إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أحمد عبد الواحد أحمد سفير السودان في حديث لـ"الصباح": الحرب ستضع أوزارها .. سيعود السودانيون للمسار الديموقراطي .. سيعود الجيش إلى ثكناته وحميدتي مخالف للقانون

 

- لا بديل عن التفاوض والقبول بالآخر.. الشعب السوداني  سيختار من يحكمه ومكان الجيش في ثكناته لحماية الوطن

 -لا مجال لعودة الإسلام السياسي إلى السودان.. بعد سقوط البشير أصيب حميدتي بـ"تضخم" الأنا وتوهم أنه يمكن أن يتولى قيادة السودان

 - لا حاجة لأي وساطة من أي طرف كان..  والتدخلات تفتح الباب لفرض الشروط والضغوط

-مسار التطبيع مجمد والشعب السوداني رافض لهذا المسار

تونس الصباح

لليوم الرابع على التوالي تستمر الاشتباكات المسلحة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وسط مخاوف من نذر حرب أهلية وأزمة إنسانية كارثية للبلاد ... السودان البلد الأكبر إفريقيّاً قبل انفصال جنوب السودان عام 2011 تربطه حدود مع مصر وليبيا والتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان يسير على صفيح ساخن والصراع بين رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع حميدتي  تجاوزت مرحلة الخلافات الكلامية إلى استعمال السلاح والمدفعية  بعد أن بلغت حصيلة المواجهات المسلحة في الساعات القليلة الماضية المئاتي قتيل وألفي جريح.. فإلى أين يتجه المشهد السوداني وما هي السيناريوهات المحتملة وماذا وراء تأجيج الصراع في مثل هذا التوقيت وقبل أيام من الاحتفال بعيد الفطر؟، وهل يتجه السودان إلى مزيد الانقسامات؟ ولماذا رفضت الخارجية السودانية جهود الوساطة العربية والإفريقية والدولية؟، وماذا وراء تحذيرات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للبرهان؟ وماذا عن الدور الإسرائيلي فيما يحدث؟ هذه التساؤلات وغيرها كانت محور هذا اللقاء مع السيد احمد عبد الواحد احمد سفير جمهورية السودان الذي عمل سابقا في أوغندا والإمارات وليبيا والهند..

هذه التساؤلات وغيرها نقلناها إلى السفير السوداني احمد عبد الواحد احمد في لقاء خاطف عل هامش التطورات الخطيرة على ارض الواقع فكان هذا اللقاء.. وقد اعتبر محدثنا أن الأصل في الأشياء أن مكان الجيش في الثكنات بعد تنظيم الانتخابات وتحديد الشعب السوداني من يحكمه، موضحا في ذات الوقت أن نقطة الخلاف التي أججت الأزمة الراهنة تعود بسبب رفض قائد قوات الدعم السريع حميدتي كيفية إدماج قوات التدخل السريع في الجيش السوداني والهجوم المباغت الذي شنته قواته على مؤسسات الدولة..، وفيما يلي نص الحديث.

حور: اسيا العتروس

 

* ما الذي يحدث في السودان وهل يسير البلد إلى حرب جديدة؟

-أولا لا بد من التوضيح قبل الحديث عما يجري في السودان بشأن نشأة قوات الدعم السريع التي ظهرت بقانون يهدف لإنهاء التمرد في دارفور والنيل الأزرق ومنطقة كاردوفان وكان ذلك زمن الرئيس السابق البشير بعد أن تشتت جهود الجيش السوداني في ملاحقة وتطويق المتمردين. قوات الدعم السريع، كانت تقاتل باسم الحكومة السودانية خلال حرب دارفور في عام 2003، قبل أن تتشكل رسميًّا في عام  2013  تحت اسم القوات الخاصة للدعم السريع بهدف مكافحة حركات التمرد وهي تتميز بقدرتها الميدانية.

ولكن مع تفاقم الأوضاع الأمنية في السودان خلال الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2019، اتخذت حكومة الرئيس السوداني السابق عمر البشير قراراً بتعزيز قوات الدعم السريع وتحويلها إلى قوة عسكرية قوية ومستقلة، ولكن في عام 2019، أدى انتشار الاحتجاجات الشعبية وسقوط البشير، إلى إجراء تغييرات في القيادة العسكرية،يقود قوات الدعم السريع السودانية، الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي، وكانت في البداية تشمل خمسة آلاف مقاتل ولكنها اليوم بلغت مائة ألف مقاتل، وجمعت قوات التدخل السريع في صفوفها بعض المتطوعين من مختلف القبائل وكان بين هؤلاء حميدتي وهو رجل بسيط لا يعرف عنه انه من أصحاب التعليم أو الشهادات الجامعية وهو في الأصل تاجر ابل بين ليبيا والسودان وحصل في أواخر التسعينات أن تعرضت قافلته المتجهة إلى ليبيا للنهب فآل على نفسه الانتقام ووضع نفسه في خدمة الجيش وفعلا فقد استعان الجيش بخدماته لحماية الحدود في بعض الأوقات وكانت قوات الدعم السريع واغلبها من المتطوعين من شتى القبائل وخاصة قبيلة الرزويقات وكان حميدتي حليفا مقربا من البشير وهو من منحه رتبة عسكرية سامية لكفاءته ميدانيا وعندما استشعر حميدتي نهاية نظام البشير وان الميزان لم يعد لصالح البشير انضم للثوار..

* هل هو رجل المرحلة؟

-بعد سقوط نظام البشير بدأ حميدتي يشعر بأنه يجب أن يكون له موقع في المشهد ولازمه تضخم الأنا وأصبح لاحقا قائد فصيل ثم نائب رئيس المجلس العسكري الذي يترأسه البرهان وكانت الأمور تتجه إلى العمل المشترك وفق الوثيقة الدستورية التي وقعتها الحكومة الانتقالية كان يفترض تكوين برلمان انتقالي ومحكمة دستورية وانتخابات بعد عامين وكان يفترض أيضا أن تكون هناك حكومة تكنوقراط لإدارة المرحلة ولكن المسار الانتقالي فشل والحكومة فشلت وانفلت الأمن وازدادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تعقيدا مع ارتفاع الأسعار وانهيار الأمن وهو ما جعل البرهان يتدخل في 25 نوفمبر 2021 لحل الحكومة وإعلان حركة تصحيحية وهي فترة انتقالية أخرى وتم تشكيل حكومة تصريف أعمال ولكن حصلت تدخلات أجنبية وضغوطات وتواترت الاحتجاجات بشكل يومي فلم يكن هناك فرصة لإنهاء المسار والحكومة لم تتمكن من القيام بالتزاماتها. وظهر سياسيون لهم طموحات شخصية ولكن أحزابهم تفتقر لأي قاعدة شعبية وهو ما جعلهم يدعمون حميدي ويصورون له بأنه يمكن أن يكون القائد الأول في السودان فقد كان الجيش يمثل عقبة كأداء لهم وأول ما طالبوا به بدعوى الديموقراطية تفكيك الجيش السوداني واعتبروه جيش البشير بحجة انه يضم عناصر إسلامية.

* الأمر معركة نفوذ ومواقع وسلطة بين البرهان وحميدتي والجيش هو الأداة أليس كذلك؟

- أولا لا بد من التأكيد انه حتى إن كان هناك خلاف مع البرهان فانه لا خلاف مع الجيش. أثناء الثورة كان حميدتي على رأس نحو 5 آلاف من قوات التدخل السريع واليوم يقال انه على رأس مائة ألف وهي قوات شبه نظامية تتبع القوات المسلحة وتمكن حميدتي من إقامة شركات واستثمارات وهو يسيطر على جبل عامر اكبر منجم ذهب في السودان ومؤسساته تنقب وتصدر الذهب إلى الخارج وهو يتجه إلى امتلاك مدفعيات ومدرعات. والسبت الماضي قام بشكل مفاجئ بحشد آليات ومدفعيات حول قصر الرئاسة ومؤسسات الدولة وتحرك الجيش لرد الاعتداءات وحماية المواطنين..، البرهان لا يدافع عن موقع أو سلطة لكن ما حدث أن حميدي وهو رجل طموح جدا وبسيط جدا توهم انه بإمكانه أن يصبح رئيسا للسودان وهناك من السياسيين من زين له وأوهمه بذلك..

* لمن سيكون الحسم؟

-بالتأكيد للجيش السوداني ويمكنني التأكيد أن الكثيرين من قوات حميدتي نزعوا البدلة العسكرية وتخلوا عن قوات الدعم السريع ويريدون العودة إلى الحياة المدنية.

* هل تخشون حربا أهلية شاملة؟

-طبعا لا.. أمس بدأ الهدوء يعود إلى البلاد وبدأت الأسواق تستعيد نشاطها، بعض المواجهات مازالت مستمرة في محيط المطار وهناك بعض الاشتباكات في قلب الخرطوم وستحسم في الأيام القليلة القادمة. الشعب السوداني موحد حول الجيش حتى الذين كانوا ضد البرهان يدعمون الجيش اليوم لأنه وحده حامي الوطن والشعب.

*هناك تحذيرات أمريكية وأوروبية بعد الاعتداءات على ديبلوماسيين في السودان هل يمكن أن تتطور التحذيرات إلى تدخلات أجنبية؟

-فعلا حدثت اعتداءات على سيارات ديبلوماسية وكذلك منظمة الأغذية والزراعة وكان موقف السودان واضح وهو رفض هذه الاعتداءات وحماية الأجانب.

* لماذا رفضت الخارجية السودانية الوساطة العربية والدولية ومنها الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي؟

- المسألة لا تحتاج  أي وساطة من أي طرف كان، سيحسم الأمر داخليا والتدخلات تفتح الباب على مصراعيه لفرض شروط وضغوط لا نريدها ولدينا إثيوبيا كمثال حولنا وقد رفضت التدخلات الأجنبية وتمكنت من تجاوز خلافاتها. ستنتهي المعارك خلال أيام وتحسم الأمور للجيش السوداني الذي يبقى صمام الأمان وهو الذي خاض حروبا كثيرة وكسب دوما الرهان يمكن القول أن قوات الدعم السريع مشتتة اليوم وبلا قيادة ولا قوات ونحن نقترب من نهاية هذه المليشيات. سيحسم الأمر بين السودانيين والبرهان أكد انه ملتزم بالتفاوض مع الأطراف السياسية في السودان.

* وما هي السيناريوهات المحتملة؟

-الحرب ستضع أوزارها وسيعود السودانيون للمسار الديموقراطي وسيعود الجيش إلى ثكناته وسيتم  تنظيم انتخابات في موعدها وحميدتي مخالف للقانون.

* هل يمكن عودة الإسلام السياسي إلى الحكم في السودان؟

-لا أبدا هناك نص واضح يمنع مشاركة المؤتمر الوطني في الانتخابات في الفترة الانتقالية وبالتالي لا مجال إلى ذلك، المؤتمر الوطني هو حزب الإخوان وهو ممنوع من المشاركة في الانتخابات.

* هناك حديث عن تقدم في مسار التطبيع مع إسرائيل وهل قطع السودان مع لاءات الخرطوم نهائيا؟

-كانت هناك مشاورات قبل ثلاث سنوات ولكن لم يحدث أي تقدم لان هناك رفضا شعبيا للتطبيع. هناك اتهامات تلاحق حميدتي انه حصل على برنامج تجسس إسرائيلي. في البداية اتجه البرهان إلى الاعتراف بان هناك تحولا في مسار التطبيع شمل عديد الدول العربية ولكن الملف مجمد حاليا وهناك معارضة شعبية واضحة لهذا المسار.

* وماحكاية فاغنر في السودان؟

-فاغنر منظمة للمرتزقة تقدم خدماتها لمن يدفع أكثر وحميدتي يستفيد من خدماتها وبعض الدوائر تؤكد أن هناك علاقات بين حميدتي وفاغنر وقد زار روسيا في خضم الحرب وهو يتماهى مع الموقف الروسي، علما وأن السودان اختار موقعا محايدا في الأزمة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا وموقفنا واضح أن أوكرانيا دولة ذات سيادة.

* وماذا عن مطار مروي وما حقيقة التدخل المصري هناك؟

-لا وجود لأي تدخل مصري، هؤلاء ضباط مصريون متواجدون في إطار اتفاق بين البلدين للقيام بتدريبات مشتركة وهذا قائم بيننا وبين المصريين منذ زمن طويل وليست لدعم أي طرف ولكن حميدتي ضرب المطار.

* وماذا عن العلاقة مع جنوب السودان ألم يفقد السودان بانفصال الجنوب موقعه وقدراته وثرواته؟

-السودان كان قبل الانقسام اكبر بلد إفريقي اغلب الثروات البترولية ذهبت إلى الجنوب. الانقسام حصل بضغوط دولية ودعم أجنبي للمتمردين. قالوا إن الجنوب سيكون أكثر أمنا وسلما بعد الانفصال فحدث ما حدث من الخلافات والصراعات القبلية.

*هل يسير السودان إلى تقسيم المقسم وانفصال قادم لدارفور؟

-لن يكون ذلك.

* ما حكاية كنداكة وما هو دورها اليوم في السودان؟

-كنداكة نسبة إلى حضارة كش أول حضارة للإنسانية وهي حضارة النوبة أيضا وتعني الملكة والرمز والنضال والشابات السودانيات يستلهمن منها ذلك اليوم وكنداكة هي مثل كليوباترا في مصر وسبا في اليمن..

* الصورة القادمة من السودان كانت ولا تزال دائما انه بلد الفقر والمجاعات والتشرد؟

-هذه للأسف الصورة النمطية المتداولة وهي بعيدة كل البعد عن السودان الذي يمتلك طاقات بشرية وطبيعية كبيرة وله ثروات فلاحية كبيرة ومناجم ذهب والمجتمع السوداني عرف بناء أول الجامعات منذ 1902ولكن السودان منذ استقلاله ظل يعاني من مخلفات الاحتلال البريطاني وقانون المواثيق المكفولة وهي قوانين كارثية عززت عدم الاستقرار. منذ 1958  السودان يحارب ولم يتوفر له الوقت للبناء والأعمار واستثمار طاقاته عندما انتهت حرب الجنوب أشعلوا دارفور.

* كيف سيكون الحل ؟

-الجيش أعلن عن رغبته في تنظيم انتخابات في غضون 2023 ولا بديل عن الجلوس معا والتفاوض والقبول بالآخر. بعد الانتخابات سيقرر الشعب السوداني من يحكمه، مكان الجيش في ثكناته وحماية الوطن. نقطة خلاف البرهان مع حميدتي كانت حول كيفية إدماج ميليشيات الدعم السريع في الجيش وإعادة تأهليها وتدريبها وتكوينها على أن يكون ذلك خلال سنتين ولكن حميدتي رفض ذلك وأراد أن تكون عملية الدمج خلال عشر سنوات لإعادة تنظيم الجيش وهذا هو أصل الخلاف..

.

أحمد عبد الواحد أحمد سفير السودان في حديث لـ"الصباح":  الحرب ستضع أوزارها .. سيعود السودانيون للمسار الديموقراطي .. سيعود الجيش إلى ثكناته وحميدتي مخالف للقانون

 

- لا بديل عن التفاوض والقبول بالآخر.. الشعب السوداني  سيختار من يحكمه ومكان الجيش في ثكناته لحماية الوطن

 -لا مجال لعودة الإسلام السياسي إلى السودان.. بعد سقوط البشير أصيب حميدتي بـ"تضخم" الأنا وتوهم أنه يمكن أن يتولى قيادة السودان

 - لا حاجة لأي وساطة من أي طرف كان..  والتدخلات تفتح الباب لفرض الشروط والضغوط

-مسار التطبيع مجمد والشعب السوداني رافض لهذا المسار

تونس الصباح

لليوم الرابع على التوالي تستمر الاشتباكات المسلحة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وسط مخاوف من نذر حرب أهلية وأزمة إنسانية كارثية للبلاد ... السودان البلد الأكبر إفريقيّاً قبل انفصال جنوب السودان عام 2011 تربطه حدود مع مصر وليبيا والتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان يسير على صفيح ساخن والصراع بين رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع حميدتي  تجاوزت مرحلة الخلافات الكلامية إلى استعمال السلاح والمدفعية  بعد أن بلغت حصيلة المواجهات المسلحة في الساعات القليلة الماضية المئاتي قتيل وألفي جريح.. فإلى أين يتجه المشهد السوداني وما هي السيناريوهات المحتملة وماذا وراء تأجيج الصراع في مثل هذا التوقيت وقبل أيام من الاحتفال بعيد الفطر؟، وهل يتجه السودان إلى مزيد الانقسامات؟ ولماذا رفضت الخارجية السودانية جهود الوساطة العربية والإفريقية والدولية؟، وماذا وراء تحذيرات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للبرهان؟ وماذا عن الدور الإسرائيلي فيما يحدث؟ هذه التساؤلات وغيرها كانت محور هذا اللقاء مع السيد احمد عبد الواحد احمد سفير جمهورية السودان الذي عمل سابقا في أوغندا والإمارات وليبيا والهند..

هذه التساؤلات وغيرها نقلناها إلى السفير السوداني احمد عبد الواحد احمد في لقاء خاطف عل هامش التطورات الخطيرة على ارض الواقع فكان هذا اللقاء.. وقد اعتبر محدثنا أن الأصل في الأشياء أن مكان الجيش في الثكنات بعد تنظيم الانتخابات وتحديد الشعب السوداني من يحكمه، موضحا في ذات الوقت أن نقطة الخلاف التي أججت الأزمة الراهنة تعود بسبب رفض قائد قوات الدعم السريع حميدتي كيفية إدماج قوات التدخل السريع في الجيش السوداني والهجوم المباغت الذي شنته قواته على مؤسسات الدولة..، وفيما يلي نص الحديث.

حور: اسيا العتروس

 

* ما الذي يحدث في السودان وهل يسير البلد إلى حرب جديدة؟

-أولا لا بد من التوضيح قبل الحديث عما يجري في السودان بشأن نشأة قوات الدعم السريع التي ظهرت بقانون يهدف لإنهاء التمرد في دارفور والنيل الأزرق ومنطقة كاردوفان وكان ذلك زمن الرئيس السابق البشير بعد أن تشتت جهود الجيش السوداني في ملاحقة وتطويق المتمردين. قوات الدعم السريع، كانت تقاتل باسم الحكومة السودانية خلال حرب دارفور في عام 2003، قبل أن تتشكل رسميًّا في عام  2013  تحت اسم القوات الخاصة للدعم السريع بهدف مكافحة حركات التمرد وهي تتميز بقدرتها الميدانية.

ولكن مع تفاقم الأوضاع الأمنية في السودان خلال الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2019، اتخذت حكومة الرئيس السوداني السابق عمر البشير قراراً بتعزيز قوات الدعم السريع وتحويلها إلى قوة عسكرية قوية ومستقلة، ولكن في عام 2019، أدى انتشار الاحتجاجات الشعبية وسقوط البشير، إلى إجراء تغييرات في القيادة العسكرية،يقود قوات الدعم السريع السودانية، الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي، وكانت في البداية تشمل خمسة آلاف مقاتل ولكنها اليوم بلغت مائة ألف مقاتل، وجمعت قوات التدخل السريع في صفوفها بعض المتطوعين من مختلف القبائل وكان بين هؤلاء حميدتي وهو رجل بسيط لا يعرف عنه انه من أصحاب التعليم أو الشهادات الجامعية وهو في الأصل تاجر ابل بين ليبيا والسودان وحصل في أواخر التسعينات أن تعرضت قافلته المتجهة إلى ليبيا للنهب فآل على نفسه الانتقام ووضع نفسه في خدمة الجيش وفعلا فقد استعان الجيش بخدماته لحماية الحدود في بعض الأوقات وكانت قوات الدعم السريع واغلبها من المتطوعين من شتى القبائل وخاصة قبيلة الرزويقات وكان حميدتي حليفا مقربا من البشير وهو من منحه رتبة عسكرية سامية لكفاءته ميدانيا وعندما استشعر حميدتي نهاية نظام البشير وان الميزان لم يعد لصالح البشير انضم للثوار..

* هل هو رجل المرحلة؟

-بعد سقوط نظام البشير بدأ حميدتي يشعر بأنه يجب أن يكون له موقع في المشهد ولازمه تضخم الأنا وأصبح لاحقا قائد فصيل ثم نائب رئيس المجلس العسكري الذي يترأسه البرهان وكانت الأمور تتجه إلى العمل المشترك وفق الوثيقة الدستورية التي وقعتها الحكومة الانتقالية كان يفترض تكوين برلمان انتقالي ومحكمة دستورية وانتخابات بعد عامين وكان يفترض أيضا أن تكون هناك حكومة تكنوقراط لإدارة المرحلة ولكن المسار الانتقالي فشل والحكومة فشلت وانفلت الأمن وازدادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تعقيدا مع ارتفاع الأسعار وانهيار الأمن وهو ما جعل البرهان يتدخل في 25 نوفمبر 2021 لحل الحكومة وإعلان حركة تصحيحية وهي فترة انتقالية أخرى وتم تشكيل حكومة تصريف أعمال ولكن حصلت تدخلات أجنبية وضغوطات وتواترت الاحتجاجات بشكل يومي فلم يكن هناك فرصة لإنهاء المسار والحكومة لم تتمكن من القيام بالتزاماتها. وظهر سياسيون لهم طموحات شخصية ولكن أحزابهم تفتقر لأي قاعدة شعبية وهو ما جعلهم يدعمون حميدي ويصورون له بأنه يمكن أن يكون القائد الأول في السودان فقد كان الجيش يمثل عقبة كأداء لهم وأول ما طالبوا به بدعوى الديموقراطية تفكيك الجيش السوداني واعتبروه جيش البشير بحجة انه يضم عناصر إسلامية.

* الأمر معركة نفوذ ومواقع وسلطة بين البرهان وحميدتي والجيش هو الأداة أليس كذلك؟

- أولا لا بد من التأكيد انه حتى إن كان هناك خلاف مع البرهان فانه لا خلاف مع الجيش. أثناء الثورة كان حميدتي على رأس نحو 5 آلاف من قوات التدخل السريع واليوم يقال انه على رأس مائة ألف وهي قوات شبه نظامية تتبع القوات المسلحة وتمكن حميدتي من إقامة شركات واستثمارات وهو يسيطر على جبل عامر اكبر منجم ذهب في السودان ومؤسساته تنقب وتصدر الذهب إلى الخارج وهو يتجه إلى امتلاك مدفعيات ومدرعات. والسبت الماضي قام بشكل مفاجئ بحشد آليات ومدفعيات حول قصر الرئاسة ومؤسسات الدولة وتحرك الجيش لرد الاعتداءات وحماية المواطنين..، البرهان لا يدافع عن موقع أو سلطة لكن ما حدث أن حميدي وهو رجل طموح جدا وبسيط جدا توهم انه بإمكانه أن يصبح رئيسا للسودان وهناك من السياسيين من زين له وأوهمه بذلك..

* لمن سيكون الحسم؟

-بالتأكيد للجيش السوداني ويمكنني التأكيد أن الكثيرين من قوات حميدتي نزعوا البدلة العسكرية وتخلوا عن قوات الدعم السريع ويريدون العودة إلى الحياة المدنية.

* هل تخشون حربا أهلية شاملة؟

-طبعا لا.. أمس بدأ الهدوء يعود إلى البلاد وبدأت الأسواق تستعيد نشاطها، بعض المواجهات مازالت مستمرة في محيط المطار وهناك بعض الاشتباكات في قلب الخرطوم وستحسم في الأيام القليلة القادمة. الشعب السوداني موحد حول الجيش حتى الذين كانوا ضد البرهان يدعمون الجيش اليوم لأنه وحده حامي الوطن والشعب.

*هناك تحذيرات أمريكية وأوروبية بعد الاعتداءات على ديبلوماسيين في السودان هل يمكن أن تتطور التحذيرات إلى تدخلات أجنبية؟

-فعلا حدثت اعتداءات على سيارات ديبلوماسية وكذلك منظمة الأغذية والزراعة وكان موقف السودان واضح وهو رفض هذه الاعتداءات وحماية الأجانب.

* لماذا رفضت الخارجية السودانية الوساطة العربية والدولية ومنها الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي؟

- المسألة لا تحتاج  أي وساطة من أي طرف كان، سيحسم الأمر داخليا والتدخلات تفتح الباب على مصراعيه لفرض شروط وضغوط لا نريدها ولدينا إثيوبيا كمثال حولنا وقد رفضت التدخلات الأجنبية وتمكنت من تجاوز خلافاتها. ستنتهي المعارك خلال أيام وتحسم الأمور للجيش السوداني الذي يبقى صمام الأمان وهو الذي خاض حروبا كثيرة وكسب دوما الرهان يمكن القول أن قوات الدعم السريع مشتتة اليوم وبلا قيادة ولا قوات ونحن نقترب من نهاية هذه المليشيات. سيحسم الأمر بين السودانيين والبرهان أكد انه ملتزم بالتفاوض مع الأطراف السياسية في السودان.

* وما هي السيناريوهات المحتملة؟

-الحرب ستضع أوزارها وسيعود السودانيون للمسار الديموقراطي وسيعود الجيش إلى ثكناته وسيتم  تنظيم انتخابات في موعدها وحميدتي مخالف للقانون.

* هل يمكن عودة الإسلام السياسي إلى الحكم في السودان؟

-لا أبدا هناك نص واضح يمنع مشاركة المؤتمر الوطني في الانتخابات في الفترة الانتقالية وبالتالي لا مجال إلى ذلك، المؤتمر الوطني هو حزب الإخوان وهو ممنوع من المشاركة في الانتخابات.

* هناك حديث عن تقدم في مسار التطبيع مع إسرائيل وهل قطع السودان مع لاءات الخرطوم نهائيا؟

-كانت هناك مشاورات قبل ثلاث سنوات ولكن لم يحدث أي تقدم لان هناك رفضا شعبيا للتطبيع. هناك اتهامات تلاحق حميدتي انه حصل على برنامج تجسس إسرائيلي. في البداية اتجه البرهان إلى الاعتراف بان هناك تحولا في مسار التطبيع شمل عديد الدول العربية ولكن الملف مجمد حاليا وهناك معارضة شعبية واضحة لهذا المسار.

* وماحكاية فاغنر في السودان؟

-فاغنر منظمة للمرتزقة تقدم خدماتها لمن يدفع أكثر وحميدتي يستفيد من خدماتها وبعض الدوائر تؤكد أن هناك علاقات بين حميدتي وفاغنر وقد زار روسيا في خضم الحرب وهو يتماهى مع الموقف الروسي، علما وأن السودان اختار موقعا محايدا في الأزمة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا وموقفنا واضح أن أوكرانيا دولة ذات سيادة.

* وماذا عن مطار مروي وما حقيقة التدخل المصري هناك؟

-لا وجود لأي تدخل مصري، هؤلاء ضباط مصريون متواجدون في إطار اتفاق بين البلدين للقيام بتدريبات مشتركة وهذا قائم بيننا وبين المصريين منذ زمن طويل وليست لدعم أي طرف ولكن حميدتي ضرب المطار.

* وماذا عن العلاقة مع جنوب السودان ألم يفقد السودان بانفصال الجنوب موقعه وقدراته وثرواته؟

-السودان كان قبل الانقسام اكبر بلد إفريقي اغلب الثروات البترولية ذهبت إلى الجنوب. الانقسام حصل بضغوط دولية ودعم أجنبي للمتمردين. قالوا إن الجنوب سيكون أكثر أمنا وسلما بعد الانفصال فحدث ما حدث من الخلافات والصراعات القبلية.

*هل يسير السودان إلى تقسيم المقسم وانفصال قادم لدارفور؟

-لن يكون ذلك.

* ما حكاية كنداكة وما هو دورها اليوم في السودان؟

-كنداكة نسبة إلى حضارة كش أول حضارة للإنسانية وهي حضارة النوبة أيضا وتعني الملكة والرمز والنضال والشابات السودانيات يستلهمن منها ذلك اليوم وكنداكة هي مثل كليوباترا في مصر وسبا في اليمن..

* الصورة القادمة من السودان كانت ولا تزال دائما انه بلد الفقر والمجاعات والتشرد؟

-هذه للأسف الصورة النمطية المتداولة وهي بعيدة كل البعد عن السودان الذي يمتلك طاقات بشرية وطبيعية كبيرة وله ثروات فلاحية كبيرة ومناجم ذهب والمجتمع السوداني عرف بناء أول الجامعات منذ 1902ولكن السودان منذ استقلاله ظل يعاني من مخلفات الاحتلال البريطاني وقانون المواثيق المكفولة وهي قوانين كارثية عززت عدم الاستقرار. منذ 1958  السودان يحارب ولم يتوفر له الوقت للبناء والأعمار واستثمار طاقاته عندما انتهت حرب الجنوب أشعلوا دارفور.

* كيف سيكون الحل ؟

-الجيش أعلن عن رغبته في تنظيم انتخابات في غضون 2023 ولا بديل عن الجلوس معا والتفاوض والقبول بالآخر. بعد الانتخابات سيقرر الشعب السوداني من يحكمه، مكان الجيش في ثكناته وحماية الوطن. نقطة خلاف البرهان مع حميدتي كانت حول كيفية إدماج ميليشيات الدعم السريع في الجيش وإعادة تأهليها وتدريبها وتكوينها على أن يكون ذلك خلال سنتين ولكن حميدتي رفض ذلك وأراد أن تكون عملية الدمج خلال عشر سنوات لإعادة تنظيم الجيش وهذا هو أصل الخلاف..

.