إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منذ متى كان طريق النّضال السّياسيّ مفروشا بالورود؟

إن تسجيل الحضور السياسي والحزبي يصنعه المناضل ويفرضه على مرّ الأيام والسنين وحتى إن مرت عليه العقود

بقلم: مصدّق الشّريف(*)

ما ضاع حق وراءه طالب. ما ضاع نضال أدراج الرياح. ما ضاع نهج المقاومة سرابا. يشهد القاصي والدّاني للمقاومة ببطولاتها على مرّ الأزمان. وبعد 7 أكتوبر 2023 موعد انطلاق "طوفان الأقصى" أصبح كل الناس من عرب وعجم يلهجون بذكر الشعب الفلسطيني. تضحياته تتصدر عناوين الجرائد ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. أما المعادون للمقاومة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حركة «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" فإنّ الجبابرة تخرّ لها اليوم ساجدة لما أظهرته من صلابة وشهامة في الدّفاع عن قضيّتها. إن الإيمان اللاّمتناهي بالقضية لا بدّ أن يؤتي أكله طال الزمان أم قصر. ما عدا هذا فإنّه لا مبرر، في اعتقادنا، للفشل إن لم يكن صاحبه محصّنا بالروح النضالية التي لا تكلّ ولا تملّ لاسيما إن كان وراء هذه الرّوح برنامج واضح وشفاف آمنت به القواعد والجماهير وهي مستعدة للدفاع عنه بالغالي والثمين والنفس والنفيس...

إن تسجيل الحضور السياسي والحزبي يصنعه المناضل ويفرضه على مرّ الأيام والسنين وحتى إن مرت عليه العقود. ولا يمكن للمناضل أن يظفر به ما دام يتباكى أو يعتمد على ظروف ووسائل لا تسمن ولا تغني من جوع. بل إنّه يسجل بذلك أهدافا ضده ويُفقد مصداقيته وإشعاعه. وتصل الأمور إلى أن يصبح في وضع يبعث على الاستهزاء والاشمئزاز منه لاسيما حين يقلب الحقائق أو يحاول الكذب والافتراء في وضح النهار.

ومن حين إلى آخر، نسمع أنّ المعارضة في تونس لا تفتأ تشتكي من صعوبات منها خنق الحرّية في التحرّك والتجمهر والظهور الإعلامي. وإذا اعتبرنا جدلا أنّ هذا الادعاء صحيح ويترجم بالفعل واقعا سياسيا مظلما تسبّبت فيه دكتاتورية من يحكمون البلاد، فإنّنا نسأل هؤلاء المتذمرين الغاضبين منذ متى كان طريق النضال السياسي مفروشا بالورود؟ ومتى وجدت سلطة تترك المكان وتفتح المجال لمن يريد إزاحتها بسهولة تامة وبين عشية وضحاها؟ ونسأل أيضا أين المقاومة؟ أين الجلد للوصول إلى الأهداف؟

هناك من يعيد للمرة الألف أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يعترف بالأجسام الوسيطة وأنّه قضى عليها وعلى الأحزاب وأنه يستهدف المنظمات. ولكن هل دور أصحاب هذا القول أن يكتفوا بانتقاد السلطة الحاكمة ثم بعد ذلك يركنون إلى الراحة والاستسلام؟  فلو تبرّم كل من احترف السياسية منذ بداية التاريخ بمثل ما تبرم به هؤلاء لما وقعت صدامات ومناف وسجون للمناضلين السياسيين ولما تحقق أي مطب نقابي أو سياسي ولما ظهر أي معارض ثم وصل إلى دفة الحكم. إن هذا المنطق الذي لا يخلو من التعلات الجوفاء لا يبيّن سوى أنّ المعارضة في بلادنا، إن وجدت معارضة، ضعيفة. وبذلك فإنّ لدينا اعتقاد شبه يقيني بأنه لو كان لهؤلاء المعارضين عمق شعبيّ وجماهير تدفع وراءهم وتلتف حولهم لخرج أنصارهم ينادون بالكفّ عن ملاحقتهم والتضييق عليهم. ولنا في يوم 25 جويلية 2021 حين أعلن رئيس الدولة حلّ البرلمان ونادى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أنصاره للوقوف ضدّ قرار قيس سعيّد شاهد على ضعف المعارضة وغياب أنصارها. إذ لم يجد نداء الغنوشي صدى وعاد إلى بيته يجر أذيال الخيبة. واستيقن أن لا وزن له ولا ثقل بعد أن لفظ التونسيّون حركته وأحزابا أخرى.

ولنا أيضا في التاريخ أكبر مثال يدلّ على أن الشخصية السياسية المؤثرة لا يمكن أبدا محاصرتها أو القضاء عليها من أي طرف كان ولو أقام عدوها أو معارضوها الدنيا ولم يقعدوها. فحتى هزيمة السياسي في الحرب لا تستطيع أن تمتص ولو مثقال ذرة من خردل من عمقه الشعبي ومحبّة الناس له وإيمانهم بصدقه بعد أن عرفوه واختبروه في المحن طوال سنين. مساء 9 جوان 1967، أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تخليه عن الحكم وقال بصريح العبارة إنّه قرّر أن يتنحّى عن الرئاسة متحملا مسؤولية الهزيمة في حرب 5 جوان 1967، إلا أنه تراجع عنها في اليوم التالي بعد خروج ملايين الناس للتظاهر رفضا لتنحيه. ولم يقتصر الرفض الشعبي لتنحيه على مصر وحدها، بل عم السودان ولبنان والعراق وليبيا وتونس والجزائر وسوريا والأردن. وتظاهرت الجاليات العربية في المهجر رفضا لقرار استقالة عبد الناصر.

وعلى العموم، فإنّنا نهمس في أذن كلّ من يعلمون علم اليقين أنّ القطار قد فاتهم وأنّ ثقة الشعب فيهم قد اهتزت واهترأت ألاّ يركنوا إلى من يساندهم كذبا وبهتانا لأنهم لا يزيدونهم إلاّ غوصا في الوحل ليبتزوا أموالهم عبر مصادح إعلامية أو جهات أخرى مأجورة.

منذ متى كان طريق النّضال السّياسيّ مفروشا بالورود؟

إن تسجيل الحضور السياسي والحزبي يصنعه المناضل ويفرضه على مرّ الأيام والسنين وحتى إن مرت عليه العقود

بقلم: مصدّق الشّريف(*)

ما ضاع حق وراءه طالب. ما ضاع نضال أدراج الرياح. ما ضاع نهج المقاومة سرابا. يشهد القاصي والدّاني للمقاومة ببطولاتها على مرّ الأزمان. وبعد 7 أكتوبر 2023 موعد انطلاق "طوفان الأقصى" أصبح كل الناس من عرب وعجم يلهجون بذكر الشعب الفلسطيني. تضحياته تتصدر عناوين الجرائد ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. أما المعادون للمقاومة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حركة «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" فإنّ الجبابرة تخرّ لها اليوم ساجدة لما أظهرته من صلابة وشهامة في الدّفاع عن قضيّتها. إن الإيمان اللاّمتناهي بالقضية لا بدّ أن يؤتي أكله طال الزمان أم قصر. ما عدا هذا فإنّه لا مبرر، في اعتقادنا، للفشل إن لم يكن صاحبه محصّنا بالروح النضالية التي لا تكلّ ولا تملّ لاسيما إن كان وراء هذه الرّوح برنامج واضح وشفاف آمنت به القواعد والجماهير وهي مستعدة للدفاع عنه بالغالي والثمين والنفس والنفيس...

إن تسجيل الحضور السياسي والحزبي يصنعه المناضل ويفرضه على مرّ الأيام والسنين وحتى إن مرت عليه العقود. ولا يمكن للمناضل أن يظفر به ما دام يتباكى أو يعتمد على ظروف ووسائل لا تسمن ولا تغني من جوع. بل إنّه يسجل بذلك أهدافا ضده ويُفقد مصداقيته وإشعاعه. وتصل الأمور إلى أن يصبح في وضع يبعث على الاستهزاء والاشمئزاز منه لاسيما حين يقلب الحقائق أو يحاول الكذب والافتراء في وضح النهار.

ومن حين إلى آخر، نسمع أنّ المعارضة في تونس لا تفتأ تشتكي من صعوبات منها خنق الحرّية في التحرّك والتجمهر والظهور الإعلامي. وإذا اعتبرنا جدلا أنّ هذا الادعاء صحيح ويترجم بالفعل واقعا سياسيا مظلما تسبّبت فيه دكتاتورية من يحكمون البلاد، فإنّنا نسأل هؤلاء المتذمرين الغاضبين منذ متى كان طريق النضال السياسي مفروشا بالورود؟ ومتى وجدت سلطة تترك المكان وتفتح المجال لمن يريد إزاحتها بسهولة تامة وبين عشية وضحاها؟ ونسأل أيضا أين المقاومة؟ أين الجلد للوصول إلى الأهداف؟

هناك من يعيد للمرة الألف أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يعترف بالأجسام الوسيطة وأنّه قضى عليها وعلى الأحزاب وأنه يستهدف المنظمات. ولكن هل دور أصحاب هذا القول أن يكتفوا بانتقاد السلطة الحاكمة ثم بعد ذلك يركنون إلى الراحة والاستسلام؟  فلو تبرّم كل من احترف السياسية منذ بداية التاريخ بمثل ما تبرم به هؤلاء لما وقعت صدامات ومناف وسجون للمناضلين السياسيين ولما تحقق أي مطب نقابي أو سياسي ولما ظهر أي معارض ثم وصل إلى دفة الحكم. إن هذا المنطق الذي لا يخلو من التعلات الجوفاء لا يبيّن سوى أنّ المعارضة في بلادنا، إن وجدت معارضة، ضعيفة. وبذلك فإنّ لدينا اعتقاد شبه يقيني بأنه لو كان لهؤلاء المعارضين عمق شعبيّ وجماهير تدفع وراءهم وتلتف حولهم لخرج أنصارهم ينادون بالكفّ عن ملاحقتهم والتضييق عليهم. ولنا في يوم 25 جويلية 2021 حين أعلن رئيس الدولة حلّ البرلمان ونادى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أنصاره للوقوف ضدّ قرار قيس سعيّد شاهد على ضعف المعارضة وغياب أنصارها. إذ لم يجد نداء الغنوشي صدى وعاد إلى بيته يجر أذيال الخيبة. واستيقن أن لا وزن له ولا ثقل بعد أن لفظ التونسيّون حركته وأحزابا أخرى.

ولنا أيضا في التاريخ أكبر مثال يدلّ على أن الشخصية السياسية المؤثرة لا يمكن أبدا محاصرتها أو القضاء عليها من أي طرف كان ولو أقام عدوها أو معارضوها الدنيا ولم يقعدوها. فحتى هزيمة السياسي في الحرب لا تستطيع أن تمتص ولو مثقال ذرة من خردل من عمقه الشعبي ومحبّة الناس له وإيمانهم بصدقه بعد أن عرفوه واختبروه في المحن طوال سنين. مساء 9 جوان 1967، أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تخليه عن الحكم وقال بصريح العبارة إنّه قرّر أن يتنحّى عن الرئاسة متحملا مسؤولية الهزيمة في حرب 5 جوان 1967، إلا أنه تراجع عنها في اليوم التالي بعد خروج ملايين الناس للتظاهر رفضا لتنحيه. ولم يقتصر الرفض الشعبي لتنحيه على مصر وحدها، بل عم السودان ولبنان والعراق وليبيا وتونس والجزائر وسوريا والأردن. وتظاهرت الجاليات العربية في المهجر رفضا لقرار استقالة عبد الناصر.

وعلى العموم، فإنّنا نهمس في أذن كلّ من يعلمون علم اليقين أنّ القطار قد فاتهم وأنّ ثقة الشعب فيهم قد اهتزت واهترأت ألاّ يركنوا إلى من يساندهم كذبا وبهتانا لأنهم لا يزيدونهم إلاّ غوصا في الوحل ليبتزوا أموالهم عبر مصادح إعلامية أو جهات أخرى مأجورة.