تونس-الصباح
بعد محاولتها تحصين التزكيات من إمكانيات التلاعب بها أو تدليسها أو الاتجار بها، تضع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على ذمة الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية بداية من يوم الاثنين القادم بجميع مقرات الهيئة مركزيا وجهويا وبموقعها الالكتروني إمكانية الحصول على استمارة التزكية أو تحميلها عن بعد بمجرد الاستظهار ببطاقة التعريف الوطنية وتقديم صورة شمسية، وبهذه الكيفية يستطيعون الشروع فعليا في تجميع العدد المطلوب من التزكيات الشعبية أو تزكيات أعضاء الغرفة النيابية الأولى وأعضاء الغرفة النيابية الثانية أو تزكيات رؤساء المجالس المحلية المنتخبة.
وكانت الهيئة خلال المحطة الانتخابية السابقة رفعت للقضاء ملفات فيها شبهات تزوير تزكيات شعبية وبرلمانية، ولكن رغم مرور سنوات عديدة لم يقع البت في تلك القضايا الأمر الذي مس من مصداقية آلية التزكيات.
وللحيلولة دون التلاعب بها، أضافت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من خلال التنقيحات التي أدخلتها على القرار الترتيبي عدد 18 لسنة 2014 المؤرخ في 4 أوت 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية بعض المقتضيات الجديدة للتزكيات، فحسب الفصل الرابع معدلا تشترط تزكية المترشّح للانتخابات الرئاسية من أعضاء المجالس النيابية المنتخبة أو الناخبين المسجلين كالآتي: تزكية من عشرة نواب من مجلس نوّاب الشعب، أو من المجلس الوطني للجهات والأقاليم، أو من أربعين من رؤساء مجالس الجماعات المحليّة المنتخبة المباشرين لمهامهم في فترة قبول الترشحات وهم رؤساء المجالس المحلية أو الجهوية أو الإقليمية أو البلدية ، أو من عشرة آلاف ناخب مرسّم في سجل الناخبين موزّعين على عشر دوائر انتخابيّة تشريعية على الأقل، ويجب ألاّ يقلّ عددهم عن خمسمائة ناخب بكلّ دائرة منها. أما الفصل الخامس فقد نص على أن تتثبت الهيئة من قائمة المزكين وصحة الإمضاءات وجميع البيانات المطلوبة في نموذج التزكية بكل الوسائل المتاحة قانونا ويمكنها نشر قائمة المزكين لتمكين الناخبين من الإطلاع عليها وتقديم اعتراضاتهم عند الانقضاء.
وجاء في نفس القرار معدلا، أنه من بين الوثائق التي يجب أن يتضمنها ملف الترشح للانتخابات الرئاسية، نسخة ورقية والكترونية من قائمة المزكين تتضمنان وجوبا الاسم الكامل للمزكي وصفته والدائرة الانتخابية التشريعية التي يرتبط بها وعدد بطاقة تعريفه الوطنية وتاريخ إصدارها واسم الأم. وتتضمن النسخة الورقية إمضاءه. ويشترط التعريف بالإمضاء لدى ضابط الحالة المدنية بالنسبة إلى تزكيات أعضاء ورؤساء المجالس النيابية المنتخبة. وتصدر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنموذجا للنسخة الورقية كما تصدر إرشادات فنية للنسخة الالكترونية ويشترط التطابق بين النسخة الورقية والنسخة الالكترونية التي يجب أن تكون قابلة للمعالجة بما في ذلك التطابق في ترتيب أسماء المزكين ولا يعتد قانونا إلا بالنسخة الورقية. ولا تقبل التزكيات التي لا تعتمد الأنموذج المعد من قبل الهيئة أو التي لا تتضمن جميع المعطيات والبيانات المطلوبة في استمارة التزكية.
تجارب مقارنة
رضا ميساوي المدير التنفيذي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات فسر سبب تنقيح الأحكام المتعلقة بالتزكيات برغبة الهيئة في القطع مع التلاعب بها والتحيل على الناخبين، وذكر أن التنصيص على نشر التزكيات كان بهدف التصدي لظاهرة التدليس المادي للتزكيات وافتعال إمضاءات وهمية لناخبين لم يقوموا بتزكية مترشح للانتخابات.
وأضاف الميساوي خلال الندوة الصحفية التي عقدتها الهيئة مساء أول أمس للإعلان عن روزنامة الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 وشروط الترشح لها، أن شرط التزكيات يعد من أهم شروط الترشح للانتخابات الرئاسية في مختلف بلدان العالم وذلك ضمانا لجدارة المترشح واستحقاقه الترشح لقيادة البلاد وبين أن القوانين الانتخابية في مختلف الدول نصت على شرط تقديم تزكيات مباشرة من الشعب أو تزكيات غير مباشرة عن طريق نواب الشعب في البرلمان وذلك لضمان جدارة الترشح.
وأوضح المدير التنفيذي للهيئة أن القانون التونسي أدرج شرط تقديم عشرة آلاف تزكية مع شروط أخرى في علاقة بالتوزيع الجغرافي للدوائر الانتخابية للمزكين لأن التزكية يجب أن لا ترتبط بالانتماءات الجهوية أو العائلية. وبين أنه في السابق وتحديدا في انتخابات 2014 وانتخابات 2019 تم اعتماد صيغة مبسطة للتزكيات تمثلت في تقديم التزكية في جدول ينص على اسم المزكي ولقبه واسم الأب ورقم بطاقة تعريف المزكي والإمضاء، لكن بعد تقييم التجربة تم الوقوف على وجود تلاعب كبير بالتزكيات مما أفقدها جوهرها، وكان هذا التلاعب بالتزكيات وتدليسها محل انتقاد جميع المتابعين للمسار الانتخابي من منظمات وطنية ودولية وملاحظين محليين وأجانب وإعلاميين.
وذكر ميساوي أنه عند دراسة موضوع التزكيات تبين للهيئة العليا المستقلة للانتخابات وجود ثلاثة ظواهر، أولها تدليس تزكية المترشح لأن المعطيات الخاصة به والتي يجب إدراجها في الجدول الخاص بالتزكيات هي معطيات موجودة لدى مختلف الإدارات سواء بالقطاع العمومي أو القطاع الخاص ومنها القطاعات الصناعية والخدماتية والتربوية والتعليمية وغيرها.
أما الظاهرة الثانية فتتمثل حسب المدير التنفيذي للهيئة في بيع التزكيات وشرائها، حيث يتم الحصول على تزكيات على بياض وتقديمها بمقابل لأي مترشح راغب في تجميع تزكيات لوضعها في ملف ترشحه.
وتتمثل الظاهرة الأخطر حسب وصفه في تجميع تزكيات باسم مترشح بنية استغلال شعبيته، ليتم لاحقا تقديمها لفائدة مترشح آخر.
وأضاف رضا ميساوي أن القطع مع هذه الظواهر اقتضى من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ضرورة إدراج معطيات جديدة تحول دون إمكانية تدليس التزكيات، وذلك من خلال طلب معطيات لا تتوفر في قواعد البيانات المتاحة لدى الفاعلين في المجال الخدماتي والاقتصادي، وقال إنه من بين الحلول التي وجدتها الهيئة، استبدال اسم الأب باسم الأم وكذلك التنصيص على تاريخ إصدار بطاقة التعريف الوطنية وتاريخ الولادة وبهذه الكيفية يتم ضمان صحة التزكيات.
وأشار المدير التنفيذي للهيئة إلى أن الضمانة الأخرى لصحة التزكيات تمثلت في وضع حد لتجميع التزكيات على بياض لأن هذه الإمكانية أفرزت ظهور ما يعرف بمقاولات التزكيات أو تجار التزكيات، فهؤلاء يقومون بجمع التزكيات ويسلمونها لمترشحين للانتخابات أو يجمعون تزكيات باسم مترشح ويقدمونها في ملف مترشح آخر لذلك اتجهت الهيئة إلى وضع استمارة تزكية شعبية مشخصة وكل من يرغب في تجميع التزكيات عليه أن يتقدم إلى مقرات الهيئة للحصول على نموذج تزكية باسمه يتضمن صورته ومعطياته وذكر أنه يوجد في خلفية الورقة مكان لتضمين معطيات تهم مجمع التزكيات وبهذه الكيفية فان المواطن الذي سيدرج بياناته في استمارة التزكية يكون قد تأكد من أن التزكية التي قام بها ذهبت فعلا للشخص الذي زكاه وليس لغيره من الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة.
وفسر ميساوي سبب إدراج اسم الشخص المكلف بجمع التزكيات، بالإشارة إلى أن عدم البت في القضايا المنشورة في علاقة بتدليس التزكيات خلال الانتخابات الرئاسية السابقة مرده عدم تحديد مسؤولية مجمعي التزكيات.
تزكيات برلمانية
وخلافا للتزكيات الشعبية، فإن أنموذج التزكيات النيابية حسب قول المدير التنفيذي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات رضا ميساوي أبسط بكثير من التزكية الشعبية إذ يتضمن اسم المترشح واسم النائب ورئيس المجلس النيابي والتعريف بالإمضاء. وأوضح أنه تم اشتراط التعريف بالإمضاء لأنه سبق أن وقع تسجيل شبهات تدليس تزكيات أعضاء بمجلس نواب الشعب. وذكر أن الاستمارة تتكون من اسم المزكي ولقبة ورقم بطاقة تعريفه والعدد الرتبي للتزكية التي ستلحق بجدول التزكيات.
وبخصوص طريقة استصدار نموذج مشخص لاستمارة التزكيات الشعبية فتتمثل حسب ما أشار إليه ميساوي في تقدم الراغب في الحصول على نموذج التزكية إلى المقرات الفرعية للهيئة الموجودة في 24 ولاية أو مكاتب الهيئة في المعتمديات البالغ عددها 279 مكتبا أو في مقرات 73 بعثة دبلوماسية تونسية بالخارج ويتم تمكين صاحب المطلب بصفة فورية من الاستمارة المشخصة بعد الاستظهار ببطاقة التعريف وصورة، ثم يتم إدراج هذه الاستمارة على موقع الهيئة وبالتالي إتاحة تحميلها من طرف فريق عمل مقدم المطلب بكافة أنحاء العالم وإتاحة تحميل الاستمارة من طرف العموم في أي مكان من العالم أما بالنسبة إلى مرشحي الأحزاب السياسية للانتخابات الرئاسية فيمكن للمثل القانوني للحزب أن يقوم بنفس العملية وأن يقدم مطلبا للحصول على نموذج مشخص لاستمارة التزكيات وأشار ميساوي إلى أن الهيئة لن تتبع أي منهج إقصائي وستتعامل بمرونة مع جميع الأحزاب الراغبة في ترشيح شخص للانتخابات الرئاسية وستمكنها من استخراج النموذج المذكور.
وقال إن الهيئة ورغبة منها في تسهيل عملية استخراج نموذج مشخص من استمارة تزكية شعبية أتاحت إمكانية تقديم مطلب عن بعد للحصول على هذه الوثيقة سواء كانا مقدم المطلب داخل البلاد أو خارجها، وتتولى الهيئة دراسة الملف والتفاعل مع مقدم المطلب وتمكنه في أقل من 24 ساعة من الاستمارة المشخصة ومباشرة بعد تمكينه من الوثيقة المذكورة يقع إدراجها على موقع الهيئة حتى تكون قابلة للاستعمال من قبل مختلف تابعي المترشح في جميع أنحاء العالم وهو ما يتيح الشروع في جمع التزكيات في أجل ساعة من تقديم طلب الحصول على استمارة تزكية شعبية فضلا عن إتاحة التزكيات التلقائية.
وأوضح رضا ميساوي المدير التنفيذي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنه خلافا للمحطات الانتخابية الرئاسية السابقة حيث كان المترشح يتحوز على جدول ويتواصل مباشرة مع المواطنين في الأماكن العامة لتجميع التزكيات فقد تم بمقتضى الإجراءات الجديدة تمكين الراغبين في الترشح للانتخابات من تجميع التزكيات بطريقة أسهل كما يمكن أن تكون هناك تزكيات تلقائية من قبل المواطنين ويكفي أن يقوم الناخب بنسخ نموذج التزكية المشخص من موقع الهيئة على الانترنيت ويقوم بتعميرها ثم يتولى تسليمها لممثل المترشح للانتخابات الرئاسية الذي يريد تزكيته.
وبين أنه من خلال نماذج استمارة التزكية التي سيقع اعتمادها في الانتخابات الرئاسية المرتقبة حاولت الهيئة القطع مع مقاولات التزكيات وتوفير إتاحة كبرى للناخبين داخل حدود الوطن وخارجها لأنه تم توفير نماذج التزكيات لفرق عمل المترشحين وأتباعهم وللناخبين الراغبين في تزكية مترشح. وذكر أنه سيتم وضع الوثيقة على ذمة العموم بموقع الهيئة الرسمي وبجميع مقراتها.
وفي نفس السياق أشار رئيس الهيئة فاروق بوعسكر خلال الندوة الصحفية المنعقدة مساء أول أمس إلى أن التزكية ستكون مشخصة وتحمل صورة المترشح واسمه وذلك بعد أن كانت في المحطات الانتخابية السابقة تقدم على ورقة بيضاء، وبين أن إمكانية تثبت الناخبين من التزكيات ستكون متاحة سواء عبر اعتماد تطبيقة الكترونية أو نشر قائمة التزكيات النيابية والشعبية للعموم. وأضاف أن التزكيات الشعبية لن يكون فيها تعريف بالإمضاء أما التزكيات التي تتم من قبل 10 نواب من مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم ومن قبل 40 من رؤساء المجالس المحلية أو الجهوية فتم اشتراط التعريف بالإمضاء. وخلص بوعسكر إلى أنه لم يعد هناك أي مجال للتلاعب بالتزكيات والتحيل على الناخبين، مشيرا إلى أنه خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 والانتخابات الرئاسية لسنة 2019 تم رفع عشرات الملفات التي فيها شبهات تدليس تزكيات للقضاء لكن لم يقع البت فيها.
وكان مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صادق أول أمس بالإجماع على مشروع قرار يتعلق بروزنامة الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 ومشروع قرار آخر يتعلق بتنقيح القرار الترتيبي عدد 18 لسنة 2014 المؤرخ في 4 أوت 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية. وللتذكير نص أمر دعوة الناخبين للانتخابات الرئاسية على أن الانتخابات بالنسبة إلى الناخبين داخل الجمهورية ستكون يوم الأحد 6 أكتوبر 2024 أما بالنسبة إلى الناخبين التونسيين بالخارج فهي أيام 4 و5 و6 أكتوبر 2024.
سعيدة بوهلال