إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

احـتفاء بخير جليس: فاكهة، لا كسائر الفواكه !

تفنّن المؤلّفين والمؤلّفات في عناوين اعترافاتهم أو مذكّراتهم أو يوميّاتهم وتدويناتهم، جمعوها وفصّلوها وأودعوها بُطون تآليفهم و"مصنّفاتهم"

بقلم علي السعداوي *

بمناسبة معرض الكتاب، يطيب الحديث، في هذا الحيــز، عن ضرب من ضروب الكتابة[ والقــول أيضا] تلقّفتـه دور النّشر لتُصدر ثمراته، يانعـة، حلوة المذاق، كالفاكهة الطّريّة ذات النّكهة الممتازة، وروّجت له صُحف ومجلاّت بل قنوات إذاعية وتلفزيـّـة، ازدهرت سوقه، بعد كساد، في لغتنا العربية، ولغات أجنبيّـة، نتيجـة الهامش المُتاح من الحرّيـة، حرّية الإفصاح والبوح والكشف والجرد،جرد الحساب، وجاء في أشكال متنوّعــة جذابة ، مضمونها الحديث عن الذات، عن الشخص طوعا أو بحافز وواسطة ، حديث ذوات من مختلف المجالات والمهن، عن حصاد العمر في "مرفإ الذّكريات" أو جانب منه معيّن، تقوم فيه " الأنا" وضّاءة محاطة بهالة المجموعة، في مكان ما وزمن ما، هذا النوع من الكتابة، المتسربل غالبا في إيهاب كتاب لفت نظرنا واسترعى انتباهنا بغزارة "إصداراته" وأنيق طباعته، وحداثتها، و تفنّن المؤلّفين والمؤلّفات في عناوين اعترافاتهم أو مذكّراتهم أو يوميّاتهم وتدويناتهم أو دفاترهم وكنّشاتهم الخاصّـة، جمعوها وفصّلوها وأودعوها بُطون تآليفهم و"مصنّفاتهم" حتــّــى جاز أن نعتبر ازدهار هذا الفنّ- لِنـقل "السيرة الذّاتيــة" و"السّيرة الغيريّـة" بمثابـة " الظاهرة الثقافيـّــة " الميمونــة الجديرة بالتنويه، والتي وسمت حياتنا في شتــى وجوهها، كما سنرى في هذا المقال ضمن صفحات هذا المنتدى الذي نأمل أن يتـّــسع ويمتــدّ، غايتنا إغراء القرّاء بأخذ نصيبهم من هذا اللون من الكتابة والتمتّــع بلذّة "فاكهــة لا كسائر الفواكه"، انطلاقا من ولــع شخصيّ بهذا اللّون واطلاع على نماذج منه حديثــةالصّدور، من الشرق والغرب وباللغتين العربيّـة والفرنسية .

والسيرة بنوعيها وفروعها محلّ درس أكاديمي افتتحــه في ربوعنا خالد الذكر أستاذ الأجيال منجي الشّملي وبرع فيه من بعده الأستاذ شكري المبخوت وآخرون. وليس نهجنا هنا- وفي ضوء المقصد المشار إليه – أن نتعمّق في الحديث عن هذا الفنّ وإنّما في عرض النماذج الدّالة المشوّقة والتذكير ببعض قضاياه، على أن نتبّسط في قراءة أنموذج منه شدّنا، في مقال قادم .

بستان و زهور

إنّ مدوّنــة السّير التي لاحت لنا جديرة بالإشارة في هذا المقام هي كالبستان الحافل بالزّهور تحار أيّ واحدة تتملاّها لا سيما إذا ما أخذنا السّيرة الذّاتية في مفهومها العام غير المقيّد بالميثاق أو العقد التّرجذاتي كما حدّده الباحث المنظر الفرنسي فيليب لوجون عام 1971 في كتابه"السّيرة الذاتية في فرنسا" وقوام هذا المفهوم – أنّ " السّيرة الذّاتية ليست مجالا ضيقا أو محدودا بل هي نوع يدفع إلى الانفتاح على مجالات عدّة ( انظر فيليب لوجون وتطوّر رأيه في كتابه " أنا أيضا" « Moi-aussi » الصادر عام 1986 ) فهي – أعنــي هذه السّيرة – ليست وقفا على الأدباء والكتاب الرّوائييـن بل متاحــة للجميع، فالتّاريخ الشخصي الملتبس بالتاريخ العام يمكن أن يُدلي فيه بدلوه النّاشط الثقافي، والمدرّب الرياضي والصحافي والفيلسوف والرسّام والعالم والطبيب ورجل الاقتصاد والسياسة والأعمال، وغير هؤلاء ، ومن الجنسين دائما .

مدوّنـــــة ثريــة

وكلّ حرّ في أن يتخذ القالب الذي يريد في الكتابة ويُســمّي سيرته التسميـة التي يشاء، باللغـــة التي يختار والأسلوب الذي يراه. هذا إلى جانب " السّيرة الغيرية" التي تتناول أعلاما ويكتبها آخرون، وللقارئ أن يختار ما يقرأ من هذه المدوّنــة الثرّية، قراءة المتعــة أو الدرس والاعتبار .

فهذه جليلة حفصيّــة منشّــطة الفضاءات الثقافية في عاصمتنا تترك لنا قبل مغادرتها الدّنيا لحظات من حياتها عنوانها بـ« Instants de vie, chronique familière » من أطرف ما فيها ما سجّلته ووصفته من رحلة الزعيم الحبيب بورقيبة إلى الشرق الأوسط سنة 1965 والتي دامت شهرين، وخطابه التاريخي بأريحا بفلسطيــن ( انظر يومياتها من 16/02/1965 حتى 3 مارس من نفس السنة) وقد رافقت الفقيدة الزعيم الراحل في هذه الرحلة. وهذا مختار التليلي مدرّب الرياضة المعروف يكتب عن كفاحه وخفايا كرة القدم التونسية، بالفرنسية، وهذا الصحافي القدير محمد المأمون العباسي يعرض لمحات من مسيرته المهنيّـة ومسيرة المؤسسة التي عمل بها وهي وكالة تونس افريقا للأنباء في أسلوب توثيقي بيّن، وهذا طه عبد الرحمان الفيلسوف المغربي، ينشر على الملإ عام 2023 فصلا من حياته الفكرية في كتاب : " سؤال السيّرة الفلسفيّـة "وهذا محمّد الجوّة الجامعي اللامع يطلع على الناس بكتاب في 396 صفحة عنوانه لافت Destin de Sta’ : un mathématicien entre deux siècles

وهذا طبيب وعميد معروف في الساحة الجمعياتية هو عبد المجيد الزحّاف يفصح عن مسيرة مناضل في قطاع الصحة في عنوان شيّق:

 Garder la tête hors de l’eau. Parcours d’un militant de la santé, 2022, 400.P.

وهذا الشادلي العيّاري ، المحافظ السابق للبنك المركزي، يعدّ بعد تردّد، وقبل وفاته، دفتر مسيرته وهو يساهم في صنع تونس المعاصرة في 560 صفحة:

Carnet de route d’un artisan de la Tunisie du XXe siècle, 2023

وهو ينبـّــه القارئ أنّ عمله هذا ليس استجابة لنداء التذكّر وليس مقالة في التاريخ ولا في الترجمة الذاتية ولكنـّه تنشيط للذاكرة على أمل أن أتبصّر أكثر في رحلة العمر.وهذا الكاتب الروائي المترجم التونسي حسّونه المصباحي يحدثنا منذ سنة 2017 عن رحلته مع الكتب في سيرة روائيـة عنوانها " بحثا عن السّعادة، رحلتي مع الكتب" يقول المصباحي :

" وفي هذا الكتاب أروي تفاصيل رحلتي الطويلة مع الكتب، انطلاقا من مرحلة الطفولة مرورا بفترة الشباب... وحتى هذه الساعــة التي لا تزال فيها الكتب " خير الأنيس" في الصمت والوحدة ... وغير هذه النماذج من أدب السيرة العصرية، كثير كثير .مما يفيد منه الاقتناء والانكباب على قراءة تجارب الغير. فحديث الذاكرة والذكريات ممتع للكبار والصغار مفيد في معرفة الأسرار والأخطاء ومسالك النجاح.

*متفقـد تعليم متقاعد

(صفاقس)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

احـتفاء بخير جليس: فاكهة، لا كسائر الفواكه !

تفنّن المؤلّفين والمؤلّفات في عناوين اعترافاتهم أو مذكّراتهم أو يوميّاتهم وتدويناتهم، جمعوها وفصّلوها وأودعوها بُطون تآليفهم و"مصنّفاتهم"

بقلم علي السعداوي *

بمناسبة معرض الكتاب، يطيب الحديث، في هذا الحيــز، عن ضرب من ضروب الكتابة[ والقــول أيضا] تلقّفتـه دور النّشر لتُصدر ثمراته، يانعـة، حلوة المذاق، كالفاكهة الطّريّة ذات النّكهة الممتازة، وروّجت له صُحف ومجلاّت بل قنوات إذاعية وتلفزيـّـة، ازدهرت سوقه، بعد كساد، في لغتنا العربية، ولغات أجنبيّـة، نتيجـة الهامش المُتاح من الحرّيـة، حرّية الإفصاح والبوح والكشف والجرد،جرد الحساب، وجاء في أشكال متنوّعــة جذابة ، مضمونها الحديث عن الذات، عن الشخص طوعا أو بحافز وواسطة ، حديث ذوات من مختلف المجالات والمهن، عن حصاد العمر في "مرفإ الذّكريات" أو جانب منه معيّن، تقوم فيه " الأنا" وضّاءة محاطة بهالة المجموعة، في مكان ما وزمن ما، هذا النوع من الكتابة، المتسربل غالبا في إيهاب كتاب لفت نظرنا واسترعى انتباهنا بغزارة "إصداراته" وأنيق طباعته، وحداثتها، و تفنّن المؤلّفين والمؤلّفات في عناوين اعترافاتهم أو مذكّراتهم أو يوميّاتهم وتدويناتهم أو دفاترهم وكنّشاتهم الخاصّـة، جمعوها وفصّلوها وأودعوها بُطون تآليفهم و"مصنّفاتهم" حتــّــى جاز أن نعتبر ازدهار هذا الفنّ- لِنـقل "السيرة الذّاتيــة" و"السّيرة الغيريّـة" بمثابـة " الظاهرة الثقافيـّــة " الميمونــة الجديرة بالتنويه، والتي وسمت حياتنا في شتــى وجوهها، كما سنرى في هذا المقال ضمن صفحات هذا المنتدى الذي نأمل أن يتـّــسع ويمتــدّ، غايتنا إغراء القرّاء بأخذ نصيبهم من هذا اللون من الكتابة والتمتّــع بلذّة "فاكهــة لا كسائر الفواكه"، انطلاقا من ولــع شخصيّ بهذا اللّون واطلاع على نماذج منه حديثــةالصّدور، من الشرق والغرب وباللغتين العربيّـة والفرنسية .

والسيرة بنوعيها وفروعها محلّ درس أكاديمي افتتحــه في ربوعنا خالد الذكر أستاذ الأجيال منجي الشّملي وبرع فيه من بعده الأستاذ شكري المبخوت وآخرون. وليس نهجنا هنا- وفي ضوء المقصد المشار إليه – أن نتعمّق في الحديث عن هذا الفنّ وإنّما في عرض النماذج الدّالة المشوّقة والتذكير ببعض قضاياه، على أن نتبّسط في قراءة أنموذج منه شدّنا، في مقال قادم .

بستان و زهور

إنّ مدوّنــة السّير التي لاحت لنا جديرة بالإشارة في هذا المقام هي كالبستان الحافل بالزّهور تحار أيّ واحدة تتملاّها لا سيما إذا ما أخذنا السّيرة الذّاتية في مفهومها العام غير المقيّد بالميثاق أو العقد التّرجذاتي كما حدّده الباحث المنظر الفرنسي فيليب لوجون عام 1971 في كتابه"السّيرة الذاتية في فرنسا" وقوام هذا المفهوم – أنّ " السّيرة الذّاتية ليست مجالا ضيقا أو محدودا بل هي نوع يدفع إلى الانفتاح على مجالات عدّة ( انظر فيليب لوجون وتطوّر رأيه في كتابه " أنا أيضا" « Moi-aussi » الصادر عام 1986 ) فهي – أعنــي هذه السّيرة – ليست وقفا على الأدباء والكتاب الرّوائييـن بل متاحــة للجميع، فالتّاريخ الشخصي الملتبس بالتاريخ العام يمكن أن يُدلي فيه بدلوه النّاشط الثقافي، والمدرّب الرياضي والصحافي والفيلسوف والرسّام والعالم والطبيب ورجل الاقتصاد والسياسة والأعمال، وغير هؤلاء ، ومن الجنسين دائما .

مدوّنـــــة ثريــة

وكلّ حرّ في أن يتخذ القالب الذي يريد في الكتابة ويُســمّي سيرته التسميـة التي يشاء، باللغـــة التي يختار والأسلوب الذي يراه. هذا إلى جانب " السّيرة الغيرية" التي تتناول أعلاما ويكتبها آخرون، وللقارئ أن يختار ما يقرأ من هذه المدوّنــة الثرّية، قراءة المتعــة أو الدرس والاعتبار .

فهذه جليلة حفصيّــة منشّــطة الفضاءات الثقافية في عاصمتنا تترك لنا قبل مغادرتها الدّنيا لحظات من حياتها عنوانها بـ« Instants de vie, chronique familière » من أطرف ما فيها ما سجّلته ووصفته من رحلة الزعيم الحبيب بورقيبة إلى الشرق الأوسط سنة 1965 والتي دامت شهرين، وخطابه التاريخي بأريحا بفلسطيــن ( انظر يومياتها من 16/02/1965 حتى 3 مارس من نفس السنة) وقد رافقت الفقيدة الزعيم الراحل في هذه الرحلة. وهذا مختار التليلي مدرّب الرياضة المعروف يكتب عن كفاحه وخفايا كرة القدم التونسية، بالفرنسية، وهذا الصحافي القدير محمد المأمون العباسي يعرض لمحات من مسيرته المهنيّـة ومسيرة المؤسسة التي عمل بها وهي وكالة تونس افريقا للأنباء في أسلوب توثيقي بيّن، وهذا طه عبد الرحمان الفيلسوف المغربي، ينشر على الملإ عام 2023 فصلا من حياته الفكرية في كتاب : " سؤال السيّرة الفلسفيّـة "وهذا محمّد الجوّة الجامعي اللامع يطلع على الناس بكتاب في 396 صفحة عنوانه لافت Destin de Sta’ : un mathématicien entre deux siècles

وهذا طبيب وعميد معروف في الساحة الجمعياتية هو عبد المجيد الزحّاف يفصح عن مسيرة مناضل في قطاع الصحة في عنوان شيّق:

 Garder la tête hors de l’eau. Parcours d’un militant de la santé, 2022, 400.P.

وهذا الشادلي العيّاري ، المحافظ السابق للبنك المركزي، يعدّ بعد تردّد، وقبل وفاته، دفتر مسيرته وهو يساهم في صنع تونس المعاصرة في 560 صفحة:

Carnet de route d’un artisan de la Tunisie du XXe siècle, 2023

وهو ينبـّــه القارئ أنّ عمله هذا ليس استجابة لنداء التذكّر وليس مقالة في التاريخ ولا في الترجمة الذاتية ولكنـّه تنشيط للذاكرة على أمل أن أتبصّر أكثر في رحلة العمر.وهذا الكاتب الروائي المترجم التونسي حسّونه المصباحي يحدثنا منذ سنة 2017 عن رحلته مع الكتب في سيرة روائيـة عنوانها " بحثا عن السّعادة، رحلتي مع الكتب" يقول المصباحي :

" وفي هذا الكتاب أروي تفاصيل رحلتي الطويلة مع الكتب، انطلاقا من مرحلة الطفولة مرورا بفترة الشباب... وحتى هذه الساعــة التي لا تزال فيها الكتب " خير الأنيس" في الصمت والوحدة ... وغير هذه النماذج من أدب السيرة العصرية، كثير كثير .مما يفيد منه الاقتناء والانكباب على قراءة تجارب الغير. فحديث الذاكرة والذكريات ممتع للكبار والصغار مفيد في معرفة الأسرار والأخطاء ومسالك النجاح.

*متفقـد تعليم متقاعد

(صفاقس)