إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سرديات شعرية: "عذرا سئمت الانتظار" لهشام الورتتاني.. قصائد لا تتوسل الإيقاع بل يتوسلها..

  

تونس-الصباح

عذرا سئمت الإنتظار هو الديوان الثاني  وبهذا الإصدار الجديد يتأكد  إصرار الشاعر  هشام الورتتاني على مواصلة  مشروعه الشعري  الفريد والمتفرد  في ساحتنا الثقافية  المتخمة بطوفان  من النصوص النثرية التي لا تستجيب لجمالية القصيدة سواء بإيقاعها المعلن أو إيقاعها السري...

هشام الورتتاني الذي درس علوم الإقتصاد والمالية ولكنه درس الفلسفة أيضا ولا أدري ما إذا كانت الفلسفة هي التي قادته الي متاهة الشعر أو لعله الإقتصاد وعلم المال والأعمال الذي أهدانا الكثير من المبدعين سواء في الأدب أو الرسم أو الموسيقى.. ولكن الأقرب في إعتقادي هي التنشئة الإجتماعية والأسرية التي أهٌلته لنحت مثل هذه الصور الشعرية وصياغة هذه الجمل الإبداعية أو ربما تجربته الحياتية هي التي جعلت قصائده  على هذا المستوى من الرقة والشفافية والإتقان الكامل لتقنيات اللغة الشعرية المعاصرة... 

قصائد  هشام الورتتاني لا تتوسل الإيقاع بل يتوسلها.. بسيطه لدرجة التعقيد ومعقدة لدرجة البساطة. هي ليست  وحيا يوحى بل واقعا معيشا في حانات شارع  الحبيب بورقيبة وأزقته الماكرة... هي قصائد صيغت على طريقة الدوعاجي في جولته بين حانات البحر الأبيض المتوسط،  وهشام هنا يتجول بين حانات تونس مقتنصا حالات البوهيميين من شعراء وموسيقيين ورسامين.. يشاركهم حياتهم محافظا علي بذخ نصه وشكله وجنونه الذي انتج هذه القصائد. قصيدة L'univers مثلا خلبت لبى بصدق.. رأيت فيها صورا عالية الإبداع   لمختلف شخوص الطيف السياسي والثقافي منذ ستينات القرن الماضي  حيث أنها كشفت لنا صورا عن حانة الكون  لم يظفر بها غيره. 

هذه المجموعة الشعرية صيغت في كتاب من الحجم المتوسط يحتوي على 163صفحة موزعة على33 قصيدة تندرج  في خانة الشعر الحر الذي يعتمد على التفعيلة... لكن هشام الورتتاني يمضي بقوة إلى  أعقد أشكال الشعر  وأصعبها، القصيدة العمودية  الكلاسيكية  التي جعلت من الشعر ديوان العرب  وعنوان تميزهم  على شعوب المنطقة من كلدان وسريان وآشوريين  وفراعنة..  تبدو  بعض قصائد الديوان  بصريا  في شكل نص نثري  يسرد قصة قصيرة، لكن  القارئ المتمكن والمتمرس سرعان ما يكتشف أن ما اعتقده  نثرا  هو في الحقيقة قصيدة سردية وغنائية تستجيب  لتقنيات  شعر التفعيلة. إستعراض له ما يبرره كأنما أراد أن يقول لشعراء النثر لا أكتب ما تكتبون  ولا أشعر بما تشعرون مع أني متأكد تماما بمدى ولع وشغف الشاعر بالنثر وتقنيات وتحدي كبير أراد من خلاله   صاحب المعرفة  العلمية الصحيحة والتكوين الفلسفي العميق في أعتى الجامعات التونسية، المزج بين خطين شعريين لتجاوز السائد والمحضور وإرساء منهج جديدة للكتابة الشعرية سالكا بذلك طريقا من رواده سعد يوسف وسليم بركات  ومحمود درويش و منصف الوهايبي... 

قدم الكتاب مبدع تونسي كبير هو أستاذ التعليم العالي بالمعهد الأعلى للموسيقى أسطورة العود رضا الشمك، الحائزة ألحانه على أغلب جوائز مهرجان الأغنية التونسية، فقد أغراه الإيقاع

الكامن والمعلن في قصائد هشام الورتتاني،فالإيقاع طبعا هو نصف التأليف الموسيقى وعموده الفقري،..

تنساب قصائد الشاعر في سياق موسيقي زاخر بصور الحياة  حتى تكاد تصل بنا إلى ما وراء البياض الأبدي...فحتى العوالم السفلية التي يتحدث عنها، ينقلها بصورة جمالية عالية تجعلنا نعانق عوالم تحيلنا إلى جمالية القبح على طريقة بودلير وريمبو....ففي البرك الآسنة  يلتقط الشاعر أروع الصور  وأجملها، إلتماع  الماء  وتحليق الطير، تنهيدة العشاق وحرارة القبل التي تجعلنا نشعر بلذاذة العشق وتلقي بنا في شبقيته القاتلة... 

لا ثبات للمكان  ولا تحديد للزمان في قصائده ، متحولة هي الأزمنة والأمكنة  في تحليق فني بين مواطن الجمال ومواطن  القبح ...فمن مقهى الميناء بسيدي بوسعيد ونوارسه الراقصة على أمواج  المتوسط إلى صخب حانة الكون وهذر الفنانين والمبدعين  المهمشين وحشرجة السياسيين المتهالكين على قارعة المشهد الجديد،يهيم الشاعر بين الألم والسكينة، بين الحزن والفرح ويحملنا إلى عالمين متناقضين. 

يقول هشام :

"في الحانة الحمراء قرب كنيسة القديس سان فانسون يجتمع الرفاق وكل من جار الزمان عليه ....

والزمان هنا متحول بدوره  ومتقلب في جوره  كقصائده التي تطرق مكامن  الجمال والقبح  ومكامن  الألم والذة..."

عذرا سئمت الإنتظار  هو  الإصدار الثاني لهشام الورتتاني بعد ديوانه الأول بلا قِبلتين  ...في تجربة تحافظ  على خصوصيات القصيدة  الحديثة ...وتغامر  باستثارة القارئ إلى عوالم فنية جديدة في إطار مشروع شعري متكامل  ...مسترسل وواعد...

مشروع كرسته مجموعة شعرية صادقة وعذبة كمياه الينابيع المتدفقة في أعالي الجبال وروائح الياسمين  المنسابة في سفوحها ...

محمد السبوعي

سرديات  شعرية: "عذرا سئمت الانتظار" لهشام الورتتاني.. قصائد  لا تتوسل الإيقاع بل يتوسلها..

  

تونس-الصباح

عذرا سئمت الإنتظار هو الديوان الثاني  وبهذا الإصدار الجديد يتأكد  إصرار الشاعر  هشام الورتتاني على مواصلة  مشروعه الشعري  الفريد والمتفرد  في ساحتنا الثقافية  المتخمة بطوفان  من النصوص النثرية التي لا تستجيب لجمالية القصيدة سواء بإيقاعها المعلن أو إيقاعها السري...

هشام الورتتاني الذي درس علوم الإقتصاد والمالية ولكنه درس الفلسفة أيضا ولا أدري ما إذا كانت الفلسفة هي التي قادته الي متاهة الشعر أو لعله الإقتصاد وعلم المال والأعمال الذي أهدانا الكثير من المبدعين سواء في الأدب أو الرسم أو الموسيقى.. ولكن الأقرب في إعتقادي هي التنشئة الإجتماعية والأسرية التي أهٌلته لنحت مثل هذه الصور الشعرية وصياغة هذه الجمل الإبداعية أو ربما تجربته الحياتية هي التي جعلت قصائده  على هذا المستوى من الرقة والشفافية والإتقان الكامل لتقنيات اللغة الشعرية المعاصرة... 

قصائد  هشام الورتتاني لا تتوسل الإيقاع بل يتوسلها.. بسيطه لدرجة التعقيد ومعقدة لدرجة البساطة. هي ليست  وحيا يوحى بل واقعا معيشا في حانات شارع  الحبيب بورقيبة وأزقته الماكرة... هي قصائد صيغت على طريقة الدوعاجي في جولته بين حانات البحر الأبيض المتوسط،  وهشام هنا يتجول بين حانات تونس مقتنصا حالات البوهيميين من شعراء وموسيقيين ورسامين.. يشاركهم حياتهم محافظا علي بذخ نصه وشكله وجنونه الذي انتج هذه القصائد. قصيدة L'univers مثلا خلبت لبى بصدق.. رأيت فيها صورا عالية الإبداع   لمختلف شخوص الطيف السياسي والثقافي منذ ستينات القرن الماضي  حيث أنها كشفت لنا صورا عن حانة الكون  لم يظفر بها غيره. 

هذه المجموعة الشعرية صيغت في كتاب من الحجم المتوسط يحتوي على 163صفحة موزعة على33 قصيدة تندرج  في خانة الشعر الحر الذي يعتمد على التفعيلة... لكن هشام الورتتاني يمضي بقوة إلى  أعقد أشكال الشعر  وأصعبها، القصيدة العمودية  الكلاسيكية  التي جعلت من الشعر ديوان العرب  وعنوان تميزهم  على شعوب المنطقة من كلدان وسريان وآشوريين  وفراعنة..  تبدو  بعض قصائد الديوان  بصريا  في شكل نص نثري  يسرد قصة قصيرة، لكن  القارئ المتمكن والمتمرس سرعان ما يكتشف أن ما اعتقده  نثرا  هو في الحقيقة قصيدة سردية وغنائية تستجيب  لتقنيات  شعر التفعيلة. إستعراض له ما يبرره كأنما أراد أن يقول لشعراء النثر لا أكتب ما تكتبون  ولا أشعر بما تشعرون مع أني متأكد تماما بمدى ولع وشغف الشاعر بالنثر وتقنيات وتحدي كبير أراد من خلاله   صاحب المعرفة  العلمية الصحيحة والتكوين الفلسفي العميق في أعتى الجامعات التونسية، المزج بين خطين شعريين لتجاوز السائد والمحضور وإرساء منهج جديدة للكتابة الشعرية سالكا بذلك طريقا من رواده سعد يوسف وسليم بركات  ومحمود درويش و منصف الوهايبي... 

قدم الكتاب مبدع تونسي كبير هو أستاذ التعليم العالي بالمعهد الأعلى للموسيقى أسطورة العود رضا الشمك، الحائزة ألحانه على أغلب جوائز مهرجان الأغنية التونسية، فقد أغراه الإيقاع

الكامن والمعلن في قصائد هشام الورتتاني،فالإيقاع طبعا هو نصف التأليف الموسيقى وعموده الفقري،..

تنساب قصائد الشاعر في سياق موسيقي زاخر بصور الحياة  حتى تكاد تصل بنا إلى ما وراء البياض الأبدي...فحتى العوالم السفلية التي يتحدث عنها، ينقلها بصورة جمالية عالية تجعلنا نعانق عوالم تحيلنا إلى جمالية القبح على طريقة بودلير وريمبو....ففي البرك الآسنة  يلتقط الشاعر أروع الصور  وأجملها، إلتماع  الماء  وتحليق الطير، تنهيدة العشاق وحرارة القبل التي تجعلنا نشعر بلذاذة العشق وتلقي بنا في شبقيته القاتلة... 

لا ثبات للمكان  ولا تحديد للزمان في قصائده ، متحولة هي الأزمنة والأمكنة  في تحليق فني بين مواطن الجمال ومواطن  القبح ...فمن مقهى الميناء بسيدي بوسعيد ونوارسه الراقصة على أمواج  المتوسط إلى صخب حانة الكون وهذر الفنانين والمبدعين  المهمشين وحشرجة السياسيين المتهالكين على قارعة المشهد الجديد،يهيم الشاعر بين الألم والسكينة، بين الحزن والفرح ويحملنا إلى عالمين متناقضين. 

يقول هشام :

"في الحانة الحمراء قرب كنيسة القديس سان فانسون يجتمع الرفاق وكل من جار الزمان عليه ....

والزمان هنا متحول بدوره  ومتقلب في جوره  كقصائده التي تطرق مكامن  الجمال والقبح  ومكامن  الألم والذة..."

عذرا سئمت الإنتظار  هو  الإصدار الثاني لهشام الورتتاني بعد ديوانه الأول بلا قِبلتين  ...في تجربة تحافظ  على خصوصيات القصيدة  الحديثة ...وتغامر  باستثارة القارئ إلى عوالم فنية جديدة في إطار مشروع شعري متكامل  ...مسترسل وواعد...

مشروع كرسته مجموعة شعرية صادقة وعذبة كمياه الينابيع المتدفقة في أعالي الجبال وروائح الياسمين  المنسابة في سفوحها ...

محمد السبوعي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews