رغم مرور 80 سنة على حملة تونس 1942، والمعارك التي وقعت في البلاد أثناء الحرب العالمية الثانية من ضمنها معركة القصرين من 17 نوفمبر 1942م إلى 13 ماي 1943 بين قوات المحور ألمانيا وإيطاليا وقوات الحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ونيوزيلندا، مازال التونسيون يتذكرون إلى اليوم حالة الخراب والدمار والفقر الذي خلفته تلك الحرب والتي جعلت الكثير من التونسيين وقتها يفرون من ديارهم في عام سمي بعام "الهجة" ومازالوا يتذكرون أيضا كيف أن السلطات الاستعمارية الفرنسية تلكأت وماطلت في تعويض المتضررين من هذه الحرب، وكيف أنها لم تتحمل مسؤولياتها في إعادة الأعمار، ولعل الماضي الاستعماري البغيض هو الذي جعل أصوات الكثير من التونسيين تتعالى هذه الأيام بمناسبة انعقاد القمة الفرانكفونية لمطالبة فرنسا بالاعتراف رسميا بما اقترفته من جرائم في حق تونس وشعبها وبتقديم الاعتذار..
وباستفسار خالد عبيد الجامعي المختص في التاريخ السياسي عن رأيه في هذا المطلب الذي تم رفعه من قبل بعض السياسيين بمناسبة القمة، أشار إلى أن استفادة تونس من قمة الفرانكفونية تبدو واضحة من حيث الجانب الاقتصادي فهذه القمة هي فرصة لتنمية التعاون بين منظومة الدول التي لها نفس الخصائص والتوجه والمستقبل المشترك، لكن يجب التذكير أنه ليست كل الدول الفرانكفونية كانت مستعمرة من قبل فرنسا. وبين أنه من الضروري بالنسبة إلى هذه القمة أن تبحث في كيفية نهوض هذه البلدان، كما انه من المهم جدا النظر إلى الفرانكفونية مثلما هي تراث مشترك غايته تجاوز أحقاد الماضي وبناء مستقبل مشترك بين شعوب هذه البلدان دون وصاية.
وأضاف المؤرخ أن الأهم من كل هذا هو أنه لا يمكن بناء مستقبل مشترك وتجاوز الأحقاد إلا من خلال الرجوع إلى حقيقة الفترة الاستعمارية التي قامت فيها فرنسا بارتكاب جرائم في حق الشعوب، وذكر أن القوة تكمن في الاعتراف بالخطأ والاعتذار ولا يمكن اعتبار الاعتراف والاعتذار ضعفا، فالقيام بهذه الخطوة حسب رأي خالد عبيد يتطلب الكثير من الشجاعة والقدرة على مواجهة ردود فعل بعض المنظمات والأحزاب الفرنسية، ولعل الحالة الجزائرية أفضل مثال على ذلك حسب رأيه، وفسر أنه يوجد تنازع بين رغبة في طي صفحة الماضي الاستعماري من خلال الاعتراف والاعتذار وبين رفض لهذه الرغبة عبر الضغط على الرئيس الفرنسي الذي يريد القيام بهذه الخطوة والتي تعتبر خطا أحمر بالنسبة إلى بعض الأحزاب والمنظمات..
وذكر أن وجود الاستعمار الفرنسي في تونس لا يختلف عن الاستعمار الذي عرفته الشعوب التي رزحت تحت الاستعمار سواء الفرنسي أو الإنقليزي فكلها تضررت من الاستعمار لكن بشكل متفاوت وفي النهاية الاستعمار يبقى استعمارا فيه استنزاف لخيرات البلدان المستعمرة ونهب ثرواتها واضطهاد أهاليها عندما يقومون بتحركات واحتجاجات..
ولاحظ المؤرخ في تصريح لـ"الصباح" أن فرنسا تريد أن تسوق للعالم على أساس أنها تمكنت من جمع شمل من احتلهم سابقا وأنها تمكنت من خلال المنتظم الفرانكفوني من أن تتجاوز هذه الفترة الاستعمارية لكن هذا الأمر يبقى مجرد انطباع وهروب إلى الأمام لا يمكن من خلاله أن نشطب فترة زمنية مثخنة بالجراح والآلام والجرائم.. وذكر أن الفترة الاستعمارية كانت لها تداعيات على اقتصاد تونس وحتى المنشآت التي أنجزتها السلطات الاستعمارية فكانت بهدف خدمة مشاريعها وبهدف استغلال الثروات الطبيعية وأشار إلى أنه يجب التأكيد على أن عقلية الاستعمار هي نفسها سواء كان المستعمر فرنسا أو انقلترا..
لا للتسييس
أما فيصل الشريف الأستاذ المحاضر في التاريخ العسكري والباحث في المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر فبين أنه لا بد من إخراج مسألة الاستعمار الفرنسي بتونس ومطلب الاعتذار من يد السياسي وتحويله إلى يد الأكاديمي، ويجب حسب رأيه فتح نقاش مستفيض وحوار أكاديمي هادئ ورصين وتجنب تسييس القضية لأنها تندرج في نطاق أشمل، وبين أن الحديث عن مطلب اعتذار فرنسا لتونس على الماضي الاستعماري يدعو إلى التساؤل لماذا تعتذر فرنسا لتونس ولا تعتذر لبقية الدول التي استعمرتها؟، ثم من أدرى السياسيين بالفظائع التي ارتكبتها فرنسا في تونس وغيرها من الدول التي استعمرتها؟
وذكر الجامعي في تصريح لـ "الصباح" على هامش اليوم الدراسي الذي نظمه المعهد الأعلى لتاريخ تونس المعاصر أمس بالمركب الجامعي بمنوبة حول مرور 80 سنة على حملة تونس 1942 أن المؤرخ هو الذي يجب الاستئناس به عند طرح مسالة الاستعمار فهو قاضي تحقيق الذي يدرس المسالة بهدوء ورصانة وهو الذي يفرق بين الاستعمار الاقتصادي والاستعمار العسكري والاغتيالات السياسية ولكن الدولة حسب قوله لا تريد العودة إلى الأكاديميين بل تريد المضاربة بهذه القضية.
وأشار إلى أن العلاقة التي تربط المؤرخين التونسيين بالمؤرخين الفرنسيين هي علاقة وطيدة وأكد أنه لا توجد مسائل ممنوعة من الدرس، وذكر أنه ليس من المنطقي نشر المغالطات وأشار في هذا الصدد إلى أن هيئة الحقيقة والكرامة قامت بمغالطات تاريخية كبرى عندما تحدثت عن فترة الاستعمار وذلك لأنها لم تعد إلى المؤرخين ولم تستشرهم. وبين أن الدولة التي تحترم نفسها تستشير المختصين. المسؤول في الدولة الذي يتحدث عن وقائع تاريخية يعود إلى المؤرخين لكن في تونس هناك تخبط كبير فالمسؤولين لا يقرؤون التاريخ ولا يسألون المؤرخين وهناك من يطالب بالاعتذار والحال أنه لو يقع التعمق في دراسة المسالة يمكن أن تبنى مطالب أخرى أكثر من الاعتذار ولكن السياسيين يطالبون بالاعتذار بهدف الحصول على تعويضات ولكن هذا الهدف يخيف الطرف المقابل الذي يرى أنه لا يمكنه أن يتحمل مسؤولية ما فعله الأجداد.. وأشار الجامعي إلى أنه عوضا عن تسيس القضية من الأفضل تثمين التراث الاستعماري لأنه جزء من التراث الوطني وهو ليس عبء على الدولة، وبين أنه يمكن توظيف التراث الاستعماري لبعث مواطن شغل للمعطلين عن العمل وذلك من خلال إنشاء متاحف وتثمين مواقع أثرية وتراث مادي ولا مادي وخلص إلى أن المؤرخ الذي يحترم نفسه يرفض توظيف التاريخ لغايات سياسية أو لخوض معارك إيديولوجية..
تاريخ حملة تونس
وتحدث الأستاذ فيصل الشريف خلال الندوة التي واكبها عدد من الجامعيين والطلبة والتي تم خلالها تسليط الأضواء على حملة تونس التي حصلت قبل 80 سنة عن آثار الحرب العالمية الثانية في تونس والتي مازالت موجودة في كل مكان ولعل أهمها المقابر بقرطاج وقمرت والنفيضة وبرج العامري وغيرها، وبين أن قرابة 500 ألف جندي تصارعوا وتقاتلوا في أرض تونس، وأول مواجهة بين الأمريكيين والألمان تمت في القصرين وثاني أهم معركة حصلت في مارث، وتعد معركة القصرين من أهم المعارك التي حصلت في الحرب العالية الثانية، ودعا الجامعي إلى إقامة متحف يعنى بذاكرة الحرب العالمية الثانية في تونس.
أما المؤرخ خالد عبيد فتطرق إلى علاقة الجنود السنغاليين بالتونسيين خلال فترة 1919ـ 1945. وبين أن كلمة "السيليقان" مازالت محفورة في ذاكرة التونسيين لان هناك جنودا قدموا من إفريقيا خلال الحرب العالمية الأولى وكذلك خلال الحرب العالية الثانية وظلوا في تونس إلى غاية الاستقلال، وجعلتهم التعليمات التي تلقوها من الدولة الاستعمارية يقومون بأعمال اتسمت بالعنف، وعدد الجامعي المواجهات الدموية التي حصلت بين هؤلاء الجنود من جهة والسكان والجنود التونسيين من جهة أخرى وهناك منها من أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى..
مماطلة في دفع التعويضات
الدكتور محمد العادل دبوب الباحث في تاريخ تونس المعاصر تحدث عن التداعيات المالية للحرب العالمية الثانية بالبلاد التونسية، وبين أن المصالح الإدارية المختصة الفرنسية قيمت الأضرار بعد دراسة ملفات المتضررين الخواص وملفات المصالح العمومية الإدارية سنة 1942 بعشرة مليار فرنك أي ما يمثل مرة وربع الناتج الداخلي الخام بالبلاد التونسية المقدر سنة 1944بسبعة فاصل خمسة مليار فرنك، لكن رقم العشرة مليار فرنك لم يأخذ بعين الاعتبار حالة التضخم المالي وفقدان الفرنك لقيمته بأربع مرات ونصف بين سنتي 1939 و1945 لذلك تمت مراجعة قيمة الخسائر وتم تحديدها سنة 1944 بنحو 27 مليار فرنك، وفي بداية سنة 1945 تم تحديدها بنحو 35 فاصل 7 مليار فرنك، وفي سنة 1946 تم تحديد الخسائر بنحو 45 مليار فرنك، لكن في النهاية تم الاتفاق على تقديم تعويضات بقيمة 35 فاصل 7 مليار فرنك فقط ورغم ذلك فإن فرنسا لم تصادق سوى على 33 فاصل 2 مليار فرنك وبالنسبة إلى المبلغ المتبقي فتم تحميله على الخزينة التونسية، وقال المؤرخ إنه إلى غضون سنة 1956 لم تدفع فرنسا سوى 20 مليارا فاصل 9 فرنك أي ما يمثل 58 بالمائة من مجموع التعويضات وليس 80 بالمائة كما تم الاتفاق عليه. وإلى جانب ذلك أشار الجامعي إلى الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تحملتها تونس جراء الحرب العالمية.. وقال إن مؤشر الإنتاج الفلاحي تقلص خلال هذه الحرب بنسبة 40 بالمائة والإنتاج المنجمي تراجع بنسبة 70 بالمائة أما العجز التجاري فتضاعف مرتين بين سنتي 1939 و1943 وبلغ 360 مليون فرنك، وذلك فضلا عن ارتفاع الأسعار والتضخم المالي فأسعار الجملة حسب قوله ارتفعت بنسبة 300 بالمائة وأسعار التفصيل ارتفعت بنسبة 450 بالمائة. وأشار إلى أن سعر قنطار الزيت سنة 1940 كان في حدود 864 فرنكا وأصبح سنة 1942 في حدود 2400 فرنك وفي سنة 1946 وصل إلى 4400 فرنك، وبعد الحرب ارتفع سعر كلغ الخبز من 18 فاصل 5 فرنك سنة 1947 إلى 52 فرنكا سنة 1952..
وقدم الأستاذ علي آيت ميهوب صورة قاتمة عن حالة الدمار التي حصلت في بنزرت خلال الحرب العالمية الثانية وتحدث عن مشروع إعادة البناء وكيف كان سيتم تحويل المدينة التي أصبحت تسمى بمدينة الأشباح إلى منطقة جرزونة لكن تم العدول عن هذا المشروع الكبير.
سعيدة بوهلال
منوبة- الصباح
رغم مرور 80 سنة على حملة تونس 1942، والمعارك التي وقعت في البلاد أثناء الحرب العالمية الثانية من ضمنها معركة القصرين من 17 نوفمبر 1942م إلى 13 ماي 1943 بين قوات المحور ألمانيا وإيطاليا وقوات الحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ونيوزيلندا، مازال التونسيون يتذكرون إلى اليوم حالة الخراب والدمار والفقر الذي خلفته تلك الحرب والتي جعلت الكثير من التونسيين وقتها يفرون من ديارهم في عام سمي بعام "الهجة" ومازالوا يتذكرون أيضا كيف أن السلطات الاستعمارية الفرنسية تلكأت وماطلت في تعويض المتضررين من هذه الحرب، وكيف أنها لم تتحمل مسؤولياتها في إعادة الأعمار، ولعل الماضي الاستعماري البغيض هو الذي جعل أصوات الكثير من التونسيين تتعالى هذه الأيام بمناسبة انعقاد القمة الفرانكفونية لمطالبة فرنسا بالاعتراف رسميا بما اقترفته من جرائم في حق تونس وشعبها وبتقديم الاعتذار..
وباستفسار خالد عبيد الجامعي المختص في التاريخ السياسي عن رأيه في هذا المطلب الذي تم رفعه من قبل بعض السياسيين بمناسبة القمة، أشار إلى أن استفادة تونس من قمة الفرانكفونية تبدو واضحة من حيث الجانب الاقتصادي فهذه القمة هي فرصة لتنمية التعاون بين منظومة الدول التي لها نفس الخصائص والتوجه والمستقبل المشترك، لكن يجب التذكير أنه ليست كل الدول الفرانكفونية كانت مستعمرة من قبل فرنسا. وبين أنه من الضروري بالنسبة إلى هذه القمة أن تبحث في كيفية نهوض هذه البلدان، كما انه من المهم جدا النظر إلى الفرانكفونية مثلما هي تراث مشترك غايته تجاوز أحقاد الماضي وبناء مستقبل مشترك بين شعوب هذه البلدان دون وصاية.
وأضاف المؤرخ أن الأهم من كل هذا هو أنه لا يمكن بناء مستقبل مشترك وتجاوز الأحقاد إلا من خلال الرجوع إلى حقيقة الفترة الاستعمارية التي قامت فيها فرنسا بارتكاب جرائم في حق الشعوب، وذكر أن القوة تكمن في الاعتراف بالخطأ والاعتذار ولا يمكن اعتبار الاعتراف والاعتذار ضعفا، فالقيام بهذه الخطوة حسب رأي خالد عبيد يتطلب الكثير من الشجاعة والقدرة على مواجهة ردود فعل بعض المنظمات والأحزاب الفرنسية، ولعل الحالة الجزائرية أفضل مثال على ذلك حسب رأيه، وفسر أنه يوجد تنازع بين رغبة في طي صفحة الماضي الاستعماري من خلال الاعتراف والاعتذار وبين رفض لهذه الرغبة عبر الضغط على الرئيس الفرنسي الذي يريد القيام بهذه الخطوة والتي تعتبر خطا أحمر بالنسبة إلى بعض الأحزاب والمنظمات..
وذكر أن وجود الاستعمار الفرنسي في تونس لا يختلف عن الاستعمار الذي عرفته الشعوب التي رزحت تحت الاستعمار سواء الفرنسي أو الإنقليزي فكلها تضررت من الاستعمار لكن بشكل متفاوت وفي النهاية الاستعمار يبقى استعمارا فيه استنزاف لخيرات البلدان المستعمرة ونهب ثرواتها واضطهاد أهاليها عندما يقومون بتحركات واحتجاجات..
ولاحظ المؤرخ في تصريح لـ"الصباح" أن فرنسا تريد أن تسوق للعالم على أساس أنها تمكنت من جمع شمل من احتلهم سابقا وأنها تمكنت من خلال المنتظم الفرانكفوني من أن تتجاوز هذه الفترة الاستعمارية لكن هذا الأمر يبقى مجرد انطباع وهروب إلى الأمام لا يمكن من خلاله أن نشطب فترة زمنية مثخنة بالجراح والآلام والجرائم.. وذكر أن الفترة الاستعمارية كانت لها تداعيات على اقتصاد تونس وحتى المنشآت التي أنجزتها السلطات الاستعمارية فكانت بهدف خدمة مشاريعها وبهدف استغلال الثروات الطبيعية وأشار إلى أنه يجب التأكيد على أن عقلية الاستعمار هي نفسها سواء كان المستعمر فرنسا أو انقلترا..
لا للتسييس
أما فيصل الشريف الأستاذ المحاضر في التاريخ العسكري والباحث في المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر فبين أنه لا بد من إخراج مسألة الاستعمار الفرنسي بتونس ومطلب الاعتذار من يد السياسي وتحويله إلى يد الأكاديمي، ويجب حسب رأيه فتح نقاش مستفيض وحوار أكاديمي هادئ ورصين وتجنب تسييس القضية لأنها تندرج في نطاق أشمل، وبين أن الحديث عن مطلب اعتذار فرنسا لتونس على الماضي الاستعماري يدعو إلى التساؤل لماذا تعتذر فرنسا لتونس ولا تعتذر لبقية الدول التي استعمرتها؟، ثم من أدرى السياسيين بالفظائع التي ارتكبتها فرنسا في تونس وغيرها من الدول التي استعمرتها؟
وذكر الجامعي في تصريح لـ "الصباح" على هامش اليوم الدراسي الذي نظمه المعهد الأعلى لتاريخ تونس المعاصر أمس بالمركب الجامعي بمنوبة حول مرور 80 سنة على حملة تونس 1942 أن المؤرخ هو الذي يجب الاستئناس به عند طرح مسالة الاستعمار فهو قاضي تحقيق الذي يدرس المسالة بهدوء ورصانة وهو الذي يفرق بين الاستعمار الاقتصادي والاستعمار العسكري والاغتيالات السياسية ولكن الدولة حسب قوله لا تريد العودة إلى الأكاديميين بل تريد المضاربة بهذه القضية.
وأشار إلى أن العلاقة التي تربط المؤرخين التونسيين بالمؤرخين الفرنسيين هي علاقة وطيدة وأكد أنه لا توجد مسائل ممنوعة من الدرس، وذكر أنه ليس من المنطقي نشر المغالطات وأشار في هذا الصدد إلى أن هيئة الحقيقة والكرامة قامت بمغالطات تاريخية كبرى عندما تحدثت عن فترة الاستعمار وذلك لأنها لم تعد إلى المؤرخين ولم تستشرهم. وبين أن الدولة التي تحترم نفسها تستشير المختصين. المسؤول في الدولة الذي يتحدث عن وقائع تاريخية يعود إلى المؤرخين لكن في تونس هناك تخبط كبير فالمسؤولين لا يقرؤون التاريخ ولا يسألون المؤرخين وهناك من يطالب بالاعتذار والحال أنه لو يقع التعمق في دراسة المسالة يمكن أن تبنى مطالب أخرى أكثر من الاعتذار ولكن السياسيين يطالبون بالاعتذار بهدف الحصول على تعويضات ولكن هذا الهدف يخيف الطرف المقابل الذي يرى أنه لا يمكنه أن يتحمل مسؤولية ما فعله الأجداد.. وأشار الجامعي إلى أنه عوضا عن تسيس القضية من الأفضل تثمين التراث الاستعماري لأنه جزء من التراث الوطني وهو ليس عبء على الدولة، وبين أنه يمكن توظيف التراث الاستعماري لبعث مواطن شغل للمعطلين عن العمل وذلك من خلال إنشاء متاحف وتثمين مواقع أثرية وتراث مادي ولا مادي وخلص إلى أن المؤرخ الذي يحترم نفسه يرفض توظيف التاريخ لغايات سياسية أو لخوض معارك إيديولوجية..
تاريخ حملة تونس
وتحدث الأستاذ فيصل الشريف خلال الندوة التي واكبها عدد من الجامعيين والطلبة والتي تم خلالها تسليط الأضواء على حملة تونس التي حصلت قبل 80 سنة عن آثار الحرب العالمية الثانية في تونس والتي مازالت موجودة في كل مكان ولعل أهمها المقابر بقرطاج وقمرت والنفيضة وبرج العامري وغيرها، وبين أن قرابة 500 ألف جندي تصارعوا وتقاتلوا في أرض تونس، وأول مواجهة بين الأمريكيين والألمان تمت في القصرين وثاني أهم معركة حصلت في مارث، وتعد معركة القصرين من أهم المعارك التي حصلت في الحرب العالية الثانية، ودعا الجامعي إلى إقامة متحف يعنى بذاكرة الحرب العالمية الثانية في تونس.
أما المؤرخ خالد عبيد فتطرق إلى علاقة الجنود السنغاليين بالتونسيين خلال فترة 1919ـ 1945. وبين أن كلمة "السيليقان" مازالت محفورة في ذاكرة التونسيين لان هناك جنودا قدموا من إفريقيا خلال الحرب العالمية الأولى وكذلك خلال الحرب العالية الثانية وظلوا في تونس إلى غاية الاستقلال، وجعلتهم التعليمات التي تلقوها من الدولة الاستعمارية يقومون بأعمال اتسمت بالعنف، وعدد الجامعي المواجهات الدموية التي حصلت بين هؤلاء الجنود من جهة والسكان والجنود التونسيين من جهة أخرى وهناك منها من أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى..
مماطلة في دفع التعويضات
الدكتور محمد العادل دبوب الباحث في تاريخ تونس المعاصر تحدث عن التداعيات المالية للحرب العالمية الثانية بالبلاد التونسية، وبين أن المصالح الإدارية المختصة الفرنسية قيمت الأضرار بعد دراسة ملفات المتضررين الخواص وملفات المصالح العمومية الإدارية سنة 1942 بعشرة مليار فرنك أي ما يمثل مرة وربع الناتج الداخلي الخام بالبلاد التونسية المقدر سنة 1944بسبعة فاصل خمسة مليار فرنك، لكن رقم العشرة مليار فرنك لم يأخذ بعين الاعتبار حالة التضخم المالي وفقدان الفرنك لقيمته بأربع مرات ونصف بين سنتي 1939 و1945 لذلك تمت مراجعة قيمة الخسائر وتم تحديدها سنة 1944 بنحو 27 مليار فرنك، وفي بداية سنة 1945 تم تحديدها بنحو 35 فاصل 7 مليار فرنك، وفي سنة 1946 تم تحديد الخسائر بنحو 45 مليار فرنك، لكن في النهاية تم الاتفاق على تقديم تعويضات بقيمة 35 فاصل 7 مليار فرنك فقط ورغم ذلك فإن فرنسا لم تصادق سوى على 33 فاصل 2 مليار فرنك وبالنسبة إلى المبلغ المتبقي فتم تحميله على الخزينة التونسية، وقال المؤرخ إنه إلى غضون سنة 1956 لم تدفع فرنسا سوى 20 مليارا فاصل 9 فرنك أي ما يمثل 58 بالمائة من مجموع التعويضات وليس 80 بالمائة كما تم الاتفاق عليه. وإلى جانب ذلك أشار الجامعي إلى الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تحملتها تونس جراء الحرب العالمية.. وقال إن مؤشر الإنتاج الفلاحي تقلص خلال هذه الحرب بنسبة 40 بالمائة والإنتاج المنجمي تراجع بنسبة 70 بالمائة أما العجز التجاري فتضاعف مرتين بين سنتي 1939 و1943 وبلغ 360 مليون فرنك، وذلك فضلا عن ارتفاع الأسعار والتضخم المالي فأسعار الجملة حسب قوله ارتفعت بنسبة 300 بالمائة وأسعار التفصيل ارتفعت بنسبة 450 بالمائة. وأشار إلى أن سعر قنطار الزيت سنة 1940 كان في حدود 864 فرنكا وأصبح سنة 1942 في حدود 2400 فرنك وفي سنة 1946 وصل إلى 4400 فرنك، وبعد الحرب ارتفع سعر كلغ الخبز من 18 فاصل 5 فرنك سنة 1947 إلى 52 فرنكا سنة 1952..
وقدم الأستاذ علي آيت ميهوب صورة قاتمة عن حالة الدمار التي حصلت في بنزرت خلال الحرب العالمية الثانية وتحدث عن مشروع إعادة البناء وكيف كان سيتم تحويل المدينة التي أصبحت تسمى بمدينة الأشباح إلى منطقة جرزونة لكن تم العدول عن هذا المشروع الكبير.