تسعى تونس، في إطار استراتيجيتها الاقتصادية للسنوات القادمة، إلى تعزيز صادراتها نحو القارة الإفريقية، مستهدفة زيادة حجم الصادرات بنسبة تناهز 25 % بحلول عام 2027، وذلك في خطوة تهدف الى الحفاظ على نسق تطور العائدات القادمة من الصادرات وخلق التوازن في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم، اثر الإجراءات الجمركية الأمريكية الأخيرة، والتي كانت ارتداداتها على الأسواق الأوروبية والآسيويّة ثقيلة جدا.
ويُتوقع أن تصل قيمة الصادرات التونسية نحو إفريقيا ودول جنوب الصحراء أكثر من 1.1 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 3.3 مليار دينار تونسي بحلول سنة 2027، مقارنة بالمستويات الحالية، والبالغة نحو 510 مليون دولار (سعر الصرف الحالي)، أي قرابة 1.6 مليار دينار، موفى 2024، باستثناء دول الجزائر وليبيا والمغرب. هذه الخطوة تأتي في ظل الجهود المبذولة من قبل الدولة التونسية لاقتناص الفرص المتاحة في السوق الإفريقية الواعدة، التي تُعد من أكثر الأسواق العالمية ديناميكية وإمكانات.
السوق الإفريقية.. فرصة اقتصادية واعدة
إفريقيا، التي تحتضن أكثر من 1.2 مليار مستهلك، تُعد إحدى أكبر الأسواق العالمية من حيث الإمكانات الاقتصادية والتجارية. وقد انضمت تونس إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف) في عام 2020، إضافة إلى توقيعها على اتفاقية (الكوميسا) لدول شرق وجنوب إفريقيا في عام 2018. هاتان الخطوتان تمثلان نقطة انطلاق محورية نحو التوسع في الأسواق الإفريقية، خاصة مع ارتفاع التبادل التجاري بين الدول الإفريقية من إجمالي التجارة العالمية إلى حوالي 14.9 % في عام 2023، بفضل الجهود المبذولة لتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية.
ورغم التحسن التدريجي في حجم الصادرات التونسية نحو السوق الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن حصة هذه السوق من إجمالي الصادرات الوطنية مازالت ضعيفة، إذ بلغت حوالي 3.5 % فقط،. من جهة أخرى، بلغت قيمة المبادلات التجارية بين تونس وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء حوالي 510 مليون دولار. وتشير الدراسات إلى أن تونس تمتلك إمكانيات تصديرية غير مستغلة نحو إفريقيا، يُتوقع أن تؤدي إلى زيادة كبيرة في حجم المبادلات التجارية، إذا ما تم تفعيلها بالشكل الأمثل.
القطاعات الواعدة في السوق الإفريقية
وتستحوذ القطاعات الصناعية التونسية على النصيب الأكبر من المبادلات التجارية مع إفريقيا، حيث تمثل الصناعات الكهربائية والميكانيكية والزراعية والغذائية أكثر من 90 % من إجمالي الصادرات التونسية نحو القارة. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن هناك قطاعات أخرى تمتلك إمكانيات واعدة للتوسع، مثل قطاع الملابس الجاهزة، والأحذية، والمنتجات الكهربائية والمعدنية، والمنتجات الكيميائية. هذه القطاعات، والتي أُشير لها مؤخرا بمركز النهوض بالصادرات، يمكن أن تحقق نجاحات كبيرة في السوق الإفريقية إذا تم تذليل العقبات التي تواجه التصدير إليها.
آفاق واعدة للصادرات نحو إفريقيا
خلال العام 2024، أظهرت الصادرات التونسية تحسنًا ملحوظًا مقارنة بالسنوات السابقة، نتيجة الجهود المبذولة لتنويع الأسواق التصديرية، خاصة نحو إفريقيا. بلغت قيمة الصادرات التونسية الإجمالية حوالي 20 مليار دولار أمريكي (ما يعادل حوالي 63 مليار دينار تونسي)، مع استحواذ الأسواق الأوروبية على النصيب الأكبر، بحوالي 70 % من إجمالي الصادرات، في حين أن الأسواق الإفريقية استحوذت على 3.5 % فقط من إجمالي الصادرات، بقيمة 510 مليون دولار أمريكي، أي حوالي 1.6 مليار دينار .
ومن أبرز القطاعات الرئيسية، التي ساهمت في تعزيز الصادرات التونسية خلال عام 2024، هي الصناعات الكهربائية والميكانيكية والتي تمثل حوالي 40 % من إجمالي الصادرات، والصناعات الغذائية والزراعية، والتي ساهمت بنسبة 20 %-25 والصناعات الكيماوية والمعدنية، والتي تشهد نموًا تدريجيًا، خاصة في الأسواق الإفريقية. ومع استمرار الجهود الحكومية لتوسيع الأسواق التصديرية، خصوصًا نحو إفريقيا، وبفضل تطبيق اتفاقيات مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف) واتفاقية الكوميسا، من المتوقع أن تحقق الصادرات التونسية قفزة نوعية خلال السنوات القادمة.
ومن المتوقع أن تصل قيمة الصادرات إلى 22 مليار دولار أمريكي حوالي 69 مليار دينار تونسي، أي بزيادة تُقدر بحوالي 10 % مقارنة بعام 2024، ويُتوقع أن يرتفع نصيب الأسواق الإفريقية من إجمالي الصادرات إلى حوالي 4.5 %-5 بفضل تحسين التشريعات وتخفيض الرسوم الجمركية بين الدول الإفريقية. كما من المتوقع أن تواصل الصادرات نموها خلال 2026 لتصل إلى حوالي 24.5 مليار دولار أمريكي (حوالي 77 مليار دينار تونسي)، مع زيادة ملحوظة في تنوع المنتجات التونسية المصدرة، ومع تفعيل كامل بنود اتفاقية زليكاف، يُتوقع أن ترتفع قيمة الصادرات نحو إفريقيا جنوب الصحراء إلى أكثر من 600 مليون دولار أمريكي، أي بنسبة نمو 30 %-40 مقارنة بعام 2024. وبحلول عام 2027، يُتوقع أن تصل قيمة الصادرات التونسية إلى حوالي 27 مليار دولار أمريكي (حوالي 85 مليار دينار تونسي)، مدفوعة بزيادة الطلب على المنتجات التونسية في إفريقيا وأوروبا. ويُتوقع أن تستحوذ الأسواق الإفريقية على حوالي 6.5 %-7 من إجمالي الصادرات، أي ما يعادل حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي (حوالي 3.7 مليار دينار تونسي).
تحديات كبيرة
رغم الفرص الواعدة، تواجه تونس العديد من التحديات التي تعيق تعزيز صادراتها إلى إفريقيا، من أبرزها التكاليف المرتفعة للنقل، والذي يمثل عقبة كبيرة، حيث تصل تكلفته بين الدول الإفريقية إلى حوالي 12.7 % من السعر النهائي للمنتج، وهو ضعف المتوسط العالمي البالغ 6 %. وفي بعض الدول الإفريقية، قد ترتفع هذه التكلفة إلى 25 %. وعلى عكس الأسواق الأوروبية، لا تتوفر معلومات كافية عن طبيعة الأسواق الإفريقية والمنتجات المطلوبة فيها، مما يعيق المصدرين التونسيين عن استهداف هذه الأسواق بفعالية. كما تعاني التجارة البينية الإفريقية من تعقيدات تشريعية وإجرائية، مثل الرسوم الجمركية المرتفعة والإجراءات الحمائية. ورغم أن اتفاقية زليكاف تهدف إلى إلغاء الرسوم الجمركية عن 90 % من البضائع في مرحلة أولى، إلا أن التنفيذ العملي لهذه الاتفاقية مازال يواجه بعض الصعوبات.
كما تشمل هذه التحديات ضعف البنية التحتية للنقل والمواصلات بين الدول الإفريقية، مما يزيد من صعوبة ترويج المنتجات التونسية في الأسواق الإفريقية، وهناك حاجة إلى ملاءمة التشريعات الوطنية للدول الإفريقية مع روح اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، بما يسهم في تسهيل التجارة البينية وتعزيز الانصهار الاقتصادي.
وللتغلب على هذه التحديات، تعمل تونس بالتعاون مع شركائها في إفريقيا على تنفيذ عدد من الإجراءات، من بينها تعزيز المعلومات حول الأسواق الإفريقية، حيث وضعت وزارة التجارة التونسية تطبيقًا بالتعاون مع مركز التجارة الدولي (ITC)، يتيح للمصدرين التونسيين إدخال معلومات حول منتجاتهم لمعرفة الأسواق الإفريقية التي يمكن تصدير هذه المنتجات إليها. كما تسعى تونس إلى تطوير التشريعات المتعلقة بالتجارة لتتلاءم مع بنود اتفاقية زليكاف، بما يسهل على المصدرين التونسيين استغلال الفرص المتاحة في السوق الإفريقية. إضافة الى ذلك، دخلت تونس، مؤخرا، في مفاوضات مع الدول الإفريقية لتطوير البنية التحتية اللوجستية، وتقليل تكاليف النقل بين الدول، مما يساهم في تحسين القدرة التنافسية للمنتجات التونسية. كما تعمل الحكومة التونسية، مؤخرا، على تفعيل البروتوكولات ضمن اتفاقية زليكاف، وتشمل هذه البروتوكولات مجالات متعددة، مثل تجارة الخدمات، الاستثمار، تسوية النزاعات، حقوق الملكية الفكرية، وسياسات المنافسة. كما تهدف إلى تعزيز مشاركة النساء والشباب في التجارة التقليدية، والتجارة الرقمية.
خيار استراتيجي لتعزيز الصادرات
وتمثل السوق الإفريقية، اليوم، فرصة استراتيجية لتونس لتعزيز موقعها الاقتصادي والتجاري إقليميًا ودوليًا.
ومع تفعيل اتفاقية زليكاف والكوميسا، تستطيع تونس أن تحقق قفزة نوعية في حجم صادراتها نحو إفريقيا، خاصة إذا تم التركيز على استغلال الإمكانيات غير المستغلة وتجاوز العقبات القائمة. ومع وجود أكثر من 1.2 مليار مستهلك في القارة، يمكن للصناعات التونسية أن تجد مكانًا لها في الأسواق الإفريقية، خصوصًا في ظل الطلب المتزايد على المنتجات الكهربائية، الميكانيكية، الغذائية، والزراعية، إضافة إلى القطاعات الواعدة الأخرى مثل الملابس الجاهزة والأحذية، علما وأن التوجه نحو إفريقيا ليس خيارًا، بل ضرورة اقتصادية لتونس في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الأخيرة، وخاصة أمام البلبلة التي أصابت جميع الأسواق الأوروبية والآسيوية بسبب الإجراءات الجمركية الأمريكية.
ولتحقيق الهدف المنشود بزيادة الصادرات بنسبة 25 % بحلول عام 2027، يتعين على تونس مواصلة جهودها لتعزيز موقعها في السوق الإفريقية من خلال تخفيف العقبات التشريعية والإجرائية، وتحسين البنية التحتية للنقل، وتوفير المعلومات اللازمة للمصدرين. وبفضل هذه الجهود، تستطيع تونس أن تستفيد من الإمكانيات الهائلة التي توفرها السوق الإفريقية وتحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا خلال السنوات القادمة.
سفيان المهداوي
تسعى تونس، في إطار استراتيجيتها الاقتصادية للسنوات القادمة، إلى تعزيز صادراتها نحو القارة الإفريقية، مستهدفة زيادة حجم الصادرات بنسبة تناهز 25 % بحلول عام 2027، وذلك في خطوة تهدف الى الحفاظ على نسق تطور العائدات القادمة من الصادرات وخلق التوازن في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم، اثر الإجراءات الجمركية الأمريكية الأخيرة، والتي كانت ارتداداتها على الأسواق الأوروبية والآسيويّة ثقيلة جدا.
ويُتوقع أن تصل قيمة الصادرات التونسية نحو إفريقيا ودول جنوب الصحراء أكثر من 1.1 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 3.3 مليار دينار تونسي بحلول سنة 2027، مقارنة بالمستويات الحالية، والبالغة نحو 510 مليون دولار (سعر الصرف الحالي)، أي قرابة 1.6 مليار دينار، موفى 2024، باستثناء دول الجزائر وليبيا والمغرب. هذه الخطوة تأتي في ظل الجهود المبذولة من قبل الدولة التونسية لاقتناص الفرص المتاحة في السوق الإفريقية الواعدة، التي تُعد من أكثر الأسواق العالمية ديناميكية وإمكانات.
السوق الإفريقية.. فرصة اقتصادية واعدة
إفريقيا، التي تحتضن أكثر من 1.2 مليار مستهلك، تُعد إحدى أكبر الأسواق العالمية من حيث الإمكانات الاقتصادية والتجارية. وقد انضمت تونس إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف) في عام 2020، إضافة إلى توقيعها على اتفاقية (الكوميسا) لدول شرق وجنوب إفريقيا في عام 2018. هاتان الخطوتان تمثلان نقطة انطلاق محورية نحو التوسع في الأسواق الإفريقية، خاصة مع ارتفاع التبادل التجاري بين الدول الإفريقية من إجمالي التجارة العالمية إلى حوالي 14.9 % في عام 2023، بفضل الجهود المبذولة لتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية.
ورغم التحسن التدريجي في حجم الصادرات التونسية نحو السوق الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن حصة هذه السوق من إجمالي الصادرات الوطنية مازالت ضعيفة، إذ بلغت حوالي 3.5 % فقط،. من جهة أخرى، بلغت قيمة المبادلات التجارية بين تونس وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء حوالي 510 مليون دولار. وتشير الدراسات إلى أن تونس تمتلك إمكانيات تصديرية غير مستغلة نحو إفريقيا، يُتوقع أن تؤدي إلى زيادة كبيرة في حجم المبادلات التجارية، إذا ما تم تفعيلها بالشكل الأمثل.
القطاعات الواعدة في السوق الإفريقية
وتستحوذ القطاعات الصناعية التونسية على النصيب الأكبر من المبادلات التجارية مع إفريقيا، حيث تمثل الصناعات الكهربائية والميكانيكية والزراعية والغذائية أكثر من 90 % من إجمالي الصادرات التونسية نحو القارة. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن هناك قطاعات أخرى تمتلك إمكانيات واعدة للتوسع، مثل قطاع الملابس الجاهزة، والأحذية، والمنتجات الكهربائية والمعدنية، والمنتجات الكيميائية. هذه القطاعات، والتي أُشير لها مؤخرا بمركز النهوض بالصادرات، يمكن أن تحقق نجاحات كبيرة في السوق الإفريقية إذا تم تذليل العقبات التي تواجه التصدير إليها.
آفاق واعدة للصادرات نحو إفريقيا
خلال العام 2024، أظهرت الصادرات التونسية تحسنًا ملحوظًا مقارنة بالسنوات السابقة، نتيجة الجهود المبذولة لتنويع الأسواق التصديرية، خاصة نحو إفريقيا. بلغت قيمة الصادرات التونسية الإجمالية حوالي 20 مليار دولار أمريكي (ما يعادل حوالي 63 مليار دينار تونسي)، مع استحواذ الأسواق الأوروبية على النصيب الأكبر، بحوالي 70 % من إجمالي الصادرات، في حين أن الأسواق الإفريقية استحوذت على 3.5 % فقط من إجمالي الصادرات، بقيمة 510 مليون دولار أمريكي، أي حوالي 1.6 مليار دينار .
ومن أبرز القطاعات الرئيسية، التي ساهمت في تعزيز الصادرات التونسية خلال عام 2024، هي الصناعات الكهربائية والميكانيكية والتي تمثل حوالي 40 % من إجمالي الصادرات، والصناعات الغذائية والزراعية، والتي ساهمت بنسبة 20 %-25 والصناعات الكيماوية والمعدنية، والتي تشهد نموًا تدريجيًا، خاصة في الأسواق الإفريقية. ومع استمرار الجهود الحكومية لتوسيع الأسواق التصديرية، خصوصًا نحو إفريقيا، وبفضل تطبيق اتفاقيات مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف) واتفاقية الكوميسا، من المتوقع أن تحقق الصادرات التونسية قفزة نوعية خلال السنوات القادمة.
ومن المتوقع أن تصل قيمة الصادرات إلى 22 مليار دولار أمريكي حوالي 69 مليار دينار تونسي، أي بزيادة تُقدر بحوالي 10 % مقارنة بعام 2024، ويُتوقع أن يرتفع نصيب الأسواق الإفريقية من إجمالي الصادرات إلى حوالي 4.5 %-5 بفضل تحسين التشريعات وتخفيض الرسوم الجمركية بين الدول الإفريقية. كما من المتوقع أن تواصل الصادرات نموها خلال 2026 لتصل إلى حوالي 24.5 مليار دولار أمريكي (حوالي 77 مليار دينار تونسي)، مع زيادة ملحوظة في تنوع المنتجات التونسية المصدرة، ومع تفعيل كامل بنود اتفاقية زليكاف، يُتوقع أن ترتفع قيمة الصادرات نحو إفريقيا جنوب الصحراء إلى أكثر من 600 مليون دولار أمريكي، أي بنسبة نمو 30 %-40 مقارنة بعام 2024. وبحلول عام 2027، يُتوقع أن تصل قيمة الصادرات التونسية إلى حوالي 27 مليار دولار أمريكي (حوالي 85 مليار دينار تونسي)، مدفوعة بزيادة الطلب على المنتجات التونسية في إفريقيا وأوروبا. ويُتوقع أن تستحوذ الأسواق الإفريقية على حوالي 6.5 %-7 من إجمالي الصادرات، أي ما يعادل حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي (حوالي 3.7 مليار دينار تونسي).
تحديات كبيرة
رغم الفرص الواعدة، تواجه تونس العديد من التحديات التي تعيق تعزيز صادراتها إلى إفريقيا، من أبرزها التكاليف المرتفعة للنقل، والذي يمثل عقبة كبيرة، حيث تصل تكلفته بين الدول الإفريقية إلى حوالي 12.7 % من السعر النهائي للمنتج، وهو ضعف المتوسط العالمي البالغ 6 %. وفي بعض الدول الإفريقية، قد ترتفع هذه التكلفة إلى 25 %. وعلى عكس الأسواق الأوروبية، لا تتوفر معلومات كافية عن طبيعة الأسواق الإفريقية والمنتجات المطلوبة فيها، مما يعيق المصدرين التونسيين عن استهداف هذه الأسواق بفعالية. كما تعاني التجارة البينية الإفريقية من تعقيدات تشريعية وإجرائية، مثل الرسوم الجمركية المرتفعة والإجراءات الحمائية. ورغم أن اتفاقية زليكاف تهدف إلى إلغاء الرسوم الجمركية عن 90 % من البضائع في مرحلة أولى، إلا أن التنفيذ العملي لهذه الاتفاقية مازال يواجه بعض الصعوبات.
كما تشمل هذه التحديات ضعف البنية التحتية للنقل والمواصلات بين الدول الإفريقية، مما يزيد من صعوبة ترويج المنتجات التونسية في الأسواق الإفريقية، وهناك حاجة إلى ملاءمة التشريعات الوطنية للدول الإفريقية مع روح اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، بما يسهم في تسهيل التجارة البينية وتعزيز الانصهار الاقتصادي.
وللتغلب على هذه التحديات، تعمل تونس بالتعاون مع شركائها في إفريقيا على تنفيذ عدد من الإجراءات، من بينها تعزيز المعلومات حول الأسواق الإفريقية، حيث وضعت وزارة التجارة التونسية تطبيقًا بالتعاون مع مركز التجارة الدولي (ITC)، يتيح للمصدرين التونسيين إدخال معلومات حول منتجاتهم لمعرفة الأسواق الإفريقية التي يمكن تصدير هذه المنتجات إليها. كما تسعى تونس إلى تطوير التشريعات المتعلقة بالتجارة لتتلاءم مع بنود اتفاقية زليكاف، بما يسهل على المصدرين التونسيين استغلال الفرص المتاحة في السوق الإفريقية. إضافة الى ذلك، دخلت تونس، مؤخرا، في مفاوضات مع الدول الإفريقية لتطوير البنية التحتية اللوجستية، وتقليل تكاليف النقل بين الدول، مما يساهم في تحسين القدرة التنافسية للمنتجات التونسية. كما تعمل الحكومة التونسية، مؤخرا، على تفعيل البروتوكولات ضمن اتفاقية زليكاف، وتشمل هذه البروتوكولات مجالات متعددة، مثل تجارة الخدمات، الاستثمار، تسوية النزاعات، حقوق الملكية الفكرية، وسياسات المنافسة. كما تهدف إلى تعزيز مشاركة النساء والشباب في التجارة التقليدية، والتجارة الرقمية.
خيار استراتيجي لتعزيز الصادرات
وتمثل السوق الإفريقية، اليوم، فرصة استراتيجية لتونس لتعزيز موقعها الاقتصادي والتجاري إقليميًا ودوليًا.
ومع تفعيل اتفاقية زليكاف والكوميسا، تستطيع تونس أن تحقق قفزة نوعية في حجم صادراتها نحو إفريقيا، خاصة إذا تم التركيز على استغلال الإمكانيات غير المستغلة وتجاوز العقبات القائمة. ومع وجود أكثر من 1.2 مليار مستهلك في القارة، يمكن للصناعات التونسية أن تجد مكانًا لها في الأسواق الإفريقية، خصوصًا في ظل الطلب المتزايد على المنتجات الكهربائية، الميكانيكية، الغذائية، والزراعية، إضافة إلى القطاعات الواعدة الأخرى مثل الملابس الجاهزة والأحذية، علما وأن التوجه نحو إفريقيا ليس خيارًا، بل ضرورة اقتصادية لتونس في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الأخيرة، وخاصة أمام البلبلة التي أصابت جميع الأسواق الأوروبية والآسيوية بسبب الإجراءات الجمركية الأمريكية.
ولتحقيق الهدف المنشود بزيادة الصادرات بنسبة 25 % بحلول عام 2027، يتعين على تونس مواصلة جهودها لتعزيز موقعها في السوق الإفريقية من خلال تخفيف العقبات التشريعية والإجرائية، وتحسين البنية التحتية للنقل، وتوفير المعلومات اللازمة للمصدرين. وبفضل هذه الجهود، تستطيع تونس أن تستفيد من الإمكانيات الهائلة التي توفرها السوق الإفريقية وتحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا خلال السنوات القادمة.