على شاكلة الجدل المثار منذ فترة حول الفصل 96 من المجلية الجزائية الذي قيد المسؤول والموظف عن اتخاذ القرارات مما أثر على سير الإدارة في ظروف عادية وبآجال أسرع، يطرح بدوره موضوع التدقيق حاليا في الإدارات والمرافق والهياكل العمومية المخاوف ذاتها من تحوله إلى هاجس جديد وسيف خوف مسلط على قرارات المسؤول والموظف خوفا من الاتهام بالفساد وسوء التصرف.
يعرف الجميع أن الكثير من التتبعات الجزائية شملت مسؤولين وموظفين عموميين استنادا إلى أحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية وذلك اثر قرارات صادقوا عليها في إطار عملهم تسيير المرافق التي تحت إشرافهم، على امتداد السنوات الأخيرة أصبح هذا الفصل عائقا بسببه يمتنع أحيانا الموظف على اتخاذ أبسط قرارات التصرف العادي للإدارة خوفا من أن يجد نفسه ضمن دائرة التتبعات، اليوم أيضا أصبحت تستمع لمثل هذا الجدل في عديد الإدارات والمنشآت العمومية التي تخضع للتدقيق في الانتدابات حيث بات المسؤول يخشى اتهامه بالفساد وإهدار المال العام.
هاجس الخوف
ويؤكد مراقبون أن كل موظف أو مسؤول يتحاشى اتخاذ قرارات كانت من المسائل اليومية العادية في عمله لاسيما تلك المتعلقة بالتصرف في الأموال والاعتمادات مما عطل السير العادي للعمل وعديد المشاريع اليوم معطلة رغم وجود الاعتمادات ورغم القدرة على التحرك السريع وذلك بسبب هاجس الخوف.
ولعل ما يساهم في تكبيل القرارات الإدارية اليوم ويعمق تردد المسؤول والموظف ويكبل قراراته، هو وجود موضوع التدقيق في المؤسسات على قائمة أولويات رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يحرص على متابعته باستمرار. وفي آخر مناسبة تعود إلى غرة فيفري الفارط أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيد، خلال إشرافه على جلسة عمل، على ضرورة "الإسراع في عمليات التدقيق في الانتدابات التي تمّت دون وجه قانوني، إلى جانب ضرورة تحميل كل مسؤول، مهما كانت وظيفته، لمسؤوليته في صورة إخلاله بواجباته، وخاصة في تقديم الخدمات التي يفرض القانون عليه تقديمها لكل منظوري الإدارة، فرفض إسداء هذه الخدمات هو خطأ لا يجب أن يبقى على الأقل دون جزاء تأديبي".
كما أشار رئيس الجمهورية إلى أن "عددا غير قليل ممّن هم مؤتمنون على وظائف داخل الدولة يتراخون في القيام بواجباتهم لا لعادتهم في التراخي بل لأسباب سياسية، في حين أن المرافق العمومية للدولة يجب أن تقوم على مبدأ أساسي وهو مبدأ الحياد. ومن دأب على عدم تحمّل المسؤولية أو على خدمة جهة معينة أو ينتظر موعدا انتخابيا أو يساهم في إدارة مرفق عمومي واضعا في الاعتبار ولاءه لحزب لا يجب أن يبقى خارج دائرة المحاسبة".
ودعا رئيس الجمهورية إلى "إثارة تتبعات جزائية ضدّ كل من تضافرت القرائن بل الأدلّة على تورطه في نهب أموال الشعب".
البحث عن معادلة
يبدو اليوم من الضروري البحث عن معادلة تضمن القيام بالتدقيق والتثبت في حسن التصرف في الانتدابات واتخاذ القرارات الإدارية والمالية دون الوقوع في هاجس الخوف المكبل لعمل الإدارة والمصلحة العامة.
وتجدر الإشارة إلى أن لجنة التشريع العام في البرلمان عقدت مؤخرا جلسة خُصّصت للنظر في مقترحي قانونين يتعلقان بتنقيح أحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية وبعض أحكامها، واستمعت في الغرض إلى ممثلي النواب المبادرين بالمقترحين، وفق بلاغ للبرلمان.
وجاء في البلاغ أن" النواب المبادرون بمقترح القانون (عدد 28-2023) المتعلق بتنقيح بعض أحكام المجلة الجزائية (تنقيح الفصلين 96 و98 وإلغاء الفصل 97)، أوضحوا أنه يندرج في إطار الإصلاحات التشريعية الرامية إلى ضمان تحقيق المعادلة بين أهداف السياسة الجزائية في مكافحة الفساد الإداري والمالي من جهة، وعدم عرقلة وتعطيل العمل الإداري والمرفق العام وتحقيق نجاعته من جهة أخرى.
وأكّدوا أهمية هذه المبادرة التشريعية من الناحية الاقتصادية بالنظر إلى آثارها المباشرة على مستوى المعاملات المالية وحلحلة المشاريع المعطلة، نظرا لما يتضمّنه التشريع الحالي من تكبيل لروح المبادرة والاجتهاد لدى الموظفين العموميين، بالإضافة إلى مكافحة سوء استخدام السلطة أو الوظيفة للحصول على منفعة غير مشروعة".
يذكر أن الفصل 96 من المجلة الجزائية الحالية، ينص أساسا، على عقوبة سجنية مدتها عشرة أعوام وخطايا مالية ضد الموظفين العموميين الذين يستغلون مناصبهم لمخالفة التراتيب بهدف تحقيق منافع لأنفسهم أو لغيرهم.
م.ي
تونس-الصباح
على شاكلة الجدل المثار منذ فترة حول الفصل 96 من المجلية الجزائية الذي قيد المسؤول والموظف عن اتخاذ القرارات مما أثر على سير الإدارة في ظروف عادية وبآجال أسرع، يطرح بدوره موضوع التدقيق حاليا في الإدارات والمرافق والهياكل العمومية المخاوف ذاتها من تحوله إلى هاجس جديد وسيف خوف مسلط على قرارات المسؤول والموظف خوفا من الاتهام بالفساد وسوء التصرف.
يعرف الجميع أن الكثير من التتبعات الجزائية شملت مسؤولين وموظفين عموميين استنادا إلى أحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية وذلك اثر قرارات صادقوا عليها في إطار عملهم تسيير المرافق التي تحت إشرافهم، على امتداد السنوات الأخيرة أصبح هذا الفصل عائقا بسببه يمتنع أحيانا الموظف على اتخاذ أبسط قرارات التصرف العادي للإدارة خوفا من أن يجد نفسه ضمن دائرة التتبعات، اليوم أيضا أصبحت تستمع لمثل هذا الجدل في عديد الإدارات والمنشآت العمومية التي تخضع للتدقيق في الانتدابات حيث بات المسؤول يخشى اتهامه بالفساد وإهدار المال العام.
هاجس الخوف
ويؤكد مراقبون أن كل موظف أو مسؤول يتحاشى اتخاذ قرارات كانت من المسائل اليومية العادية في عمله لاسيما تلك المتعلقة بالتصرف في الأموال والاعتمادات مما عطل السير العادي للعمل وعديد المشاريع اليوم معطلة رغم وجود الاعتمادات ورغم القدرة على التحرك السريع وذلك بسبب هاجس الخوف.
ولعل ما يساهم في تكبيل القرارات الإدارية اليوم ويعمق تردد المسؤول والموظف ويكبل قراراته، هو وجود موضوع التدقيق في المؤسسات على قائمة أولويات رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يحرص على متابعته باستمرار. وفي آخر مناسبة تعود إلى غرة فيفري الفارط أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيد، خلال إشرافه على جلسة عمل، على ضرورة "الإسراع في عمليات التدقيق في الانتدابات التي تمّت دون وجه قانوني، إلى جانب ضرورة تحميل كل مسؤول، مهما كانت وظيفته، لمسؤوليته في صورة إخلاله بواجباته، وخاصة في تقديم الخدمات التي يفرض القانون عليه تقديمها لكل منظوري الإدارة، فرفض إسداء هذه الخدمات هو خطأ لا يجب أن يبقى على الأقل دون جزاء تأديبي".
كما أشار رئيس الجمهورية إلى أن "عددا غير قليل ممّن هم مؤتمنون على وظائف داخل الدولة يتراخون في القيام بواجباتهم لا لعادتهم في التراخي بل لأسباب سياسية، في حين أن المرافق العمومية للدولة يجب أن تقوم على مبدأ أساسي وهو مبدأ الحياد. ومن دأب على عدم تحمّل المسؤولية أو على خدمة جهة معينة أو ينتظر موعدا انتخابيا أو يساهم في إدارة مرفق عمومي واضعا في الاعتبار ولاءه لحزب لا يجب أن يبقى خارج دائرة المحاسبة".
ودعا رئيس الجمهورية إلى "إثارة تتبعات جزائية ضدّ كل من تضافرت القرائن بل الأدلّة على تورطه في نهب أموال الشعب".
البحث عن معادلة
يبدو اليوم من الضروري البحث عن معادلة تضمن القيام بالتدقيق والتثبت في حسن التصرف في الانتدابات واتخاذ القرارات الإدارية والمالية دون الوقوع في هاجس الخوف المكبل لعمل الإدارة والمصلحة العامة.
وتجدر الإشارة إلى أن لجنة التشريع العام في البرلمان عقدت مؤخرا جلسة خُصّصت للنظر في مقترحي قانونين يتعلقان بتنقيح أحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية وبعض أحكامها، واستمعت في الغرض إلى ممثلي النواب المبادرين بالمقترحين، وفق بلاغ للبرلمان.
وجاء في البلاغ أن" النواب المبادرون بمقترح القانون (عدد 28-2023) المتعلق بتنقيح بعض أحكام المجلة الجزائية (تنقيح الفصلين 96 و98 وإلغاء الفصل 97)، أوضحوا أنه يندرج في إطار الإصلاحات التشريعية الرامية إلى ضمان تحقيق المعادلة بين أهداف السياسة الجزائية في مكافحة الفساد الإداري والمالي من جهة، وعدم عرقلة وتعطيل العمل الإداري والمرفق العام وتحقيق نجاعته من جهة أخرى.
وأكّدوا أهمية هذه المبادرة التشريعية من الناحية الاقتصادية بالنظر إلى آثارها المباشرة على مستوى المعاملات المالية وحلحلة المشاريع المعطلة، نظرا لما يتضمّنه التشريع الحالي من تكبيل لروح المبادرة والاجتهاد لدى الموظفين العموميين، بالإضافة إلى مكافحة سوء استخدام السلطة أو الوظيفة للحصول على منفعة غير مشروعة".
يذكر أن الفصل 96 من المجلة الجزائية الحالية، ينص أساسا، على عقوبة سجنية مدتها عشرة أعوام وخطايا مالية ضد الموظفين العموميين الذين يستغلون مناصبهم لمخالفة التراتيب بهدف تحقيق منافع لأنفسهم أو لغيرهم.