إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالمناسبة .. الاتجار برمضان !!

بما ان مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت، أصبحت منصات تجارية وتعرض كل أنواع السلع وتحتل فيها الإعلانات مساحة واسعة، فقد استوقفنا بها هذه الأيام اعلان غريب وعجيب. هذا الإعلان يدعو الجمهور للمشاركة في يوم " روحاني " بمناسبة اقتراب شهر رمضان يقع خلاله اعداد المشاركين نفسيا لصيامه ويعدهم بوصفة رائعة تمكنهم من اجتياز " امتحان الصيام " بأفضل الأحوال.

ربما كان بالإمكان اعتبار الدعوة عادية لو كانت المبادرة مجانية. فنحن في نهاية الامر نعيش تحت الضغط في عصر سمته الأساسية التوتر، وشهر رمضان رغم طابعه الديني تحول مع الوقت وبحكم سيطرة السلوكيات الاستهلاكية، الى مناسبة للإنفاق. وقد صارت العائلات تستنزف في رمضان ميزانية كبيرة في اعداد موائد الإفطار، تفوق أحيانا الإمكانيات وذلك في تضارب تام مع جوهر شهر الصيام الذي من المفروض يزهد فيه الانسان في كل ما هو مادي وتتعلق فيه روحه بكل ما يطهرها ويزيدها قربا من الخالق.

لكن الدعوة، وهذا الذي حول الخبر إلى حدث، ليست مجانية وانما يطلب أصحابها ما يقرب من 300 دينار من جيب التونسي عن الشخص الواحد لقضاء يوم يقع فيه تعليم الناس كيف يستعدون نفسيا لشهر الصيام !!

نعم، أن الأمر كذلك ولسنا نتوهم. فالإعلان منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مرفوقا ببرنامج كامل فيه النظري والتطبيقي. فماذا يسمى هذا ان لم يكن اتجارا بشهر الصيام؟

صحيح، نحن في عالم استهلاكي لكن من يتصور ان تصل الأمور إلى هذا الحد؟ فشهر رمضان وفق التفسير الديني هو مناسبة يستعد لها الانسان المتعبد تلقائيا وهو لا يحتاج فيها لمن يعده نفسيا أو بدنيا خاصة بمقابل مادي. ربما تتكثف في الفترة التي تسبق رمضان، البرامج الدينية وربما يكون المواطن اكثر استعدادا للاستماع للنصائح الدينية وقد يحتاج المريض الى الاستماع الى نصائح الطبيب وقد يقع تنبيه المواطن الى بعض المسائل من بينها مثلا عدم الافراط في الاستهلاك، لكن يبقى صيام رمضان فريضة دينية يقوم بها المسلم او المؤمن عن طواعية وتقربا وتحسبا ولا نتصور ان المؤمن يحتاج لأكثر من ايمانه وعقيدته حتى يؤدي الفرائض الدينية. فما الذي دفع اذن بعضهم إلى اطلاق مثل هذه المبادرة الغريبة؟

إننا في عصر بات فيه كل شيء يخضع لقانون العرض والطلب. كل شيء قابل للتوظيف وكل المداخل صارت ممكنة من اجل سلب أموال الناس. طبعا لم يكن من قبل من السهل استبلاه اكبر عدد ممكن من الناس، لكن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت العملية ممكنة. فلا تخضع هذه الوسائل الى مراقبة جدية رغم اقتحامها حياة الناس وانتشارها بشكل مهول في كامل انحاء العالم، وهو ما مكن من ترويج كل أنواع الإعلانات الغريبة منها والاكثر غرابة والتي لا تخطر على بال. وهي بالطبع لا توجه الى الجميع وانما هي موجهة الى فئة قد لا نستنقص منها عندما نقول انها الأضعف والمعرضة اكثر من غيرها للوقوع في فخ المتاجرين في الأوهام، اذ لا يمكن للإعلان الذي نحن بصدده الا ان يكون كذلك. فهو يبيع الوهم للناس بإقناعهم بان هناك وصفة جاهزة تشترى بالمال، يمكن استعمالها لتأدية فريضة الصوم بالشكل المناسب. وما كان لأصحاب مثل هذه المبادرة ان يبتكروا فكرة من هذا النوع، إلا اذا كانت لديهم قناعة بان هناك من يدفع من اجل هذه الأشياء تماما مثلما يدفع للعديد من الكماليات الأخرى. فأصحاب الإعلانات يدرسون السوق جيدا ويعرفون جيدا ماذا يفعلون.

ولنا أن نشير إلى أن فكرة طلب مساعدة مختصين او مدربين التي يعبر عليها اليوم ب"الكوتشينغ" coaching" التي تعني مرافقة اشخاص او مجموعات لتطوير امكانياتهم وإخراج افضل ما عندهم من اجل تحقيق أفضل لأهدافهم المهنية أو الشخصية، دخلت في التقاليد التونسية. وتحظى بإقبال الفئات المتمدنة والمترفة بالخصوص، لكن عادة ما يقتصر الامر على كل ما يهم الأمور الحياتية والمهنية، لكن ان يصل الامر إلى الاستعانة بمختصين او مدربين لتأدية فريضة الصوم، فهذا يدخل في باب الغريب من الاشياء، ولو انه لم يعد هناك شيئ غريب في عصر استهلاكي كل شيء فيه قابل للاستثمار بما في ذلك المشاعر الإنسانية. وها قد دشنا على ما يبدو عهد الاستثمار في رمضان.

رمضان كريم على كل حال.

 حياة السايب

 

بالمناسبة .. الاتجار برمضان !!

بما ان مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت، أصبحت منصات تجارية وتعرض كل أنواع السلع وتحتل فيها الإعلانات مساحة واسعة، فقد استوقفنا بها هذه الأيام اعلان غريب وعجيب. هذا الإعلان يدعو الجمهور للمشاركة في يوم " روحاني " بمناسبة اقتراب شهر رمضان يقع خلاله اعداد المشاركين نفسيا لصيامه ويعدهم بوصفة رائعة تمكنهم من اجتياز " امتحان الصيام " بأفضل الأحوال.

ربما كان بالإمكان اعتبار الدعوة عادية لو كانت المبادرة مجانية. فنحن في نهاية الامر نعيش تحت الضغط في عصر سمته الأساسية التوتر، وشهر رمضان رغم طابعه الديني تحول مع الوقت وبحكم سيطرة السلوكيات الاستهلاكية، الى مناسبة للإنفاق. وقد صارت العائلات تستنزف في رمضان ميزانية كبيرة في اعداد موائد الإفطار، تفوق أحيانا الإمكانيات وذلك في تضارب تام مع جوهر شهر الصيام الذي من المفروض يزهد فيه الانسان في كل ما هو مادي وتتعلق فيه روحه بكل ما يطهرها ويزيدها قربا من الخالق.

لكن الدعوة، وهذا الذي حول الخبر إلى حدث، ليست مجانية وانما يطلب أصحابها ما يقرب من 300 دينار من جيب التونسي عن الشخص الواحد لقضاء يوم يقع فيه تعليم الناس كيف يستعدون نفسيا لشهر الصيام !!

نعم، أن الأمر كذلك ولسنا نتوهم. فالإعلان منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مرفوقا ببرنامج كامل فيه النظري والتطبيقي. فماذا يسمى هذا ان لم يكن اتجارا بشهر الصيام؟

صحيح، نحن في عالم استهلاكي لكن من يتصور ان تصل الأمور إلى هذا الحد؟ فشهر رمضان وفق التفسير الديني هو مناسبة يستعد لها الانسان المتعبد تلقائيا وهو لا يحتاج فيها لمن يعده نفسيا أو بدنيا خاصة بمقابل مادي. ربما تتكثف في الفترة التي تسبق رمضان، البرامج الدينية وربما يكون المواطن اكثر استعدادا للاستماع للنصائح الدينية وقد يحتاج المريض الى الاستماع الى نصائح الطبيب وقد يقع تنبيه المواطن الى بعض المسائل من بينها مثلا عدم الافراط في الاستهلاك، لكن يبقى صيام رمضان فريضة دينية يقوم بها المسلم او المؤمن عن طواعية وتقربا وتحسبا ولا نتصور ان المؤمن يحتاج لأكثر من ايمانه وعقيدته حتى يؤدي الفرائض الدينية. فما الذي دفع اذن بعضهم إلى اطلاق مثل هذه المبادرة الغريبة؟

إننا في عصر بات فيه كل شيء يخضع لقانون العرض والطلب. كل شيء قابل للتوظيف وكل المداخل صارت ممكنة من اجل سلب أموال الناس. طبعا لم يكن من قبل من السهل استبلاه اكبر عدد ممكن من الناس، لكن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت العملية ممكنة. فلا تخضع هذه الوسائل الى مراقبة جدية رغم اقتحامها حياة الناس وانتشارها بشكل مهول في كامل انحاء العالم، وهو ما مكن من ترويج كل أنواع الإعلانات الغريبة منها والاكثر غرابة والتي لا تخطر على بال. وهي بالطبع لا توجه الى الجميع وانما هي موجهة الى فئة قد لا نستنقص منها عندما نقول انها الأضعف والمعرضة اكثر من غيرها للوقوع في فخ المتاجرين في الأوهام، اذ لا يمكن للإعلان الذي نحن بصدده الا ان يكون كذلك. فهو يبيع الوهم للناس بإقناعهم بان هناك وصفة جاهزة تشترى بالمال، يمكن استعمالها لتأدية فريضة الصوم بالشكل المناسب. وما كان لأصحاب مثل هذه المبادرة ان يبتكروا فكرة من هذا النوع، إلا اذا كانت لديهم قناعة بان هناك من يدفع من اجل هذه الأشياء تماما مثلما يدفع للعديد من الكماليات الأخرى. فأصحاب الإعلانات يدرسون السوق جيدا ويعرفون جيدا ماذا يفعلون.

ولنا أن نشير إلى أن فكرة طلب مساعدة مختصين او مدربين التي يعبر عليها اليوم ب"الكوتشينغ" coaching" التي تعني مرافقة اشخاص او مجموعات لتطوير امكانياتهم وإخراج افضل ما عندهم من اجل تحقيق أفضل لأهدافهم المهنية أو الشخصية، دخلت في التقاليد التونسية. وتحظى بإقبال الفئات المتمدنة والمترفة بالخصوص، لكن عادة ما يقتصر الامر على كل ما يهم الأمور الحياتية والمهنية، لكن ان يصل الامر إلى الاستعانة بمختصين او مدربين لتأدية فريضة الصوم، فهذا يدخل في باب الغريب من الاشياء، ولو انه لم يعد هناك شيئ غريب في عصر استهلاكي كل شيء فيه قابل للاستثمار بما في ذلك المشاعر الإنسانية. وها قد دشنا على ما يبدو عهد الاستثمار في رمضان.

رمضان كريم على كل حال.

 حياة السايب