إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالبنط العريض.. نهاية الصهيو.نية !

 

لا يمكن فهم ما يدعو إليه وزير المالية الإسرائيلي بتسئيل سموتريتش ونظيره للأمن غيتمار بن غفير، من دعوة لاحتلال "يهودا" و"سامرة" (الضفة الغربية) وعدم سماح قيام دولة فلسطينية، وما قضت به المحكمة العليا الإسرائيلية بضرورة تجنيد اليهود المتدينين المتشددين "الحريديم" في الجيش الإسرائيلي، ورفض هؤلاء لهذا القرار، إلا أن المجتمع الإسرائيلي يشهد تفككا شديدا، قد يحيل الصهيونية اليهودية إلى "مزبلة التاريخ"، خصوصا مع تواصل دسّ اليمين الصهيوني الديني لسمهم الإيديولوجي الميثولوجي في "دسم" البناء السياسي العلماني الذي قامت عليه دولة الكيان منذ إعلانها في سنة 1948.

فالصهيونية اليهودية لم تقم على مفهوم يهودية الدولة وفق منطق ديني، بل قامت على مبدإ دولة لشتات اليهود، وأسسها صحفي علماني لم يكن يفقه شيئا حتى من اللغة العبرية وهو تيودور هرتزل، الذي رحّل "المسألة اليهودية" من فضائها الأوروبي إلى فضاء آخر وهو الفضاء الدولي، وقامت الدول الاستعمارية الغربية باستعمالها للتخلص من جموع اليهود المشردين من شرق أوروبا (الأشكيناز) والهاربين من مشانق الروس والحصار من قبل النازيين في ألمانيا لاحقا، إلى شوارع دول غرب القارة العجوز.

لقد انطلقت الصهيونية في بذرتها الأولى من بناء استيطاني قائم على الكيبوتزات التي تسيطر مجالسها على وسائل الإنتاج كفكرة يسارية اشتراكية، تطور منذ بداية القرن الـ20 لتكون عماد الكيان، كخطوة أولى للانتشار السرطاني للاستيطان واستعمار الأرض، ولكنها انقلبت مع الحاخام إسحاق كوك إلى فكرة تقوم عليها سردية دينية كاملة ساوت بين اليهودية الأرذوكسية والصهيونية، في وقت كان يعتبر أن تأسيس "دولة إسرائيلية" دينيا مجرد تجديف بالنسبة لليهودية باعتبارها كيانا أسس بتدخل من الإنسان، وليس كأمر إلهي يفصل بين مرحلة الشتات التي حكم بها عليهم وبين "عودتهم للأرض الموعودة".

وهذه الفكرة هي في أساسها فكرة قامت عليها الصهيونية المسيحية الإنجيلية التي تعتبر من أبرز الروافد الفكرية المتحكمة في " الاستبلشمنت" السياسي الأمريكي، والتي تعود في أساسها إلى قراءة جديدة للإنجيل بعد ترجمته من اللاتينية إلى الأنقليزية منذ عهد الملك الأنقليزي هنري الثامن الذي "انقلب" على الكنيسة الكاثوليكية في القرن 16.

وبعيدا عن هذا الطرح التاريخي لفكرة الصهيونية، فإن الصهيونية الدينية التي أضحت رقما صعبا في الممارسة السياسية في الكيان الصهيوني، أضحت أكثر ما يهدد هذه الفكرة وإلقائها في مزبلة التاريخ خصوصا مع الانقسام الواضح الذي أضحى أمرا واقعا في الأراضي الفلسطينية المحتلة بين معسكر يتألف من اليهود الليبراليين الذين يمثلون الطبقة الوسطى، وكانت لهم الهيمنة السياسية على الدولة منذ قيام الكيان عام 1948، ومعسكر اليهود المتشددين الذي نشأ بين المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، ويمثل حاليا قاعدة انتخابية كبيرة أسهمت في فوز نتنياهو بالانتخابات الأخيرة.

هذا الانقسام ودعوة معسكر المتطرفين إلى الحرب الدائمة، وعدم إشراك "الحريديم" فيها (باعتبارهم يهودا متدينين وغير مخصصين للحرب) قد يدفع إلى احتراب داخلي، خاصة وأن أهالي المجندين الإسرائيليين ينظرون إلى عدم تجنيد "الحريديم" كسياسة تمييز ضد أبنائهم، في وقت قد تفقد الأحزاب الدينية خزاناتها الانتخابية إذا ما وافقت على هذا القرار أو قانون تجنيد الحريديم الذي صوتت له نصف حكومة نتنياهو، فيما يرفضها النصف الآخر، مما قد يتسبب في نسفها، إذا لم يكن هنالك توافق حوله في الكنيست وخصوصا بين نتنياهو ووزير حربه يؤاف غالانت.

هذا فضلا عن أن تمسك الصهاينة الدينيين بالتطرف واستمرار الحرب في غزة ونقلها للبنان فرض على الكيان عزلة دولية، وتصاعد النقد الموجه من المجتمع العالمي ضده، وتعرض قادته لأوامر بالاعتقال بتهم جرائم الحرب، في وقت ضربت فيه تل أبيب كل المواثيق الدولية والمعاهدات المرتبطة بـ"مسار السلام" منذ منتصف التسعينيات إلى يومنا هذا، وهو ما أضر بصورتهم حتى في المجتمعات (العلمية والأكاديمية) التي كانت تدعمهم سابقا خصوصا مع استمرار المجازر في قطاع غزة.

كل هذا قد يكون أول الطريق نحو "نهاية الصهيونية".

نزار مقني

 

 

بالبنط العريض..   نهاية الصهيو.نية !

 

لا يمكن فهم ما يدعو إليه وزير المالية الإسرائيلي بتسئيل سموتريتش ونظيره للأمن غيتمار بن غفير، من دعوة لاحتلال "يهودا" و"سامرة" (الضفة الغربية) وعدم سماح قيام دولة فلسطينية، وما قضت به المحكمة العليا الإسرائيلية بضرورة تجنيد اليهود المتدينين المتشددين "الحريديم" في الجيش الإسرائيلي، ورفض هؤلاء لهذا القرار، إلا أن المجتمع الإسرائيلي يشهد تفككا شديدا، قد يحيل الصهيونية اليهودية إلى "مزبلة التاريخ"، خصوصا مع تواصل دسّ اليمين الصهيوني الديني لسمهم الإيديولوجي الميثولوجي في "دسم" البناء السياسي العلماني الذي قامت عليه دولة الكيان منذ إعلانها في سنة 1948.

فالصهيونية اليهودية لم تقم على مفهوم يهودية الدولة وفق منطق ديني، بل قامت على مبدإ دولة لشتات اليهود، وأسسها صحفي علماني لم يكن يفقه شيئا حتى من اللغة العبرية وهو تيودور هرتزل، الذي رحّل "المسألة اليهودية" من فضائها الأوروبي إلى فضاء آخر وهو الفضاء الدولي، وقامت الدول الاستعمارية الغربية باستعمالها للتخلص من جموع اليهود المشردين من شرق أوروبا (الأشكيناز) والهاربين من مشانق الروس والحصار من قبل النازيين في ألمانيا لاحقا، إلى شوارع دول غرب القارة العجوز.

لقد انطلقت الصهيونية في بذرتها الأولى من بناء استيطاني قائم على الكيبوتزات التي تسيطر مجالسها على وسائل الإنتاج كفكرة يسارية اشتراكية، تطور منذ بداية القرن الـ20 لتكون عماد الكيان، كخطوة أولى للانتشار السرطاني للاستيطان واستعمار الأرض، ولكنها انقلبت مع الحاخام إسحاق كوك إلى فكرة تقوم عليها سردية دينية كاملة ساوت بين اليهودية الأرذوكسية والصهيونية، في وقت كان يعتبر أن تأسيس "دولة إسرائيلية" دينيا مجرد تجديف بالنسبة لليهودية باعتبارها كيانا أسس بتدخل من الإنسان، وليس كأمر إلهي يفصل بين مرحلة الشتات التي حكم بها عليهم وبين "عودتهم للأرض الموعودة".

وهذه الفكرة هي في أساسها فكرة قامت عليها الصهيونية المسيحية الإنجيلية التي تعتبر من أبرز الروافد الفكرية المتحكمة في " الاستبلشمنت" السياسي الأمريكي، والتي تعود في أساسها إلى قراءة جديدة للإنجيل بعد ترجمته من اللاتينية إلى الأنقليزية منذ عهد الملك الأنقليزي هنري الثامن الذي "انقلب" على الكنيسة الكاثوليكية في القرن 16.

وبعيدا عن هذا الطرح التاريخي لفكرة الصهيونية، فإن الصهيونية الدينية التي أضحت رقما صعبا في الممارسة السياسية في الكيان الصهيوني، أضحت أكثر ما يهدد هذه الفكرة وإلقائها في مزبلة التاريخ خصوصا مع الانقسام الواضح الذي أضحى أمرا واقعا في الأراضي الفلسطينية المحتلة بين معسكر يتألف من اليهود الليبراليين الذين يمثلون الطبقة الوسطى، وكانت لهم الهيمنة السياسية على الدولة منذ قيام الكيان عام 1948، ومعسكر اليهود المتشددين الذي نشأ بين المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، ويمثل حاليا قاعدة انتخابية كبيرة أسهمت في فوز نتنياهو بالانتخابات الأخيرة.

هذا الانقسام ودعوة معسكر المتطرفين إلى الحرب الدائمة، وعدم إشراك "الحريديم" فيها (باعتبارهم يهودا متدينين وغير مخصصين للحرب) قد يدفع إلى احتراب داخلي، خاصة وأن أهالي المجندين الإسرائيليين ينظرون إلى عدم تجنيد "الحريديم" كسياسة تمييز ضد أبنائهم، في وقت قد تفقد الأحزاب الدينية خزاناتها الانتخابية إذا ما وافقت على هذا القرار أو قانون تجنيد الحريديم الذي صوتت له نصف حكومة نتنياهو، فيما يرفضها النصف الآخر، مما قد يتسبب في نسفها، إذا لم يكن هنالك توافق حوله في الكنيست وخصوصا بين نتنياهو ووزير حربه يؤاف غالانت.

هذا فضلا عن أن تمسك الصهاينة الدينيين بالتطرف واستمرار الحرب في غزة ونقلها للبنان فرض على الكيان عزلة دولية، وتصاعد النقد الموجه من المجتمع العالمي ضده، وتعرض قادته لأوامر بالاعتقال بتهم جرائم الحرب، في وقت ضربت فيه تل أبيب كل المواثيق الدولية والمعاهدات المرتبطة بـ"مسار السلام" منذ منتصف التسعينيات إلى يومنا هذا، وهو ما أضر بصورتهم حتى في المجتمعات (العلمية والأكاديمية) التي كانت تدعمهم سابقا خصوصا مع استمرار المجازر في قطاع غزة.

كل هذا قد يكون أول الطريق نحو "نهاية الصهيونية".

نزار مقني