إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الثورة التونسية المعطوبة أو إرادة تغيير العالم من دون القدرة على فهمه

"على حافة الحاضر كتابات في الديمقراطية التونسية المعطوبة " مؤلف عن الثورة وخيباتها وتحليل لمساراتها وتحولاتها وبحث في أسباب فشلها

بقلم: نوفل سلامة (*)

احتضنت مكتبة الكتاب " بميتيال فيل " صبيحة يوم الأحد 4 فيفري الجاري ندوة فكرية تم خلالها تقديم الكتاب الأخير لماهر حنين الباحث في علم الاجتماع والفلسفة الاجتماعية والناشط السياسي والإعلامي "على حافة الحاضر كتابات في الديمقراطية التونسية المعطوبة " ، وهو مؤلف صادر عن دار نقوش عربية 2023 يحتوي على 251 صفحة هي مقالات كان قد نشرها على فترات في جريدة المغرب التونسية وصحيفة السفير اللبنانية ومجلة دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية المغربية ،امتدت على مدار السنوات الأربع الأخيرة ، وبذلك تكون هذه الكتابات قد غطت كامل المشهد التونسي بكل تقلباته التي عرفتها البلاد و تفرعاتها الخطيرة بدء من منعرج 25 جويلية 2021 وانتهاء بكل المحطات المؤثرة من كتابة دستور جديد واجراء انتخابات برلمانية ومحلية.

في هذه الندوة التي واكبها حضور معتبر من أصدقاء ماهر حنين من المهتمين بالكتاب وبعض المثقفين والإعلاميين ورجال السياسة ، تكفّل الأستاذ فتحي بلحاج يحيى عن جمعية نشاز بتقديم الكتاب في حين تولى سامي بن غازي المحامي والإعلامي مناقشة مضمونه ومحاورته.

الكتاب حديث عن الثورة التونسية وخيباتها وتحليل لمساراتها وتحولاتها وبحث في أسباب فشلها العميقة والوقوف عند المسؤوليات والأخطاء المرتكبة ، وبحث في المناخات التي رافقت مرحلة الانتقال الديمقراطي والمنعرجات الخطيرة التي حولت وجهة الثورة وجعلت منها ثورة مهدورة عند البعض وثورة منقوصة عند البعض الآخر وثورة معطوبة عند ماهر حنين ، ومناقشة موضوعية لأسئلتها الحائرة في علاقة بمعرفة هل هي ثورة الجياع والفقراء وانتفاضة سكان الهوامش وأبناء الدواخل الذين لم تنصفهم خيارات من تولى إدارتها وأؤتمن عليها ؟ أم هي ثورة الطبقة الوسطى التي راهنت عليها في تحسين الأوضاع نحو الأفضل فخاب أملها بعد أن خسرت موقعها وتراجع حضورها ، فتولت حسم أمرها وقررت التخلي عنها فكان أن تحالفت مع الدولة وأجهزتها الصلبة وقررت في 25 جويلية غلق قوسها من أجل استعادة الأمن والهدوء والاستقرار الذي فقدته في سياق المراهنة على الديمقراطية وسقف الحرية المرتفع جدا .

في الكتاب حديث عن الرئيس قيس سعيد ومساره السياسي الذي أوصله للحكم والسلطة وكل الخلاف حول خياراته السياسية وأسئلة حول قبول جانب من الشعب بخطابه السياسي ، والسردية التي يقترحها لمستقبل البلاد القائمة على شعارات تجد الجاذبية والمقبولية عند الكثير من الناس ، المؤسسة على جملة من الشعارات منها الشعب يقرر ويريد ، ولا هوادة في محاربة الفساد والمنظومة الفاسدة ، ولا اقتراب مع الطبقة السياسية التي كانت تحكم بعد الثورة ولا مجال لمحاورتها أو تشريكها في الحكم حيث القناعة أن كل السياسيين وكل الأحزاب السياسية وكل الطبقة السياسية هي فاسدة وبالتالي لا تصلح ولا يمكن أن تقود هي عملية الإصلاح المطلوبة فالقناعة حاصلة أن هذه المنظومة المتكونة من السياسيين والإعلاميين والمثقفين ورجال الأعمال لا يمكن أن يعول عليها للبناء الجديد لكونها قابلة للتطبيع مع الفساد وهي مهادنة له ، وهي طبقة سهلة التأقلم مع الفساد بل هي متسامحة معه.

في الكتاب حديث يستأنفه ماهر حنين عن وضع اليسار وحاله وموقعه في المشهد السياسي بعد 25 جويلية وأسئلة حائرة قلقة يعيد طرحها من جديد هي هاجس لديه متواصل لم ينته وبحث في الأعطاب التي أوصلت هذا اليسار إلى الحالة التي بات عليها اليوم ليتحول إلى أقلية من ضمن الأقليات التي تشتمل عليها البلاد فهذا الاعتراف من ماهر حنين بأن اليسار التونسي بكل تاريخه ونضاله ومحطاته الكبرى المؤثرة ورهاناته وحمولته الفكرية ومرجعياته قد وصل بصيغته الحالية إلى منتهاه وفقد اشعاعه وفشل في تغيير الواقع إلى الحد الذي جعل البعض يعلن موته هو شجاعة فكرية غير معهودة.

في الحقيقة من يقرأ الكتاب يلمس جرأة كبيرة عند ماهر حنين في الإقرار بفشل اليسار التونسي وبقائه حالما باستعادة نقائه وطهوريته الأولى واستعادة إشعاعه الذي تتحدث عنه مصادره النظرية وقدرته على الفعل والتغيير في الواقع. يعتبر ماهر حنين أن اليسار قد فشل في بناء تصور جديد للصراع ورؤية جديدة لتغيير الواقع وتمثل جديد للبديل بالاعتماد على طلبات الفاعلين الجدد الذين أفرزهم الواقع الجديد وهذا ما يجعل الكتاب في جوهره دعوة جديّة للتفكير في كل الجهاز المفاهيمي وكل النظريات المرجعية التي تعود عليها اليسار التونسي لفهم الواقع وتفسيره وتغييره ودعوة إلى التأمل واجراء المراجعات المطلوبة في ظل التحولات التي تعصف بالعالم وتؤثر على الواقع التونسي.

في الكتاب توقف مع منجز الرئيس قيس سعيد في مستوى الخطاب المقدم ورهاناته الشعبية ومناقشة الأسباب والدواعي التي جعلت جانبا كبيرا من الطبقة الوسطى تراهن عليه وتؤمن به رغم غموضه وضبابيته حيث خسر اليسار كثيرا بعد انزياح الطبقة الوسطى إلى الرئيس قيس سعيد وابتعدت عن خطاب اليسار الذي لم يعد جاذبا لها وخسر أكثر عندما انسحبت الطبقات السفلى من العملية السياسية وأصبح دورها سلبيا ومالت نحو الطرح الذي يقدمه قيس سعيد ، والتفكير اليوم في الكيفية التي يمكن لليسار أن يستعيد بها موقعه كمدافع عن هذه الفئات الفقيرة والمهمشة وأن يكون له دور في الحاضر وفي المستقبل بتأسيس خطاب إعلامي وسياسي وفكري يكون جاذبا لهذه الطبقة الوسطى الذي يقوم عليها كل بناء سياسي وكل دولة.

يعترف ماهر حنين أن العطوبة اليوم التي تمنع من عودة اليسار مشعا وقائدا للطبقات السفلى ومعبرا عن طموحات الطبقة الوسطى تكمن في البحث في خيار الديمقراطية باعتبارها طريق خلاص للشعب وإعادة النظر في مقولاتها ومضمونها الذي لم يعد مبهرا ولا جاذبا والإجابة على سؤال كيف يمكن أن نؤسس خطابا ديمقراطيا بمضمون الطبقات الوسطى ورغبات المفقرين والمعدمين وهموم كل الهوامش والدواخل ؟. مشكلة اليسار اليوم في صوته العالي وحالة الرفض المتواصلة التي يمتلكها ومعارضته الدائمة من دون أن يكون قادرا على خلق وضعيات جديدة أو انتاج واقع مختلف .. مشكلة اليسار أن الشعب قد خرج عن سياقات الفكر اليساري التقليدي وانزاح نحو مقاربات أخرى على النقيض من أفكار اليسار .. المشكلة التي تمثل عطوبة دائمة هي أن اليسار أراد أن يغير الواقع غير أنه فشل في فهمه وشرحه .

يطالب ماهر حنين اليسار الذي ينتمي إليه أن يعيد التفكير في الكيفية التي تجعله راهنيا كما فعل لينين حينما تعامل مع تعاليم ماركس من منطلق محلي وخصوصية روسيا ولم يتقيد التقيد الحرفي بنبوءاته ، كيف يمكن أن نفهم اليوم العالم والواقع التونسي من خلال المرجعية اليسارية المتحررة من كل قيد نظري يقترب من سلفية النصوص والمرجعية الماركسية في زمن التأسيس الأول ويقترب من فكرة المقاصد والغايات لبلورة مشروع واضح يكون جاذبا للطبقات السفلى والطبقة المتوسطة ، كيف نتخلص من كل آليات التفكير القديمة من قبيل الصراع الطبقي محركا لتغيير التاريخ وفكرة ثورة الطبقة العمالية وديكتاتورية الفقراء والبروليتاريا وفكرة الفلاحين أو العمال هم الطبقات الأساسية في الثورة والتغيير .

اليوم على اليسار أن يقتنع بأنه أقليّة في المجتمع وسيبقى كذلك ، ولكن عليه أن يفهم كيف يكون فاعلا مع وضعه الأقلي ، وعليه أن يراهن في عملية الصراع والتغيير على النضال من أجل محاربة كل أشكال الهيمنة وكل صور الاغتراب ، وأن تكون مهمته افتكاك السلطة لا بالمعنى السياسي للوصول إلى الحكم ، وإنما بمعنى افتكاك كل سلطة تهدد المجتمع أو الفرد ، وافتكاك كل مداخل الهيمنة وطرق الاغتراب ، فاليسار اليوم عليه أن يضع له أهدافا جديدة في المجتمع والتفكير في طريقة لنقل كل الحراك الاجتماعي إلى مؤسسات وأطر تتبناه في صيغة من الصيغ من قبيل تأسيس حزب اجتماعي ليبرالي جامع وقوي ، على اليسار اليوم أن يفكر في خيارات بديلة عن خيارات جيل التأسيس الأول.

 

 

 

 

 

الثورة التونسية المعطوبة أو إرادة تغيير العالم من دون القدرة على فهمه

"على حافة الحاضر كتابات في الديمقراطية التونسية المعطوبة " مؤلف عن الثورة وخيباتها وتحليل لمساراتها وتحولاتها وبحث في أسباب فشلها

بقلم: نوفل سلامة (*)

احتضنت مكتبة الكتاب " بميتيال فيل " صبيحة يوم الأحد 4 فيفري الجاري ندوة فكرية تم خلالها تقديم الكتاب الأخير لماهر حنين الباحث في علم الاجتماع والفلسفة الاجتماعية والناشط السياسي والإعلامي "على حافة الحاضر كتابات في الديمقراطية التونسية المعطوبة " ، وهو مؤلف صادر عن دار نقوش عربية 2023 يحتوي على 251 صفحة هي مقالات كان قد نشرها على فترات في جريدة المغرب التونسية وصحيفة السفير اللبنانية ومجلة دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية المغربية ،امتدت على مدار السنوات الأربع الأخيرة ، وبذلك تكون هذه الكتابات قد غطت كامل المشهد التونسي بكل تقلباته التي عرفتها البلاد و تفرعاتها الخطيرة بدء من منعرج 25 جويلية 2021 وانتهاء بكل المحطات المؤثرة من كتابة دستور جديد واجراء انتخابات برلمانية ومحلية.

في هذه الندوة التي واكبها حضور معتبر من أصدقاء ماهر حنين من المهتمين بالكتاب وبعض المثقفين والإعلاميين ورجال السياسة ، تكفّل الأستاذ فتحي بلحاج يحيى عن جمعية نشاز بتقديم الكتاب في حين تولى سامي بن غازي المحامي والإعلامي مناقشة مضمونه ومحاورته.

الكتاب حديث عن الثورة التونسية وخيباتها وتحليل لمساراتها وتحولاتها وبحث في أسباب فشلها العميقة والوقوف عند المسؤوليات والأخطاء المرتكبة ، وبحث في المناخات التي رافقت مرحلة الانتقال الديمقراطي والمنعرجات الخطيرة التي حولت وجهة الثورة وجعلت منها ثورة مهدورة عند البعض وثورة منقوصة عند البعض الآخر وثورة معطوبة عند ماهر حنين ، ومناقشة موضوعية لأسئلتها الحائرة في علاقة بمعرفة هل هي ثورة الجياع والفقراء وانتفاضة سكان الهوامش وأبناء الدواخل الذين لم تنصفهم خيارات من تولى إدارتها وأؤتمن عليها ؟ أم هي ثورة الطبقة الوسطى التي راهنت عليها في تحسين الأوضاع نحو الأفضل فخاب أملها بعد أن خسرت موقعها وتراجع حضورها ، فتولت حسم أمرها وقررت التخلي عنها فكان أن تحالفت مع الدولة وأجهزتها الصلبة وقررت في 25 جويلية غلق قوسها من أجل استعادة الأمن والهدوء والاستقرار الذي فقدته في سياق المراهنة على الديمقراطية وسقف الحرية المرتفع جدا .

في الكتاب حديث عن الرئيس قيس سعيد ومساره السياسي الذي أوصله للحكم والسلطة وكل الخلاف حول خياراته السياسية وأسئلة حول قبول جانب من الشعب بخطابه السياسي ، والسردية التي يقترحها لمستقبل البلاد القائمة على شعارات تجد الجاذبية والمقبولية عند الكثير من الناس ، المؤسسة على جملة من الشعارات منها الشعب يقرر ويريد ، ولا هوادة في محاربة الفساد والمنظومة الفاسدة ، ولا اقتراب مع الطبقة السياسية التي كانت تحكم بعد الثورة ولا مجال لمحاورتها أو تشريكها في الحكم حيث القناعة أن كل السياسيين وكل الأحزاب السياسية وكل الطبقة السياسية هي فاسدة وبالتالي لا تصلح ولا يمكن أن تقود هي عملية الإصلاح المطلوبة فالقناعة حاصلة أن هذه المنظومة المتكونة من السياسيين والإعلاميين والمثقفين ورجال الأعمال لا يمكن أن يعول عليها للبناء الجديد لكونها قابلة للتطبيع مع الفساد وهي مهادنة له ، وهي طبقة سهلة التأقلم مع الفساد بل هي متسامحة معه.

في الكتاب حديث يستأنفه ماهر حنين عن وضع اليسار وحاله وموقعه في المشهد السياسي بعد 25 جويلية وأسئلة حائرة قلقة يعيد طرحها من جديد هي هاجس لديه متواصل لم ينته وبحث في الأعطاب التي أوصلت هذا اليسار إلى الحالة التي بات عليها اليوم ليتحول إلى أقلية من ضمن الأقليات التي تشتمل عليها البلاد فهذا الاعتراف من ماهر حنين بأن اليسار التونسي بكل تاريخه ونضاله ومحطاته الكبرى المؤثرة ورهاناته وحمولته الفكرية ومرجعياته قد وصل بصيغته الحالية إلى منتهاه وفقد اشعاعه وفشل في تغيير الواقع إلى الحد الذي جعل البعض يعلن موته هو شجاعة فكرية غير معهودة.

في الحقيقة من يقرأ الكتاب يلمس جرأة كبيرة عند ماهر حنين في الإقرار بفشل اليسار التونسي وبقائه حالما باستعادة نقائه وطهوريته الأولى واستعادة إشعاعه الذي تتحدث عنه مصادره النظرية وقدرته على الفعل والتغيير في الواقع. يعتبر ماهر حنين أن اليسار قد فشل في بناء تصور جديد للصراع ورؤية جديدة لتغيير الواقع وتمثل جديد للبديل بالاعتماد على طلبات الفاعلين الجدد الذين أفرزهم الواقع الجديد وهذا ما يجعل الكتاب في جوهره دعوة جديّة للتفكير في كل الجهاز المفاهيمي وكل النظريات المرجعية التي تعود عليها اليسار التونسي لفهم الواقع وتفسيره وتغييره ودعوة إلى التأمل واجراء المراجعات المطلوبة في ظل التحولات التي تعصف بالعالم وتؤثر على الواقع التونسي.

في الكتاب توقف مع منجز الرئيس قيس سعيد في مستوى الخطاب المقدم ورهاناته الشعبية ومناقشة الأسباب والدواعي التي جعلت جانبا كبيرا من الطبقة الوسطى تراهن عليه وتؤمن به رغم غموضه وضبابيته حيث خسر اليسار كثيرا بعد انزياح الطبقة الوسطى إلى الرئيس قيس سعيد وابتعدت عن خطاب اليسار الذي لم يعد جاذبا لها وخسر أكثر عندما انسحبت الطبقات السفلى من العملية السياسية وأصبح دورها سلبيا ومالت نحو الطرح الذي يقدمه قيس سعيد ، والتفكير اليوم في الكيفية التي يمكن لليسار أن يستعيد بها موقعه كمدافع عن هذه الفئات الفقيرة والمهمشة وأن يكون له دور في الحاضر وفي المستقبل بتأسيس خطاب إعلامي وسياسي وفكري يكون جاذبا لهذه الطبقة الوسطى الذي يقوم عليها كل بناء سياسي وكل دولة.

يعترف ماهر حنين أن العطوبة اليوم التي تمنع من عودة اليسار مشعا وقائدا للطبقات السفلى ومعبرا عن طموحات الطبقة الوسطى تكمن في البحث في خيار الديمقراطية باعتبارها طريق خلاص للشعب وإعادة النظر في مقولاتها ومضمونها الذي لم يعد مبهرا ولا جاذبا والإجابة على سؤال كيف يمكن أن نؤسس خطابا ديمقراطيا بمضمون الطبقات الوسطى ورغبات المفقرين والمعدمين وهموم كل الهوامش والدواخل ؟. مشكلة اليسار اليوم في صوته العالي وحالة الرفض المتواصلة التي يمتلكها ومعارضته الدائمة من دون أن يكون قادرا على خلق وضعيات جديدة أو انتاج واقع مختلف .. مشكلة اليسار أن الشعب قد خرج عن سياقات الفكر اليساري التقليدي وانزاح نحو مقاربات أخرى على النقيض من أفكار اليسار .. المشكلة التي تمثل عطوبة دائمة هي أن اليسار أراد أن يغير الواقع غير أنه فشل في فهمه وشرحه .

يطالب ماهر حنين اليسار الذي ينتمي إليه أن يعيد التفكير في الكيفية التي تجعله راهنيا كما فعل لينين حينما تعامل مع تعاليم ماركس من منطلق محلي وخصوصية روسيا ولم يتقيد التقيد الحرفي بنبوءاته ، كيف يمكن أن نفهم اليوم العالم والواقع التونسي من خلال المرجعية اليسارية المتحررة من كل قيد نظري يقترب من سلفية النصوص والمرجعية الماركسية في زمن التأسيس الأول ويقترب من فكرة المقاصد والغايات لبلورة مشروع واضح يكون جاذبا للطبقات السفلى والطبقة المتوسطة ، كيف نتخلص من كل آليات التفكير القديمة من قبيل الصراع الطبقي محركا لتغيير التاريخ وفكرة ثورة الطبقة العمالية وديكتاتورية الفقراء والبروليتاريا وفكرة الفلاحين أو العمال هم الطبقات الأساسية في الثورة والتغيير .

اليوم على اليسار أن يقتنع بأنه أقليّة في المجتمع وسيبقى كذلك ، ولكن عليه أن يفهم كيف يكون فاعلا مع وضعه الأقلي ، وعليه أن يراهن في عملية الصراع والتغيير على النضال من أجل محاربة كل أشكال الهيمنة وكل صور الاغتراب ، وأن تكون مهمته افتكاك السلطة لا بالمعنى السياسي للوصول إلى الحكم ، وإنما بمعنى افتكاك كل سلطة تهدد المجتمع أو الفرد ، وافتكاك كل مداخل الهيمنة وطرق الاغتراب ، فاليسار اليوم عليه أن يضع له أهدافا جديدة في المجتمع والتفكير في طريقة لنقل كل الحراك الاجتماعي إلى مؤسسات وأطر تتبناه في صيغة من الصيغ من قبيل تأسيس حزب اجتماعي ليبرالي جامع وقوي ، على اليسار اليوم أن يفكر في خيارات بديلة عن خيارات جيل التأسيس الأول.