يوافق هذا الشهر مرور عام على وصولي إلى تونس متوليا مهامي سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية لديها، ما يمنحني شرف تعزيز علاقة دبلوماسية حيوية تعود بداياتها إلى ما يربو عن 226 عاماً. وطيلة هذه العلاقة، التي اتسمت بروح من المنعة والاحترام المتبادل، ظلت تونس شريكاً لنا وصديقاً في سراء الأيام وفي شدائدها، إذ كانت من بين أسبق دول العالم في الاعتراف باستقلال الولايات المتحدة، وكنّا عام 1956 أول دولة كبرى اعترفت باستقلال تونس. وقد تآزر بلدانا وشعبانا خلال فترات الأزمات العصيبة سواء كانت عدم استقرار إقليمي، أو أوبئة، أو هجمات إرهابية، أو انتكاسات اقتصادية. ويتجلى اليوم هذا الاحترام والدعم المتبادلان، اللذان طَبَعا علاقاتنا منذ مستهلها، في وجهين من أوجه التعاون بيننا: خلق فرص العمل صلب القطاع الخاص وبسط الأمن وحفظه.
قطعا، فإن دعم خلق فرص العمل ليس لوحده بالأمر الكافي. فالشباب يضطلعون بدور أساسي لا غنى عنه في كل اقتصاد، ولأجل ذلك حرصنا على توجيه استثماراتنا نحو الشباب التونسي من خلال تكوين أكثر من 3000 متعلم في اللغة الإنجليزية منذ عام 2004 إسهاما في تأهيلهم لمعترك سوق شغل القرن الحادي والعشرين. وقمنا أيضاً بتجديد 36 دارا للشباب وللثقافة في 15 ولاية ما يتيح للشباب متنفساً صحياً لشحذ طاقاتهم، وكان من ذلك المركب الرياضي بفوشانة بولاية بن عروس الذي أسعدني افتتاحه شهر جويلية من العام الماضي. وفي العام ذاته شرفني أن أرعى كذلك إطلاق 26 شركة ناشئة للشباب في ولاية سوسة عقب برنامج إسناد وإحاطة امتد لعام كامل. كما نقدم سنويا 250 منحة دراسية لتلاميذ المدارس الثانوية والطلاب والمهنيين التونسيين في مقتبل مساراتهم المهنية ومنتصفها تتيح لهم السفر إلى الولايات المتحدة واكتساب المهارات والخبرات التي تسهم في نمو تونس الاقتصادي. وما هذه إلا أمثلة قليلة من طرق عديدة نتوخاها لتمكين الشباب التونسي.
وقد أسفرت مبادراتنا الاقتصادية في السنوات الأخيرة عن استحداث أكثر من 85 ألف موطن شغل، ودعم أكثر من 48 ألف مؤسسة اقتصادية تونسية، وجعلت من الولايات المتحدة الأمريكية المستورد الأول في العالم لمنتجات الصناعات التقليدية التونسية، فضلاً عن غدوّها مستورداً رئيساً لزيت الزيتون المعلب الموسوم بعبارة "صنع في تونس". نستثمر اليوم أكثر من 60 مليون دينار في قطاع السياحة لمساعدة الشركات التونسية الصغيرة والمتوسطة على توسيع نطاق أعمالها لئلا تقتصر على السفن السياحية والشواطئ، بحيث يتسنى لمزيد من السياح التعرف على تاريخ تونس الغني ومعايشة تراثها الثقافي والتمتع بمناظرها الطبيعية الخلابة. ومن شأن هذه المقاربة أن تمكن مناطق أكثر من البلاد جنوبها وغربها من الاستفادة من الحركة السياحية. وها نحن نشهد بالفعل تحقيق نتائج واعدة: فقد زار تونس عام 2023، أكثر من 33 ألف سائح أمريكي، بنسبة زيادة تقارب 30% مقارنة بعام 2019.
وبالمثل، فإن تعاوننا الأمني ضروري كذلك لتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار لبلدينا ولشركائنا. وقد أحرزت السلطات التونسية نجاحًا مشهودًا في مكافحة الإرهاب منذ عام 2016. نعتز بدعمنا لتونس بالمعدات والتدريب والطائرات من قبيل طائرات النقل طراز C-130. وهو ما أتاح لتونس أن تصبح " بلداً مصدّراً للاستقرار" من خلال إسناد بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي وفي أفريقيا الوسطى وغيرها. فتونس مؤهلة على وجه خاص للاضطلاع بهذا الدور في القارة الأفريقية.
ولا يقل أهمية عن ذلك مساعدتنا في تأمين الحدود الجنوبية الشرقية لتونس. لقد حظيت بشرف الوقوف على أوجه مساعدتنا للسلطات التونسية في مكافحة الأنشطة غير القانونية العابرة للحدود. وقد أدى تعاوننا الثنائي، بدعم من الحكومة الألمانية، إلى إنشاء منظومة متطورة وحديثة لمراقبة الحدود تغطي ثلثي مسافتها التي تبلغ حوالي 500 كيلومتر. وقد خصصت الحكومة الأمريكية ما يناهز 560 مليون دينار لتمويل هذا المشروع، مما يسمح للسلطات التونسية بمراقبة عبور الأفراد والمركبات والمنتجات بشكل أكثر فعالية. ولا يزال يتعين الآن العمل على تأمين الثلث الأخير من هذه الحدود، وستقف الولايات المتحدة إلى جانب شركائنا التونسيين حتى يتم استكماله.
في عام 1805، كتب نظيري التونسي في واشنطن، وكان أول سفير مسلم لدى الحكومة الأمريكية، رسالة إلى توماس جيفرسون، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يعرض فيها إنشاء شراكة تقوم على التعاون العسكري وتطوير التبادل التجاري إنفاذا لما ورد في معاهدة السلام والصداقة التي تجمع بلدينا والموقعة عام 1797. وسيسعد أسلافنا الدبلوماسيين أن يعرفوا أن جهودهم تلك لا زالت تؤتي ثمارها لصالح شعبينا بعد أكثر من قرنين من الزمان. وإني أشاطرهم ذاك التفاؤل الذي كرسه نص هذه المعاهدة، إذ أن بلدينا بالفعل تربطهما "صداقة راسخة ما انفكّت تتوطّد".
بقلم :سفير الولايات المتحدة لدى تونس جوي هود
يوافق هذا الشهر مرور عام على وصولي إلى تونس متوليا مهامي سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية لديها، ما يمنحني شرف تعزيز علاقة دبلوماسية حيوية تعود بداياتها إلى ما يربو عن 226 عاماً. وطيلة هذه العلاقة، التي اتسمت بروح من المنعة والاحترام المتبادل، ظلت تونس شريكاً لنا وصديقاً في سراء الأيام وفي شدائدها، إذ كانت من بين أسبق دول العالم في الاعتراف باستقلال الولايات المتحدة، وكنّا عام 1956 أول دولة كبرى اعترفت باستقلال تونس. وقد تآزر بلدانا وشعبانا خلال فترات الأزمات العصيبة سواء كانت عدم استقرار إقليمي، أو أوبئة، أو هجمات إرهابية، أو انتكاسات اقتصادية. ويتجلى اليوم هذا الاحترام والدعم المتبادلان، اللذان طَبَعا علاقاتنا منذ مستهلها، في وجهين من أوجه التعاون بيننا: خلق فرص العمل صلب القطاع الخاص وبسط الأمن وحفظه.
قطعا، فإن دعم خلق فرص العمل ليس لوحده بالأمر الكافي. فالشباب يضطلعون بدور أساسي لا غنى عنه في كل اقتصاد، ولأجل ذلك حرصنا على توجيه استثماراتنا نحو الشباب التونسي من خلال تكوين أكثر من 3000 متعلم في اللغة الإنجليزية منذ عام 2004 إسهاما في تأهيلهم لمعترك سوق شغل القرن الحادي والعشرين. وقمنا أيضاً بتجديد 36 دارا للشباب وللثقافة في 15 ولاية ما يتيح للشباب متنفساً صحياً لشحذ طاقاتهم، وكان من ذلك المركب الرياضي بفوشانة بولاية بن عروس الذي أسعدني افتتاحه شهر جويلية من العام الماضي. وفي العام ذاته شرفني أن أرعى كذلك إطلاق 26 شركة ناشئة للشباب في ولاية سوسة عقب برنامج إسناد وإحاطة امتد لعام كامل. كما نقدم سنويا 250 منحة دراسية لتلاميذ المدارس الثانوية والطلاب والمهنيين التونسيين في مقتبل مساراتهم المهنية ومنتصفها تتيح لهم السفر إلى الولايات المتحدة واكتساب المهارات والخبرات التي تسهم في نمو تونس الاقتصادي. وما هذه إلا أمثلة قليلة من طرق عديدة نتوخاها لتمكين الشباب التونسي.
وقد أسفرت مبادراتنا الاقتصادية في السنوات الأخيرة عن استحداث أكثر من 85 ألف موطن شغل، ودعم أكثر من 48 ألف مؤسسة اقتصادية تونسية، وجعلت من الولايات المتحدة الأمريكية المستورد الأول في العالم لمنتجات الصناعات التقليدية التونسية، فضلاً عن غدوّها مستورداً رئيساً لزيت الزيتون المعلب الموسوم بعبارة "صنع في تونس". نستثمر اليوم أكثر من 60 مليون دينار في قطاع السياحة لمساعدة الشركات التونسية الصغيرة والمتوسطة على توسيع نطاق أعمالها لئلا تقتصر على السفن السياحية والشواطئ، بحيث يتسنى لمزيد من السياح التعرف على تاريخ تونس الغني ومعايشة تراثها الثقافي والتمتع بمناظرها الطبيعية الخلابة. ومن شأن هذه المقاربة أن تمكن مناطق أكثر من البلاد جنوبها وغربها من الاستفادة من الحركة السياحية. وها نحن نشهد بالفعل تحقيق نتائج واعدة: فقد زار تونس عام 2023، أكثر من 33 ألف سائح أمريكي، بنسبة زيادة تقارب 30% مقارنة بعام 2019.
وبالمثل، فإن تعاوننا الأمني ضروري كذلك لتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار لبلدينا ولشركائنا. وقد أحرزت السلطات التونسية نجاحًا مشهودًا في مكافحة الإرهاب منذ عام 2016. نعتز بدعمنا لتونس بالمعدات والتدريب والطائرات من قبيل طائرات النقل طراز C-130. وهو ما أتاح لتونس أن تصبح " بلداً مصدّراً للاستقرار" من خلال إسناد بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي وفي أفريقيا الوسطى وغيرها. فتونس مؤهلة على وجه خاص للاضطلاع بهذا الدور في القارة الأفريقية.
ولا يقل أهمية عن ذلك مساعدتنا في تأمين الحدود الجنوبية الشرقية لتونس. لقد حظيت بشرف الوقوف على أوجه مساعدتنا للسلطات التونسية في مكافحة الأنشطة غير القانونية العابرة للحدود. وقد أدى تعاوننا الثنائي، بدعم من الحكومة الألمانية، إلى إنشاء منظومة متطورة وحديثة لمراقبة الحدود تغطي ثلثي مسافتها التي تبلغ حوالي 500 كيلومتر. وقد خصصت الحكومة الأمريكية ما يناهز 560 مليون دينار لتمويل هذا المشروع، مما يسمح للسلطات التونسية بمراقبة عبور الأفراد والمركبات والمنتجات بشكل أكثر فعالية. ولا يزال يتعين الآن العمل على تأمين الثلث الأخير من هذه الحدود، وستقف الولايات المتحدة إلى جانب شركائنا التونسيين حتى يتم استكماله.
في عام 1805، كتب نظيري التونسي في واشنطن، وكان أول سفير مسلم لدى الحكومة الأمريكية، رسالة إلى توماس جيفرسون، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يعرض فيها إنشاء شراكة تقوم على التعاون العسكري وتطوير التبادل التجاري إنفاذا لما ورد في معاهدة السلام والصداقة التي تجمع بلدينا والموقعة عام 1797. وسيسعد أسلافنا الدبلوماسيين أن يعرفوا أن جهودهم تلك لا زالت تؤتي ثمارها لصالح شعبينا بعد أكثر من قرنين من الزمان. وإني أشاطرهم ذاك التفاؤل الذي كرسه نص هذه المعاهدة، إذ أن بلدينا بالفعل تربطهما "صداقة راسخة ما انفكّت تتوطّد".