يحسب لهذه الحرب أنها امتحنت الكثير من جماعة الفكر والمعرفة العالمية الذين عرفوا في السابق بمواقفهم الإنسانية ومعارضتهم لكل مظاهر الاستبداد
بقلم نوفل سلامة
يبدو أن تداعيات حرب غزة تتوسع من يوم إلى آخر ويبدو كذلك أن مآلات عملية طوفان الأقصى وما نتج عنها من حرب مدمرة على غزة وأهلها لن تتوقف إلى الحد الذي جعل الكثير من المثقفين والمتابعين السياسيين للوضع المأساوي في فلسطين يقرون بأن حرب حماس مع الكيان الغاصب ستغير مجرى التاريخ وسوف تفرض على الجميع مراجعة الكثير من القناعات والأفكار والقيم التي اعتبرت من مكاسب الحداثة وانجازات عصر الأنوار ومن هذه المراجعات التي فرضتها عملية طوفان الأقصى صورة المثقف ودوره في علاقة بما يحصل اليوم من حرب ظالمة تقودها الآلة الحربية الإسرائيلية المسنودة عسكريا من الغرب الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
كشفت حرب غزة عن حقيقة الكثير من المفكرين والمثقفين الذين كانوا قبل عملية طوفان الأقصى محل اهتمام واقتداء وكانوا يمثلون المرجع في كل ما يتعلق بفهم العالم وما يحصل فيه من أحداث وتحولات مؤثرة في مجالات كثيرة تلامس وضع الانسان وحالة الاغتراب التي يعيشها وتتعرض لنقد فكر الحداثة ومنظومة العولمة حيث أظهرت هذه الحرب بكل وضوح حقيقة المفكر وكشفت الوجه الخفي للمثقف وامتحنت العديد من النخبة المفكرة أو ما يعرف بالأنتلجنسيا الغربية التي تقود اليوم الفكر والثقافة في العالم.
يحسب لهذه الحرب رغم خطورتها ومأساتها أنها امتحنت الكثير من جماعة الفكر والمعرفة العالمية الذين عرفوا في السابق بمواقفهم الإنسانية وبنهجهم النقدي ومعارضتهم لكل مظاهر الاستبداد والظلم ووقوفهم في صف الإنسان المضطهد والشعوب الفقيرة وكانوا ينتصرون لفكرة التنوع وقيم التعايش المشترك والاعتراف بالآخر وبالمختلف غير أنهم اليوم قد سقطوا من علوّهم بسبب مواقفهم الصادمة مما يحصل في غزة من تدمير للمباني وقتل للمدنيين وتهجير قصري للسكان وإفراغ لغزة من سكانها وهو المشروع الكبير الذي اتضح اليوم أنه هو من كان وراء العربدة التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة.
الصدمة اليوم في مواقف الكثير من المفكرين الكبار والمنظرين للفكر الإنساني والمحسوبين على الحداثة ومنتجاتها من الذين انحازوا إلى المحتل الإسرائيلي ووقفوا في صف الدولة العبرية في عدوانهاعلى شعب غزة وصمتوا على أعمال الصهاينة وجرائم الإبادة التي يرتكبونها لما يزيد عن الخمسة أشهر.
الصدمة اليوم في موقف المفكر الألماني " يورغن هابرماس " المساند بقوة للصهاينة والمدافع دون تردد عن تصرف القادة السياسيين والعسكريين للدولة العبرية وهو المحسوب على مدرسة فرانكفورت المتخصصة في مجال علم الاجتماع والتي تقود اليوم حركة النقد العالمية ضد الفكر الشمولي وضد السلوك الاستبدادي والمدافعة بقوة عن مسارات تحرر الشعوب السياسية والاجتماعية. فهذا المفكر الذي له متابعين كثر في العالم الغربي وحتى العربي ويستدل به في كل المحافل الفكرية باعتباره قيمة علمية لا يستهان بها ومرجعا فكريا يعتمد عليه للرد على فكر الاقصاء ومحاولات التهميش ورفض التعددية والتنوع الثقافي، صدر عنه في الفترة الأخيرة موقف باهت فيما يجري من حرب بين جماعة مسلحة تقاوم في غزة و تناضل من أجل التحرر الوطني واستقلال وطنها وإنهاء حالة الاستعمار الذي يضربه المحتل الإسرائيلي لأكثر من سبعين سنة حيث اعتبر أن لإسرائيل الحق المشروع في الدفاع عن نفسها إزاء هجوم وحشي نفذته جماعة مسلحة من دون أن يولي على نفسه وهو المفكر المحنك أن يعود إلى جذور الصراع العربي الإسرائيلي ويحلل الأسباب التاريخية للقضية الفلسطينية ودون أن يتطرق إلى مسألة الاحتلال والوضع الاستعماري الذي تفرضه إسرائيل على شعب افتكت أرضه بل أكثر من ذلك فقد انتقد بشدة المبادرات التي قام بها جزء من الشعب الألماني لنصرة الفلسطينيين في محنتهم وتضامنهم مع المدنيين الذين تنتهك حياتهم على مرأى ومسمع من العالم المتحضر وعدّ المظاهرات التي خرجت في الشوارع لنصرة القضية الفلسطينية سلوك معاد للسامية وتصرف مخالف للقوانين الحامية لليهود والتي تستوجب تسليط العقاب على كل من يتجرأ على اليهود ولم يكتف بذلك بل توسع في هذا الموقف بأن اعتبر أن الحضارة التي تستحق الاحترام هي تلك التي خرجت من رحم الديانة المسيحية فقط وأن غيرها من الحضارات هي في مرتبة دنيا ومن ثم فإن كل المفاهيم والأفكار المتولدة عن هذه الحضارة الغربية المتفوقة والمرتبطة بحداثة الانسان الغربي من حرية وحقوق إنسان وقيم ونظم ديمقراطية ونمط عيش متحضر هي في الأصل انتاج مسيحي غربي لا غير لا يمكن أن تطبق على غير الأوروبي وهذا يعني حسب هابرماسأن العالم يعيش على رؤية واحدة وبناء على حداثة متفوقة واحدة لا غير ولا توجد بدائل أخرى لحداثة الغرب البروتستانتينية مما يجعل من كل الحديث عن الحقوق والحريات والديمقراطية والمبادئ الإنسانية وكل القيم الكونية هو حديث خاص بالعالم المسيحي وبالحداثة والحضارة الغربية ذات الأصول المسيحية وهذا ما يفسر عدم تعاطف الكثير من المفكرين والمثقفين الذين كانوا يحتلون في وجدان الانسان العربي الكثير من الاحترام وهذا ما يفسر كذلك صمت النخبة المفكرة في أوروبا تجاه ما يحصل في غزة من إجرام فهي تعتبر أن إسرائيل جزء من الغرب المسيحي وحضارته وحداثته ما يمنحها الحق للدفاع عن نفسها من كل اعتداء يصدر من أشخاص أو جهات تنتمي إلى عالم آخر وحضارة مختلفة .
اليوم نحن أمام وجه آخر للمثقف الغربي وصورة غير مألوفة للكثير من المثقفين المعروف عنهم في السابق انتصارهم للإنسانية وأمام حقيقة صادمة عن سقوط الكثير من القمم العلمية والفكرية وخيبة كبرى من المثقف العالمي الذي فقد ميزته الأساسية كونه مفكرا ناقدا وحرا ومنتصرا لقضايا الشعوب المضطهدة لنجد أنفسنا اليوم أمام مثقف أسير الرؤية اليهودية التوراتية للصراع وهو عاجز عن الخروج من إشكالية الإبادة اليهودية التي حصلت على يد الألمان إبان الحرب العالمية الثانية وعقدة الهولوكست النازي التي فرضت على الجميع الانضباط والتوافق مع المشروع اليهودي وفكره المهيمن على العالم .. اليوم المثقف الغربي يفقد موقعه ويكشف عن هشاشة انتمائه إلى المبادئ الكونية التي دافع عنها وتراجع عن كل القيم والرؤى الفكرية التي تشكلت في حقبة ما بعد الكولونيالية وكل المواقف الناتجة عن الحداثة الغربية ومنتجاتها التي قالوا عنها أنها دمرت الانسان ولم تسعده. اليوم هذه النخبة تنكرت لمبادئها التي كانت تعلن عنها باستمرار في قضايا مرتبطة بالتحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي ورفض الظلم والانتصار للحقوق الإنسانية العادلة.
يقول المفكر والفيلسوف البلغاري الفرنسي " تزيفتانتودوروف " صاحب كتاب " الخوف من البرابرة ما وراء صدام الحضارات " في نقده للحضارة والحداثة الغربيتين " اليوم من غير المفهوم أن ترتكب الجرائم ضد الإنسانية من منظور تفوق حضارة أو ثقافة على أخرى كما أنه من غير المستساغ تقديس الشر والتغاضي عن جرائم الإبادة و التطرف التي ترتكب بدعوى أفضلية حضارة على أخرى .. إن الخوف من الإرهابيين هو شعور يوشك أن يجعلنا نحن بدورنا إرهابيين مثلهم ".
يحسب لهذه الحرب أنها امتحنت الكثير من جماعة الفكر والمعرفة العالمية الذين عرفوا في السابق بمواقفهم الإنسانية ومعارضتهم لكل مظاهر الاستبداد
بقلم نوفل سلامة
يبدو أن تداعيات حرب غزة تتوسع من يوم إلى آخر ويبدو كذلك أن مآلات عملية طوفان الأقصى وما نتج عنها من حرب مدمرة على غزة وأهلها لن تتوقف إلى الحد الذي جعل الكثير من المثقفين والمتابعين السياسيين للوضع المأساوي في فلسطين يقرون بأن حرب حماس مع الكيان الغاصب ستغير مجرى التاريخ وسوف تفرض على الجميع مراجعة الكثير من القناعات والأفكار والقيم التي اعتبرت من مكاسب الحداثة وانجازات عصر الأنوار ومن هذه المراجعات التي فرضتها عملية طوفان الأقصى صورة المثقف ودوره في علاقة بما يحصل اليوم من حرب ظالمة تقودها الآلة الحربية الإسرائيلية المسنودة عسكريا من الغرب الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
كشفت حرب غزة عن حقيقة الكثير من المفكرين والمثقفين الذين كانوا قبل عملية طوفان الأقصى محل اهتمام واقتداء وكانوا يمثلون المرجع في كل ما يتعلق بفهم العالم وما يحصل فيه من أحداث وتحولات مؤثرة في مجالات كثيرة تلامس وضع الانسان وحالة الاغتراب التي يعيشها وتتعرض لنقد فكر الحداثة ومنظومة العولمة حيث أظهرت هذه الحرب بكل وضوح حقيقة المفكر وكشفت الوجه الخفي للمثقف وامتحنت العديد من النخبة المفكرة أو ما يعرف بالأنتلجنسيا الغربية التي تقود اليوم الفكر والثقافة في العالم.
يحسب لهذه الحرب رغم خطورتها ومأساتها أنها امتحنت الكثير من جماعة الفكر والمعرفة العالمية الذين عرفوا في السابق بمواقفهم الإنسانية وبنهجهم النقدي ومعارضتهم لكل مظاهر الاستبداد والظلم ووقوفهم في صف الإنسان المضطهد والشعوب الفقيرة وكانوا ينتصرون لفكرة التنوع وقيم التعايش المشترك والاعتراف بالآخر وبالمختلف غير أنهم اليوم قد سقطوا من علوّهم بسبب مواقفهم الصادمة مما يحصل في غزة من تدمير للمباني وقتل للمدنيين وتهجير قصري للسكان وإفراغ لغزة من سكانها وهو المشروع الكبير الذي اتضح اليوم أنه هو من كان وراء العربدة التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة.
الصدمة اليوم في مواقف الكثير من المفكرين الكبار والمنظرين للفكر الإنساني والمحسوبين على الحداثة ومنتجاتها من الذين انحازوا إلى المحتل الإسرائيلي ووقفوا في صف الدولة العبرية في عدوانهاعلى شعب غزة وصمتوا على أعمال الصهاينة وجرائم الإبادة التي يرتكبونها لما يزيد عن الخمسة أشهر.
الصدمة اليوم في موقف المفكر الألماني " يورغن هابرماس " المساند بقوة للصهاينة والمدافع دون تردد عن تصرف القادة السياسيين والعسكريين للدولة العبرية وهو المحسوب على مدرسة فرانكفورت المتخصصة في مجال علم الاجتماع والتي تقود اليوم حركة النقد العالمية ضد الفكر الشمولي وضد السلوك الاستبدادي والمدافعة بقوة عن مسارات تحرر الشعوب السياسية والاجتماعية. فهذا المفكر الذي له متابعين كثر في العالم الغربي وحتى العربي ويستدل به في كل المحافل الفكرية باعتباره قيمة علمية لا يستهان بها ومرجعا فكريا يعتمد عليه للرد على فكر الاقصاء ومحاولات التهميش ورفض التعددية والتنوع الثقافي، صدر عنه في الفترة الأخيرة موقف باهت فيما يجري من حرب بين جماعة مسلحة تقاوم في غزة و تناضل من أجل التحرر الوطني واستقلال وطنها وإنهاء حالة الاستعمار الذي يضربه المحتل الإسرائيلي لأكثر من سبعين سنة حيث اعتبر أن لإسرائيل الحق المشروع في الدفاع عن نفسها إزاء هجوم وحشي نفذته جماعة مسلحة من دون أن يولي على نفسه وهو المفكر المحنك أن يعود إلى جذور الصراع العربي الإسرائيلي ويحلل الأسباب التاريخية للقضية الفلسطينية ودون أن يتطرق إلى مسألة الاحتلال والوضع الاستعماري الذي تفرضه إسرائيل على شعب افتكت أرضه بل أكثر من ذلك فقد انتقد بشدة المبادرات التي قام بها جزء من الشعب الألماني لنصرة الفلسطينيين في محنتهم وتضامنهم مع المدنيين الذين تنتهك حياتهم على مرأى ومسمع من العالم المتحضر وعدّ المظاهرات التي خرجت في الشوارع لنصرة القضية الفلسطينية سلوك معاد للسامية وتصرف مخالف للقوانين الحامية لليهود والتي تستوجب تسليط العقاب على كل من يتجرأ على اليهود ولم يكتف بذلك بل توسع في هذا الموقف بأن اعتبر أن الحضارة التي تستحق الاحترام هي تلك التي خرجت من رحم الديانة المسيحية فقط وأن غيرها من الحضارات هي في مرتبة دنيا ومن ثم فإن كل المفاهيم والأفكار المتولدة عن هذه الحضارة الغربية المتفوقة والمرتبطة بحداثة الانسان الغربي من حرية وحقوق إنسان وقيم ونظم ديمقراطية ونمط عيش متحضر هي في الأصل انتاج مسيحي غربي لا غير لا يمكن أن تطبق على غير الأوروبي وهذا يعني حسب هابرماسأن العالم يعيش على رؤية واحدة وبناء على حداثة متفوقة واحدة لا غير ولا توجد بدائل أخرى لحداثة الغرب البروتستانتينية مما يجعل من كل الحديث عن الحقوق والحريات والديمقراطية والمبادئ الإنسانية وكل القيم الكونية هو حديث خاص بالعالم المسيحي وبالحداثة والحضارة الغربية ذات الأصول المسيحية وهذا ما يفسر عدم تعاطف الكثير من المفكرين والمثقفين الذين كانوا يحتلون في وجدان الانسان العربي الكثير من الاحترام وهذا ما يفسر كذلك صمت النخبة المفكرة في أوروبا تجاه ما يحصل في غزة من إجرام فهي تعتبر أن إسرائيل جزء من الغرب المسيحي وحضارته وحداثته ما يمنحها الحق للدفاع عن نفسها من كل اعتداء يصدر من أشخاص أو جهات تنتمي إلى عالم آخر وحضارة مختلفة .
اليوم نحن أمام وجه آخر للمثقف الغربي وصورة غير مألوفة للكثير من المثقفين المعروف عنهم في السابق انتصارهم للإنسانية وأمام حقيقة صادمة عن سقوط الكثير من القمم العلمية والفكرية وخيبة كبرى من المثقف العالمي الذي فقد ميزته الأساسية كونه مفكرا ناقدا وحرا ومنتصرا لقضايا الشعوب المضطهدة لنجد أنفسنا اليوم أمام مثقف أسير الرؤية اليهودية التوراتية للصراع وهو عاجز عن الخروج من إشكالية الإبادة اليهودية التي حصلت على يد الألمان إبان الحرب العالمية الثانية وعقدة الهولوكست النازي التي فرضت على الجميع الانضباط والتوافق مع المشروع اليهودي وفكره المهيمن على العالم .. اليوم المثقف الغربي يفقد موقعه ويكشف عن هشاشة انتمائه إلى المبادئ الكونية التي دافع عنها وتراجع عن كل القيم والرؤى الفكرية التي تشكلت في حقبة ما بعد الكولونيالية وكل المواقف الناتجة عن الحداثة الغربية ومنتجاتها التي قالوا عنها أنها دمرت الانسان ولم تسعده. اليوم هذه النخبة تنكرت لمبادئها التي كانت تعلن عنها باستمرار في قضايا مرتبطة بالتحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي ورفض الظلم والانتصار للحقوق الإنسانية العادلة.
يقول المفكر والفيلسوف البلغاري الفرنسي " تزيفتانتودوروف " صاحب كتاب " الخوف من البرابرة ما وراء صدام الحضارات " في نقده للحضارة والحداثة الغربيتين " اليوم من غير المفهوم أن ترتكب الجرائم ضد الإنسانية من منظور تفوق حضارة أو ثقافة على أخرى كما أنه من غير المستساغ تقديس الشر والتغاضي عن جرائم الإبادة و التطرف التي ترتكب بدعوى أفضلية حضارة على أخرى .. إن الخوف من الإرهابيين هو شعور يوشك أن يجعلنا نحن بدورنا إرهابيين مثلهم ".