ما يجعل شروط لم شمل الأسرة أكثر صعوبة، كما سيتم أخذ ضمان مالي من الطلبة الأجانب الذين يذهبون إلى فرنسا للتعليم، وتهدف هذه الوديعة إلى تغطية تكاليف عودتهم في حالة اتخاذ قرار بإبعادهم من الأراضي الفرنسية.

هذه الاحداث الثلاث تعيد ملف المهاجرين الى الواجهة ما يؤكد أنه سيكون ذا أولوية قصوى بالنسبة للأوروبيين في سنة 2024 فقد تأكد أنهم حسموا أمرهم ولم يعد يرغبون من افريقيا سوى الكفاءات العالية كما أن التقاء الوسط باليمين واليمين المتطرف سيجعل الحرب قوية على هؤلاء المهاجرين.

وهذه السياسة الجديدة والأحداث الثلاثة التي تحدثنا عنها تمس بلادنا بدرجات متفاوتة حيث ينظر إليها على أنها الممر الاكبر لهؤلاء المهاجرين نحو أوروبا وبالتالي كانت فكرة تثبيت هؤلاء في بلد العبور (تونس) هو الهدف الأول ثم في مرحلة ثانية اعادتهم الى بلدانهم.

خطة رواندا

اتفق ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، وجيورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، على تمويل ودعم مشروع مشترك من أجل العودة الطوعية للمهاجرين العالقين حاليًا في تونس مستلهمين ذلك من"خطة رواندا" التي يجري العمل على تنفيذها في بريطانيا.

وكان البرلمان البريطاني قد أقر قانونًا يلغي حق اللجوء للأشخاص الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني، وقد بلغ عددهم خلال العام الماضي،فقط أكثر من 45 ألف شخص.

ووفقا لهذه الخطة سيتم إرسال الأشخاص الذين حددتهم المملكة المتحدة على أنهم مهاجرين غير شرعيين أو طالبي لجوء إلى رواندا عبر تذكرة ذهاب فقط لطلب اللجوء هناك بدلاً من المملكة المتحدة. وبررت الحكومة البريطانية أن الهدف من هذا المشروع هو تعطيل شبكات تهريب البشر وردع المهاجرين من القيام برحلة بحرية خطيرة عبر القنال إلى إنقلترا من فرنسا. وقدأثارت الخطة موجة من الانتقادات من قبل الجمعيات الخيرية وجماعات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كما قدم وزير الهجرة البريطاني، استقالته بسبب تبني الحكومة للخطة المذكورة. ومن المعروف أن ترحيل اللاجئين يكلف بريطانيا 250 مليون إسترليني.

وبهذا يكون مشروع القانون المثير للجدل قد تخطى عقبة أولى في البرلمان بإقراره في مجلس العموم ، مما يمنح متنفّسا لرئيس الوزراء ريشي سوناك.وهو ما أغراه بسحبه على المهاجرين المتواجدين في تونس من خلال الاتفاق مع إيطاليا.

بين الشكل والمضمون

المشروع البريطاني الايطالي من حيث الشكل يعتبر مقبولا حيث أصبح المهاجرون غير الشرعيين في تونس يمثلون مشكلا حقيقيا كما أنه أصبح ملفا محرجا لتونس ويتم استغلاله بأشكال مختلفة ومن جهات عديدة لتحقيق مكاسب سياسية خارجيا وداخليا وبالتالي فإن توفير فرصة العودة الى الوطن بالنسبة لهؤلاء سيغري الكثير منهم من الذين طالت اقامتهم في بلادنا دون أن يحققوا حلم اجتياز الحدود إلى أوروبا. ونعتقد أن أعدادهم سيكون بالألاف خاصة وأن تذكرة العودة ستكون معززة بمبلغ مالي لم يحدد بعد يمنح للعائد طواعية لمساعدته على فتح مشروع صغير ببلده. مثلما تفعل فرنسا مع العائدين الطوعيين التونسيين وغيرهم.

أما من حيث المضمون فهذا المشروع محفوف بالمخاطر التي قد تحكم عليه بالفشل أولها التعالي الايطالي البريطاني وذلك بتغييب تونس المعنية به في المشاورات ونعتقد أنه سيتم تلافي هذا الخطأ لأنه لا يمكن تنفيذه بمعزل عن السلطات الأمنية والسياسية في تونس فهم الأكثر دراية بواقع هؤلاء المهاجرين وما سيرصد لهم من أموال في إطار العودة الطوعية لابد أن تكون مسؤولة عنها الحكومة التونسية.

أما ثاني المخاطر التي تحف بهذا المشروع هي ان فكرة العودة الطوعية ولا حتى القسرية غير مقبولة عند اغلب المهاجرين الذين لايزالون يرون في تونس بلد عبور واملهم يتجدد كل يوم لتحقيق حلمهم وقد سجلنا عديد حوادث العنف من هؤلاء طالت حتى الامنيين الذين يحاولون منعهم من تحقيق مبتغاهم.

وبالتالي مهما كان حجم الإغراءات في هذا المشروع فلن يقبل عنه سوى القليلون.

والأصل في الأشياء أن يكون هذا المشروع الايطالي البريطاني بما يوفره من امكانيات مالية أن يوجّه الى العودة القسرية بدل الطوعيّة بالتنسيق الكامل مع تونس. فأغلب هؤلاء المهاجرين معروفين بالاسم والجنسية للسلطات التونسية ولا يعوزها سوى الإمكانيات المادية لإعادتهم الى بلدانهم وهو ما يوفره هذا المشروع.