إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أيّة مهرجانات صيفيّة وحر.ب الإباد.ة الجماعيّة تعصف بفلسطين الأبيّة؟

الأولى أن يقدّم مبدعون عروضا تؤمن بقيم الحرية والعدالة

وددت لو..، لكن خاب ظني وما رجوته بدا لي سرابا...

بدأت الأخبار تأتينا تباعا حول الفنّانين الذين سيشاركون في مهرجان قرطاج الدّولي في الصّائفة القادمة. وقد طلب أغلب هؤلاء مكافآت خيالية تصمّ الآذان من هول الجشع واللّهاث وراء كنز الأموال الطائلة. وقدّر المقابل بمئات الملايين للفنان الواحد. ومنهم من فاق سعر حفله مبالغ هائلة من الدّنانير مقابل سهرة فنية لا تتجاوز ثلاث ساعات في أقصى الحالات.

عادت بي الذاكرة إلى الموقف البطولي لكوكب الشرق أم كلثوم الذي ملأ صوتها الدّنيا وأطرب العالم بأسره حيث غيّرت أم كلثوم نمط غنائها ليتناسب مع الظروف السياسية والاجتماعية في مصر والعالم العربي. وأصدرت العديد من الأغاني التي تعبّر عن الوحدة العربية والصمود والأمل في تحقيق النصر والعدالة. ومن بين الأغاني التي قدمتها أم كلثوم بعد حرب 1967 "أقول لمين" التي كتبها الشاعر أحمد رامي ولحنها محمد عبد الوهاب. كانت هذه الأغنية تعبّر عن الصراع الفلسطيني وتدعو إلى الوحدة والصمود. وتبرّعت أم كلثوم بكلّ مداخيل الحفلات التي أقامتها في عدّة أقطار عربية وغربية لدعم القضية الفلسطينية وجهود إعادة الإعمار في مصر بعد الحرب. وقدمت العديد من الحفلات الخيرية التي كانت تجمع تبرعات ضخمة لدعم هذه القضايا. ومن بين حفلاتها الأكثر شهرة حفل باريس. ويُذكر أنّ كوكب الشرق قد قالت لـ"علي السمان" رئيس الاتحاد العالمي لحوار وثقافات الأديان: "حضرت إلى باريس لأنه واجب وطني، وكلنا جنود في معركة واحدة، ولن نترك مصر أبدا فريسة لأي عدوان أو استعمار مهما كانت قوته، وسنضحي بأرواحنا من أجل وطننا"، وأنّها طلبت منه كتابة رسالة للرئيس الفرنسي شارل ديغول يحييه لموقفه الشجاع بعدم تأييد أمريكا أو إسرائيل في عدوانهما على مصر، ووقعت عليها بـ"أم كلثوم مواطنة مصرية".

نعيش اليوم في غمار شجن عظيم جرّاء الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني لاسيّما في غزة ورفح بمخطط استعماريّ استيطانيّ همجيّ منذ ما يزيد عن مائتين وخمسين يوما. وتنفّذ الآلة الحربية الصهيونية الجبانة عمليات عسكرية دنيئة بمساعدة مطلقة من النظام الأمريكي الغربي. أليس من المخجل أن نتحدث عن مهرجانات واحتفالات وإخواننا في فلسطين يُقتلون ويُشرّدون ويُذبحون ويُحرقون ويُهجّرون ويُجوّعون ويُعطّشون في وضح النهار في صمت رهيب مرعب لجلّ الأنظمة العربية؟ أين نحن من الاحتفالات؟ أين نحن من السهرات الملاح؟ أين نحن من الغناء والطرب والتصفيق والرقص؟ أين نحن من الحديث عن أجواء المهرجانات؟ كيف لا نخجل من أنفسنا حين نتكلّم عن الاستعدادات لإقامة المهرجانات سواء على ركح قرطاج أو على أيّ ركح آخر في بلادنا؟

حرّي بنا أن نجمّع كل الأموال المخصصة للتّعاقد مع الفنانين من تونس أو الوافدين علينا من أيّ بلد عربيّ أو أجنبيّ ونزيد عليها كي نقدمها إلى إخوتنا الحفاة العراة الجياع والعطاشى في فلسطين. والأجدر أن نقيم مهرجانات نغنّي فيها الأغنية الملتزمة بالقضية الفلسطينية والمساندة لكلّ شعوب العالم التي تطمح إلى التّحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي. والأولى أن يقدّم مبدعون في كلّ المجالات عروضا تؤمن بقيم الحرية والعدالة والانتصار للمظلومين والرافضين للمغتصبين أعداء الحياة أحباء الظلام دون مقابل.

أين الفنّانون المقترحون للغناء في هذه الصّائفة من الذين تغنّوا بالوطن الجريح وهتفوا باسم العمال والفلاحين والطلبة وعلى رأسهم الثنائي العملاق أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام اللّذين جاءا إلى تونس والتفّ بهما أبناء الشعب والتحموا واستضافوهما في بيوتهم ولم تطأ أقدامهما النّزل الفاخرة ذات خمسة النّجوم؟ ينبغي أن نتولّى عمّن حسبناهم ملتزمين بحبّ الوطن وظننا أنّ الوطن ساكن في بؤبؤ عيونهم. وعلينا أن نرفض مشاركة كلّ من يزعم أنّه يغني للوطن ويوهم النّاس أنّه يغنّي للقضايا العادلة وهو في الحقيقة مشدود إلى مآرب مالية يعمل جاهدا على تجميعها حتى يملأ بها رصيده البنكي في أيّ احتفال أو مهرجان. مللنا من سماع قولهم "تونس بلدي التاني، الشعب التونسي زواق" وغيرها من العبارات. ويكفينا من اتخاذ هؤلاء "الفنانين" من تونس أصلا تجاريا.

مصدّق الشّريف

"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أيّة مهرجانات صيفيّة وحر.ب الإباد.ة الجماعيّة تعصف بفلسطين الأبيّة؟

الأولى أن يقدّم مبدعون عروضا تؤمن بقيم الحرية والعدالة

وددت لو..، لكن خاب ظني وما رجوته بدا لي سرابا...

بدأت الأخبار تأتينا تباعا حول الفنّانين الذين سيشاركون في مهرجان قرطاج الدّولي في الصّائفة القادمة. وقد طلب أغلب هؤلاء مكافآت خيالية تصمّ الآذان من هول الجشع واللّهاث وراء كنز الأموال الطائلة. وقدّر المقابل بمئات الملايين للفنان الواحد. ومنهم من فاق سعر حفله مبالغ هائلة من الدّنانير مقابل سهرة فنية لا تتجاوز ثلاث ساعات في أقصى الحالات.

عادت بي الذاكرة إلى الموقف البطولي لكوكب الشرق أم كلثوم الذي ملأ صوتها الدّنيا وأطرب العالم بأسره حيث غيّرت أم كلثوم نمط غنائها ليتناسب مع الظروف السياسية والاجتماعية في مصر والعالم العربي. وأصدرت العديد من الأغاني التي تعبّر عن الوحدة العربية والصمود والأمل في تحقيق النصر والعدالة. ومن بين الأغاني التي قدمتها أم كلثوم بعد حرب 1967 "أقول لمين" التي كتبها الشاعر أحمد رامي ولحنها محمد عبد الوهاب. كانت هذه الأغنية تعبّر عن الصراع الفلسطيني وتدعو إلى الوحدة والصمود. وتبرّعت أم كلثوم بكلّ مداخيل الحفلات التي أقامتها في عدّة أقطار عربية وغربية لدعم القضية الفلسطينية وجهود إعادة الإعمار في مصر بعد الحرب. وقدمت العديد من الحفلات الخيرية التي كانت تجمع تبرعات ضخمة لدعم هذه القضايا. ومن بين حفلاتها الأكثر شهرة حفل باريس. ويُذكر أنّ كوكب الشرق قد قالت لـ"علي السمان" رئيس الاتحاد العالمي لحوار وثقافات الأديان: "حضرت إلى باريس لأنه واجب وطني، وكلنا جنود في معركة واحدة، ولن نترك مصر أبدا فريسة لأي عدوان أو استعمار مهما كانت قوته، وسنضحي بأرواحنا من أجل وطننا"، وأنّها طلبت منه كتابة رسالة للرئيس الفرنسي شارل ديغول يحييه لموقفه الشجاع بعدم تأييد أمريكا أو إسرائيل في عدوانهما على مصر، ووقعت عليها بـ"أم كلثوم مواطنة مصرية".

نعيش اليوم في غمار شجن عظيم جرّاء الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني لاسيّما في غزة ورفح بمخطط استعماريّ استيطانيّ همجيّ منذ ما يزيد عن مائتين وخمسين يوما. وتنفّذ الآلة الحربية الصهيونية الجبانة عمليات عسكرية دنيئة بمساعدة مطلقة من النظام الأمريكي الغربي. أليس من المخجل أن نتحدث عن مهرجانات واحتفالات وإخواننا في فلسطين يُقتلون ويُشرّدون ويُذبحون ويُحرقون ويُهجّرون ويُجوّعون ويُعطّشون في وضح النهار في صمت رهيب مرعب لجلّ الأنظمة العربية؟ أين نحن من الاحتفالات؟ أين نحن من السهرات الملاح؟ أين نحن من الغناء والطرب والتصفيق والرقص؟ أين نحن من الحديث عن أجواء المهرجانات؟ كيف لا نخجل من أنفسنا حين نتكلّم عن الاستعدادات لإقامة المهرجانات سواء على ركح قرطاج أو على أيّ ركح آخر في بلادنا؟

حرّي بنا أن نجمّع كل الأموال المخصصة للتّعاقد مع الفنانين من تونس أو الوافدين علينا من أيّ بلد عربيّ أو أجنبيّ ونزيد عليها كي نقدمها إلى إخوتنا الحفاة العراة الجياع والعطاشى في فلسطين. والأجدر أن نقيم مهرجانات نغنّي فيها الأغنية الملتزمة بالقضية الفلسطينية والمساندة لكلّ شعوب العالم التي تطمح إلى التّحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي. والأولى أن يقدّم مبدعون في كلّ المجالات عروضا تؤمن بقيم الحرية والعدالة والانتصار للمظلومين والرافضين للمغتصبين أعداء الحياة أحباء الظلام دون مقابل.

أين الفنّانون المقترحون للغناء في هذه الصّائفة من الذين تغنّوا بالوطن الجريح وهتفوا باسم العمال والفلاحين والطلبة وعلى رأسهم الثنائي العملاق أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام اللّذين جاءا إلى تونس والتفّ بهما أبناء الشعب والتحموا واستضافوهما في بيوتهم ولم تطأ أقدامهما النّزل الفاخرة ذات خمسة النّجوم؟ ينبغي أن نتولّى عمّن حسبناهم ملتزمين بحبّ الوطن وظننا أنّ الوطن ساكن في بؤبؤ عيونهم. وعلينا أن نرفض مشاركة كلّ من يزعم أنّه يغني للوطن ويوهم النّاس أنّه يغنّي للقضايا العادلة وهو في الحقيقة مشدود إلى مآرب مالية يعمل جاهدا على تجميعها حتى يملأ بها رصيده البنكي في أيّ احتفال أو مهرجان. مللنا من سماع قولهم "تونس بلدي التاني، الشعب التونسي زواق" وغيرها من العبارات. ويكفينا من اتخاذ هؤلاء "الفنانين" من تونس أصلا تجاريا.

مصدّق الشّريف

"