إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أعلام من جزيرة الأحــلام... وبدايات المسرح التونسي (3-3)

 

 بقلم: فاخــر الرويســـي

 

في جربة يرجع الفضل للبعض من شباب الجزيرة مثل الشيخ عبد المجيد الزليطني ومصطفى اللواتي وأمحمد بومسور في تأسيس فرقة "الترقّي الجربي التمثيلي" سنة 1934 والتي تزامن بعثها بروز عددا من الجمعيات ونشأة الحزب الدستوري الجديد الذي تزعمه الطبيب محمود الماطري وصديقه المحامي الحبيب بورقيبة في نفس السنة. ويبدو أن مصطفى اللواتي هو من تقدم بطلب رسمي لتأسيس الفرقة في 11/9/1934 لكن السلطات الاستعمارية رفضت منحه التأشيرة.

 

 لم تبق المجموعة مكتوفة الأيدي وتمرّدت على موقف الحكومة الاستعمارية وتمكن روّادها بفضل عزيمتهم وشجاعتهم من تنظيم أنشطة فكرية ومحاضرات بصفة علنية وقدّموا مسرحيات توعوية وحماسية مثل "فتح بيت المقدس" و "في سبيل التاج" و"نكبة البرامكة" ومسرحية "صلاح الدين الايوبي" وغيرها من الروايات.

 

فكان عبد المجيد الزليطني يهدف وأمثاله من المتعلمين الى غرس الشعور بحب الوطن والتضحية من أجله والسعي لمقاومة الأمية والجهل والعمل على الصحوة وحث الجماهير على مقاومة الغاصب.

 

و" تدعّمت الجمعية بانضمام عدة عناصر جديدة شابة قادرة انتمى فيما بعد عدد منهم الى التعليم مثل المختار وأخوه رشيد بن جسين ونور الدين الشلاخي وقدموا من تأليفهم " من الجاني؟" ، وقد حاولت هذه العناصر بإيعاز ودعم من أحمد العوام وحميدة النفوسي تأسيس فرقة أخرى للتمثيل سموها "فرقة التمثيل بأجيم" لكن المراقب المدني حاول منعها هي الأخرى من النشاط.

 

عبد المجيد الزليطني... الشيخ المستنير

 

يقول الأستاذ لطفي الجريري : " وُلد عبد المجيد الزليطني سنة 1903 بطرابلس... فيما يخصّ هذه العائلة فإنّ أهلها يؤكّدون على أنّ أصولهم جربيّة، ومن جربة انطلقوا إلى ليبيا ومنها عادوا، وأنّ ليبيا وإن كانت مسقط رأس بعضهم، فإنّها لم تكن لهم إلاّ مستقرّا إلى حين، طيلة ما كان ربّ العائلة يشتغل متفقّدا عامّا للبريد هناك....

 

فضلا عن حصوله على التطويع والتحصيل ـ قسم القراءات بجامع الزيتونة، نجح بالتوازي في الحصول على شهادة "التطويع العلمي" ما مكّنته من مزاولة دروس في الخلدونيّة ارتقى من خلالها بمستواه في حذق اللغة الفرنسيّة وفي الإلمام ببعض المواد العلميّة.

 

عاد حال تخرّجه إلى جزيرته ليشتغل معلّما بالمدرسة "الفرنكو-آراب" بصدويكش أوّلا بداية من سنة 1927، ثمّ انتقل بداية من سنة 1930 إلى مثيلتها بحومة السّوق وذلك إلى حدود سنة 1946.

 

ففي ذلك العام أسّس المرحوم عابد المزالي المدير المساعد لشعب العلوم والمعارف والفنون شهادة خاصة بالبنات المسلمات أسماها " Certificat d’Etude des Filles Musulmanes "، وعُيّن السيد عبد المجيد الزليطني كأوّل معلّم لمادّة العربيّة في مدرسة البنات المسلمات بتاوريت، ومنها تخرّجت الدّفعة الأولى في عام 1947......

 

كان منذ حداثة سنّه وهو في المرتبة المتوسّطة من التعليم الابتدائي يحفظ القرآن الكريم، ويطّلع على أمّهات الكتب عربيّة (قصص الأنبياء، وألف ليلة وليلة..) وفرنسيّة كانت تزخر بها المكتبة البلديّة كمؤلفات موليار، وراسين وكورناي وفرولتار ولامارتين وجول فارن، فتكوّن في نفسه شغف بالتمثيل من خلال تلكم المطالعات، ولمّا ضمّه مجلس عام 1942 مع الأستاذين الجيلاني عنان والبشير قوشة اقترحا عليه تمثيل رواية "لوكراس بورجيا"، لكنّه أقنعهما بأنّه يفضّل رواية عربيّة تاريخيّة تذكّر الشّعب بأيّامه الخالدة وتلهب حماسه، وكان الاختيار لرواية «صلاح الدّين الأيوبي»، أعدّت لها العدّة وتمّ تمثيلها من طرف فرقة سُمّيت "الفرقة التمثبليّة" بإشراف المرحوم أمحمّد بن دعماش، ولقيت نجاحا كبيرا لما أظهره الشباب من الممثّلين من تفان في الحفظ وإتقان الدّور المنوط لكلّ منهم، وشاركت في تمثيل الرواية شافية رشدي التي ـ تشجيعا منها للمواهب التي اكتشفت ـ أهدت الفرقة رواية "فتح بيت المقدس". ونجحت نجاحا كبيرا أيضا، وبعدها وقع التفكير جديا في تكوين جمعيّة باسم "الترقّي الجربي"... قاسى الشيخ عبد المجيد الأمرّين للحصول على ترخيص إنشائها لولا تدخّل صديقيْن من أصدقائه: الأوّل وهو تاجر جربي ويدعى عيّاد باصالح، والثّاني أديب يدعى محمد التركي الذي مكّنه من مقابلة كاهية الكاتب العام للحكومة والتحصيل على المرغوب.

 

وقدّمت "الترقّي الجربي" طيلة مسيرتها عددا من التمثيليات النّاجحة تأليفا وإخراجا وأداء، وأرست دعائم حركة مسرحيّة مناضلة لم ينقطع أداؤها حتّى اندثرت مع مطلع الخمسينات...".

 

 يقول المناضل الأستاذ محمد عبد الكافي المستقر حاليا بمدريد "أذكر أني ورفيقي محمد سليم الباسي حفظه الله ورعاه، تأثرنا جدا بالرواية (صلاح الدين) وحفظنا من كلام أبطالها مثل:

 

      " إن يكن أصل شقائي وطنــي * فبروحـي أفتـــدي ذاك الوطــــن".

 

ومثل:

 

      " لا ترم مني خضوعا أبــــــدا * فأنا حافظ قدري على مر الزمن".

 

وانه لمن واجبنا ان نعترف بفضل للعديد من الشخصيات التي ساهمت في تقريب المسرح التونسي كوسيلة تثقيفية وتوعوية وان نذكّر بهم من حين لآخر وبإسهاماتهم وإنجازاتهم من اجل تونسة المسرح التونسي وتعميمه على الجهات، كالنابغة محمد فريد غازي الذي يعدّ اول تونسي تحصل على دكتوراه دولة في الآداب الفرنسية والذي كتب مسرحيتين: "ثورة الهند" و "قطرة دم"، والقامة الادبية الجيلاني بالحاج يحي ومحمود بن حدادة ومحمد القريتلي وبلحسن الجريري ومحمد الفرجاني والبشير عنان وعلي العودي وسليمان الفرجاني وعبد السلام سعود وحسن مطيمط والهادي عنان والعبقري الرائد علي بن عياد الذي يعدّ أبرز الممثلين الذين عرفتهم تونس على الاطلاق والذي عانقت اعماله المسرحية العالمية غزارة وقيمة. وهو يعد مدرسة شاملة في حد ذاته انجبت العديد من القامات المسرحية مثل التي انجبتهم جزيرة جربة كفرحات يامون، الذي علاوة على مشاركته في عدد من اعمال علي بن عياد اشترك ايضا في التمثيل مع سمير العيادي ومحمد ادريس ومحمود الارناؤوط وعبد الرؤوف الباسطي ورؤوف بن عمر وعبد القادر مقداد والقائمة تطول...

 

والجزيرة تفتخر اليوم بـأبنائها مثل محمد الصايم، هيلين كاتزاراس، رؤوف بن يغلان، زهير بن تردايت، فتحي العكاري، ، محمد علي بن جمعة،منال غير القوي. والسينمائيين رياض النفوسي، هيفل بن يوسف ووسام التليلي المنصف بالحاج يحي العضو المؤسس لفرقة فن العرائس وهو اول مدير لمركز فن العرائس بتونس وغيرهم من الذين اتحفونا ولازالوا بأعمالهم الجيدة والجادة.

 

 

أعلام من جزيرة الأحــلام... وبدايات المسرح التونسي (3-3)

 

 بقلم: فاخــر الرويســـي

 

في جربة يرجع الفضل للبعض من شباب الجزيرة مثل الشيخ عبد المجيد الزليطني ومصطفى اللواتي وأمحمد بومسور في تأسيس فرقة "الترقّي الجربي التمثيلي" سنة 1934 والتي تزامن بعثها بروز عددا من الجمعيات ونشأة الحزب الدستوري الجديد الذي تزعمه الطبيب محمود الماطري وصديقه المحامي الحبيب بورقيبة في نفس السنة. ويبدو أن مصطفى اللواتي هو من تقدم بطلب رسمي لتأسيس الفرقة في 11/9/1934 لكن السلطات الاستعمارية رفضت منحه التأشيرة.

 

 لم تبق المجموعة مكتوفة الأيدي وتمرّدت على موقف الحكومة الاستعمارية وتمكن روّادها بفضل عزيمتهم وشجاعتهم من تنظيم أنشطة فكرية ومحاضرات بصفة علنية وقدّموا مسرحيات توعوية وحماسية مثل "فتح بيت المقدس" و "في سبيل التاج" و"نكبة البرامكة" ومسرحية "صلاح الدين الايوبي" وغيرها من الروايات.

 

فكان عبد المجيد الزليطني يهدف وأمثاله من المتعلمين الى غرس الشعور بحب الوطن والتضحية من أجله والسعي لمقاومة الأمية والجهل والعمل على الصحوة وحث الجماهير على مقاومة الغاصب.

 

و" تدعّمت الجمعية بانضمام عدة عناصر جديدة شابة قادرة انتمى فيما بعد عدد منهم الى التعليم مثل المختار وأخوه رشيد بن جسين ونور الدين الشلاخي وقدموا من تأليفهم " من الجاني؟" ، وقد حاولت هذه العناصر بإيعاز ودعم من أحمد العوام وحميدة النفوسي تأسيس فرقة أخرى للتمثيل سموها "فرقة التمثيل بأجيم" لكن المراقب المدني حاول منعها هي الأخرى من النشاط.

 

عبد المجيد الزليطني... الشيخ المستنير

 

يقول الأستاذ لطفي الجريري : " وُلد عبد المجيد الزليطني سنة 1903 بطرابلس... فيما يخصّ هذه العائلة فإنّ أهلها يؤكّدون على أنّ أصولهم جربيّة، ومن جربة انطلقوا إلى ليبيا ومنها عادوا، وأنّ ليبيا وإن كانت مسقط رأس بعضهم، فإنّها لم تكن لهم إلاّ مستقرّا إلى حين، طيلة ما كان ربّ العائلة يشتغل متفقّدا عامّا للبريد هناك....

 

فضلا عن حصوله على التطويع والتحصيل ـ قسم القراءات بجامع الزيتونة، نجح بالتوازي في الحصول على شهادة "التطويع العلمي" ما مكّنته من مزاولة دروس في الخلدونيّة ارتقى من خلالها بمستواه في حذق اللغة الفرنسيّة وفي الإلمام ببعض المواد العلميّة.

 

عاد حال تخرّجه إلى جزيرته ليشتغل معلّما بالمدرسة "الفرنكو-آراب" بصدويكش أوّلا بداية من سنة 1927، ثمّ انتقل بداية من سنة 1930 إلى مثيلتها بحومة السّوق وذلك إلى حدود سنة 1946.

 

ففي ذلك العام أسّس المرحوم عابد المزالي المدير المساعد لشعب العلوم والمعارف والفنون شهادة خاصة بالبنات المسلمات أسماها " Certificat d’Etude des Filles Musulmanes "، وعُيّن السيد عبد المجيد الزليطني كأوّل معلّم لمادّة العربيّة في مدرسة البنات المسلمات بتاوريت، ومنها تخرّجت الدّفعة الأولى في عام 1947......

 

كان منذ حداثة سنّه وهو في المرتبة المتوسّطة من التعليم الابتدائي يحفظ القرآن الكريم، ويطّلع على أمّهات الكتب عربيّة (قصص الأنبياء، وألف ليلة وليلة..) وفرنسيّة كانت تزخر بها المكتبة البلديّة كمؤلفات موليار، وراسين وكورناي وفرولتار ولامارتين وجول فارن، فتكوّن في نفسه شغف بالتمثيل من خلال تلكم المطالعات، ولمّا ضمّه مجلس عام 1942 مع الأستاذين الجيلاني عنان والبشير قوشة اقترحا عليه تمثيل رواية "لوكراس بورجيا"، لكنّه أقنعهما بأنّه يفضّل رواية عربيّة تاريخيّة تذكّر الشّعب بأيّامه الخالدة وتلهب حماسه، وكان الاختيار لرواية «صلاح الدّين الأيوبي»، أعدّت لها العدّة وتمّ تمثيلها من طرف فرقة سُمّيت "الفرقة التمثبليّة" بإشراف المرحوم أمحمّد بن دعماش، ولقيت نجاحا كبيرا لما أظهره الشباب من الممثّلين من تفان في الحفظ وإتقان الدّور المنوط لكلّ منهم، وشاركت في تمثيل الرواية شافية رشدي التي ـ تشجيعا منها للمواهب التي اكتشفت ـ أهدت الفرقة رواية "فتح بيت المقدس". ونجحت نجاحا كبيرا أيضا، وبعدها وقع التفكير جديا في تكوين جمعيّة باسم "الترقّي الجربي"... قاسى الشيخ عبد المجيد الأمرّين للحصول على ترخيص إنشائها لولا تدخّل صديقيْن من أصدقائه: الأوّل وهو تاجر جربي ويدعى عيّاد باصالح، والثّاني أديب يدعى محمد التركي الذي مكّنه من مقابلة كاهية الكاتب العام للحكومة والتحصيل على المرغوب.

 

وقدّمت "الترقّي الجربي" طيلة مسيرتها عددا من التمثيليات النّاجحة تأليفا وإخراجا وأداء، وأرست دعائم حركة مسرحيّة مناضلة لم ينقطع أداؤها حتّى اندثرت مع مطلع الخمسينات...".

 

 يقول المناضل الأستاذ محمد عبد الكافي المستقر حاليا بمدريد "أذكر أني ورفيقي محمد سليم الباسي حفظه الله ورعاه، تأثرنا جدا بالرواية (صلاح الدين) وحفظنا من كلام أبطالها مثل:

 

      " إن يكن أصل شقائي وطنــي * فبروحـي أفتـــدي ذاك الوطــــن".

 

ومثل:

 

      " لا ترم مني خضوعا أبــــــدا * فأنا حافظ قدري على مر الزمن".

 

وانه لمن واجبنا ان نعترف بفضل للعديد من الشخصيات التي ساهمت في تقريب المسرح التونسي كوسيلة تثقيفية وتوعوية وان نذكّر بهم من حين لآخر وبإسهاماتهم وإنجازاتهم من اجل تونسة المسرح التونسي وتعميمه على الجهات، كالنابغة محمد فريد غازي الذي يعدّ اول تونسي تحصل على دكتوراه دولة في الآداب الفرنسية والذي كتب مسرحيتين: "ثورة الهند" و "قطرة دم"، والقامة الادبية الجيلاني بالحاج يحي ومحمود بن حدادة ومحمد القريتلي وبلحسن الجريري ومحمد الفرجاني والبشير عنان وعلي العودي وسليمان الفرجاني وعبد السلام سعود وحسن مطيمط والهادي عنان والعبقري الرائد علي بن عياد الذي يعدّ أبرز الممثلين الذين عرفتهم تونس على الاطلاق والذي عانقت اعماله المسرحية العالمية غزارة وقيمة. وهو يعد مدرسة شاملة في حد ذاته انجبت العديد من القامات المسرحية مثل التي انجبتهم جزيرة جربة كفرحات يامون، الذي علاوة على مشاركته في عدد من اعمال علي بن عياد اشترك ايضا في التمثيل مع سمير العيادي ومحمد ادريس ومحمود الارناؤوط وعبد الرؤوف الباسطي ورؤوف بن عمر وعبد القادر مقداد والقائمة تطول...

 

والجزيرة تفتخر اليوم بـأبنائها مثل محمد الصايم، هيلين كاتزاراس، رؤوف بن يغلان، زهير بن تردايت، فتحي العكاري، ، محمد علي بن جمعة،منال غير القوي. والسينمائيين رياض النفوسي، هيفل بن يوسف ووسام التليلي المنصف بالحاج يحي العضو المؤسس لفرقة فن العرائس وهو اول مدير لمركز فن العرائس بتونس وغيرهم من الذين اتحفونا ولازالوا بأعمالهم الجيدة والجادة.