إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عباس زكي في حوار لـ"الصباح": نحتاج لقيادة فلسطينية جديدة..

 

 

قال عضو اللجنة المركزية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح" عباس زكي أن القضية الفلسطينية اليوم في حاجة لقيادة جديدة وبعقلية جديدة، وهناك قدرة على معرفة طبيعة هذا العدو فلسطينيا وعربيا وأيضا إنسانيا واستراتيجيا.

وتحدث زكي في حوار مطول لـ"الصباح" عن الواقع الفصائلي الفلسطيني والرهانات التي تواجهها الفصائل الفلسطينية بعد الحرب على غزة.

كما أكد زكي على أن القيادة لفلسطينية قررت مقاطعة الإدارة الأمريكية الحالية، خصوصا بعد المواقف الأخيرة، متعرضا لثورة الجامعات الأمريكية بسبب الجرائم المرتكبة في القطاع وخطورتها على "الاستبليشمنت" السياسي الأمريكي.

أجرى الحوار: نزار مقني

*ذكرى النكبة، تأتي مع حرب همجية من قبل الكيان الصهيوني على أهالينا في غزة، فهل ترى أن العدو الصهيوني ذاهب في مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة مثل ما فعل سنة 1948 خصوصا مع بداية عملية رفح واحتلال المعبر الوحيد للقطاع مع مصر؟

أولا التاريخ يعيد نفسه، عام 1948 قرروا أن ينتصروا باستعمال الرعب فكان عندهم "هاغاناه" و"شترن" و"أرغون" (عصابات صهيونية قامت بمذابح ضد الفلسطينيين في الفترة السابقة لتأسيس دولة الكيان)، وهذه منظمات فاشية عنصرية إرهابية، واستطاعوا -كما أمر بن غريون- أن يقيموا 50 مذبحة، ويقومون بإخلاء سبيل بعض الفلسطينيين لتبليغ القرى الأخرى، فسقطت 531 قرية ودمروها وأخفوها من الوجود، وانتصروا بالرعب.

اﻵن، التاريخ يعيد نفسه، في الماضي تنكروا للرئيس الأمريكي السابق هاري ترومن (الرئيس الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية)، بعد توقيع موسى شاريت (وزير الكيان للخارجية بعد إعلان دولة الكيان) على تعهد أنه لن يدخل للأمم المتحدة إلا بعد أن ينفذوا قرار التقسيم 181 وقرار حق اللاجئين في العودة، لكنهم رفضوا ذلك واستمروا في جرائمهم. نزيف دام على مدار 76 عاما من الاضطهاد والقهر والإذلال، يقابلها صمود أسطوري من الشعب الفلسطيني.

هم ينتصرون علينا بالعالم الذي يسمي نفسه "العالم الحر" وكلهم من الصهاينة، انطلاقا من سوناك (ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني) إلى بايدن (الرئيس الأمريكي جو بايدن)، وهنا نتساءل ما معنى الصهيونية؟

الصهيونية باختصار هي السيطرة على العالم، حتى باقتراف الجرائم والمذابح دون مراعاة للقانون الدولي.

اليوم يعيدون نفس الاسطوانة التي حصلت في النكبة، وصلت حكومة تسمى بحكومة أقصى التطرف، يقودها نتنياهو (رئيس وزراء دولة الكيان)، وهو مطلوب للقضاء الإسرائيلي لسوء الائتمان وللفساد، وبالتالي يفتعل كل شيء، إنها حكومة الحسم، وما الذي يعنيه الحسم؟

هو صراع امتد لـ76 عاما ويريدون حسمه بالحذاء الإسرائيلي وبالرؤية الصهيونية للحل، وهذا يعني أنه لا وجود للفلسطينيين على أرضهم ووفقا لقانون الكنيست لا يحق لغير اليهود حق تقرير المصير في "يهودا وسامرة" (التسمية التوراتية لأرض فلسطين التاريخية)، ويغيرون كل المعالم بدءا بالقدس، وإذا ما أخذوا القدس انكسرت النفسية الإسلامية العربية و"بطل الناس يقولوا إذا ما ذهبت القدس ماعد يوجد أي شيء مقدس".

هم لهم رؤية أنهم "شعب الله المختار" وأن غيرهم يستحق القتل، وأن هؤلاء الحاخامات مثل الحاخام شاميرا الذين يقولون إن "قتل الفلسطينيين مثل قتل الأفاعي والحشرات، وهذا يعني أن هؤلاء أصبحوا اليوم هم من يؤثرون على الرأي العام الإسرائيلي، المسكون بالرعب وينظر إلى الفلسطيني حتى العاجز أنه إذا لم يقتله، يقتل.

خلقوا اﻵن 3 فصائل: لاهافا وشعارها الموت للعرب، وفصيل "تدفيع الثمن" وهؤلاء من يضعون علامات تفرقة على بيوت الفلسطينيين، وفصيل "شباب التلال" وهم الناس المدربون تدريبا جيدا وهم يمثلون ميليشيا مسلحة موجودة داخل الدولة لدرجة أن الشارع الإسرائيلي منقسم إلى قسمين، ويوجد "الحريديم" الذين يرفضون الخدمة في صفوف الجيش.

وبالتالي نحن اليوم أشبه ما يكون بعام الـ48، ولكن الفارق الآن أن الوضع الإسلامي والعربي خامل، هو ظاهرة صوتية نعم.. وبالمقابل يوجد تحول جذري في الشارع الغربي من فرط المجازر الحاصلة في قطاع غزة، وتحول اﻷمر إلى جدل ونقاش داخلي إلى أن انتقل النقاش إلى صفوف الطلبة في الجامعات، وإذا ما خرج الطلبة من حرم الجامعات إلى الشوارع ستكون هناك نهاية للنظام الدولي.

*هل يمكن لثورة العقول التي اجتاحت الجامعات الأمريكية أن تشكل اختراقا لـ"الاستبشمنت" المشكل للمشهد السياسي الأمريكي حول القضية الفلسطينية؟

قد تؤدي إلى شرخ في العقول التي تدعم التعدي على حقوق الشعب الفلسطيني وإبادته، وبذلك بدأ اﻵن الحديث عن حل الدولتين دون وضع حدود معينة للدولتين، والحديث عن حق العودة، وخرجوا عن النص الأمريكي الذي يدعوا إلى إبادة الشعب الفلسطيني، والذي لا يمكن أن يعترف بأن إسرائيل أخطأت بالرغم من كل ما يحصل، هم بدؤوا يدركون أن حكوماتهم مسيطر عليها من قبل "الكابينت" الحكومي الإسرائيلي (مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر المخصص للشؤون اﻷمنية)، وأدركوا أن شريان الجرائم الإسرائيلية تأتي من أمريكا وبالتالي هذه الدول (الغربية) أصبحت مرتجفة، خصوصا وأنهم يدركون أن الخطر داهم على كل البشرية، خصوصا وأن هناك صراعا معقدا في أوكرانيا وحول تايوان، وأن هناك قوة ناهضة تتشكل تحت خط النار تطالب بنظام دولي جديد، حتى في مرحلة انتشار فيروس كورونا، وهي جائحة سيستها واشنطن، وقامت الصين بمجهود لتعالج وتبلسم جراحات كل العالم، لأنها ترى أنه إذا لم يكن العالم بخير فإنها لن تكون بخير، وبالتالي فإن هذا التخبط اﻷمريكي الذي قام بإحضار حاملات الطائرات وقام بتجهيز جسر جوي لدعم الإسرائيليين، ولكن مهما علا كعبهم إلا أنهم اصطدموا بمقاومة كبيرة من الشعب الفلسطيني طوال 7 أشهر وهذا ما نراه اليوم زلزالا حدث فيهم.

وبالتالي هذه المقاومة والصمود، تعني أن إسرائيل لم تعد دولة لا تقهر مهما امتلكت من الأسلحة، فهل قامت بتخليص الرهائن؟ لا لم تتمكن من ذلك، هل قامت بالقضاء على حماس؟ لا لم تتمكن من ذلك، وليس حماس فقط بل هي كل فصائل المقاومة الفلسطينية.

ثبت كذلك أن إسرائيل تعيش أزمة خانقة، فاليوم كل مستوطني غلاف غزة يعيشون في النزل، وكذلك مستوطنو الشمال قرابة 80 ألف مستوطن يعيشون بعيدا علن مستوطناتهم، وهذا يشكل ضغطا على الحكومة الإسرائيلية، ولا يجرؤون على أن يعودوا وهناك قرابة 5 مليون إسرائيلي حصلوا على جوازات سفر وقد يهاجرون خارج إسرائيل دون عودة والمغادرات توجد فيها زحمة، وهذا ما شكل أزمة اقتصادية خاصة وأن اقتصادها قائم على التصنيع والسياحة وهذا يطلب استقرارا أمنيا وهذا غير موجود، وهم اﻵن يعيشون لحظات حرجة.

ولكن الذي يدعم وجودهم ليس ذاتهم بل الاعتماد على الغرب، وعلى الحالة العربية التي مازالت تعتمد على الصراع على فلسطين، في الوقت الذي إذا ما انهارت القلعة الفلسطينية لن يبقى نظام عربي قائما.

فهناك دول مستقلة عربية وذات شأن سياسي واقتصادي كبيرين، ولكنها تشعر أنها ضعيفة جدا أمام الإسرائيليين، وهنا أعطيك مثالا: هناك شخص يدعى أرييه درعي (سياسي إسرائيلي يهودي من أصل مغربي ترأس سابقا حزب شاس الديني المتطرف) وكان هناك وفد إماراتي في المطار في التشريفات، فلما رآهم هناك قال "إن هؤلاء مكانهم الإسطبل ولا يجوز أن يجلسوا في هذا المكان، العرب هم دواب نركبهم"، وكان من الضروري أن تقطع العلاقات بعد كلام مثل هذا.. كل هذه الجرائم التي ترتكبها إسرائيل والعرب كأنهم غير موجودين.

الحمد الله اﻵن استطعنا أن نوفر موقفا موحدا في اﻷمم المتحدة، وصوتوا معنا، وأي خطأ منا، سينقلبون علينا، ونحن لا نريد ذلك.

* كيف ترى المواقف العربية مع تواصل لعبة المحاور في المنطقة، حتى بعد السابع من أكتوبر، والتي تعمل على إعادة تشكيل المنطقة؟

الإسرائيليون اليوم يقولون نحن متفقون مع السعودية على التطبيع، لكن هذا الكلام دفع السعوديين للقول اتفق مع الفلسطينيين أولا ثم نبدأ في الحديث.

لما ذهب نتنياهو (بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الأكثر تطرفا منذ تشكيل الكيان) إلى الأمم المتحدة قال إن الفلسطينيين يشكلون 2 % من العرب، وليس لهم فيتو وأنا موقع اتفاقيات مع أصدقائي لتطبيع العلاقات، ولكن الجرائم والإبادة التي بدأت تهز مشاعر الغرب وليس الشرق فقط، أخذت تشكل تأثيرات.. فلا أحد يستطيع أن يكون شريكا في هذه الجريمة، لأن قرار إسرائيل هو التالي "غزة ليبتلعها البحر أو تصبح دولة عظمى أما الضفة الغربية فلنا فيها ثواب ثلاث كبرى: القدس عاصمة أبدية موحدة للكيان، المستوطنات باقية، السيادة لنا ويفرضها جيش الدفاع، وبالتالي لا يمكن أن تفكروا بأنه يمكن أن يكون فيها عرب إنها يهودا وسامرة إنها أرض الميعاد".

حتى بن غفير (إيتمار بن غفير وزير اﻷمن القومي الصهيوني في حكومة نتنياهو) قال "حرام أن يظل الفلسطينيون هنا، حرام أن نضربهم، لنجليهم من هنا حفاظا على كرامتهم الإنسانية"، هم اﻵن يكشفون عن مخططاتهم ونواياهم الخبيثة، ومن لهم حرص على المشروع الإسرائيلي مثل يهود باراك غادروا الكيان.

وعمليا إسرائيل اليوم في ضائقة، وعزاؤها اليوم أن العرب لا زالوا لا يدركوا أنهم مستهدفون، أو لازالوا يرون أن تل أبيب قادرة على القتال، فهي لم تعد، بعد كل ما حصل، قادرة على اتخاذ قرارات القتال مع الفلسطينيين، فكيف لها أن تقاتل دولة إلا بمساعدة الولايات المتحدة أو دولة من الدول.

وأعتقد اﻵن أن الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة أصبح كبيرا، والانتخابات على اﻷبواب، ونحن قرارنا التالي "ورقة بيضاء لبايدن لأنه صهيوني وأوغل في دم الشعب الفلسطيني فلا يقبل أن يكون معه أي علاقة، ووزير خارجيته (أنتوني بلينكن) لن يُستقبل عندنا لأنه كذب كثيرا وتعامل معنا بوقاحة وصلف.

إذن هذا قرار من منظمة التحرير لمقاطعة بلينكن؟

نعم هو قرار بقطع العلاقة مع اﻹدارة الأمريكية الحالية مثلما ما فعلنا مع ترامب (دونالد ترامب الرئيس اﻷمريكياﻷسبق) عند إعلانه عن صفقة القرن، وبالتالي فان أطر المقاومة تعمل وتعرف أنه لا يوجد تكافؤ بين القوى لكن الإرادة والإصرار والقراءة لمخاطر أننا نظل مكتوفي اﻷيدي أو لن يكون هناك خيار في هذه المرحلة، معناها "تثبيت الاحتلال".

بالتالي أنا أرى أي عمل من أي بلد، على اﻷقل أننا نؤيد "بي دي أس" (حركة مقاطعة إسرائيل)، بإجراءات مثل وقف التطبيع وإدانته وبعزل المطبعين، ونطالب العرب بإعادة تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك (معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لجامعة الدول العربية هي معاهدة بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وقعت في 18 جوان 1950 في القاهرة عاصمة مصر)، فإسرائيل هدمت كل شيء ومازالت متمسكة بالوكالة اليهودية (هي الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية. أُنشئت في 1908 باسم "مكتب فلسطين" في يافا كفرع لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم العثماني بمهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى وشراء الأراضي لليهود بمساعدة الصندوق القومي اليهودي ليستوطنوا).

وهناك كذلك القدس، لماذا أهلها يرحلون؟ لو فيه رؤية من جانب روحي للقدس ومن جانب الإسلام وأصحاب الثروات الهائلة على اﻷقل يتبنى جامعة القدس أو سكن للطلبة، وتثبيت اﻷسر.

 *لو تحدثنا عن البيت الداخلي الفلسطيني، اليوم لنا حكومة جديدة، هل سترتب هذه الحكومة لواقع فصائلي فلسطيني جديد خاصة على وقع ما يحصل في غزة بعد طوفان الأقصى؟

تجربتنا تقول، تجمعنا الشدائد تفرقنا الامتيازات، اليوم الكل تجاه ما يحدث في غزة، وأي وقاحة حول ما يحدث، لا يمكن أن يكون عربيا ولا فلسطينيا ولا إنسانا.

بالتالي اليوم توجد رؤية موحدة من هذا الكيان الذي خرج من ثوب الدولة والإنسانية، ويمارس الإبادة على مرأى ومسمع من العالم.

الفلسطينيون في الداخل كلهم يدافعون عن بيتهم وأرضهم، وهم، لو لا 7 أكتوبر، كان هدفهم في اﻷول الضفة الغربية، والقدس واستطاعوا أن يهدموا القدس وأن يعبرواها، وأن يغيرون معالمها، ولكن المعركة في غزة في هذا الوقت شغلتهم عن الضفة الغربية وان حاولوا جس النبض في بعض المناطق بضربات موجعة بما فيها الطيران في طولكرم (مدينة فلسطينية في الضفة الغربية).

أنا أتوقع اﻵن أنه لا يوجد بون شاسع بين الفصائل، لأنه يوجد إدراك واسع بين الفصائل أن الوحدة قوة والقسمة موت، وفي رأيي اﻵن ان المسافات اقتربت لأن الخطر داهم على الجميع وما يفرق بين حماس أو فتح أو جبهة شعبية.

يجب أن تكون هناك خطوة جريئة اﻵن، أن تكون هناك انتخابات فلسطينية عاجلة أو ميثاق شرف سريع جدا يضع الهم اﻷول هو مواجهة إسرائيل، والهم الثاني هو وقف القتال في غزة، والهم الثالث حملة دولية وعربية لإعادة الإعمار على حساب هذه القوة التي دمرت البلد، وهذه المرة يجب أن يدفعوا الثمن.

*نفهم من إجابتك أن القضية الفلسطينية تحتاج إلى قيادة جديدة اليوم؟

"أه بدها"، تحتاج إلى قيادة بنمط فكري جديد، درسنا أن السلام طلع أوهام، أو كلام قتال فصيل دون آخر طلع خطير، وآن اﻷوان أن تكون هناك قدرة على معرفة طبيعة هذا العدو فلسطينيا وعربيا وأيضا إنسانيا واستراتيجيا، نحن أمام معركة أخلاقية وسياسية إستراتيجية وحقوقية على جميع المجالات، على كل فلسطيني وعربي ومسلم أن يحدد موقعه وموقفه من هذا الصراع، إما أن يكون من ضمن اﻷعداء مكتوف اﻷيدي لا حول له ولا قوة، أو أن يكون مع العدالة والديمقراطية والحرية ومع دفع الثمن ليحقق نصرا لهذه الأمة.

عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عباس زكي في حوار لـ"الصباح":  نحتاج لقيادة فلسطينية جديدة..

 

 

قال عضو اللجنة المركزية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح" عباس زكي أن القضية الفلسطينية اليوم في حاجة لقيادة جديدة وبعقلية جديدة، وهناك قدرة على معرفة طبيعة هذا العدو فلسطينيا وعربيا وأيضا إنسانيا واستراتيجيا.

وتحدث زكي في حوار مطول لـ"الصباح" عن الواقع الفصائلي الفلسطيني والرهانات التي تواجهها الفصائل الفلسطينية بعد الحرب على غزة.

كما أكد زكي على أن القيادة لفلسطينية قررت مقاطعة الإدارة الأمريكية الحالية، خصوصا بعد المواقف الأخيرة، متعرضا لثورة الجامعات الأمريكية بسبب الجرائم المرتكبة في القطاع وخطورتها على "الاستبليشمنت" السياسي الأمريكي.

أجرى الحوار: نزار مقني

*ذكرى النكبة، تأتي مع حرب همجية من قبل الكيان الصهيوني على أهالينا في غزة، فهل ترى أن العدو الصهيوني ذاهب في مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة مثل ما فعل سنة 1948 خصوصا مع بداية عملية رفح واحتلال المعبر الوحيد للقطاع مع مصر؟

أولا التاريخ يعيد نفسه، عام 1948 قرروا أن ينتصروا باستعمال الرعب فكان عندهم "هاغاناه" و"شترن" و"أرغون" (عصابات صهيونية قامت بمذابح ضد الفلسطينيين في الفترة السابقة لتأسيس دولة الكيان)، وهذه منظمات فاشية عنصرية إرهابية، واستطاعوا -كما أمر بن غريون- أن يقيموا 50 مذبحة، ويقومون بإخلاء سبيل بعض الفلسطينيين لتبليغ القرى الأخرى، فسقطت 531 قرية ودمروها وأخفوها من الوجود، وانتصروا بالرعب.

اﻵن، التاريخ يعيد نفسه، في الماضي تنكروا للرئيس الأمريكي السابق هاري ترومن (الرئيس الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية)، بعد توقيع موسى شاريت (وزير الكيان للخارجية بعد إعلان دولة الكيان) على تعهد أنه لن يدخل للأمم المتحدة إلا بعد أن ينفذوا قرار التقسيم 181 وقرار حق اللاجئين في العودة، لكنهم رفضوا ذلك واستمروا في جرائمهم. نزيف دام على مدار 76 عاما من الاضطهاد والقهر والإذلال، يقابلها صمود أسطوري من الشعب الفلسطيني.

هم ينتصرون علينا بالعالم الذي يسمي نفسه "العالم الحر" وكلهم من الصهاينة، انطلاقا من سوناك (ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني) إلى بايدن (الرئيس الأمريكي جو بايدن)، وهنا نتساءل ما معنى الصهيونية؟

الصهيونية باختصار هي السيطرة على العالم، حتى باقتراف الجرائم والمذابح دون مراعاة للقانون الدولي.

اليوم يعيدون نفس الاسطوانة التي حصلت في النكبة، وصلت حكومة تسمى بحكومة أقصى التطرف، يقودها نتنياهو (رئيس وزراء دولة الكيان)، وهو مطلوب للقضاء الإسرائيلي لسوء الائتمان وللفساد، وبالتالي يفتعل كل شيء، إنها حكومة الحسم، وما الذي يعنيه الحسم؟

هو صراع امتد لـ76 عاما ويريدون حسمه بالحذاء الإسرائيلي وبالرؤية الصهيونية للحل، وهذا يعني أنه لا وجود للفلسطينيين على أرضهم ووفقا لقانون الكنيست لا يحق لغير اليهود حق تقرير المصير في "يهودا وسامرة" (التسمية التوراتية لأرض فلسطين التاريخية)، ويغيرون كل المعالم بدءا بالقدس، وإذا ما أخذوا القدس انكسرت النفسية الإسلامية العربية و"بطل الناس يقولوا إذا ما ذهبت القدس ماعد يوجد أي شيء مقدس".

هم لهم رؤية أنهم "شعب الله المختار" وأن غيرهم يستحق القتل، وأن هؤلاء الحاخامات مثل الحاخام شاميرا الذين يقولون إن "قتل الفلسطينيين مثل قتل الأفاعي والحشرات، وهذا يعني أن هؤلاء أصبحوا اليوم هم من يؤثرون على الرأي العام الإسرائيلي، المسكون بالرعب وينظر إلى الفلسطيني حتى العاجز أنه إذا لم يقتله، يقتل.

خلقوا اﻵن 3 فصائل: لاهافا وشعارها الموت للعرب، وفصيل "تدفيع الثمن" وهؤلاء من يضعون علامات تفرقة على بيوت الفلسطينيين، وفصيل "شباب التلال" وهم الناس المدربون تدريبا جيدا وهم يمثلون ميليشيا مسلحة موجودة داخل الدولة لدرجة أن الشارع الإسرائيلي منقسم إلى قسمين، ويوجد "الحريديم" الذين يرفضون الخدمة في صفوف الجيش.

وبالتالي نحن اليوم أشبه ما يكون بعام الـ48، ولكن الفارق الآن أن الوضع الإسلامي والعربي خامل، هو ظاهرة صوتية نعم.. وبالمقابل يوجد تحول جذري في الشارع الغربي من فرط المجازر الحاصلة في قطاع غزة، وتحول اﻷمر إلى جدل ونقاش داخلي إلى أن انتقل النقاش إلى صفوف الطلبة في الجامعات، وإذا ما خرج الطلبة من حرم الجامعات إلى الشوارع ستكون هناك نهاية للنظام الدولي.

*هل يمكن لثورة العقول التي اجتاحت الجامعات الأمريكية أن تشكل اختراقا لـ"الاستبشمنت" المشكل للمشهد السياسي الأمريكي حول القضية الفلسطينية؟

قد تؤدي إلى شرخ في العقول التي تدعم التعدي على حقوق الشعب الفلسطيني وإبادته، وبذلك بدأ اﻵن الحديث عن حل الدولتين دون وضع حدود معينة للدولتين، والحديث عن حق العودة، وخرجوا عن النص الأمريكي الذي يدعوا إلى إبادة الشعب الفلسطيني، والذي لا يمكن أن يعترف بأن إسرائيل أخطأت بالرغم من كل ما يحصل، هم بدؤوا يدركون أن حكوماتهم مسيطر عليها من قبل "الكابينت" الحكومي الإسرائيلي (مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر المخصص للشؤون اﻷمنية)، وأدركوا أن شريان الجرائم الإسرائيلية تأتي من أمريكا وبالتالي هذه الدول (الغربية) أصبحت مرتجفة، خصوصا وأنهم يدركون أن الخطر داهم على كل البشرية، خصوصا وأن هناك صراعا معقدا في أوكرانيا وحول تايوان، وأن هناك قوة ناهضة تتشكل تحت خط النار تطالب بنظام دولي جديد، حتى في مرحلة انتشار فيروس كورونا، وهي جائحة سيستها واشنطن، وقامت الصين بمجهود لتعالج وتبلسم جراحات كل العالم، لأنها ترى أنه إذا لم يكن العالم بخير فإنها لن تكون بخير، وبالتالي فإن هذا التخبط اﻷمريكي الذي قام بإحضار حاملات الطائرات وقام بتجهيز جسر جوي لدعم الإسرائيليين، ولكن مهما علا كعبهم إلا أنهم اصطدموا بمقاومة كبيرة من الشعب الفلسطيني طوال 7 أشهر وهذا ما نراه اليوم زلزالا حدث فيهم.

وبالتالي هذه المقاومة والصمود، تعني أن إسرائيل لم تعد دولة لا تقهر مهما امتلكت من الأسلحة، فهل قامت بتخليص الرهائن؟ لا لم تتمكن من ذلك، هل قامت بالقضاء على حماس؟ لا لم تتمكن من ذلك، وليس حماس فقط بل هي كل فصائل المقاومة الفلسطينية.

ثبت كذلك أن إسرائيل تعيش أزمة خانقة، فاليوم كل مستوطني غلاف غزة يعيشون في النزل، وكذلك مستوطنو الشمال قرابة 80 ألف مستوطن يعيشون بعيدا علن مستوطناتهم، وهذا يشكل ضغطا على الحكومة الإسرائيلية، ولا يجرؤون على أن يعودوا وهناك قرابة 5 مليون إسرائيلي حصلوا على جوازات سفر وقد يهاجرون خارج إسرائيل دون عودة والمغادرات توجد فيها زحمة، وهذا ما شكل أزمة اقتصادية خاصة وأن اقتصادها قائم على التصنيع والسياحة وهذا يطلب استقرارا أمنيا وهذا غير موجود، وهم اﻵن يعيشون لحظات حرجة.

ولكن الذي يدعم وجودهم ليس ذاتهم بل الاعتماد على الغرب، وعلى الحالة العربية التي مازالت تعتمد على الصراع على فلسطين، في الوقت الذي إذا ما انهارت القلعة الفلسطينية لن يبقى نظام عربي قائما.

فهناك دول مستقلة عربية وذات شأن سياسي واقتصادي كبيرين، ولكنها تشعر أنها ضعيفة جدا أمام الإسرائيليين، وهنا أعطيك مثالا: هناك شخص يدعى أرييه درعي (سياسي إسرائيلي يهودي من أصل مغربي ترأس سابقا حزب شاس الديني المتطرف) وكان هناك وفد إماراتي في المطار في التشريفات، فلما رآهم هناك قال "إن هؤلاء مكانهم الإسطبل ولا يجوز أن يجلسوا في هذا المكان، العرب هم دواب نركبهم"، وكان من الضروري أن تقطع العلاقات بعد كلام مثل هذا.. كل هذه الجرائم التي ترتكبها إسرائيل والعرب كأنهم غير موجودين.

الحمد الله اﻵن استطعنا أن نوفر موقفا موحدا في اﻷمم المتحدة، وصوتوا معنا، وأي خطأ منا، سينقلبون علينا، ونحن لا نريد ذلك.

* كيف ترى المواقف العربية مع تواصل لعبة المحاور في المنطقة، حتى بعد السابع من أكتوبر، والتي تعمل على إعادة تشكيل المنطقة؟

الإسرائيليون اليوم يقولون نحن متفقون مع السعودية على التطبيع، لكن هذا الكلام دفع السعوديين للقول اتفق مع الفلسطينيين أولا ثم نبدأ في الحديث.

لما ذهب نتنياهو (بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الأكثر تطرفا منذ تشكيل الكيان) إلى الأمم المتحدة قال إن الفلسطينيين يشكلون 2 % من العرب، وليس لهم فيتو وأنا موقع اتفاقيات مع أصدقائي لتطبيع العلاقات، ولكن الجرائم والإبادة التي بدأت تهز مشاعر الغرب وليس الشرق فقط، أخذت تشكل تأثيرات.. فلا أحد يستطيع أن يكون شريكا في هذه الجريمة، لأن قرار إسرائيل هو التالي "غزة ليبتلعها البحر أو تصبح دولة عظمى أما الضفة الغربية فلنا فيها ثواب ثلاث كبرى: القدس عاصمة أبدية موحدة للكيان، المستوطنات باقية، السيادة لنا ويفرضها جيش الدفاع، وبالتالي لا يمكن أن تفكروا بأنه يمكن أن يكون فيها عرب إنها يهودا وسامرة إنها أرض الميعاد".

حتى بن غفير (إيتمار بن غفير وزير اﻷمن القومي الصهيوني في حكومة نتنياهو) قال "حرام أن يظل الفلسطينيون هنا، حرام أن نضربهم، لنجليهم من هنا حفاظا على كرامتهم الإنسانية"، هم اﻵن يكشفون عن مخططاتهم ونواياهم الخبيثة، ومن لهم حرص على المشروع الإسرائيلي مثل يهود باراك غادروا الكيان.

وعمليا إسرائيل اليوم في ضائقة، وعزاؤها اليوم أن العرب لا زالوا لا يدركوا أنهم مستهدفون، أو لازالوا يرون أن تل أبيب قادرة على القتال، فهي لم تعد، بعد كل ما حصل، قادرة على اتخاذ قرارات القتال مع الفلسطينيين، فكيف لها أن تقاتل دولة إلا بمساعدة الولايات المتحدة أو دولة من الدول.

وأعتقد اﻵن أن الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة أصبح كبيرا، والانتخابات على اﻷبواب، ونحن قرارنا التالي "ورقة بيضاء لبايدن لأنه صهيوني وأوغل في دم الشعب الفلسطيني فلا يقبل أن يكون معه أي علاقة، ووزير خارجيته (أنتوني بلينكن) لن يُستقبل عندنا لأنه كذب كثيرا وتعامل معنا بوقاحة وصلف.

إذن هذا قرار من منظمة التحرير لمقاطعة بلينكن؟

نعم هو قرار بقطع العلاقة مع اﻹدارة الأمريكية الحالية مثلما ما فعلنا مع ترامب (دونالد ترامب الرئيس اﻷمريكياﻷسبق) عند إعلانه عن صفقة القرن، وبالتالي فان أطر المقاومة تعمل وتعرف أنه لا يوجد تكافؤ بين القوى لكن الإرادة والإصرار والقراءة لمخاطر أننا نظل مكتوفي اﻷيدي أو لن يكون هناك خيار في هذه المرحلة، معناها "تثبيت الاحتلال".

بالتالي أنا أرى أي عمل من أي بلد، على اﻷقل أننا نؤيد "بي دي أس" (حركة مقاطعة إسرائيل)، بإجراءات مثل وقف التطبيع وإدانته وبعزل المطبعين، ونطالب العرب بإعادة تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك (معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لجامعة الدول العربية هي معاهدة بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وقعت في 18 جوان 1950 في القاهرة عاصمة مصر)، فإسرائيل هدمت كل شيء ومازالت متمسكة بالوكالة اليهودية (هي الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية. أُنشئت في 1908 باسم "مكتب فلسطين" في يافا كفرع لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم العثماني بمهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى وشراء الأراضي لليهود بمساعدة الصندوق القومي اليهودي ليستوطنوا).

وهناك كذلك القدس، لماذا أهلها يرحلون؟ لو فيه رؤية من جانب روحي للقدس ومن جانب الإسلام وأصحاب الثروات الهائلة على اﻷقل يتبنى جامعة القدس أو سكن للطلبة، وتثبيت اﻷسر.

 *لو تحدثنا عن البيت الداخلي الفلسطيني، اليوم لنا حكومة جديدة، هل سترتب هذه الحكومة لواقع فصائلي فلسطيني جديد خاصة على وقع ما يحصل في غزة بعد طوفان الأقصى؟

تجربتنا تقول، تجمعنا الشدائد تفرقنا الامتيازات، اليوم الكل تجاه ما يحدث في غزة، وأي وقاحة حول ما يحدث، لا يمكن أن يكون عربيا ولا فلسطينيا ولا إنسانا.

بالتالي اليوم توجد رؤية موحدة من هذا الكيان الذي خرج من ثوب الدولة والإنسانية، ويمارس الإبادة على مرأى ومسمع من العالم.

الفلسطينيون في الداخل كلهم يدافعون عن بيتهم وأرضهم، وهم، لو لا 7 أكتوبر، كان هدفهم في اﻷول الضفة الغربية، والقدس واستطاعوا أن يهدموا القدس وأن يعبرواها، وأن يغيرون معالمها، ولكن المعركة في غزة في هذا الوقت شغلتهم عن الضفة الغربية وان حاولوا جس النبض في بعض المناطق بضربات موجعة بما فيها الطيران في طولكرم (مدينة فلسطينية في الضفة الغربية).

أنا أتوقع اﻵن أنه لا يوجد بون شاسع بين الفصائل، لأنه يوجد إدراك واسع بين الفصائل أن الوحدة قوة والقسمة موت، وفي رأيي اﻵن ان المسافات اقتربت لأن الخطر داهم على الجميع وما يفرق بين حماس أو فتح أو جبهة شعبية.

يجب أن تكون هناك خطوة جريئة اﻵن، أن تكون هناك انتخابات فلسطينية عاجلة أو ميثاق شرف سريع جدا يضع الهم اﻷول هو مواجهة إسرائيل، والهم الثاني هو وقف القتال في غزة، والهم الثالث حملة دولية وعربية لإعادة الإعمار على حساب هذه القوة التي دمرت البلد، وهذه المرة يجب أن يدفعوا الثمن.

*نفهم من إجابتك أن القضية الفلسطينية تحتاج إلى قيادة جديدة اليوم؟

"أه بدها"، تحتاج إلى قيادة بنمط فكري جديد، درسنا أن السلام طلع أوهام، أو كلام قتال فصيل دون آخر طلع خطير، وآن اﻷوان أن تكون هناك قدرة على معرفة طبيعة هذا العدو فلسطينيا وعربيا وأيضا إنسانيا واستراتيجيا، نحن أمام معركة أخلاقية وسياسية إستراتيجية وحقوقية على جميع المجالات، على كل فلسطيني وعربي ومسلم أن يحدد موقعه وموقفه من هذا الصراع، إما أن يكون من ضمن اﻷعداء مكتوف اﻷيدي لا حول له ولا قوة، أو أن يكون مع العدالة والديمقراطية والحرية ومع دفع الثمن ليحقق نصرا لهذه الأمة.