إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حرية التفكير قبل حرية التعبير .. "أحجية الرئيس" التي لم يفهمها أحدا!

تونس – الصباح

لا معنى للأفكار ولا جدوى لها أيضا اذا لم نملك حرية التعبير عنها دون قيود ودون ضغوط أو خوف من جراء هذا التعبير..، قد تكون هذه حقيقة متفق عليها من طرف كل من يؤمنون بحرية الرأي والتعبير وبأن محاصرة هذه الحرية هو وأد صامت لكل الحريات.. الا أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يؤمن بذلك ويرى أن حرية التفكير هي من يضمن حرية التعبير، في فكرة تبدو غريبة بعض الشيء وغير مفهومة للأغلبية ورأينا التفاعلات المستغربة حول تصريحه أول أمس بشأن هذا الموضوع بالذات وذلك على هامش القمة الفرانكفونية بجربة.

فرئيس الجمهورية وفي ردّه على سؤال لإذاعة "موزاييك" حول القمة، ترك موضوع السؤال وقال : »أنتم في موزاييك تتحدثون كما تشاؤون ومع ذلك تتحدثون عن الدكتاتورية..، تتكلمون كما تريدون ومع ذلك لم يتدخل فيكم أي أحد..، فعن أي دكتاتورية تتحدثون؟..، يجب أن تكون هناك حرية تفكير لا تستطيع التحدث عن حرية التعبير إذا لم يكن هناك تفكير..، عندما يكون هناك فكر حر عندها ستكون هناك حرية تعبير..، ولكن عندما يتحول الأمر إلى حملات إعلامية، فان ذلك لا يعكس حرية التعبير..، لا تطاول على الدولة ولا تطاول على رموز الدولة«، ثم يضيف رئيس الجمهورية: »حرية الصحافة وحرية التعبير لا رجوع فيها ولا يمكن أن نعود إلى الوراء..، المحطات الإعلامية تتحدث كما تشاء أما أن يتم الشتم والثلب والحديث عن أشياء تمس بالأخلاق فهل هذا هو المعقول..، الأهم حرية التفكير..، فليفكروا جيدا ولينظروا إلى الواقع كما هو..، دون تحامل ودون المس من مؤسسات الدولة".

وفي إجابة عن سؤال حول إحالة الصحفيين على معنى المرسوم 54 قال رئيس الجمهورية: »هناك قضاء يحسم وأهم شيء هو القضاء العادل..، وفي هذا المرسوم هناك شروط وهناك قانون والمهم أن تكون هناك محاكمات عادلة..، والاهم لا تطاول على الدولة ولا على رموزها..، وحرية الصحافة والتعبير لا رجوع فيها"، كما نفى أن يكون هذا المرسوم يضرب حرية الصحافة قائلا: »متى ضرب حرية الصحافة، منذ قليل كنت استمع الى احدى المحطات الاذاعية وكانوا يتحدثون كما يشاؤون«.

واذا كان رئيس الجمهورية بهذا التصريح أعاد مجدّدا تأكيد التزامه بأنه لن يكون هناك مساس بحرية الصحافة والتعبير، فان ذلك ليس ما يحصل في الواقع بالفعل حيث تمت إحالة صحفي على القضاء من أجل مقال، بالإضافة إلى كون المرسوم 54 يضيّق الخناق بشكل واضح على حرية التعبير.

تمسّك بموقف سابق

واذا كان أهم جزء شدّ الانتباه في هذا التصريح لرئيس الجمهورية هو الجزء المتعلق بضرورة التفكير قبل التعبير..، فان هذا الموقف لا يبدو جديدا بل أن قيس سعيد تطرّق له في السابق وفي أكثر من مرة وفي منسابات مختلفة..

ففي ماي الماضي عندما استقبل المستشارة الإعلامية السابقة برئاسة الجمهورية، رشيدة النيفر، شدّد في ذلك اللقاء على أن حرية التعبير يجب أن تكون مسبوقة بحرية التفكير وفي فيفري 2021 عندما استقبل بقصر قرطاج رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي أكد وقتها رئيس الجمهورية أن حرية التعبير مقدسة ولكن الخوف ليس على حرية التعبير بل على حرية التفكير فدونها تصير كل الحريات شكلية. كما أشار إلى أنه لا يمكن تحصين المجتمع إلا بتربية الناشئة على حرية التفكير وعلى الفكر البناء والنقدي. بدوره كان وزير الداخلية توفيق شرف الدين قال في احدى الوقفات المساندة لرئيس الجمهورية أن الرئيس يسعى لإنشاء مؤسسات ديمقراطية حقيقية ومستقلة تؤسس لديمقراطية فعلية لا جوفاء، وفق تعبيره وقتها، وفي تلك المناسبة، تساءل الوزير عن كيفية الحديث عن حرية التعبير والرأي في حين أن حرية التفكير غير موجودة، حسب تقديره، قائلا:"أنت فكرك مش حر ومأجور بالفلوس".

وربما أن هذا التصريح لوزير الداخلية يمكن أن يساعدنا إلى حدّ ما على فهم مقاصد الرئيس في تأكيده على أن حرية التفكير أهم من حرية التعبير، حيث وانطلاقا من تصريح وزير الداخلية، نفهم أن قيس سعيد يرى أن الاعلام الذي يمارس اليوم حرية التعبير تفكيره ليس حرّا لأنه يدافع أو يتبنى أفكارا سياسية وحقوقية غير منسجمة مع توجهات الرئيس، وأن كل من هو غير منسجم مع هذه التوجهات هو بالضرورة مأجور وليس حرّا !!! وهذا الموقف لا يبدو سليما أو منسجما مع الحالة الديمقراطية التي تقبل بكل الأفكار وتحترم كل الأفكار والآراء المعارضة مهما كانت حدتها أو مهما كانت إقصائية، على شرط أن لا يتحوّل ذلك إلى عنف أو إلى تمرّد على قوانين الدولة..، ثم إن تأكيد رئيس الدولة وبشكل متواصل على ضرورة احترام رموز الدولة فيه الكثير من المبالغة فنقد مسؤولي الدولة لا يعني عدم احترامهم، بل هو نقد لسلوك سياسي وأداء بغاية تصحيحه وليس بغاية إهانة من يتولى تلك المسؤولية بشكل شخصي..، وهذا الخلط المتعمّد ففي بعض المفاهيم هو خطر قد يقودنا إلى نتائج سيئة لن تفيد أي طرف بل ستضرّ بالمصلحة العامة.

منية العرفاوي

 

حرية التفكير قبل حرية التعبير .. "أحجية الرئيس" التي لم يفهمها أحدا!

تونس – الصباح

لا معنى للأفكار ولا جدوى لها أيضا اذا لم نملك حرية التعبير عنها دون قيود ودون ضغوط أو خوف من جراء هذا التعبير..، قد تكون هذه حقيقة متفق عليها من طرف كل من يؤمنون بحرية الرأي والتعبير وبأن محاصرة هذه الحرية هو وأد صامت لكل الحريات.. الا أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يؤمن بذلك ويرى أن حرية التفكير هي من يضمن حرية التعبير، في فكرة تبدو غريبة بعض الشيء وغير مفهومة للأغلبية ورأينا التفاعلات المستغربة حول تصريحه أول أمس بشأن هذا الموضوع بالذات وذلك على هامش القمة الفرانكفونية بجربة.

فرئيس الجمهورية وفي ردّه على سؤال لإذاعة "موزاييك" حول القمة، ترك موضوع السؤال وقال : »أنتم في موزاييك تتحدثون كما تشاؤون ومع ذلك تتحدثون عن الدكتاتورية..، تتكلمون كما تريدون ومع ذلك لم يتدخل فيكم أي أحد..، فعن أي دكتاتورية تتحدثون؟..، يجب أن تكون هناك حرية تفكير لا تستطيع التحدث عن حرية التعبير إذا لم يكن هناك تفكير..، عندما يكون هناك فكر حر عندها ستكون هناك حرية تعبير..، ولكن عندما يتحول الأمر إلى حملات إعلامية، فان ذلك لا يعكس حرية التعبير..، لا تطاول على الدولة ولا تطاول على رموز الدولة«، ثم يضيف رئيس الجمهورية: »حرية الصحافة وحرية التعبير لا رجوع فيها ولا يمكن أن نعود إلى الوراء..، المحطات الإعلامية تتحدث كما تشاء أما أن يتم الشتم والثلب والحديث عن أشياء تمس بالأخلاق فهل هذا هو المعقول..، الأهم حرية التفكير..، فليفكروا جيدا ولينظروا إلى الواقع كما هو..، دون تحامل ودون المس من مؤسسات الدولة".

وفي إجابة عن سؤال حول إحالة الصحفيين على معنى المرسوم 54 قال رئيس الجمهورية: »هناك قضاء يحسم وأهم شيء هو القضاء العادل..، وفي هذا المرسوم هناك شروط وهناك قانون والمهم أن تكون هناك محاكمات عادلة..، والاهم لا تطاول على الدولة ولا على رموزها..، وحرية الصحافة والتعبير لا رجوع فيها"، كما نفى أن يكون هذا المرسوم يضرب حرية الصحافة قائلا: »متى ضرب حرية الصحافة، منذ قليل كنت استمع الى احدى المحطات الاذاعية وكانوا يتحدثون كما يشاؤون«.

واذا كان رئيس الجمهورية بهذا التصريح أعاد مجدّدا تأكيد التزامه بأنه لن يكون هناك مساس بحرية الصحافة والتعبير، فان ذلك ليس ما يحصل في الواقع بالفعل حيث تمت إحالة صحفي على القضاء من أجل مقال، بالإضافة إلى كون المرسوم 54 يضيّق الخناق بشكل واضح على حرية التعبير.

تمسّك بموقف سابق

واذا كان أهم جزء شدّ الانتباه في هذا التصريح لرئيس الجمهورية هو الجزء المتعلق بضرورة التفكير قبل التعبير..، فان هذا الموقف لا يبدو جديدا بل أن قيس سعيد تطرّق له في السابق وفي أكثر من مرة وفي منسابات مختلفة..

ففي ماي الماضي عندما استقبل المستشارة الإعلامية السابقة برئاسة الجمهورية، رشيدة النيفر، شدّد في ذلك اللقاء على أن حرية التعبير يجب أن تكون مسبوقة بحرية التفكير وفي فيفري 2021 عندما استقبل بقصر قرطاج رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي أكد وقتها رئيس الجمهورية أن حرية التعبير مقدسة ولكن الخوف ليس على حرية التعبير بل على حرية التفكير فدونها تصير كل الحريات شكلية. كما أشار إلى أنه لا يمكن تحصين المجتمع إلا بتربية الناشئة على حرية التفكير وعلى الفكر البناء والنقدي. بدوره كان وزير الداخلية توفيق شرف الدين قال في احدى الوقفات المساندة لرئيس الجمهورية أن الرئيس يسعى لإنشاء مؤسسات ديمقراطية حقيقية ومستقلة تؤسس لديمقراطية فعلية لا جوفاء، وفق تعبيره وقتها، وفي تلك المناسبة، تساءل الوزير عن كيفية الحديث عن حرية التعبير والرأي في حين أن حرية التفكير غير موجودة، حسب تقديره، قائلا:"أنت فكرك مش حر ومأجور بالفلوس".

وربما أن هذا التصريح لوزير الداخلية يمكن أن يساعدنا إلى حدّ ما على فهم مقاصد الرئيس في تأكيده على أن حرية التفكير أهم من حرية التعبير، حيث وانطلاقا من تصريح وزير الداخلية، نفهم أن قيس سعيد يرى أن الاعلام الذي يمارس اليوم حرية التعبير تفكيره ليس حرّا لأنه يدافع أو يتبنى أفكارا سياسية وحقوقية غير منسجمة مع توجهات الرئيس، وأن كل من هو غير منسجم مع هذه التوجهات هو بالضرورة مأجور وليس حرّا !!! وهذا الموقف لا يبدو سليما أو منسجما مع الحالة الديمقراطية التي تقبل بكل الأفكار وتحترم كل الأفكار والآراء المعارضة مهما كانت حدتها أو مهما كانت إقصائية، على شرط أن لا يتحوّل ذلك إلى عنف أو إلى تمرّد على قوانين الدولة..، ثم إن تأكيد رئيس الدولة وبشكل متواصل على ضرورة احترام رموز الدولة فيه الكثير من المبالغة فنقد مسؤولي الدولة لا يعني عدم احترامهم، بل هو نقد لسلوك سياسي وأداء بغاية تصحيحه وليس بغاية إهانة من يتولى تلك المسؤولية بشكل شخصي..، وهذا الخلط المتعمّد ففي بعض المفاهيم هو خطر قد يقودنا إلى نتائج سيئة لن تفيد أي طرف بل ستضرّ بالمصلحة العامة.

منية العرفاوي