"الفلاحة" تؤكد أن لا وجود لصنف معجزة من البذور.. وتوجه نحو اعتماد الفلاح لصنفين أو أكثر خلال الموسم الحالي
تونس-الصباح
أسابيع تفصلنا عن الانطلاقة الرسمية لموسم الزراعات الكبرى، تأتي وسط توصيات مكثفة من قبل أعلى هرم السلطة، والوزارة المشرفة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تدارك الموسم الصعب والحصيلة الكارثية التي شهدتها البلاد السنة الفارطة.
وبالتوازي مع التوجه نحو توسيع المساحات المزروعة من الحبوب، تمت الدعوى إلى اعتماد أصناف ممتازة من البذور، قادرة على تحقيق إنتاجية أكبر وتتماشى مع ما تشهده تونس من تغيرات مناخية. وهي توصية طالما تم تناولها بالحديث وحملت الكثير من المواقف المتباينة بين من يتشبث بالأصناف والسلالات الأصلية ومن يعتبر أن البحث العلمي والسعي وراء جلب أصناف جديدة بخصائص قادرة على مواجهة فترات الجفاف وضمان ديمومة في الإنتاجية.
وعبر ما جمعته "الصباح" من شهادات من قبل عدد من الفلاحين في جندوبة وباجة والقيروان، نكتشف أن توجها كان نحو اعتماد أصناف متعددة من البذور خلال المواسم الفارطة وهذا الموسم على حد السواء، وعلى الأغلب سيعتمد الفلاح على أكثر من صنف في البذر ولن يقع التركيز على صنف بعينه. والتخوف الأكبر لدى المزارعين لا يتعلق بوفرة البذور أو نوعيتها بقدر ما يرتبط بفرضيات عدم توفر أو إيجاد الأسمدة والأدوية والمبيدات في وقتها أو ألا نسجل تساقطات كافية خلال هذا الموسم أيضا مع انطلاقة الموسم وفي فترة خروج النبتة.
وتبلغ المساحات المزروعة من القمح في تونس نحو المليون هكتار قادرة على إنتاج ما يعادل 10 مليون قنطار في السنة، بمعدل 1 طن للهكتار الواحد. وهو معدل إنتاج يمكن اعتباره ضعيفا مقارنة بما تقدمه المساحات المزروعة في إيطاليا مثلا والتي تنتج بين 4 و6 طن للهكتار الواحد.
وحسب المعهد الوطني للإحصاء، فإنّ مساحة الأراضي المخصصة لزراعة القمح الصلب تراجعت من 663.3 ألف هكتار في العام 2012 إلى 543 ألف هكتار بالنسبة للعام 2020. أما المساحات المخصصة لزراعة القمح اللين، المُستخدم في إعداد الخبز والحلويات، فقد تراجعت من 126 ألف هكتار سنة 2012 إلى 63 ألف هكتار سنة 2020.
الأصناف الايطالية هي الحل؟
ويعود حسب عبد المنعم الخليفي الخبير الفلاحي ووكيل الشركة التونسية للمكونات والمعدات الفلاحية (STIMK)، هذا الضعف في الإنتاج لسبب أساسي وهو التركيبة الجينية للأصناف البذور المعتمدة في كل من البلدين. ففي الوقت الذي يعتمد فيه الفلاح التونسي نفس البذور التي أنتجها في محصوله والموجهة للاستهلاك يعتمد الفلاح الإيطالي على أصناف علمية محسنة ذات جودة عالية.
ويؤكد عبد المنعم الخليفي أن الموقع الجغرافي للبلاد التونسية يسمح لها بإنتاج نفس المعدلات التي يتم إنتاجها في ايطاليا أو حتى أفضل منها. ويشير أن طبيعة المناخ ومستويات الرطوبة والضوء ونوعية التربة.. ملائمة لإنتاج القمح الصلب ومضاعفة حجم الإنتاجية المسجلة بأكثر من 5 مرات.
ويكشف الخبير الفلاحي وصاحب شركة بيع البذور انه رسميا، تم الشروع منذ سنوات في البحث عن أصناف من القمح الصلب واللين تتميز بخصائص وراثية تتأقلم مع طبيعة مناخ البلاد التونسية وفترات الجفاف، وتضمن إنتاجا وفيرا ومردودية مستقرة خلال مواسم متتالية. وتم جلب بذور من المكسيك وأخرى من الولايات المتحدة الأمريكية بداية من 2007، انطلقت تجربة على مستوى 7 مجامع حبوب لولايات، الكاف وجندوبة وباجة وبنزرت وسليانة وزغوان والقيروان. وفي نطاق شراكة بين القطاع الخاص والعام، وبمشاركة هياكل البحث والتنمية الفلاحية على غرار المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس والمعهد الوطني للبحوث الفلاحية بتونس والمعهد الوطني للزراعات الكبرى وباعتماد بذور ايطالية تم الحصول على عدة نتائج مرضية وصل خلالها معدل الإنتاج إلى الى 8 طن للهكتار الواحد لتسجل الأراضي التونسية إنتاجا عاليا مقارنة حتى بايطاليا.
ومكنت هذه التجارب من ترسيم 4 أصناف من القمح الصلب ذات المنشأ الايطالي، بالسجل الرسمي للأصناف النباتية بالجمهورية التونسية وبالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، أبرزها وأكثرها استحسانا لدى الفلاح التونسي صنفا "سراقولا" و"ايريد" (saragolla و iride)، بتاريخ 2 مارس 2010 لفائدة الشركة التونسية للمكونات والمعدات الفلاحية. وانطلق برنامج لإكثار البذور المذكورة، لم تتم متابعته، حسب ما أفاد "الصباح" عبد المنعم الخليفي، وتوقفت عملية تعميمها قسريا سنة 2011 على خلفية ما شهدته البلاد آنذاك من تحولات سياسية. ورغم محاولات تجديد الشراكة بين القطاع العام والخاص سنة 2014 و2015 ومحاولات إقناع أصحاب القرار صلب وزارة الفلاحة التونسية بما يمكن أن يسجل من تحسن في محصول القمح في حال تمت العودة الى عمليات الإكثار العلمية، لم يتم التفاعل مع المقترح.
ويعود اليوم عبد المنعم الخليفي للتواصل مع وزارة الفلاحة والجانب الايطالي على حد السواء من اجل تطوير التجربة الموسم القادم وتحسين مردودية محصولنا للحبوب. وقال الخليفي انه ومنذ شهر جوان 2023، اخذ تعهد من قبل الجانب الإيطالي لتوفير بذور من صنفي "سراقولا" و"ايريد" المجربان لزراعة 100 ألف هكتار من القمح الصلب في الأراضي التونسية وهو ما يمثل 10% من المساحات الجملية.
لا وجود لصنف معجزة..
وكشف رمضان نصراوي مهندس عام ومدير البحوث التطبيقية بالمعهد الوطني للزراعات الكبرى، أن تونس كانت من أقدم الدول التي اشتغلت على برنامج وطني للبحث العلمي لإنتاج أصناف جديدة من البذور وبفضل ذلك سجلنا قفزة عالية أواخر السبعينات وأصبحنا نسجل إنتاج عال. غير انه لاحقا تعثر تقدم البحث العلمي وتباطأ تقدمه. وهو ما دفع بالسلط إلى تنقيح القوانين أواخر الثمانينات وبداية التسعينات ليتم السماح بإدخال أصناف جديدة من الخارج في إطار تعاون في البحث العلمي وتم طبقا لشروط متباينة ليس بشرط أن تكون مجتمعة ومنها مستوى مقاومة الصنف للأمراض الفطرية، قدرته على مواجهة الجفاف، حجم الإنتاجية، ونوعية الحبة.. تم تسجيل أصناف كاملة من البذور.
وأوضح رمضان نصراوي أن لا وجود لصنف معجزة قادر أن يجمع بين كل الشروط، إنتاجية عالية مقاوم للفطريات، لا يتأثر بالجفاف، ذو نوعية ممتازة.. لكن في العموم الأصناف المسجلة في تونس من النوع الجيد والتي تقدم إنتاجية محترمة.
وأفاد أننا خلال الموسم الفارط واجهنا موسما صعبا للغاية لم نعرف له مثيلا منذ سنة 2002، لم تسجل فيه مناطق إنتاجا بالمرة كما أصيبت خلاله مساحات بعد نزول الأمطار خلال شهر ماي وجوان بالإنبات على مستوى الساق ما جعل الإنتاج يتراجع أكثر. وكل الجهود اليوم منصبة على تدارك ذلك وتحسين قدر الإمكان من واقع الصابة المنتظرة خلال الموسم القادم.
وكشف مدير البحوث التطبيقية بالمعهد الوطني للزراعات الكبرى، انه تم تركيز لجان على مستوى وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري من اجل تجميع البذور. وتم الانطلاق في اتفاقية تجميع لأكثر من صنف في نفس الوقت. وبين أن الموسم الحالي سيعتمد الفلاح في موسم البذر على أصناف مختلفة ولن يتقيد بصنف بعينه.
وفسر أن الفلاح سيتم مده بصنفين أو ثلاثة في نفس الوقت على أن تكون أصناف متقاربة من حيث العلو والملاءمة مع المناخ رطب أو شبه جاف.. وبين أن وزارة الفلاحة قد اضطرت للمضي في هذا الخيار نتيجة صعوبة توفير الحبوب بصنف بعينه للفلاح. واعتبرنا انه المهم أن نسجل صابة محترمة الموسم القادم ونتجاوز أرقام الموسم الفارط.
وعن مدى نجاعة هذا الخيار وتداعياته على المواسم اللاحقة أين لم يميز الفلاح النوع الذي اعتمده أمام تعدد الأصناف المبذورة، قال رمضان النصراوي ان مسالة الخلط بين صنفين أو أكثر من الحبوب المبذورة له مميزاته فهو في الكثير من الأحيان يمثل آلية من آليات الوقاية، فالشتلة أو الصنف المقاوم للفطريات مثلا يمكن جمعه مع صنف ذو إنتاجية عالية اضعف منه فيكون بمثابة الجدار المناع عن انتشار المرض.
وأشار في نفس الوقت الى أن البذور المصادق عليها لا تمثل غير 20 % فقط من الأصناف المبذورة، في حين أن 80% هي بذور يوفرها الفلاح.
وشدد على أن المكثرين لن يعتمدوا في زراعتهم على التوجه المذكور وهو الجمع بين أكثر من صنف، فهم سيواصلون العمل ضمن برنامج إنتاجهم المحدد بعقود واضحة لا يتم خلالها استعمال غير الأصول.
ورأى نصراوي، أن تونس رغم أنها تتواجد في منطقة تواجه تغيرات مناخية كبيرة، بالأصناف التي تعتمدها في إنتاج الحبوب، يكفي أن تسجل تساقطات أمطار موزعة على الفترات التي تحتاجها النبتة، وان تتوفر للفلاح الأدوية والمبيدات والأسمدة في وقتها وبالكميات التي يحتاجها حتى نسجل صابة جيدة للغاية إن لم تكن قياسية.
وذكر رمضان نصراوي المهندس العام ومدير البحوث التطبيقية بالمعهد الوطني للزراعات الكبرى، أن توسيع المساحات نظريا يمكنه أن يرفع من حجم إنتاج تونس من الحبوب، لكن يبقى دائما المناخ هو العنصر المتحكم في المردودية.
وأشار في نفس السياق الى انه تمت خسارة مساحات زراعية لفائدة البناءات وبسبب التملح أو الانجراف، والاهم اليوم حسب رأيه هو إيقاف تدهور التربة وتشجيع البحوث التطبيقية مع تنظيم الفلاحين الصغار في إطار تجمعات تمكنهم من العمل المشترك والضغط على كلفة الإنتاج. إضافة الى توفير المعطيات الفنية والتقنيات الفلاحية اللازمة له لإنجاح مواسم الزراعات الكبرى.
التميز موجود في أكثر من صنف..
في نفس الوقت لا يتبنى شكري الرزقي نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالإنتاج الفلاحي، مقاربة اعتماد أصناف دون غيرها خلال المواسم الزراعية أو السعي الى شراكة مع الجانب الايطالي مثلا كما يرى الخليفي. رغم إقراره بأن نسق تقدم البحث العلمي في تونس ليس في المستوى المطلوب. وأفاد في تصريحه لـ"الصباح" أننا نملك في تونس عددا لا باس به من الأصناف الممتازة والمجربة والتي قدمت مردودية جيدة خلال أكثر من موسم، فإلى جانب الصنفين السابق ذكرهما من قبل عبد المنعم الخلفيي هناك أصناف مثل "كريم" "خيار" وهي أيضا قدمت إنتاجية عالية. وأكد الرزقي أن أغلب مزارعي الحبوب في بلادنا متمكنون من نشاطهم الزراعي ولهم من الخبرة والمعرفة الكافية ما يخول لهم تبيّن أي الأصناف الأفضل بالنسبة لأرضهم وطبيعة المناخ الذي تتواجد فيه.
ورأى أن الفلاح في حاجة اليوم الى دعم مالي فهو العامل الذي يحول دون أن يحقق معدلات إنتاج عالية، فيكفي أن تسجل البلاد تساقطات في فترات تتلاءم والموسم الزراعي حتى نضمن صابة قياسية من الحبوب ويتم تدارك الموسم الفارط الذي كان صعبا للغاية على الفلاح.
وأوضح أن المؤسسات الخاصة بصدد توفير بذور ممتازة وذات مردودية عالية، غير أن الكبوة في موسم الزراعات الكبرى هو غياب الأمطار وحالة الجفاف التي تعيشها بلادنا منذ أكثر من موسم. واعتبر أن توسيع المساحات المزروعة دون شك سيكون له اثر على حجم الإنتاج من الحبوب لكن في نفس الوقت من المهم أن يتم اعتماد أصناف من البذور المحسنة علميا والقادرة جينيا على تحمل التغيرات المناخية التي تتعرض لها المساحات المزروعة.
وتربط المنصة العالمية المختصة في الزراعة "ويكيفارمر" فرضيات الحصول على إنتاج بكميات لا تحيد إلا بأقل قدرٍ ممكن عن الكمية المتوقعة لمحصول صنف أو سلالة القمح المستخدمة بأكثر من شرط بدورها، أين يعتمد المحصول النهائي على السلالة ونوع التربة وتوافر المياه والمُغذيات وظروف الطقس وطول فترة الزراعة ونجاح مكافحة الحشائش ووقاية النبات ووقت وطريقة الحصاد. على سبيل المثال، محصول القمح الشتوي وكذلك القمح المروي (أو الحقول البعلية) أعلى مقارنة بالقمح الربيعي (بفارق من 2-2.5 طنًا للهكتار) والقمح المزروع في المناطق الجافة. وبشكل عام، قد تتراوح إنتاجية محصول حبوب القمح من أقل من 1 طن للهكتار إلى أكثر من 10 أطنان للهكتار. تنتج معظم مناطق زراعة القمح (الشتوي) حوالي من 3 إلى 7 أطنان للهكتار، ووفقًا لسجلات موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بلغت أعلى إنتاجية 16.52 طنًا للهكتار عام 2018، في نيوزيلندا.
ريم سوودي
"الفلاحة" تؤكد أن لا وجود لصنف معجزة من البذور.. وتوجه نحو اعتماد الفلاح لصنفين أو أكثر خلال الموسم الحالي
تونس-الصباح
أسابيع تفصلنا عن الانطلاقة الرسمية لموسم الزراعات الكبرى، تأتي وسط توصيات مكثفة من قبل أعلى هرم السلطة، والوزارة المشرفة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تدارك الموسم الصعب والحصيلة الكارثية التي شهدتها البلاد السنة الفارطة.
وبالتوازي مع التوجه نحو توسيع المساحات المزروعة من الحبوب، تمت الدعوى إلى اعتماد أصناف ممتازة من البذور، قادرة على تحقيق إنتاجية أكبر وتتماشى مع ما تشهده تونس من تغيرات مناخية. وهي توصية طالما تم تناولها بالحديث وحملت الكثير من المواقف المتباينة بين من يتشبث بالأصناف والسلالات الأصلية ومن يعتبر أن البحث العلمي والسعي وراء جلب أصناف جديدة بخصائص قادرة على مواجهة فترات الجفاف وضمان ديمومة في الإنتاجية.
وعبر ما جمعته "الصباح" من شهادات من قبل عدد من الفلاحين في جندوبة وباجة والقيروان، نكتشف أن توجها كان نحو اعتماد أصناف متعددة من البذور خلال المواسم الفارطة وهذا الموسم على حد السواء، وعلى الأغلب سيعتمد الفلاح على أكثر من صنف في البذر ولن يقع التركيز على صنف بعينه. والتخوف الأكبر لدى المزارعين لا يتعلق بوفرة البذور أو نوعيتها بقدر ما يرتبط بفرضيات عدم توفر أو إيجاد الأسمدة والأدوية والمبيدات في وقتها أو ألا نسجل تساقطات كافية خلال هذا الموسم أيضا مع انطلاقة الموسم وفي فترة خروج النبتة.
وتبلغ المساحات المزروعة من القمح في تونس نحو المليون هكتار قادرة على إنتاج ما يعادل 10 مليون قنطار في السنة، بمعدل 1 طن للهكتار الواحد. وهو معدل إنتاج يمكن اعتباره ضعيفا مقارنة بما تقدمه المساحات المزروعة في إيطاليا مثلا والتي تنتج بين 4 و6 طن للهكتار الواحد.
وحسب المعهد الوطني للإحصاء، فإنّ مساحة الأراضي المخصصة لزراعة القمح الصلب تراجعت من 663.3 ألف هكتار في العام 2012 إلى 543 ألف هكتار بالنسبة للعام 2020. أما المساحات المخصصة لزراعة القمح اللين، المُستخدم في إعداد الخبز والحلويات، فقد تراجعت من 126 ألف هكتار سنة 2012 إلى 63 ألف هكتار سنة 2020.
الأصناف الايطالية هي الحل؟
ويعود حسب عبد المنعم الخليفي الخبير الفلاحي ووكيل الشركة التونسية للمكونات والمعدات الفلاحية (STIMK)، هذا الضعف في الإنتاج لسبب أساسي وهو التركيبة الجينية للأصناف البذور المعتمدة في كل من البلدين. ففي الوقت الذي يعتمد فيه الفلاح التونسي نفس البذور التي أنتجها في محصوله والموجهة للاستهلاك يعتمد الفلاح الإيطالي على أصناف علمية محسنة ذات جودة عالية.
ويؤكد عبد المنعم الخليفي أن الموقع الجغرافي للبلاد التونسية يسمح لها بإنتاج نفس المعدلات التي يتم إنتاجها في ايطاليا أو حتى أفضل منها. ويشير أن طبيعة المناخ ومستويات الرطوبة والضوء ونوعية التربة.. ملائمة لإنتاج القمح الصلب ومضاعفة حجم الإنتاجية المسجلة بأكثر من 5 مرات.
ويكشف الخبير الفلاحي وصاحب شركة بيع البذور انه رسميا، تم الشروع منذ سنوات في البحث عن أصناف من القمح الصلب واللين تتميز بخصائص وراثية تتأقلم مع طبيعة مناخ البلاد التونسية وفترات الجفاف، وتضمن إنتاجا وفيرا ومردودية مستقرة خلال مواسم متتالية. وتم جلب بذور من المكسيك وأخرى من الولايات المتحدة الأمريكية بداية من 2007، انطلقت تجربة على مستوى 7 مجامع حبوب لولايات، الكاف وجندوبة وباجة وبنزرت وسليانة وزغوان والقيروان. وفي نطاق شراكة بين القطاع الخاص والعام، وبمشاركة هياكل البحث والتنمية الفلاحية على غرار المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس والمعهد الوطني للبحوث الفلاحية بتونس والمعهد الوطني للزراعات الكبرى وباعتماد بذور ايطالية تم الحصول على عدة نتائج مرضية وصل خلالها معدل الإنتاج إلى الى 8 طن للهكتار الواحد لتسجل الأراضي التونسية إنتاجا عاليا مقارنة حتى بايطاليا.
ومكنت هذه التجارب من ترسيم 4 أصناف من القمح الصلب ذات المنشأ الايطالي، بالسجل الرسمي للأصناف النباتية بالجمهورية التونسية وبالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، أبرزها وأكثرها استحسانا لدى الفلاح التونسي صنفا "سراقولا" و"ايريد" (saragolla و iride)، بتاريخ 2 مارس 2010 لفائدة الشركة التونسية للمكونات والمعدات الفلاحية. وانطلق برنامج لإكثار البذور المذكورة، لم تتم متابعته، حسب ما أفاد "الصباح" عبد المنعم الخليفي، وتوقفت عملية تعميمها قسريا سنة 2011 على خلفية ما شهدته البلاد آنذاك من تحولات سياسية. ورغم محاولات تجديد الشراكة بين القطاع العام والخاص سنة 2014 و2015 ومحاولات إقناع أصحاب القرار صلب وزارة الفلاحة التونسية بما يمكن أن يسجل من تحسن في محصول القمح في حال تمت العودة الى عمليات الإكثار العلمية، لم يتم التفاعل مع المقترح.
ويعود اليوم عبد المنعم الخليفي للتواصل مع وزارة الفلاحة والجانب الايطالي على حد السواء من اجل تطوير التجربة الموسم القادم وتحسين مردودية محصولنا للحبوب. وقال الخليفي انه ومنذ شهر جوان 2023، اخذ تعهد من قبل الجانب الإيطالي لتوفير بذور من صنفي "سراقولا" و"ايريد" المجربان لزراعة 100 ألف هكتار من القمح الصلب في الأراضي التونسية وهو ما يمثل 10% من المساحات الجملية.
لا وجود لصنف معجزة..
وكشف رمضان نصراوي مهندس عام ومدير البحوث التطبيقية بالمعهد الوطني للزراعات الكبرى، أن تونس كانت من أقدم الدول التي اشتغلت على برنامج وطني للبحث العلمي لإنتاج أصناف جديدة من البذور وبفضل ذلك سجلنا قفزة عالية أواخر السبعينات وأصبحنا نسجل إنتاج عال. غير انه لاحقا تعثر تقدم البحث العلمي وتباطأ تقدمه. وهو ما دفع بالسلط إلى تنقيح القوانين أواخر الثمانينات وبداية التسعينات ليتم السماح بإدخال أصناف جديدة من الخارج في إطار تعاون في البحث العلمي وتم طبقا لشروط متباينة ليس بشرط أن تكون مجتمعة ومنها مستوى مقاومة الصنف للأمراض الفطرية، قدرته على مواجهة الجفاف، حجم الإنتاجية، ونوعية الحبة.. تم تسجيل أصناف كاملة من البذور.
وأوضح رمضان نصراوي أن لا وجود لصنف معجزة قادر أن يجمع بين كل الشروط، إنتاجية عالية مقاوم للفطريات، لا يتأثر بالجفاف، ذو نوعية ممتازة.. لكن في العموم الأصناف المسجلة في تونس من النوع الجيد والتي تقدم إنتاجية محترمة.
وأفاد أننا خلال الموسم الفارط واجهنا موسما صعبا للغاية لم نعرف له مثيلا منذ سنة 2002، لم تسجل فيه مناطق إنتاجا بالمرة كما أصيبت خلاله مساحات بعد نزول الأمطار خلال شهر ماي وجوان بالإنبات على مستوى الساق ما جعل الإنتاج يتراجع أكثر. وكل الجهود اليوم منصبة على تدارك ذلك وتحسين قدر الإمكان من واقع الصابة المنتظرة خلال الموسم القادم.
وكشف مدير البحوث التطبيقية بالمعهد الوطني للزراعات الكبرى، انه تم تركيز لجان على مستوى وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري من اجل تجميع البذور. وتم الانطلاق في اتفاقية تجميع لأكثر من صنف في نفس الوقت. وبين أن الموسم الحالي سيعتمد الفلاح في موسم البذر على أصناف مختلفة ولن يتقيد بصنف بعينه.
وفسر أن الفلاح سيتم مده بصنفين أو ثلاثة في نفس الوقت على أن تكون أصناف متقاربة من حيث العلو والملاءمة مع المناخ رطب أو شبه جاف.. وبين أن وزارة الفلاحة قد اضطرت للمضي في هذا الخيار نتيجة صعوبة توفير الحبوب بصنف بعينه للفلاح. واعتبرنا انه المهم أن نسجل صابة محترمة الموسم القادم ونتجاوز أرقام الموسم الفارط.
وعن مدى نجاعة هذا الخيار وتداعياته على المواسم اللاحقة أين لم يميز الفلاح النوع الذي اعتمده أمام تعدد الأصناف المبذورة، قال رمضان النصراوي ان مسالة الخلط بين صنفين أو أكثر من الحبوب المبذورة له مميزاته فهو في الكثير من الأحيان يمثل آلية من آليات الوقاية، فالشتلة أو الصنف المقاوم للفطريات مثلا يمكن جمعه مع صنف ذو إنتاجية عالية اضعف منه فيكون بمثابة الجدار المناع عن انتشار المرض.
وأشار في نفس الوقت الى أن البذور المصادق عليها لا تمثل غير 20 % فقط من الأصناف المبذورة، في حين أن 80% هي بذور يوفرها الفلاح.
وشدد على أن المكثرين لن يعتمدوا في زراعتهم على التوجه المذكور وهو الجمع بين أكثر من صنف، فهم سيواصلون العمل ضمن برنامج إنتاجهم المحدد بعقود واضحة لا يتم خلالها استعمال غير الأصول.
ورأى نصراوي، أن تونس رغم أنها تتواجد في منطقة تواجه تغيرات مناخية كبيرة، بالأصناف التي تعتمدها في إنتاج الحبوب، يكفي أن تسجل تساقطات أمطار موزعة على الفترات التي تحتاجها النبتة، وان تتوفر للفلاح الأدوية والمبيدات والأسمدة في وقتها وبالكميات التي يحتاجها حتى نسجل صابة جيدة للغاية إن لم تكن قياسية.
وذكر رمضان نصراوي المهندس العام ومدير البحوث التطبيقية بالمعهد الوطني للزراعات الكبرى، أن توسيع المساحات نظريا يمكنه أن يرفع من حجم إنتاج تونس من الحبوب، لكن يبقى دائما المناخ هو العنصر المتحكم في المردودية.
وأشار في نفس السياق الى انه تمت خسارة مساحات زراعية لفائدة البناءات وبسبب التملح أو الانجراف، والاهم اليوم حسب رأيه هو إيقاف تدهور التربة وتشجيع البحوث التطبيقية مع تنظيم الفلاحين الصغار في إطار تجمعات تمكنهم من العمل المشترك والضغط على كلفة الإنتاج. إضافة الى توفير المعطيات الفنية والتقنيات الفلاحية اللازمة له لإنجاح مواسم الزراعات الكبرى.
التميز موجود في أكثر من صنف..
في نفس الوقت لا يتبنى شكري الرزقي نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالإنتاج الفلاحي، مقاربة اعتماد أصناف دون غيرها خلال المواسم الزراعية أو السعي الى شراكة مع الجانب الايطالي مثلا كما يرى الخليفي. رغم إقراره بأن نسق تقدم البحث العلمي في تونس ليس في المستوى المطلوب. وأفاد في تصريحه لـ"الصباح" أننا نملك في تونس عددا لا باس به من الأصناف الممتازة والمجربة والتي قدمت مردودية جيدة خلال أكثر من موسم، فإلى جانب الصنفين السابق ذكرهما من قبل عبد المنعم الخلفيي هناك أصناف مثل "كريم" "خيار" وهي أيضا قدمت إنتاجية عالية. وأكد الرزقي أن أغلب مزارعي الحبوب في بلادنا متمكنون من نشاطهم الزراعي ولهم من الخبرة والمعرفة الكافية ما يخول لهم تبيّن أي الأصناف الأفضل بالنسبة لأرضهم وطبيعة المناخ الذي تتواجد فيه.
ورأى أن الفلاح في حاجة اليوم الى دعم مالي فهو العامل الذي يحول دون أن يحقق معدلات إنتاج عالية، فيكفي أن تسجل البلاد تساقطات في فترات تتلاءم والموسم الزراعي حتى نضمن صابة قياسية من الحبوب ويتم تدارك الموسم الفارط الذي كان صعبا للغاية على الفلاح.
وأوضح أن المؤسسات الخاصة بصدد توفير بذور ممتازة وذات مردودية عالية، غير أن الكبوة في موسم الزراعات الكبرى هو غياب الأمطار وحالة الجفاف التي تعيشها بلادنا منذ أكثر من موسم. واعتبر أن توسيع المساحات المزروعة دون شك سيكون له اثر على حجم الإنتاج من الحبوب لكن في نفس الوقت من المهم أن يتم اعتماد أصناف من البذور المحسنة علميا والقادرة جينيا على تحمل التغيرات المناخية التي تتعرض لها المساحات المزروعة.
وتربط المنصة العالمية المختصة في الزراعة "ويكيفارمر" فرضيات الحصول على إنتاج بكميات لا تحيد إلا بأقل قدرٍ ممكن عن الكمية المتوقعة لمحصول صنف أو سلالة القمح المستخدمة بأكثر من شرط بدورها، أين يعتمد المحصول النهائي على السلالة ونوع التربة وتوافر المياه والمُغذيات وظروف الطقس وطول فترة الزراعة ونجاح مكافحة الحشائش ووقاية النبات ووقت وطريقة الحصاد. على سبيل المثال، محصول القمح الشتوي وكذلك القمح المروي (أو الحقول البعلية) أعلى مقارنة بالقمح الربيعي (بفارق من 2-2.5 طنًا للهكتار) والقمح المزروع في المناطق الجافة. وبشكل عام، قد تتراوح إنتاجية محصول حبوب القمح من أقل من 1 طن للهكتار إلى أكثر من 10 أطنان للهكتار. تنتج معظم مناطق زراعة القمح (الشتوي) حوالي من 3 إلى 7 أطنان للهكتار، ووفقًا لسجلات موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بلغت أعلى إنتاجية 16.52 طنًا للهكتار عام 2018، في نيوزيلندا.