طالب العديد من النواب في الآونة الأخيرة خاصة بعد أن وضعت الأكاديمية البرلمانية ملفي رحمورة وعشتروت على طاولة الدرس، بتوحيد النصوص القانونية المنظمة لقطاع المحروقات في مجلة جديدة تتلاءم مع دستور2022 وتستجيب لمقتضيات الفصل السادس عشر الذي نص على أن "ثروات الوطن ملك للشعب التونسي، وعلى الدولة أن تعمل على توزيع عائداتها على أساس العدل والإنصاف بين المواطنين في كل جهات الجمهورية. تعرض الاتفاقيات وعقود الاستثمار المتعلقة بالثروات الوطنية على مجلس نواب الشعب وعلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم للموافقة عليها"، وشدد الكثير من النواب خلال اللقاءات التي جمعتهم بوزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب على ضرورة التسريع في صياغة مشروع مجلة شاملة جديدة وعدم الاقتصار على اقتراح إدخال تنقيحات جزئية على المجلة المذكورة وغيرها من النصوص الجاري بها العمل.
وكانت المعارضة البرلمانية وفي صدارتها كتلة الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية قد رفعت خلال المدة النيابية الأولى للبرلمان السابق برئاسة محمد الناصر نفس المطلب في جميع الجلسات التشريعية والرقابية التي جمعت هياكل المجلس النيابي بوزراء الطاقة المتعاقبين، وذلك لضمان مقروئية النص القانوني المنطبق على البترول وتلافي الضبابية الناجمة عن تعدد الأنظمة التشريعية المنظمة لقطاع المحروقات، كما طالبت المعارضة بشدة بنشر عقود البترول في الرائد الرسمي لأن هذه الثروة الوطنية هي ملك للشعب ويجب إطلاع التونسيين عن كامل التفاصيل المتعلقة بهذه الثروة ونتيجة لضغطها المستمر أصبحت الوزارة تنشر المعلومات المتصلة بالمحروقات، أما كتلة نداء تونس الحاكمة فقد اتجهت نحو مراجعة مجلة المحروقات بصفة جزئية، وتقدم نوابها في آخر يوم من سنة 2015 بمقترح القانون عدد 85 لسنة 2015 المتعلق بتنقيح وإتمام مجلة المحروقات الصادرة بمقتضى القانون عدد 93 لسنة 1999 المؤرخ في 19 أوت 1999 وملاءمتها مع أحكام الفصل 13 من دستور 2014، ولكن بعد أن مضت اللجنة البرلمانية المختصة في الطاقة في دراستها قامت جهة المبادرة بسحب مقترحها وبالتالي لم يقع عرضه على جلسة عامة للمصادقة عليه وبقي هذا المقترح في رفوف اللجنة.
وتخضع سندات المحروقات لمنظومات قانونية متشعبة حسب وصف العديد من أعضاء المجلس النيابي الحالي، إذ يضطر هؤلاء بمناسبة النظر في مشاريع اتفاقيات استغلال المحروقات المحالة على أنظار مجلسهم إلى وضع كوم من النصوص القانونية أمامهم.. ولاستيعاب تلك المنظومة يستوجب الأمر منهم الرجوع إلى الأمر العلي المؤرخ في 13 ديسمبر 1948 والمتعلّق بإحداث تدابير خصوصية لتسهيل التفتيش عن المواد المعدنية من الجمع الثاني وتسهيل استغلالها، والأمر العليّ المؤرّخ في غرة جانفي1953 والمتعلّق بتحوير نظام المناجم، والمرسوم عدد 9 لسنة 1985 المؤرخ في 14 سبتمبر 1985 والقانون عدد9 لسنة 1987 المؤرخ في6 مارس 1987 المتعلق بتنقيح المرسوم عدد 9 لسنة 1985 سالف الذكر، إضافة إلى مجلة المحروقات الصادرة بمقتضى القانون عـدد 93 لسنـة 1999 المؤرخ في 17 أوت 1999 كما تم تنقيحها وإتمامها بالقانون عدد 23 لسنة 2002 المؤرخ في 14 فيفري 2002 والقانون عدد 61 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 والقانون عدد 15 لسنة 2008 المؤرخ في 18 فيفري 2008 والقانون عدد 41 لسنة 2017 المؤرخ في 30 ماي 2017 المتعلق بملاءمة مجلة المحروقات مع مقتضيات الفصل13 من دستور 2014، والقانون عدد 45 لسنة 1991 المؤرخ في غرة جويلية 1991 المتعلق بمنتوجات النفط، وذلك فضلا عن الأوامر المنظمة للجنة الاستشارية للمحروقات وغيرها من النصوص.
حذف الأوامر العلية
وأمام تشعب المنظومة القانونية للمحروقات، أكدت ريم المعشاوي مقررة لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة عن كتلة صوت الجمهورية والنائبة عن دائرة القلعة الخصبة- الجريصة - القصور - الدهماني- السرس بالكاف لـ "الصباح" أن اللجنة طالبت بحذف الأوامر العلية التي يعود تاريخها إلى عهد البايات.
وأضافت أن اللجنة عبرت عن رغبتها في أن يقع التسريع في تنقيح بعض فصول مجلة المحروقات التي لا تستجيب لمقتضيات دستور 2022 وخاصة الفصل السادس عشر، وهي متمسكة بهذا المطلب لأن هناك عدة أحكام يجب تغييرها ولا يمكن الإبقاء عليها حسب قولها، وأشارت مقررة اللجنة إلى أن هناك من النواب من طالبوا خلال اليوم الحواري الذي نظمته اللجنة بالأكاديمية البرلمانية حول امتياز استغلال المحروقات عشتروت وامتياز استغلال المحروقات رحمورة وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة بتقديم مشروع مجلة محروقات جديدة وتوحيد النصوص القانونية لكن الوزيرة أجابت أن الحكومة تعتزم تقديم مشروع قانون يتعلق بتنقيح مجلة المحروقات الحالية وليس مشروع مجلة جديدة. وأكدت المعشاوي أن اللجنة بمناسبة النظر في المشروعين المتعلقين بامتياز استغلال عشتورت وامتياز استغلال رحمورة وكذلك مشروع القانون المتعلق بامتياز استغلال سيدي الكيلاني عادت إلى مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالمحروقات من مجلة ومرسوم وأوامر عليّة.
وتضمن مشروع القانون المتعلق بامتياز رحمورة فصلا وحيدا نص على أن تتم الموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يعرف بامتياز الاستغلال رحمورة الملحقة بهذا القانون والممضاة بتونس في 11 ديسمبر 2023 بين الدولة التونسية من جهة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وشركة بانورو ت ب س يوكاري بروداكشن المحدودة من جهة أخرى.
وتضمن مشروع القانون المتعلق بامتياز عشتروت بدوره فصلا وحيدا نص على أن تتم الموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يعرف بامتياز الاستغلال عشتروت الملحقة بهذا القانون والممضاة بتونس في 17 أكتوبر 2023 بين الدولة التونسية من جهة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وشركة بيرنكو تونس أويل أند غاز المحدودة من جهة أخرى.
وذكرت ريم المعشاوي أنه إضافة إلى مشروع القانون المتعلق بامتياز استغلال عشتروت ومشروع القانون المتعلق بامتياز رحمورة، فقد سبق للجنة أن مررت مشروع قانون يتعلّق بالموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلّقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يُعرف بامتياز الاستغلال سيدي الكيلاني، وقد تمت المصادقة عليه في جلسة عامة، وتم من خلال هذا القانون حسب قولها إرجاع كامل الامتياز بنسبة مائة بالمائة للدولة التونسية والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية.
وبالعودة إلى هذا القانون الذي صدر في الرائد الرسمي بتاريخ 23 فيفري الماضي نجده تضمن فصلا وحيدا نص على أن تتمّ الموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلّقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يُعرف بامتياز الاستغلال "سيدي الكيلاني" الملحقة بهذا القانون والمُمضاة بتونس في 6 فيفري2023 بين الدولة التونسية من جهة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية من جهة أخرى.
وتمّ اكتشاف بئر سيدي الكيلاني سنة 1989 ودخل حيز الإنتاج سنة1991، وتبلغ طاقة إنتاجه اليومي حوالي 930 برميلا من النفط، ويقدّر حجم الاحتياطي المتبقي بنحو 2 مليون برميل. وكانت مدّة صلوحية إسناد الامتياز المذكور انتهت منذ سنة 2022، وستواصل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية استغلاله بنسبة مائة بالمائة.
معاينة بعض الإخلالات
ورغم مطالبتها رسميا منذ شهر جانفي الماضي باستعجال النظر فيهما، خيرت لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة التي يرأسها محمد ماجدي النائب عن كتلة لينتصر الشعب عن دائرة أم العرائس - سيدي بوبكر - الرديف – المتلوي بقفصة، التروي في دراسة مشروع القانون المتعلّق بالموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يعرف بامتياز الاستغلال "عشتروت"، ومشروع القانون المتعلّق بالموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يعرف بامتياز الاستغلال "رحمورة"، فبالتمعن في محاضر جلساتها حول المشروعين يتضح جليا أن نوابها وضعوا الاتفاقيتين تحت المجهر.
وإضافة إلى النقاشات الطويلة وجلسات الاستماع إلى ممثلي وزارة الصناعة والمناجم والطاقة وإلى الوزيرة نفيها نظمت اللجنة زيارة ميدانية إلى موقع إنتاج امتياز الاستغلال "رحمورة" بولاية صفاقس، ورفعت تقريرا في الغرض أشارت فيه إلى بعض الاخلالات والتجاوزات التي تم رصدها وذهب رئيس اللجنة إلى أبعد من ذلك وأكد أن الوضعية كارثية..
ويذكر أن امتياز الاستغلال عشتروت متأت من رخصة البحث عن المحروقات خليج قابس البحرية وتم إسناد هذا الامتياز بقرار من وزير الاقتصاد الوطني بتاريخ 30 جوان 1973 وتبلغ مدة صلوحيته 50 سنة انتهت في 31 ديسمبر 2023 وتمتلك شركة بيرنكو تونس أويل أند غاز المحدودة 50 بالمائة منه وتمتلك المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية نسبة 50 بالمائة. وقدرت وزارة الطاقة المردودية المنتظرة للامتياز بنحو 175 مليون دولار على أساس سعر يساوي 60 دولارا للبرميل ويمكن أن يصل المبلغ إلى 213 مليون دولار في صورة وصل سعر البرميل إلى 70 دولارا وهو ما يمكن الدولة من عائدات قدرها 1663 مليون دولار.
أما امتياز رحمورة فتم إسناده بقرار من وزير الاقتصاد الوطني بتاريخ30 ديسمبر1992 وتبلغ مدة صلوحيته 30 سنة انتهت في 14 جانفي 2023 وتمتلك شركة تي بي آس نسبة 49 بالمائة منه أما حصة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية فتبلغ 51 بالمائة. وقدرت وزارة الطاقة عائدات الدولة من مشروع مواصلة الإنتاج على امتياز استغلال رحمورة بحوالي 45 فاصل 6 مليون دولار.
وقبل عرض المشروعين على الجلسة العامة قرر مكتب مجلس نواب الشعب تنظيم لقاء حواري حولهما بالأكاديمية البرلمانية يوم10 جوان بحضور وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت وعدد من إطارات الوزارة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وأثار النواب خلال اليوم الدراسي المذكور الذي تقرر مواصلته يوم أمس العديد من الملاحظات وأهمها ما تعلق بالتجاوزات التي ارتكبها شركة بيرنكو، وذهب بعضهم إلى الدعوة إلى مراجعة كل العقود والتدقيق فيها وهناك من طالب بتأميم الثروات البترولية والذهاب للتحكيم الدولي إن لزم الأمر وأجمعوا على ضرورة العمل من أجل تحقيق الأمن الطاقي وحسن تنفيذ إستراتيجية قطاع الطاقة في أفق 2035 التي صادق عليها مجلس الوزراء في 11 أفريل 2023.
وكان العديد من النواب اطلعوا إلى جانب الإستراتيجية المذكورة، على ورقة سياسات نشرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية على صفحته الرسمية في شهر مارس الماضي وتضمنت هذه الورقة معطيات تقيم الدليل على وجود نقاط ضعف وصعوبات وعراقيل أدت ومازالت تؤدي إلى تدهور المنظومة الطاقية في تونس وتفاقم العجز الطاقي، وأوصى المعهد بضرورة اتّخاذ تدابير عاجلة للحيلولة دون انهيار المنظومة الطاقيّة وإقرار إصلاحات أساسيّة يكون تأثيرها على المدى القصير والمتوسط على أن يتم وجوبا الشروع فيها في أحسن الآجال قصد الحفاظ على أمن تونس الطّاقي وتعزيز استقلاليّتها الطاقية. ويذكر أن الاستقلالية الطاقية قدرت بنسبة 44 بالمائة فقط موفى شهر مارس 2024. أما قيمة عجز الميزان التجاري الطاقي بلغت 3025 مليار موفى مارس 2024 بعد أن كانت في حدود 2785 مليارا موفى مارس 2023 وهو ما يتطلب حسب وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة دعم الاستكشاف والبحث وتنويع المزيج الطاقي المرتكز أساسا على الطاقات الأحفورية. ويبلغ عدد رخص الاستكشاف والبحث سارية المفعول16 تتوزع على15 رخصة بحث ورخصة استكشاف بينما يبلغ عدد امتيازات استغلال المحروقات 56 امتيازا تتوزع على 36 امتيازا في طور الإنتاج و5 امتيازات في طور التطوير والتقديم و15 امتيازا في حال توقف وتقلص العدد الجملي للآبار من 38 بئرا سنة 2010 إلى 11 بئرا سنة 2024.
ويطالب الكثير من النواب خاصة القادمين من جهات استنزفت الشركات الأجنبية خيراتها الطبيعية بتحسين قدرات المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بكيفية تسمح بالترفيع تدريجيا في نسب مساهماتها في امتيازات المحروقات لتصل إلى مائة بالمائة في جميع الامتيازات على غرار ما تم مع امتياز سيدي الكيلاني، وكذلك امتيازات الزاوية ومسكار وديدون وبئر بن طرطر ومزران وأوتيك.
وتساهم هذه المؤسسة الوطنية حاليا وحسب معطيات رسمية تم تقديمها للنواب خلال اليوم البرلماني بنسبة 50 بالمائة في امتيازات عشطروت ومخروفة دبش العريش والفرانيق وواد زار وجبل قروز وآدم وصدر بعل وشروق ونوارة ودرة وعناقيد الشرقي وغريب وجنان سندس وبنفسج جنوبي وبشرى وعبير وشلبية وسيدي مرزوق. وتبلغ مساهمة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية 51 بالمائة في امتيازات الحاجب قبيبة وباقل طرفة وقرمدة العين ومعمورة وسرسينا سرسينا جنوبي، ورامورة وبركة، في حين تبلغ مساهمتها في امتياز دولاب 70 بالمائة وفي امتياز طم صميدة 95 بالمائة وفي امتياز سمامة 70 بالمائة. وتطالب المؤسسة بالتدخل العاجل لتوفير السيولة الضرورية لتفادي تداعيات الوضعية المالية الحرجة التي تمر بها نتيجة تفاقم الديون المتخلدة بذمة الشركة التونسية للكهرباء والغاز بمبلغ وصل موفى ماي 2024 إلى 599 فاصل 6 مليون دينار وبذمة الشركة التونسية لصناعات التكرير بمبلغ بلغ وصل في نفس التاريخ إلى 1548 مليون دينار.
سعيدة بوهلال
تونس- الصباح
طالب العديد من النواب في الآونة الأخيرة خاصة بعد أن وضعت الأكاديمية البرلمانية ملفي رحمورة وعشتروت على طاولة الدرس، بتوحيد النصوص القانونية المنظمة لقطاع المحروقات في مجلة جديدة تتلاءم مع دستور2022 وتستجيب لمقتضيات الفصل السادس عشر الذي نص على أن "ثروات الوطن ملك للشعب التونسي، وعلى الدولة أن تعمل على توزيع عائداتها على أساس العدل والإنصاف بين المواطنين في كل جهات الجمهورية. تعرض الاتفاقيات وعقود الاستثمار المتعلقة بالثروات الوطنية على مجلس نواب الشعب وعلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم للموافقة عليها"، وشدد الكثير من النواب خلال اللقاءات التي جمعتهم بوزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب على ضرورة التسريع في صياغة مشروع مجلة شاملة جديدة وعدم الاقتصار على اقتراح إدخال تنقيحات جزئية على المجلة المذكورة وغيرها من النصوص الجاري بها العمل.
وكانت المعارضة البرلمانية وفي صدارتها كتلة الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية قد رفعت خلال المدة النيابية الأولى للبرلمان السابق برئاسة محمد الناصر نفس المطلب في جميع الجلسات التشريعية والرقابية التي جمعت هياكل المجلس النيابي بوزراء الطاقة المتعاقبين، وذلك لضمان مقروئية النص القانوني المنطبق على البترول وتلافي الضبابية الناجمة عن تعدد الأنظمة التشريعية المنظمة لقطاع المحروقات، كما طالبت المعارضة بشدة بنشر عقود البترول في الرائد الرسمي لأن هذه الثروة الوطنية هي ملك للشعب ويجب إطلاع التونسيين عن كامل التفاصيل المتعلقة بهذه الثروة ونتيجة لضغطها المستمر أصبحت الوزارة تنشر المعلومات المتصلة بالمحروقات، أما كتلة نداء تونس الحاكمة فقد اتجهت نحو مراجعة مجلة المحروقات بصفة جزئية، وتقدم نوابها في آخر يوم من سنة 2015 بمقترح القانون عدد 85 لسنة 2015 المتعلق بتنقيح وإتمام مجلة المحروقات الصادرة بمقتضى القانون عدد 93 لسنة 1999 المؤرخ في 19 أوت 1999 وملاءمتها مع أحكام الفصل 13 من دستور 2014، ولكن بعد أن مضت اللجنة البرلمانية المختصة في الطاقة في دراستها قامت جهة المبادرة بسحب مقترحها وبالتالي لم يقع عرضه على جلسة عامة للمصادقة عليه وبقي هذا المقترح في رفوف اللجنة.
وتخضع سندات المحروقات لمنظومات قانونية متشعبة حسب وصف العديد من أعضاء المجلس النيابي الحالي، إذ يضطر هؤلاء بمناسبة النظر في مشاريع اتفاقيات استغلال المحروقات المحالة على أنظار مجلسهم إلى وضع كوم من النصوص القانونية أمامهم.. ولاستيعاب تلك المنظومة يستوجب الأمر منهم الرجوع إلى الأمر العلي المؤرخ في 13 ديسمبر 1948 والمتعلّق بإحداث تدابير خصوصية لتسهيل التفتيش عن المواد المعدنية من الجمع الثاني وتسهيل استغلالها، والأمر العليّ المؤرّخ في غرة جانفي1953 والمتعلّق بتحوير نظام المناجم، والمرسوم عدد 9 لسنة 1985 المؤرخ في 14 سبتمبر 1985 والقانون عدد9 لسنة 1987 المؤرخ في6 مارس 1987 المتعلق بتنقيح المرسوم عدد 9 لسنة 1985 سالف الذكر، إضافة إلى مجلة المحروقات الصادرة بمقتضى القانون عـدد 93 لسنـة 1999 المؤرخ في 17 أوت 1999 كما تم تنقيحها وإتمامها بالقانون عدد 23 لسنة 2002 المؤرخ في 14 فيفري 2002 والقانون عدد 61 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 والقانون عدد 15 لسنة 2008 المؤرخ في 18 فيفري 2008 والقانون عدد 41 لسنة 2017 المؤرخ في 30 ماي 2017 المتعلق بملاءمة مجلة المحروقات مع مقتضيات الفصل13 من دستور 2014، والقانون عدد 45 لسنة 1991 المؤرخ في غرة جويلية 1991 المتعلق بمنتوجات النفط، وذلك فضلا عن الأوامر المنظمة للجنة الاستشارية للمحروقات وغيرها من النصوص.
حذف الأوامر العلية
وأمام تشعب المنظومة القانونية للمحروقات، أكدت ريم المعشاوي مقررة لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة عن كتلة صوت الجمهورية والنائبة عن دائرة القلعة الخصبة- الجريصة - القصور - الدهماني- السرس بالكاف لـ "الصباح" أن اللجنة طالبت بحذف الأوامر العلية التي يعود تاريخها إلى عهد البايات.
وأضافت أن اللجنة عبرت عن رغبتها في أن يقع التسريع في تنقيح بعض فصول مجلة المحروقات التي لا تستجيب لمقتضيات دستور 2022 وخاصة الفصل السادس عشر، وهي متمسكة بهذا المطلب لأن هناك عدة أحكام يجب تغييرها ولا يمكن الإبقاء عليها حسب قولها، وأشارت مقررة اللجنة إلى أن هناك من النواب من طالبوا خلال اليوم الحواري الذي نظمته اللجنة بالأكاديمية البرلمانية حول امتياز استغلال المحروقات عشتروت وامتياز استغلال المحروقات رحمورة وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة بتقديم مشروع مجلة محروقات جديدة وتوحيد النصوص القانونية لكن الوزيرة أجابت أن الحكومة تعتزم تقديم مشروع قانون يتعلق بتنقيح مجلة المحروقات الحالية وليس مشروع مجلة جديدة. وأكدت المعشاوي أن اللجنة بمناسبة النظر في المشروعين المتعلقين بامتياز استغلال عشتورت وامتياز استغلال رحمورة وكذلك مشروع القانون المتعلق بامتياز استغلال سيدي الكيلاني عادت إلى مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالمحروقات من مجلة ومرسوم وأوامر عليّة.
وتضمن مشروع القانون المتعلق بامتياز رحمورة فصلا وحيدا نص على أن تتم الموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يعرف بامتياز الاستغلال رحمورة الملحقة بهذا القانون والممضاة بتونس في 11 ديسمبر 2023 بين الدولة التونسية من جهة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وشركة بانورو ت ب س يوكاري بروداكشن المحدودة من جهة أخرى.
وتضمن مشروع القانون المتعلق بامتياز عشتروت بدوره فصلا وحيدا نص على أن تتم الموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يعرف بامتياز الاستغلال عشتروت الملحقة بهذا القانون والممضاة بتونس في 17 أكتوبر 2023 بين الدولة التونسية من جهة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وشركة بيرنكو تونس أويل أند غاز المحدودة من جهة أخرى.
وذكرت ريم المعشاوي أنه إضافة إلى مشروع القانون المتعلق بامتياز استغلال عشتروت ومشروع القانون المتعلق بامتياز رحمورة، فقد سبق للجنة أن مررت مشروع قانون يتعلّق بالموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلّقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يُعرف بامتياز الاستغلال سيدي الكيلاني، وقد تمت المصادقة عليه في جلسة عامة، وتم من خلال هذا القانون حسب قولها إرجاع كامل الامتياز بنسبة مائة بالمائة للدولة التونسية والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية.
وبالعودة إلى هذا القانون الذي صدر في الرائد الرسمي بتاريخ 23 فيفري الماضي نجده تضمن فصلا وحيدا نص على أن تتمّ الموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلّقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يُعرف بامتياز الاستغلال "سيدي الكيلاني" الملحقة بهذا القانون والمُمضاة بتونس في 6 فيفري2023 بين الدولة التونسية من جهة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية من جهة أخرى.
وتمّ اكتشاف بئر سيدي الكيلاني سنة 1989 ودخل حيز الإنتاج سنة1991، وتبلغ طاقة إنتاجه اليومي حوالي 930 برميلا من النفط، ويقدّر حجم الاحتياطي المتبقي بنحو 2 مليون برميل. وكانت مدّة صلوحية إسناد الامتياز المذكور انتهت منذ سنة 2022، وستواصل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية استغلاله بنسبة مائة بالمائة.
معاينة بعض الإخلالات
ورغم مطالبتها رسميا منذ شهر جانفي الماضي باستعجال النظر فيهما، خيرت لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة التي يرأسها محمد ماجدي النائب عن كتلة لينتصر الشعب عن دائرة أم العرائس - سيدي بوبكر - الرديف – المتلوي بقفصة، التروي في دراسة مشروع القانون المتعلّق بالموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يعرف بامتياز الاستغلال "عشتروت"، ومشروع القانون المتعلّق بالموافقة على الاتفاقية الخاصة وملحقاتها المتعلقة بامتياز استغلال المحروقات الذي يعرف بامتياز الاستغلال "رحمورة"، فبالتمعن في محاضر جلساتها حول المشروعين يتضح جليا أن نوابها وضعوا الاتفاقيتين تحت المجهر.
وإضافة إلى النقاشات الطويلة وجلسات الاستماع إلى ممثلي وزارة الصناعة والمناجم والطاقة وإلى الوزيرة نفيها نظمت اللجنة زيارة ميدانية إلى موقع إنتاج امتياز الاستغلال "رحمورة" بولاية صفاقس، ورفعت تقريرا في الغرض أشارت فيه إلى بعض الاخلالات والتجاوزات التي تم رصدها وذهب رئيس اللجنة إلى أبعد من ذلك وأكد أن الوضعية كارثية..
ويذكر أن امتياز الاستغلال عشتروت متأت من رخصة البحث عن المحروقات خليج قابس البحرية وتم إسناد هذا الامتياز بقرار من وزير الاقتصاد الوطني بتاريخ 30 جوان 1973 وتبلغ مدة صلوحيته 50 سنة انتهت في 31 ديسمبر 2023 وتمتلك شركة بيرنكو تونس أويل أند غاز المحدودة 50 بالمائة منه وتمتلك المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية نسبة 50 بالمائة. وقدرت وزارة الطاقة المردودية المنتظرة للامتياز بنحو 175 مليون دولار على أساس سعر يساوي 60 دولارا للبرميل ويمكن أن يصل المبلغ إلى 213 مليون دولار في صورة وصل سعر البرميل إلى 70 دولارا وهو ما يمكن الدولة من عائدات قدرها 1663 مليون دولار.
أما امتياز رحمورة فتم إسناده بقرار من وزير الاقتصاد الوطني بتاريخ30 ديسمبر1992 وتبلغ مدة صلوحيته 30 سنة انتهت في 14 جانفي 2023 وتمتلك شركة تي بي آس نسبة 49 بالمائة منه أما حصة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية فتبلغ 51 بالمائة. وقدرت وزارة الطاقة عائدات الدولة من مشروع مواصلة الإنتاج على امتياز استغلال رحمورة بحوالي 45 فاصل 6 مليون دولار.
وقبل عرض المشروعين على الجلسة العامة قرر مكتب مجلس نواب الشعب تنظيم لقاء حواري حولهما بالأكاديمية البرلمانية يوم10 جوان بحضور وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت وعدد من إطارات الوزارة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وأثار النواب خلال اليوم الدراسي المذكور الذي تقرر مواصلته يوم أمس العديد من الملاحظات وأهمها ما تعلق بالتجاوزات التي ارتكبها شركة بيرنكو، وذهب بعضهم إلى الدعوة إلى مراجعة كل العقود والتدقيق فيها وهناك من طالب بتأميم الثروات البترولية والذهاب للتحكيم الدولي إن لزم الأمر وأجمعوا على ضرورة العمل من أجل تحقيق الأمن الطاقي وحسن تنفيذ إستراتيجية قطاع الطاقة في أفق 2035 التي صادق عليها مجلس الوزراء في 11 أفريل 2023.
وكان العديد من النواب اطلعوا إلى جانب الإستراتيجية المذكورة، على ورقة سياسات نشرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية على صفحته الرسمية في شهر مارس الماضي وتضمنت هذه الورقة معطيات تقيم الدليل على وجود نقاط ضعف وصعوبات وعراقيل أدت ومازالت تؤدي إلى تدهور المنظومة الطاقية في تونس وتفاقم العجز الطاقي، وأوصى المعهد بضرورة اتّخاذ تدابير عاجلة للحيلولة دون انهيار المنظومة الطاقيّة وإقرار إصلاحات أساسيّة يكون تأثيرها على المدى القصير والمتوسط على أن يتم وجوبا الشروع فيها في أحسن الآجال قصد الحفاظ على أمن تونس الطّاقي وتعزيز استقلاليّتها الطاقية. ويذكر أن الاستقلالية الطاقية قدرت بنسبة 44 بالمائة فقط موفى شهر مارس 2024. أما قيمة عجز الميزان التجاري الطاقي بلغت 3025 مليار موفى مارس 2024 بعد أن كانت في حدود 2785 مليارا موفى مارس 2023 وهو ما يتطلب حسب وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة دعم الاستكشاف والبحث وتنويع المزيج الطاقي المرتكز أساسا على الطاقات الأحفورية. ويبلغ عدد رخص الاستكشاف والبحث سارية المفعول16 تتوزع على15 رخصة بحث ورخصة استكشاف بينما يبلغ عدد امتيازات استغلال المحروقات 56 امتيازا تتوزع على 36 امتيازا في طور الإنتاج و5 امتيازات في طور التطوير والتقديم و15 امتيازا في حال توقف وتقلص العدد الجملي للآبار من 38 بئرا سنة 2010 إلى 11 بئرا سنة 2024.
ويطالب الكثير من النواب خاصة القادمين من جهات استنزفت الشركات الأجنبية خيراتها الطبيعية بتحسين قدرات المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بكيفية تسمح بالترفيع تدريجيا في نسب مساهماتها في امتيازات المحروقات لتصل إلى مائة بالمائة في جميع الامتيازات على غرار ما تم مع امتياز سيدي الكيلاني، وكذلك امتيازات الزاوية ومسكار وديدون وبئر بن طرطر ومزران وأوتيك.
وتساهم هذه المؤسسة الوطنية حاليا وحسب معطيات رسمية تم تقديمها للنواب خلال اليوم البرلماني بنسبة 50 بالمائة في امتيازات عشطروت ومخروفة دبش العريش والفرانيق وواد زار وجبل قروز وآدم وصدر بعل وشروق ونوارة ودرة وعناقيد الشرقي وغريب وجنان سندس وبنفسج جنوبي وبشرى وعبير وشلبية وسيدي مرزوق. وتبلغ مساهمة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية 51 بالمائة في امتيازات الحاجب قبيبة وباقل طرفة وقرمدة العين ومعمورة وسرسينا سرسينا جنوبي، ورامورة وبركة، في حين تبلغ مساهمتها في امتياز دولاب 70 بالمائة وفي امتياز طم صميدة 95 بالمائة وفي امتياز سمامة 70 بالمائة. وتطالب المؤسسة بالتدخل العاجل لتوفير السيولة الضرورية لتفادي تداعيات الوضعية المالية الحرجة التي تمر بها نتيجة تفاقم الديون المتخلدة بذمة الشركة التونسية للكهرباء والغاز بمبلغ وصل موفى ماي 2024 إلى 599 فاصل 6 مليون دينار وبذمة الشركة التونسية لصناعات التكرير بمبلغ بلغ وصل في نفس التاريخ إلى 1548 مليون دينار.