إعادة النظر في تعريف الإعاقة قد يرفع نسبة حاملي الإعاقة في تونس إلى 30%..
تونس- الصباح
لا يتوفر في أغلب المحطات الرئيسية بالعاصمة منفذ أو طريق لحاملي الإعاقة الجسدية ومستقلي الكراسي المتحركة، كما لا يوجد حتى في المحطات الكبرى والرئيسية أي لافتة إرشادية موجهة لفاقدي السمع، ولا تعتمد أيا من حافلات النقل العمومي آلية الإنذار الصوتي الخاص بفاقدي البصر الذي يكون دوره الإعلان عن قدوم الحافلة وتحديد عددها أو اتجاهها..
وفي جولة وسط مختلف المدن التونسية، يمكن بسهولة الوقوف على افتقار السواد الأكبر من المرافق العمومية والإدارات التونسية، من مقرات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى الفروع البنكية والمدارس والمعاهد، والمراكز الصحية والمؤسسات الاستشفائية والمحاكم ومراكز الأمن العمومي.. إلى مسارات مخصصة لحاملي الإعاقة باختلافاتها الجسدية أو الذهنية أو البصرية أو السمعية.. الأمر الذي يجعل هذه الفئة من التونسيين والتونسيات يواجهون صعوبات في الولوج إلى المرافق العمومية، ومحرومون من حقوقهم الدنيا خارج دائرة المساواة والعدالة والإنصاف، ومن المفروض أن تسهر على تطبيقها مختلف هياكل الدولة بين جميع التونسيين والتونسيات.
ويعتبر تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "الالتزام وفك الالتزام تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة"، في تشخيصه لواقع الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة، أن الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئة "يصطدم في تونس بمختلف أنواع العقبات، بدءا من عدم القدرة على دخول المباني ووسائل النقل وصولا إلى الأحكام المسبقة والتمييز والنبذ الاجتماعي، بالإضافة إلى عدم توفير الأجهزة والتقنيات المساعدة وعدم ملاءمة وسائل الاتصال وقصور الخدمات العامة". ويعمق حسب نفس التقرير الفقر مخاطر الإعاقة من خلال تقليص فرص الوصول إلى التعليم والعمل والرواتب اللائقة، كما تبلغ كلفة المعيشة مستويات أعلى بالنسبة لحاملي الإعاقة في تونس وترتفع معدلات البطالة للأشخاص ذوي الإعاقة إلى حدود الـ40% حسب معطيات الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل.
ويقول حسام علوي رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة في تصريح لـ"الصباح"، أن دمج ذوي وذوات الإعاقة في المجتمع يجب أن يشمل كلّ تفاصيل ومتطلبات الحياة الكريمة من تعليم، وأن تكون الحظوظ متساوية في الوصول للحقوق العامة والتي منها التعليم والتشغيل والصحة والنقل والعدالة..
ويعتبر أن واقع الحال في تونس هو العكس تماما فمازالت تواجه هذه الفئة، حسب تقييمه، الإقصاء والتهميش على مستوى وسائل النقل مثلاً، أين تغيب في المحطات وداخل وسائل النقل العمومية كل علامات الإرشاد والتوجيه لذوي الإعاقة الحسية والعضوية، والمتمثلة في الصوت الناطق، وفي لوحات الإرشاد، والمصاعد المخصصة. كما تمتنع المنظومة التربوية إلى غاية اليوم عن استيعاب ذوي الإعاقة البصرية والسمعية ومستويات من حالات التوحد الذين تقول كل البروتوكولات الدولية أنهم قادرون على التعلم في المسارات التربوية العادية.
ويكون الوضع حسب حسام علوي أكثر تعقيدا واقل إنصافا في علاقة بالولوج للصحة أين يجد حاملو الإعاقة السمعية مثلا صعوبات جمة في تشخيص حالاتهم الصحية فلا يسعى الإطار الطبي إلى بذل أي جهة من أجل فهمهم أو سؤالهم عن وضعهم وأصل عللهم، ونفس الإقصاء تجده هذه الفئة في ما يتصل بالعدالة والشكايات والمحاكم أين لا يتوفر في مختلف المرافق المتصلة بالولوج للعدالة مختصين في لغة الإشارة أو مرافقين نفسيين أو مسهلي فهم لتبسيط التواصل مع هذه الفئات ذات الخصوصية.
ويأسف رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة، من عدم تغيير الوضع على امتداد السنوات الماضية في علاقة بذوي وذوات الإعاقة فإلى اليوم مازال ينظر لهم ولهن، كحالة اجتماعية لا إنسانية، والانجاز الأهم للدولة فيما يخصهم هو تمكينهم من منح أو مساعدات خاصة.
إعداد ريم سوودي
غياب إحصاءات رسمية..
ولا تمتلك الدولة التونسية باختلاف هياكلها المعنية إحصائيات رسمية تحدد بشكل دقيق نسبة وعدد هذه الفئة من حاملي الإعاقات المختلفة.
وفي الوقت الذي يحدد التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014، نسبة الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة في تونس بـ2.1% من عدد السكان في تونس، تقدر منظمة الصحة العالمية نسبة الانتشار العالمي للإعاقة بنحو الـ 15% ويحدد العاملون على مسّألة الإعاقة في تونس العدد بما لا يقل عن المليون شخص أي ما يمثل نسبة الـ 10% من التونسيين. وحسب دراسة أجرتها المنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة بالشراكة مع أعضاء مجموعة العمل المكلفة بإحصائيات الإعاقة سنة 2017 على ولاية منوبة، وكان على رأسها وزارة الشؤون الاجتماعية والمعهد الوطني للإحصاء والمجلس الوطني للإحصاء، وفقا للمعايير المحددة في المعيار العالي لتعقب الرعاية الصحية، تم تحديد نسبة الانتشار الفعلي في نطاق 4.1 و12.7 على الأقل وهو ما يمثل أضعاف ما تم تحديده في التعداد العام للسكان والسكنى السابق ذكره.
وحسب إحصائيات تنتظر التحيين بعد التعداد المعمق لحاملي وحاملات الإعاقة التي تعهدت وزارة الشؤون الاجتماعية بإنجازها السنة الجارية 2013 ولم تكشف عن نتائجه بعد، فان 46% من ذوي وذوات الإعاقة من حاملي إعاقة عضوية و27% من حاملي إعاقة ذهنية و12% من المصابين بالصمم و11% من فاقدي البصر و4% من متعددي الإعاقة. وهي فئات تعاني من تفش كبير للامية فلا تتجاوز مثلا نسبة المتعلمين في فئة الصم الـ 10% أما في فئة فاقدي البصر فالنسبة ترفع لتصل ضعف ذلك أي نحو الـ20%، ويواجه غالبية حالات التوحد في مسارات التعلم الحالية غير المؤهلة تسربا مدرسيا مبكرا يكون في الغالبية خلال المرحلة الابتدائية..
وللإشارة دعت اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص من ذوي الإعاقة في ملاحظاتها الختامية الموجه عبر التقرير الأخير للدولة التونسية، إلى "أن تعيد النظر في تعريفها للإعاقة وأن تعيد صياغتها بالاستناد إلى الاتفاقية"، نظرا إلى أن التعريف المعتمد اليوم بصدد إقصاء أو استبعاد أشخاص مشمولين بالحماية التي تكفلها الاتفاقية، وخاصة منهم الأشخاص الذين يعانون من إعاقة نفسية اجتماعية (مرض عقلي) أو ذهنية أو غيرهم ممن لا يحصلون على البطاقة بسبب الإعاقة أو نتيجة عوامل أخرى متصلة بالإعاقة.
ويرجح عدد من المشتغلين والباحثين في مجال الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة، أن اعتماد تونس للتعريف المعتمد في اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة، من شأنه أن يضاعف عددهم، وقد يصل حد الـ30% من المجتمع وهو أمر تتفاداه مختلف هياكل الدولة التونسية إلى غاية الآن، لما يمكن أن يخلفه من كلفة مادية والتزامات تعجز عن تغطيتها.
وحسب الأمم المتحدة يعيش 80% من أصل مليار شخص من ذوي الإعاقة في البلدان النامية. ويُقدر نفس المصدر أن 46% من المسنين الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر هم من ذوي الإعاقة. كما يُحتمل أن تعاني واحدة من كل خمس نساء من إعاقة ما في أثناء حياتها، بينما يعاني واحد من كل عشرة أطفال من الإعاقة.
قوانين غير مطبقة
حافظ الدستور الجديد لسنة 2022، على الفصل الخاص بالأشخاص من ذوي الإعاقة في باب الحقوق والحريات ليرد في الفصل الـ 54 منه "تحمي الدولة الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز، وتتخذ كل التدابير التي تضمن لهم الاندماج الكامل في المجتمع"، وهو ما يعد خطوة إيجابية ثمنتها مختلف المنظمات الدولية.
وتعتبر تونس من الدول الأوائل التي صادقت على اتفاقية حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري المتعلق بهذه الاتفاقية، وتضم ترسانتها القانونية جملة من القوانين والفصول الضامنة والراعية لحقوق حاملي وحاملات الإعاقة. غير أن الجانب التطبيقي يبقى منقوصا وتتخلله جملة من الاخلالات التي تحرم هذه الفئة من التمتع والانتفاع بنفس الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من المواطنين التونسيين.
ومن أبرز القوانين ذات الأولوية وغير المطبقة أو التي لا يتم متابعتها، القانون عدد 41 لسنة 2016، الذي خصص 2% من التعيينات السنوية للأشخاص ذوي وذوات الإعاقة في القطاع العام ونفس النسبة تم تحديدها بجميع الشركات العامة والخاصة، غير انه قلما يتم الإعلان عن البيانات الإحصائية في هذا الغرض لتتحقق من مدى تطبيق القانون المذكور.
وطبقا للبيانات الصادرة عن تفقدية الشغل، تعكس لنا أرقام الفترة ما بين سنتي 2010 و2014 منحى تنازليا في تطبيق هذا القانون ففي الواقع، من بين 774787 عاملا تمت مراقبتهم سنة 2010 لا نجد ن سوى 897 حامل إعاقة وانخفض هذا الرقم إلى 184 عاملا حاملين للإعاقة سنة 2014 من بين الـ 448582 عاملا الذين تمت مراقبتهم.
وقد أوصت اللجنة الدولة التونسية بمراجعة القوانين التي تجيز الوكالة والوصاية وبأن تتخذ إجراءات لوضع قوانين وسياسات يُستعاض بها عن نظام الوكالة/الوصاية في اتخـاذ القرار بنظام المساعدة على اتخاذ القرار. وتوصي اللجنة كذلك بأن توفّر الدولة التونسية التدريب على هذه المسألة للمسؤولين العامين المعنيين وكافة الجهات صاحبة المصلحة.
كما تشدد اللجنة على الأحكام التشريعية التي تجيز الحرمان مـن الحرية بسبب الإعاقة، بما في ذلك الإعاقة النفسية – الاجتماعية أو الذهنيـة. وتوصـي اللجنة كذلك بأن تقوم الدولة الطرف، في انتظار وضع تشريعات جديدة، باسـتعراض جميع حالات الأشخاص ذوي الإعاقة المحرومين من حريتهم والمودعين في مستـشفيات أو مؤسسات متخصصة، وبأن تتيح لهؤلاء الأشخاص إمكانية استئناف القرارات القاضـية بحرمانهم من الحرية.
كما تدعو اللجنة إلى كفالة إمكانية لجوء الأشخاص من ذوي الإعاقة إلى القضاء فعليا، وتشجع الدولة التونسية على التدريب المناسب للعاملين في مجال إقامة العدل، ومن ضمنهم الشرطة وموظفو السجون.
رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة لـ"الصباح": إقصاء وحرمان من الحق في التعلم.. والمناهج التعليمية تشكو من ضعف شديد
يجد حاملو وحاملات الإعاقة صعوبات جمة في مسارات التحصيل العلمي في مؤسسات التعليم العمومي، أين تلفظ المنظومة التربوية المعتمدة في مدارسنا العمومية اغلب التلاميذ المختلفين ممن يعانون من إعاقات، سمعية أو بصرية أو ذهنية، على غرار مرضى التوحد. والتي تقول وتؤكد جميع البروتوكولات الدولية أنهم قادرون على التعلم في المسارات التربوية العادية وانه من الضروري إدراج آليات إدماجهم في مختلف المناهج التعليمية المعتمدة.
وتعد فئة الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة السمعية نحو الـ 120 ألف شخص في تونس وفقا لما أفاد به "الصباح" حسان علوي رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة، وتعتمد في تواصلها على لغة الإشارة والتواصل الشامل. وأفاد أن 90% منهم لا يعرفون لا القراءة ولا الكتابة وهم وهن بصدد مواجهة ضعف شديد في اعتماد لغة الإشارة سواء في المؤسسات العامة أو الخاصة.
وكشف علوي أن ذوي وذوات الإعاقة السمعية يفترض أن يكونوا من الفئات التي تتلقى وتتمتع بنفس المسار التعليمي لبقية الأطفال داخل المدارس العمومية أو الخاصة. على أساس مبدإ تكافؤ الفرص والحق في التعليم، باعتبارهم أشخاصا لهم القدرة على اكتساب نفس التحصيل المعرفي لبقية التلاميذ في حالة وفرت الدولة ومؤسساتها التربوية محيطا تربويا مهيئا لهم ولطبيعة الإعاقة التي لديهم واخذ المربي عند تقديمه لبرنامجه التعليمي بعين الاعتبار أن أحد تلاميذه من ذوي أو ذوات الإعاقة السمعية.
ويعتبر حسام علوي أن المناهج التعليمية المعتمدة تشكو من ضعف شديد، وتعكس سياسية عامة للدولة التونسية تعامل فيها ذوي وذوات الإعاقة السمعية كمواطن درجة ثانية، يتم انتهاك حقه في التعليم ويتعرض للتنمر وتنفره من كل مكونات الشأن العام، فالدولة التونسية لا توفر أخصائيين لمساعدة هذه الفئة على الاندماج من منطقين وأخصائيين اجتماعيين ونفسيين ومختصين في لغة الإشارة، في الوقت الذي كان من المفترض أن يعتمد الربي في تقديم درسه في حال كان لديه طفل من فاقدي السمع، على محامل بصرية إلى جانب الكتابة وهي آلية تعلم موجهة للأطفال المتوحدين وفاقدي السمع بمختلف نسبه العميقة أو النسبية.
رئيس جمعية أبصار لـ"الصباح": وزارة التربية لا توفر أي تجهيزات مساعدة للتلميذ الكفيف
مازالت تونس تعتمد على مركز خاص لتعليم فاقدي البصر، رغم أنهم أيضا من الفئات الحاملة للإعاقة القادرة على الاندماج في المسارات العادية والطبيعية للتعليم، ويعتبر محمد المنصوري رئيس جمعية إبصار في لقائه بـ"الصباح" أن مسارات التمدرس في حد ذاتها تنقسم إلى نوعين، مسار عادي للتمدرس وآخر خاص عازل، موجه إلى ذوي وذوات الإعاقة والتي منها الإعاقة البصرية.
والمؤسسات التربوية المعنية بتعليم المكفوفين لا تمت بأي صلة حسب المنصوري إلى التعليم المندمج. فهي مراكز تدريس تضم أكثر من 70% من المدرسين من المكفوفين، كل التلاميذ فيها في المرحلة الابتدائية والثانوية فاقدين للبصر أو بحالات نقص نظر متقدمة. وزارة التربية تتعامل معهم في غياب كلي للمفهوم الحقوقي للتعليم، بعيدا كل البعد عن مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ أو الجنسين.
ويوضح المنصوري أنه بداية المكفوف لا يتلقى تعليمه في بيئته أو قرب عائلته، فهو مضطر لمغادرة منزله وأسرته في سن الـ6 سنوات من اجل تلقي تعليمه الابتدائي والثانوي كمقيم في 3 مراكز أساسية على مستوى الجمهورية، هي بن عروس وسوسة وقابس مع تجربة جديدة في صفاقس أطلق عليها تجربة دامجة، وليس لها أي علاقة بالإدماج أين تم إحداث قسم باكالوريا لذوي وذوات الإعاقة البصرية في احد معاهد صفاقس، مع تغييب تام لكل آليات الإدماج، قسم من المكفوفين بأساتذة من المكفوفين معزولين ليس بينهم وبين بقية مكونات المعهد أي تعامل، في الوقت الذي كان يفترض أن الهدف من الإدماج يكون عبر خلق الاختلاط بين التلامذة المكفوفين وبين بقية التلاميذ في المعهد، ليتقاسموا معهم مقاعد الدراسة وفضاءات الترفيه وفترة الاستراحة داخل ساحة المعهد..
ويضيف رئيس جمعية إبصار أن وزارة التربية الفاعل الأول فيما يتصل بالتحصيل العلمي للمكفوفين، لا تحترم أسس التعليم وهي القراء والكتابة بلغة براي، وغير مواكبة للتطور التكنولوجي، ولا توفر أي تجهيزات مساعدة للتلميذ الكفيف، وتجبر جميع التلامذة المكفوفين على شعبة وحيدة وهي الآداب، ولا تراعي خلال كل المسار التعليمي هذه الفئات الاجتماعية الفقيرة ـ الفقر والإعاقة أمران متلازمان ـ وأن تكلفة الطفل الحامل للإعاقة أكثر بـ3 أو 4 مرات من تكلفة الطفل العادي وأن عددا كبيرا منهم يغادر مقاعد الدراسة نتيجة فقره وعدم قدرته على توفير تغطية كلفة تعلميه.
وحتى الناجحين من المكفوفين في الباكالوريا فإنهم يضطرون خلال الدراسة التخصص فقط كمدلك وقليلة جدا هي النسبة التي تدرس تخصصا آخر كالعربية والشريعة والانقليزية، باعتبار أن المكفوف ليس له الحق في اختيار غير شعبة الآداب على خلفية عدم توفير وزارة التربية لأي محامل أو كتب بصيغة البراي، ومثل وزارة التربية تكتفي وزارة التعليم العالي أيضا في تعاملها مع المكفوفين بالأدنى. ولا توفر أي محامل خاصة بهم وتحرمهم من أي رغبة أو حلم في التخصص في شعب مبنية على ما هو بصري كالجغرافيا والتاريخ مثلا..
وحسب تقرير وضع الطفولة في تونس الصادر عن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، يبقى ولوج الفتيات من ذوات الإعاقة ضعيفا للغاية في تونس وخاصة في المناطق الريفية، وتكون نسبة الذكور في المرحلة الإعدادية في حدود الـ 66% في الوقت الذي لا تمثل فيه الإناث إلا نسبة 34% فقط. ويقر التقرير بعدم وجود تكافؤ في الفرص بين الإناث والذكور من حاملي الإعاقة وذلك بسبب عدم تهيئة المدارس الدامجة وملاءمة الفضاءات لاحتضان التلاميذ المعنيين في المرحلة الابتدائية والإعدادية وبالمعاهد، وضمان تكوين خصوصي لهم ولهن. ويشير التقرير إلى أن برنامج الإدماج المدرسي لحاملي وحاملات الإعاقة لم يرتق بعد إلى المستوى المطلوب ولا يستجيب لحاجيات التلاميذ. وهو ما يتسبب في تسجيل نسب تسرب عالية في صفوف التلاميذ من ذوي وذوات الإعاقة وتكون الظاهرة أعمق في صفوف الإناث منهم.
وتوصي في ما يتعلق بالتعليم والتعلم اللجنة الدولية الدولة التونسية باتخاذ تدابير تكفل تمتع الأشخاص من ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين بالحق في حرية التعبير والرأي، وأن توفر في هذا الصدد معلومات موجهة لعامة الناس تتخذ أشكالاً متيسرة وتقر - في حالة الصم وذوي الإعاقـة الـسمعية والـصم المكفوفين - استخدام لغة الإشارة وتشجعهم، وأن تضاعف جهودها من أجل إدماج البنات والبنين من ذوي الإعاقة في مختلف المدارس، وأن تخصص الموارد المالية والبشرية الكافية لتنفيـذ البرنـامج الـوطني للإدماج المدرسين للأطفال ذوي الإعاقة.
ولم تقدم تونس في العموم تحفظات تذكر في علاقة بالتوصيات التي وجهت لها في علاقة باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، غير أنها أيضا لم تتقدم في تنفيذها كثيرا، وتعتبر اللجنة الدولية أن المسارات السياسية المتقلبة وحالة عدم الاستقرار من الأمور التي من شانها أن تحول دون تقدم وتحسين وضع حاملي وحاملات الإعاقة في تونس.
توصيات دولية ووطنية لم تنفذ بعد
من ضمن التوصيات التي انبثقت عن تقرير اللجنة البرلمانية الخاصة بشؤون ذوي الإعاقة والفئات الهشة لسنة 2016 لفائدة تونس، يمكن أن نذكر مراجعة وتحيين بعض النصوص القانونية التي لم تعد تتماشى والتطور العلمي والقانوني في مجال الإعاقة بما يتلاءم والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومزيد الإحاطة بالجمعيات العاملة في مجال الإعاقة وتسهيل النفاذ إلى الوثائق المتعلقة بالتمويل العمومي، وتعصير نفاذ المعوقين إلى المرافق العمومية، وتدعيم مراكز التأهيل بما يلزمها من إطارات مختصة في عديد المجالات ذات الصلة وضرورة تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة بالمؤسسات المحلية والمجالس البلدية، والإدماج المدرسي للمعوقين، وتأهيل الإطار الإداري التربوي بالمدارس الدامجة للتعامل مع ذوي الإعاقة، والتكثيف من العمل الاستقصائي للكشف المبكر عن الإعاقة وتيسير الإجراءات والمسالك للتعجيل بتمكين الطفل الحامل للإعاقة من العلاج والتأهيل المبكر، ووضع متخصصين في لغة الإشارة بمختلف المرافق العمومية، وتهيئة المحيط والعمل على سد الثغرات التي تحول دون وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى جميع المرافق والخدمات (النقل - الترفيه - الرياضة...) ، ومراجعة سياسة الدولة بخصوص تشغيل ذوي الإعاقة، وتمكين كل ذوي إعاقة في حالة بطالة من منحة العائلات المعوزة، وتمكين ذوي وذوات الإعاقة من العلاج المجاني بالمستشفيات العمومية، وإدراج إصلاح منظومة التعليم والتكوين بمراكز التأهيل ضمن إصلاح المنظومة التربوية ووضع الآليات الضرورية لمراقبة مدى تطبيق القوانين الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة.
كما يخصص التقرير نقطة للنساء ذوات الإعاقة التي تفيد المعطيات الواردة في حقهن، وجود صورة سلبية سائدة لهن داخل الأسـرة والمجتمع، وأمام الضغوط الثقافية والتقليدية والأسرية يتم التشجيع علـى حجـب النـساء ذوات الإعاقة عن الأنظار وتحول بينهن وبين الحصول على بطاقة إعاقة، وبالتالي تحدّ مـن فـرص مشاركتهن في المجتمع وتفجير طاقاتهن بالكامل.
وينبه في نفس الوقت إلى خطورة عدم إيلاء مسالة العنف المسلط على الأطفال من حاملي الإعاقة الأهمية اللازمة خاصة انه لم تصدر أي أرقام جديدة في علاقة بهذه الظاهرة الخطيرة ما بعد الدراسة الاستقصائية المتعددة المؤشرات التي تم إعدادها سنة 2006 وبينت أن نسبة 94% من الأطفال من حاملي الإعاقة الذين تتراوح أعمارهم بين السنتين والـ14 عاما يتعرضون داخل الأسرة لأساليب تأديب تقوم على العنف اللفظي والبدني والحرمان..
ويعتبر تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "الالتزام وفك الالتزام تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة"، أن السياسات العمومية للدولة لم تتمكن من الإفلات من دوامة حلول الإصلاح قصيرة المدى في محاولتها للوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها في قضية الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويعتبر نفس التقرير انه من الضروري أن ينبع الالتزام من الهياكل الملحقة بالسلطة المركزية، والهياكل القادرة في نفس الوقت على خلق ديناميكيات مجتمعية جديدة ليس فقط من حيث الإدراك بل كذلك من حيث تأثير الجهات الفاعلة العمومية من أجل ضمان إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس وتمتعهم بحياة شاملة تصون كرامتهم.
إعادة النظر في تعريف الإعاقة قد يرفع نسبة حاملي الإعاقة في تونس إلى 30%..
تونس- الصباح
لا يتوفر في أغلب المحطات الرئيسية بالعاصمة منفذ أو طريق لحاملي الإعاقة الجسدية ومستقلي الكراسي المتحركة، كما لا يوجد حتى في المحطات الكبرى والرئيسية أي لافتة إرشادية موجهة لفاقدي السمع، ولا تعتمد أيا من حافلات النقل العمومي آلية الإنذار الصوتي الخاص بفاقدي البصر الذي يكون دوره الإعلان عن قدوم الحافلة وتحديد عددها أو اتجاهها..
وفي جولة وسط مختلف المدن التونسية، يمكن بسهولة الوقوف على افتقار السواد الأكبر من المرافق العمومية والإدارات التونسية، من مقرات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى الفروع البنكية والمدارس والمعاهد، والمراكز الصحية والمؤسسات الاستشفائية والمحاكم ومراكز الأمن العمومي.. إلى مسارات مخصصة لحاملي الإعاقة باختلافاتها الجسدية أو الذهنية أو البصرية أو السمعية.. الأمر الذي يجعل هذه الفئة من التونسيين والتونسيات يواجهون صعوبات في الولوج إلى المرافق العمومية، ومحرومون من حقوقهم الدنيا خارج دائرة المساواة والعدالة والإنصاف، ومن المفروض أن تسهر على تطبيقها مختلف هياكل الدولة بين جميع التونسيين والتونسيات.
ويعتبر تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "الالتزام وفك الالتزام تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة"، في تشخيصه لواقع الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة، أن الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئة "يصطدم في تونس بمختلف أنواع العقبات، بدءا من عدم القدرة على دخول المباني ووسائل النقل وصولا إلى الأحكام المسبقة والتمييز والنبذ الاجتماعي، بالإضافة إلى عدم توفير الأجهزة والتقنيات المساعدة وعدم ملاءمة وسائل الاتصال وقصور الخدمات العامة". ويعمق حسب نفس التقرير الفقر مخاطر الإعاقة من خلال تقليص فرص الوصول إلى التعليم والعمل والرواتب اللائقة، كما تبلغ كلفة المعيشة مستويات أعلى بالنسبة لحاملي الإعاقة في تونس وترتفع معدلات البطالة للأشخاص ذوي الإعاقة إلى حدود الـ40% حسب معطيات الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل.
ويقول حسام علوي رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة في تصريح لـ"الصباح"، أن دمج ذوي وذوات الإعاقة في المجتمع يجب أن يشمل كلّ تفاصيل ومتطلبات الحياة الكريمة من تعليم، وأن تكون الحظوظ متساوية في الوصول للحقوق العامة والتي منها التعليم والتشغيل والصحة والنقل والعدالة..
ويعتبر أن واقع الحال في تونس هو العكس تماما فمازالت تواجه هذه الفئة، حسب تقييمه، الإقصاء والتهميش على مستوى وسائل النقل مثلاً، أين تغيب في المحطات وداخل وسائل النقل العمومية كل علامات الإرشاد والتوجيه لذوي الإعاقة الحسية والعضوية، والمتمثلة في الصوت الناطق، وفي لوحات الإرشاد، والمصاعد المخصصة. كما تمتنع المنظومة التربوية إلى غاية اليوم عن استيعاب ذوي الإعاقة البصرية والسمعية ومستويات من حالات التوحد الذين تقول كل البروتوكولات الدولية أنهم قادرون على التعلم في المسارات التربوية العادية.
ويكون الوضع حسب حسام علوي أكثر تعقيدا واقل إنصافا في علاقة بالولوج للصحة أين يجد حاملو الإعاقة السمعية مثلا صعوبات جمة في تشخيص حالاتهم الصحية فلا يسعى الإطار الطبي إلى بذل أي جهة من أجل فهمهم أو سؤالهم عن وضعهم وأصل عللهم، ونفس الإقصاء تجده هذه الفئة في ما يتصل بالعدالة والشكايات والمحاكم أين لا يتوفر في مختلف المرافق المتصلة بالولوج للعدالة مختصين في لغة الإشارة أو مرافقين نفسيين أو مسهلي فهم لتبسيط التواصل مع هذه الفئات ذات الخصوصية.
ويأسف رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة، من عدم تغيير الوضع على امتداد السنوات الماضية في علاقة بذوي وذوات الإعاقة فإلى اليوم مازال ينظر لهم ولهن، كحالة اجتماعية لا إنسانية، والانجاز الأهم للدولة فيما يخصهم هو تمكينهم من منح أو مساعدات خاصة.
إعداد ريم سوودي
غياب إحصاءات رسمية..
ولا تمتلك الدولة التونسية باختلاف هياكلها المعنية إحصائيات رسمية تحدد بشكل دقيق نسبة وعدد هذه الفئة من حاملي الإعاقات المختلفة.
وفي الوقت الذي يحدد التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014، نسبة الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة في تونس بـ2.1% من عدد السكان في تونس، تقدر منظمة الصحة العالمية نسبة الانتشار العالمي للإعاقة بنحو الـ 15% ويحدد العاملون على مسّألة الإعاقة في تونس العدد بما لا يقل عن المليون شخص أي ما يمثل نسبة الـ 10% من التونسيين. وحسب دراسة أجرتها المنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة بالشراكة مع أعضاء مجموعة العمل المكلفة بإحصائيات الإعاقة سنة 2017 على ولاية منوبة، وكان على رأسها وزارة الشؤون الاجتماعية والمعهد الوطني للإحصاء والمجلس الوطني للإحصاء، وفقا للمعايير المحددة في المعيار العالي لتعقب الرعاية الصحية، تم تحديد نسبة الانتشار الفعلي في نطاق 4.1 و12.7 على الأقل وهو ما يمثل أضعاف ما تم تحديده في التعداد العام للسكان والسكنى السابق ذكره.
وحسب إحصائيات تنتظر التحيين بعد التعداد المعمق لحاملي وحاملات الإعاقة التي تعهدت وزارة الشؤون الاجتماعية بإنجازها السنة الجارية 2013 ولم تكشف عن نتائجه بعد، فان 46% من ذوي وذوات الإعاقة من حاملي إعاقة عضوية و27% من حاملي إعاقة ذهنية و12% من المصابين بالصمم و11% من فاقدي البصر و4% من متعددي الإعاقة. وهي فئات تعاني من تفش كبير للامية فلا تتجاوز مثلا نسبة المتعلمين في فئة الصم الـ 10% أما في فئة فاقدي البصر فالنسبة ترفع لتصل ضعف ذلك أي نحو الـ20%، ويواجه غالبية حالات التوحد في مسارات التعلم الحالية غير المؤهلة تسربا مدرسيا مبكرا يكون في الغالبية خلال المرحلة الابتدائية..
وللإشارة دعت اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص من ذوي الإعاقة في ملاحظاتها الختامية الموجه عبر التقرير الأخير للدولة التونسية، إلى "أن تعيد النظر في تعريفها للإعاقة وأن تعيد صياغتها بالاستناد إلى الاتفاقية"، نظرا إلى أن التعريف المعتمد اليوم بصدد إقصاء أو استبعاد أشخاص مشمولين بالحماية التي تكفلها الاتفاقية، وخاصة منهم الأشخاص الذين يعانون من إعاقة نفسية اجتماعية (مرض عقلي) أو ذهنية أو غيرهم ممن لا يحصلون على البطاقة بسبب الإعاقة أو نتيجة عوامل أخرى متصلة بالإعاقة.
ويرجح عدد من المشتغلين والباحثين في مجال الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة، أن اعتماد تونس للتعريف المعتمد في اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة، من شأنه أن يضاعف عددهم، وقد يصل حد الـ30% من المجتمع وهو أمر تتفاداه مختلف هياكل الدولة التونسية إلى غاية الآن، لما يمكن أن يخلفه من كلفة مادية والتزامات تعجز عن تغطيتها.
وحسب الأمم المتحدة يعيش 80% من أصل مليار شخص من ذوي الإعاقة في البلدان النامية. ويُقدر نفس المصدر أن 46% من المسنين الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر هم من ذوي الإعاقة. كما يُحتمل أن تعاني واحدة من كل خمس نساء من إعاقة ما في أثناء حياتها، بينما يعاني واحد من كل عشرة أطفال من الإعاقة.
قوانين غير مطبقة
حافظ الدستور الجديد لسنة 2022، على الفصل الخاص بالأشخاص من ذوي الإعاقة في باب الحقوق والحريات ليرد في الفصل الـ 54 منه "تحمي الدولة الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز، وتتخذ كل التدابير التي تضمن لهم الاندماج الكامل في المجتمع"، وهو ما يعد خطوة إيجابية ثمنتها مختلف المنظمات الدولية.
وتعتبر تونس من الدول الأوائل التي صادقت على اتفاقية حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري المتعلق بهذه الاتفاقية، وتضم ترسانتها القانونية جملة من القوانين والفصول الضامنة والراعية لحقوق حاملي وحاملات الإعاقة. غير أن الجانب التطبيقي يبقى منقوصا وتتخلله جملة من الاخلالات التي تحرم هذه الفئة من التمتع والانتفاع بنفس الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من المواطنين التونسيين.
ومن أبرز القوانين ذات الأولوية وغير المطبقة أو التي لا يتم متابعتها، القانون عدد 41 لسنة 2016، الذي خصص 2% من التعيينات السنوية للأشخاص ذوي وذوات الإعاقة في القطاع العام ونفس النسبة تم تحديدها بجميع الشركات العامة والخاصة، غير انه قلما يتم الإعلان عن البيانات الإحصائية في هذا الغرض لتتحقق من مدى تطبيق القانون المذكور.
وطبقا للبيانات الصادرة عن تفقدية الشغل، تعكس لنا أرقام الفترة ما بين سنتي 2010 و2014 منحى تنازليا في تطبيق هذا القانون ففي الواقع، من بين 774787 عاملا تمت مراقبتهم سنة 2010 لا نجد ن سوى 897 حامل إعاقة وانخفض هذا الرقم إلى 184 عاملا حاملين للإعاقة سنة 2014 من بين الـ 448582 عاملا الذين تمت مراقبتهم.
وقد أوصت اللجنة الدولة التونسية بمراجعة القوانين التي تجيز الوكالة والوصاية وبأن تتخذ إجراءات لوضع قوانين وسياسات يُستعاض بها عن نظام الوكالة/الوصاية في اتخـاذ القرار بنظام المساعدة على اتخاذ القرار. وتوصي اللجنة كذلك بأن توفّر الدولة التونسية التدريب على هذه المسألة للمسؤولين العامين المعنيين وكافة الجهات صاحبة المصلحة.
كما تشدد اللجنة على الأحكام التشريعية التي تجيز الحرمان مـن الحرية بسبب الإعاقة، بما في ذلك الإعاقة النفسية – الاجتماعية أو الذهنيـة. وتوصـي اللجنة كذلك بأن تقوم الدولة الطرف، في انتظار وضع تشريعات جديدة، باسـتعراض جميع حالات الأشخاص ذوي الإعاقة المحرومين من حريتهم والمودعين في مستـشفيات أو مؤسسات متخصصة، وبأن تتيح لهؤلاء الأشخاص إمكانية استئناف القرارات القاضـية بحرمانهم من الحرية.
كما تدعو اللجنة إلى كفالة إمكانية لجوء الأشخاص من ذوي الإعاقة إلى القضاء فعليا، وتشجع الدولة التونسية على التدريب المناسب للعاملين في مجال إقامة العدل، ومن ضمنهم الشرطة وموظفو السجون.
رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة لـ"الصباح": إقصاء وحرمان من الحق في التعلم.. والمناهج التعليمية تشكو من ضعف شديد
يجد حاملو وحاملات الإعاقة صعوبات جمة في مسارات التحصيل العلمي في مؤسسات التعليم العمومي، أين تلفظ المنظومة التربوية المعتمدة في مدارسنا العمومية اغلب التلاميذ المختلفين ممن يعانون من إعاقات، سمعية أو بصرية أو ذهنية، على غرار مرضى التوحد. والتي تقول وتؤكد جميع البروتوكولات الدولية أنهم قادرون على التعلم في المسارات التربوية العادية وانه من الضروري إدراج آليات إدماجهم في مختلف المناهج التعليمية المعتمدة.
وتعد فئة الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة السمعية نحو الـ 120 ألف شخص في تونس وفقا لما أفاد به "الصباح" حسان علوي رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة، وتعتمد في تواصلها على لغة الإشارة والتواصل الشامل. وأفاد أن 90% منهم لا يعرفون لا القراءة ولا الكتابة وهم وهن بصدد مواجهة ضعف شديد في اعتماد لغة الإشارة سواء في المؤسسات العامة أو الخاصة.
وكشف علوي أن ذوي وذوات الإعاقة السمعية يفترض أن يكونوا من الفئات التي تتلقى وتتمتع بنفس المسار التعليمي لبقية الأطفال داخل المدارس العمومية أو الخاصة. على أساس مبدإ تكافؤ الفرص والحق في التعليم، باعتبارهم أشخاصا لهم القدرة على اكتساب نفس التحصيل المعرفي لبقية التلاميذ في حالة وفرت الدولة ومؤسساتها التربوية محيطا تربويا مهيئا لهم ولطبيعة الإعاقة التي لديهم واخذ المربي عند تقديمه لبرنامجه التعليمي بعين الاعتبار أن أحد تلاميذه من ذوي أو ذوات الإعاقة السمعية.
ويعتبر حسام علوي أن المناهج التعليمية المعتمدة تشكو من ضعف شديد، وتعكس سياسية عامة للدولة التونسية تعامل فيها ذوي وذوات الإعاقة السمعية كمواطن درجة ثانية، يتم انتهاك حقه في التعليم ويتعرض للتنمر وتنفره من كل مكونات الشأن العام، فالدولة التونسية لا توفر أخصائيين لمساعدة هذه الفئة على الاندماج من منطقين وأخصائيين اجتماعيين ونفسيين ومختصين في لغة الإشارة، في الوقت الذي كان من المفترض أن يعتمد الربي في تقديم درسه في حال كان لديه طفل من فاقدي السمع، على محامل بصرية إلى جانب الكتابة وهي آلية تعلم موجهة للأطفال المتوحدين وفاقدي السمع بمختلف نسبه العميقة أو النسبية.
رئيس جمعية أبصار لـ"الصباح": وزارة التربية لا توفر أي تجهيزات مساعدة للتلميذ الكفيف
مازالت تونس تعتمد على مركز خاص لتعليم فاقدي البصر، رغم أنهم أيضا من الفئات الحاملة للإعاقة القادرة على الاندماج في المسارات العادية والطبيعية للتعليم، ويعتبر محمد المنصوري رئيس جمعية إبصار في لقائه بـ"الصباح" أن مسارات التمدرس في حد ذاتها تنقسم إلى نوعين، مسار عادي للتمدرس وآخر خاص عازل، موجه إلى ذوي وذوات الإعاقة والتي منها الإعاقة البصرية.
والمؤسسات التربوية المعنية بتعليم المكفوفين لا تمت بأي صلة حسب المنصوري إلى التعليم المندمج. فهي مراكز تدريس تضم أكثر من 70% من المدرسين من المكفوفين، كل التلاميذ فيها في المرحلة الابتدائية والثانوية فاقدين للبصر أو بحالات نقص نظر متقدمة. وزارة التربية تتعامل معهم في غياب كلي للمفهوم الحقوقي للتعليم، بعيدا كل البعد عن مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ أو الجنسين.
ويوضح المنصوري أنه بداية المكفوف لا يتلقى تعليمه في بيئته أو قرب عائلته، فهو مضطر لمغادرة منزله وأسرته في سن الـ6 سنوات من اجل تلقي تعليمه الابتدائي والثانوي كمقيم في 3 مراكز أساسية على مستوى الجمهورية، هي بن عروس وسوسة وقابس مع تجربة جديدة في صفاقس أطلق عليها تجربة دامجة، وليس لها أي علاقة بالإدماج أين تم إحداث قسم باكالوريا لذوي وذوات الإعاقة البصرية في احد معاهد صفاقس، مع تغييب تام لكل آليات الإدماج، قسم من المكفوفين بأساتذة من المكفوفين معزولين ليس بينهم وبين بقية مكونات المعهد أي تعامل، في الوقت الذي كان يفترض أن الهدف من الإدماج يكون عبر خلق الاختلاط بين التلامذة المكفوفين وبين بقية التلاميذ في المعهد، ليتقاسموا معهم مقاعد الدراسة وفضاءات الترفيه وفترة الاستراحة داخل ساحة المعهد..
ويضيف رئيس جمعية إبصار أن وزارة التربية الفاعل الأول فيما يتصل بالتحصيل العلمي للمكفوفين، لا تحترم أسس التعليم وهي القراء والكتابة بلغة براي، وغير مواكبة للتطور التكنولوجي، ولا توفر أي تجهيزات مساعدة للتلميذ الكفيف، وتجبر جميع التلامذة المكفوفين على شعبة وحيدة وهي الآداب، ولا تراعي خلال كل المسار التعليمي هذه الفئات الاجتماعية الفقيرة ـ الفقر والإعاقة أمران متلازمان ـ وأن تكلفة الطفل الحامل للإعاقة أكثر بـ3 أو 4 مرات من تكلفة الطفل العادي وأن عددا كبيرا منهم يغادر مقاعد الدراسة نتيجة فقره وعدم قدرته على توفير تغطية كلفة تعلميه.
وحتى الناجحين من المكفوفين في الباكالوريا فإنهم يضطرون خلال الدراسة التخصص فقط كمدلك وقليلة جدا هي النسبة التي تدرس تخصصا آخر كالعربية والشريعة والانقليزية، باعتبار أن المكفوف ليس له الحق في اختيار غير شعبة الآداب على خلفية عدم توفير وزارة التربية لأي محامل أو كتب بصيغة البراي، ومثل وزارة التربية تكتفي وزارة التعليم العالي أيضا في تعاملها مع المكفوفين بالأدنى. ولا توفر أي محامل خاصة بهم وتحرمهم من أي رغبة أو حلم في التخصص في شعب مبنية على ما هو بصري كالجغرافيا والتاريخ مثلا..
وحسب تقرير وضع الطفولة في تونس الصادر عن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، يبقى ولوج الفتيات من ذوات الإعاقة ضعيفا للغاية في تونس وخاصة في المناطق الريفية، وتكون نسبة الذكور في المرحلة الإعدادية في حدود الـ 66% في الوقت الذي لا تمثل فيه الإناث إلا نسبة 34% فقط. ويقر التقرير بعدم وجود تكافؤ في الفرص بين الإناث والذكور من حاملي الإعاقة وذلك بسبب عدم تهيئة المدارس الدامجة وملاءمة الفضاءات لاحتضان التلاميذ المعنيين في المرحلة الابتدائية والإعدادية وبالمعاهد، وضمان تكوين خصوصي لهم ولهن. ويشير التقرير إلى أن برنامج الإدماج المدرسي لحاملي وحاملات الإعاقة لم يرتق بعد إلى المستوى المطلوب ولا يستجيب لحاجيات التلاميذ. وهو ما يتسبب في تسجيل نسب تسرب عالية في صفوف التلاميذ من ذوي وذوات الإعاقة وتكون الظاهرة أعمق في صفوف الإناث منهم.
وتوصي في ما يتعلق بالتعليم والتعلم اللجنة الدولية الدولة التونسية باتخاذ تدابير تكفل تمتع الأشخاص من ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين بالحق في حرية التعبير والرأي، وأن توفر في هذا الصدد معلومات موجهة لعامة الناس تتخذ أشكالاً متيسرة وتقر - في حالة الصم وذوي الإعاقـة الـسمعية والـصم المكفوفين - استخدام لغة الإشارة وتشجعهم، وأن تضاعف جهودها من أجل إدماج البنات والبنين من ذوي الإعاقة في مختلف المدارس، وأن تخصص الموارد المالية والبشرية الكافية لتنفيـذ البرنـامج الـوطني للإدماج المدرسين للأطفال ذوي الإعاقة.
ولم تقدم تونس في العموم تحفظات تذكر في علاقة بالتوصيات التي وجهت لها في علاقة باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، غير أنها أيضا لم تتقدم في تنفيذها كثيرا، وتعتبر اللجنة الدولية أن المسارات السياسية المتقلبة وحالة عدم الاستقرار من الأمور التي من شانها أن تحول دون تقدم وتحسين وضع حاملي وحاملات الإعاقة في تونس.
توصيات دولية ووطنية لم تنفذ بعد
من ضمن التوصيات التي انبثقت عن تقرير اللجنة البرلمانية الخاصة بشؤون ذوي الإعاقة والفئات الهشة لسنة 2016 لفائدة تونس، يمكن أن نذكر مراجعة وتحيين بعض النصوص القانونية التي لم تعد تتماشى والتطور العلمي والقانوني في مجال الإعاقة بما يتلاءم والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومزيد الإحاطة بالجمعيات العاملة في مجال الإعاقة وتسهيل النفاذ إلى الوثائق المتعلقة بالتمويل العمومي، وتعصير نفاذ المعوقين إلى المرافق العمومية، وتدعيم مراكز التأهيل بما يلزمها من إطارات مختصة في عديد المجالات ذات الصلة وضرورة تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة بالمؤسسات المحلية والمجالس البلدية، والإدماج المدرسي للمعوقين، وتأهيل الإطار الإداري التربوي بالمدارس الدامجة للتعامل مع ذوي الإعاقة، والتكثيف من العمل الاستقصائي للكشف المبكر عن الإعاقة وتيسير الإجراءات والمسالك للتعجيل بتمكين الطفل الحامل للإعاقة من العلاج والتأهيل المبكر، ووضع متخصصين في لغة الإشارة بمختلف المرافق العمومية، وتهيئة المحيط والعمل على سد الثغرات التي تحول دون وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى جميع المرافق والخدمات (النقل - الترفيه - الرياضة...) ، ومراجعة سياسة الدولة بخصوص تشغيل ذوي الإعاقة، وتمكين كل ذوي إعاقة في حالة بطالة من منحة العائلات المعوزة، وتمكين ذوي وذوات الإعاقة من العلاج المجاني بالمستشفيات العمومية، وإدراج إصلاح منظومة التعليم والتكوين بمراكز التأهيل ضمن إصلاح المنظومة التربوية ووضع الآليات الضرورية لمراقبة مدى تطبيق القوانين الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة.
كما يخصص التقرير نقطة للنساء ذوات الإعاقة التي تفيد المعطيات الواردة في حقهن، وجود صورة سلبية سائدة لهن داخل الأسـرة والمجتمع، وأمام الضغوط الثقافية والتقليدية والأسرية يتم التشجيع علـى حجـب النـساء ذوات الإعاقة عن الأنظار وتحول بينهن وبين الحصول على بطاقة إعاقة، وبالتالي تحدّ مـن فـرص مشاركتهن في المجتمع وتفجير طاقاتهن بالكامل.
وينبه في نفس الوقت إلى خطورة عدم إيلاء مسالة العنف المسلط على الأطفال من حاملي الإعاقة الأهمية اللازمة خاصة انه لم تصدر أي أرقام جديدة في علاقة بهذه الظاهرة الخطيرة ما بعد الدراسة الاستقصائية المتعددة المؤشرات التي تم إعدادها سنة 2006 وبينت أن نسبة 94% من الأطفال من حاملي الإعاقة الذين تتراوح أعمارهم بين السنتين والـ14 عاما يتعرضون داخل الأسرة لأساليب تأديب تقوم على العنف اللفظي والبدني والحرمان..
ويعتبر تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "الالتزام وفك الالتزام تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة"، أن السياسات العمومية للدولة لم تتمكن من الإفلات من دوامة حلول الإصلاح قصيرة المدى في محاولتها للوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها في قضية الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويعتبر نفس التقرير انه من الضروري أن ينبع الالتزام من الهياكل الملحقة بالسلطة المركزية، والهياكل القادرة في نفس الوقت على خلق ديناميكيات مجتمعية جديدة ليس فقط من حيث الإدراك بل كذلك من حيث تأثير الجهات الفاعلة العمومية من أجل ضمان إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس وتمتعهم بحياة شاملة تصون كرامتهم.