إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد الإجراءات التحفيزية للصناديق.. بداية ملامح حقيقية للدولة الاجتماعية في تونس

 

-الجامعات الخاصة قد تنهي معاناة الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل

تونس- الصباح

لاقت الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها وزارة الشؤون الاجتماعية في علاقة بالصناديق الاجتماعية مؤخرا ترحيبا لدى التونسيين لان هذه الإجراءات التي من المفروض أن تدخل حيز التنفيذ مع انطلاق فيفري الجاري يمكن أن تيّسر على الموظف خاصة في باب الحصول على قروض في وقت ما فتئت البنوك تضيق عليه وتكبله بالرسومات المفروضة وبالشروط التي تكون أحيانا تعجيزية.

من جهة أخرى وبعد أن عجزت الحكومات المتلاحقة منذ أكثر من عقد من الزمن على إنهاء معاناة الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل  رغم تعدد الحركات النضالية للتحسيس بالقضية، قد يكون الحل  أخيرا في الجامعات الخاصة. فقد تقدم عدد من النواب خلال جلسة استماع إلى وزير التعليم العالي المنصف بوكثير يوم الجمعة بالبرلمان، مقترحا لتعديل القانون المتعلق بالتعليم الجامعي الخاص وطالبوا بالزام الجامعات الخاصة بـ"انتداب 30 بالمائة من المدرسين القارين من جملة إطارات التدريس المباشر بمؤسسات التعليم الخاصة على أن يكون المدرسون القارون من حاملي شهادة الدكتوراه". وبقطع النظر عن نسب استيعاب الجامعات الخاصة لطالبي الشغل من حاملي شهادات الدكتوراه، فإن المقترح يمكن أن يساعد على إيجاد حل جوهري لقضية الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل. وهي قضية مؤسفة فعلا لأنه ليس من الطبيعي أن تبقى نخبة البلاد بلا شغل قار، وليس من الطبيعي أن تبقى نخبة علمية غير فاعلة في وقت تحتاجها البلاد بكل قوة. مع العلم أن وزير التعليم العالي قد أكد خلال جلسة الاستماع المذكورة توجه الوزارة فعلا نحو تنقيح القانون المذكور دون أن يدخل في تفاصيل حول نسب استيعاب الجامعات الخاصة لطالبي الشغل التي تبقى مرتبطة بأوامر ترتيبية وفق ما أشار إليه.

وإذا ما عدنا إلى الإجراءات الخاصة بالصناديق الاجتماعية، فإننا نشير إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية قررت الترفيع في قيمة القروض  التي يحصل عليها المنخرطون من كل من الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (القطاع العمومي) والصندوق الوطني للتضامن الاجتماعي (القطاع الخاص) لتصل  قيمة القرض الشخصي إلى 25 ألف دينار وقيمة القرض الخاص باقتناء سيارة إلى 50 ألف دينار وتصل قيمة قرض السكني إلى  100 دينار مع العلم انه يمكن سداد القرض السكني على امتداد 10 سنوات أو 20 سنة وفق اختيار المضمون الاجتماعي.

قروض اجتماعية بقيمة أكبر وشروط ميسرة

وتكتسي هذه الإجراءات التي أعلن عنها وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي بنفسه واحتفت بها الصحافة الوطنية بشكل ملفت، أهمية كبرى لأنها تزيد في قيمة القروض وتراعي ظروف المضمون الاجتماعي، أي تقدم  بشروط ميسرة في ظرف تآكلت فيه القدرة الشرائية للموظف وتراجعت فيه الطبقة المتوسطة بشكل كبير كي لا نقول تآكلت هي أيضا.

ومقارنة بما كانت تمنحه الصناديق الاجتماعية من قروض بكل أصنافها، تعكس الإجراءات الجديدة تطورا حقيقيا في نوعية الخدمات الممنوحة للمضمون الاجتماعي كما يمكن أن تكون لها آثارها الإيجابية على المجتمع.

وإذا ما علمنا أن القرض الشخصي سابقا – ظل هكذا على امتداد سنوات- لا يتجاوز أجرة شهر واحد ونصف وأن القرض السكني لا يتجاوز 15 ألف دينار ( يمكن أن يمتد على 20 سنة ويمكن للقرين الحصول على نفس المبلغ بشروط) وأن القرض الخاص بالسيارة لم يكن يتجاوز 10 آلاف دينار سواء كانت السيارة قديمة أو جديدة، فإننا ندرك إلى أي مدى تعتبر هذه الإجراءات الجديدة تحمل البشرى للكثير من التونسيين الذين أعياهم بالخصوص التعامل مع البنوك.

عن الفائدة المديرية لا تسل...

 فلا يخفى على احد أننا في تونس لدينا منظومة بنكية غريبة بعض الشيء. فهي بقدر ما تحقق من أرباح بقدر ما تثقل كاهل الحريف وخاصة الموظف بنسب فوائد مرتفعة وغيرها من النفقات. وعن معاناة التونسيين مع القروض  البنكية وقرارات الترفيع في الفائدة المديرية لا تسل. فكل زيادة في نسبة هذه الفائدة تتكلف غاليا على المواطن الذي يلزم في كل مرة بدفع مبلغ إضافي على أقساط القرض  المتبقية.

 هناك بطبيعة الحال بنوك تفرض نسب فائدة قارة لكن أخرى تفرض نسب غير قارة  خاصة فيما يتعلق بالقروض المباشرة، وبما أن البنك المركزي قام في السنوات الأخيرة بالترفيع أكثر من مرة من نسب الفائدة المديرية فإن الحريف الذي هو غالبا الموظف المتعب سواء في القطاع الخاص أو العمومي، يتحمل التكلفة. لا نتحدث طبعا عن كل الرسوم التي تفرضها البنوك وعلى نسب الفوائد المرتفعة التي تشترطها والتي تكون أحيانا تعجيزية وغالبا مجحفة.

إذن، هل ستخفف الإجراءات الجديدة التي اتخذتها وزارة الشؤون الاجتماعية على المواطن وهل نأمل في أن تنعكس إيجابا على الوضع الاجتماعي في البلاد؟ ذلك هو السؤال.

لو تجاوزنا البيروقراطية وعقلية الإداري القديمة

عموما وفي كل الحالات، إن الإجراءات إيجابية خاصة أن وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي يقول ويكرر في كل تصريحاته الإعلامية بان النظر في مطالب القروض لن يستغرق أكثر من أسبوعين مما يعني أن هناك تسريعا في الإجراءات كما أن الاعتماد على نسب فائدة قارة مهم جدا مقارنة بما ذكرناه بخصوص الترفيع في نسب الفائدة المديرية، بقي هل سنتخلص من البيروقراطية وهل ستكون الخدمات ميسرة وسريعة بالشكل الذي تتحدث عنه الوزارة؟ تلك قضية أخرى بطبيعة الحال وهي مرتبطة بالخصوص بالإدارة التونسية التي جميعنا يعرف كيف تعمل وبأي إمكانيات وبأي عقلية وهل حدث فعلا تغيير أم لا لان المشكل في البلاد، كما أثبته الواقع،  ليس دائما في القوانين وفي الإجراءات وإنما غالبا في كيفية تجسيمها في الواقع وفي  المعوقات الإدارية التي ظلت طويلا تعرقل أي تقدم في البلاد.

صحيح أيضا، أن الترفيع في قيمة القروض التي تمنحها الصناديق الاجتماعية، يأتي في ظرفية خاصة في تونس. فالبلاد تعاني من غلاء الأسعار وخاصة أسعار العقارات وأساسا المساكن، وأيضا السيارات التي بلغ بعض الأنواع منها أسعارا خيالية،  كما أن المواطن كثيرا ما يلتجئ إلى القروض الشخصية لمواجهة تكاليف الحياة  لاسيما آن عديد المناسبات مثل العودة المدرسية والأعياد الدينية وموسم الصيف صارت مكلفة جدا، لكنها أتت في وقت نقول انه جيد وهي تقدم خدمة كبيرة للمواطن وهي بالخصوص قد تكون الحل بالنسبة لمن أرهقتهم البنوك. فلا ننكر أن المنظومة البنكية في تونس صارت تعجيزية للموظف بالخصوص، وربما ستخلق الصناديق الاجتماعية بتطوير خدماتها أجواء تنافسية قد تدفع القطاع البنكي إلى مراجعة أسلوبه في التعامل مع الموظف في الاتجاه الإيجابي طبعا.

إجراءات يمكن أن يلمسها المواطن في حياته اليومية

وقد لا نبالغ عندما نقول أن الترفيع في حجم القروض التي تمنحها الصناديق الاجتماعية أول قرار يمكن اعتباره يترجم فعلا وبجدية عن الإرادة في تأسيس الدولة الاجتماعية في تونس. فقد ظل الكلام عن الدولة الاجتماعية تلك التي تتدخل بالقانون لفرض حقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية،  في إطار النظريات والشعارات السياسية والانتخابية. لا نبالغ أيضا عندما نقول أن المواطن التونسي الذي ثار على الديكتاتورية والظلم وطالب بالشغل والكرامة وبالتوزيع العادل للثروات الوطنية، لم يلمس أي قرار ينعكس إيجابا على حياته، بل بالعكس، ما فتئت التضييقات تزداد حدة وإضافة إلى الغلاء المتزايد في الأسعار، يواجه التونسيون منذ فترة ليست بالقليلة صعوبات في التزود حتى بالمواد الغذائية الأساسية لأسباب عديدة من بينها ما هو خارجي وناجم عن الحروب والاضطرابات في العالم التي أثرت على المبادلات التجارية التي مست المواد الغذائية ومن بينها مادة الحبوب التي تقوم البلاد باستيراد كميات كبيرة منها، ومنها ما هو بسبب عوامل داخلية من بينها الاحتكار والمضاربة في الأسواق مثلما تؤكد على ذلك السلطات التونسية.

 المهم أن حياة التونسيين ازدادت صعوبة في وقت كان ينتظر فيه أن تتحسن ظروف العيش والسكن ولم لا تحقيق حد أدنى من الرفاهة التي تبقى من حق كل شعوب العالم الكادحين. وتأتي الإجراءات المعلن عنها مؤخرا في علاقة بالصناديق الاجتماعية التي ينتظر أن تتطور خدماتها بشكل كبير، حتى أنه يمكن أن ينتفع المتقاعدون من بعض هذه الخدمات، من بينها الحصول مثلا على قرض شخصي وفق تأكيد وزير الشؤون الاجتماعية، لتفتح باب الأمل في أن تنصت الدولة أخيرا إلى صوت المواطن  وإلى هواجسه.

بعضهم خارج منطق الدولة

وبمثل هذه الإجراءات يمكن أن ننطلق في تغيير حقيقي في البلد التي لاح وكأنها قد انساقت في لبيرالية متوحشة، حيث استقوت بعض التكتلات المهنية الفاعلة على الدولة وأصبحت تعمل خارج إرادتها وعلى حساب المواطن في الغالب. وقد لا نبالغ عندما نقول أن بعضها صار عبارة عن دولة داخل الدولة، وأن بعض الأسلاك بالقطاع الخاص تحولت إلى هياكل ربحية مسيطرة وكأنها خارج منطق الدولة. وكما يمكن أن يساهم تطوير خدمات الصناديق الاجتماعية في خلق نوع من التنافسية مع البنوك، لصالح المواطن-هكذا نتصور طبعا- فإن   تنقيح فصول من القانون المتعلق بالتعليم العالي الخاص في اتجاه إلزام الجامعات الخاصة باستيعاب عدد من أصحاب الدكاترة الباحثين في وظائف قارة يمكن بدوره أن ساهم في تعزيز جهود الدولة في مواجهة مشكل البطالة في صفوف أصحاب الشهادات العليا في البلاد وأيضا في اتجاه إعادة توجيه البوصلة في العلاقة بين القطاعين العمومي والخاص. فتونس وقد ثبت ذلك من خلال جل التجارب، لا يمكنها أن تنجح في غياب دولة قوية ذات إرادة قادرة على إلزام كل طرف بمسؤوليته في إطار القانون وخاصة قادرة على فرض حقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية بقوة القانون طبعا.

حياة السايب 

بعد الإجراءات التحفيزية للصناديق..   بداية ملامح حقيقية للدولة الاجتماعية في تونس

 

-الجامعات الخاصة قد تنهي معاناة الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل

تونس- الصباح

لاقت الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها وزارة الشؤون الاجتماعية في علاقة بالصناديق الاجتماعية مؤخرا ترحيبا لدى التونسيين لان هذه الإجراءات التي من المفروض أن تدخل حيز التنفيذ مع انطلاق فيفري الجاري يمكن أن تيّسر على الموظف خاصة في باب الحصول على قروض في وقت ما فتئت البنوك تضيق عليه وتكبله بالرسومات المفروضة وبالشروط التي تكون أحيانا تعجيزية.

من جهة أخرى وبعد أن عجزت الحكومات المتلاحقة منذ أكثر من عقد من الزمن على إنهاء معاناة الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل  رغم تعدد الحركات النضالية للتحسيس بالقضية، قد يكون الحل  أخيرا في الجامعات الخاصة. فقد تقدم عدد من النواب خلال جلسة استماع إلى وزير التعليم العالي المنصف بوكثير يوم الجمعة بالبرلمان، مقترحا لتعديل القانون المتعلق بالتعليم الجامعي الخاص وطالبوا بالزام الجامعات الخاصة بـ"انتداب 30 بالمائة من المدرسين القارين من جملة إطارات التدريس المباشر بمؤسسات التعليم الخاصة على أن يكون المدرسون القارون من حاملي شهادة الدكتوراه". وبقطع النظر عن نسب استيعاب الجامعات الخاصة لطالبي الشغل من حاملي شهادات الدكتوراه، فإن المقترح يمكن أن يساعد على إيجاد حل جوهري لقضية الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل. وهي قضية مؤسفة فعلا لأنه ليس من الطبيعي أن تبقى نخبة البلاد بلا شغل قار، وليس من الطبيعي أن تبقى نخبة علمية غير فاعلة في وقت تحتاجها البلاد بكل قوة. مع العلم أن وزير التعليم العالي قد أكد خلال جلسة الاستماع المذكورة توجه الوزارة فعلا نحو تنقيح القانون المذكور دون أن يدخل في تفاصيل حول نسب استيعاب الجامعات الخاصة لطالبي الشغل التي تبقى مرتبطة بأوامر ترتيبية وفق ما أشار إليه.

وإذا ما عدنا إلى الإجراءات الخاصة بالصناديق الاجتماعية، فإننا نشير إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية قررت الترفيع في قيمة القروض  التي يحصل عليها المنخرطون من كل من الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (القطاع العمومي) والصندوق الوطني للتضامن الاجتماعي (القطاع الخاص) لتصل  قيمة القرض الشخصي إلى 25 ألف دينار وقيمة القرض الخاص باقتناء سيارة إلى 50 ألف دينار وتصل قيمة قرض السكني إلى  100 دينار مع العلم انه يمكن سداد القرض السكني على امتداد 10 سنوات أو 20 سنة وفق اختيار المضمون الاجتماعي.

قروض اجتماعية بقيمة أكبر وشروط ميسرة

وتكتسي هذه الإجراءات التي أعلن عنها وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي بنفسه واحتفت بها الصحافة الوطنية بشكل ملفت، أهمية كبرى لأنها تزيد في قيمة القروض وتراعي ظروف المضمون الاجتماعي، أي تقدم  بشروط ميسرة في ظرف تآكلت فيه القدرة الشرائية للموظف وتراجعت فيه الطبقة المتوسطة بشكل كبير كي لا نقول تآكلت هي أيضا.

ومقارنة بما كانت تمنحه الصناديق الاجتماعية من قروض بكل أصنافها، تعكس الإجراءات الجديدة تطورا حقيقيا في نوعية الخدمات الممنوحة للمضمون الاجتماعي كما يمكن أن تكون لها آثارها الإيجابية على المجتمع.

وإذا ما علمنا أن القرض الشخصي سابقا – ظل هكذا على امتداد سنوات- لا يتجاوز أجرة شهر واحد ونصف وأن القرض السكني لا يتجاوز 15 ألف دينار ( يمكن أن يمتد على 20 سنة ويمكن للقرين الحصول على نفس المبلغ بشروط) وأن القرض الخاص بالسيارة لم يكن يتجاوز 10 آلاف دينار سواء كانت السيارة قديمة أو جديدة، فإننا ندرك إلى أي مدى تعتبر هذه الإجراءات الجديدة تحمل البشرى للكثير من التونسيين الذين أعياهم بالخصوص التعامل مع البنوك.

عن الفائدة المديرية لا تسل...

 فلا يخفى على احد أننا في تونس لدينا منظومة بنكية غريبة بعض الشيء. فهي بقدر ما تحقق من أرباح بقدر ما تثقل كاهل الحريف وخاصة الموظف بنسب فوائد مرتفعة وغيرها من النفقات. وعن معاناة التونسيين مع القروض  البنكية وقرارات الترفيع في الفائدة المديرية لا تسل. فكل زيادة في نسبة هذه الفائدة تتكلف غاليا على المواطن الذي يلزم في كل مرة بدفع مبلغ إضافي على أقساط القرض  المتبقية.

 هناك بطبيعة الحال بنوك تفرض نسب فائدة قارة لكن أخرى تفرض نسب غير قارة  خاصة فيما يتعلق بالقروض المباشرة، وبما أن البنك المركزي قام في السنوات الأخيرة بالترفيع أكثر من مرة من نسب الفائدة المديرية فإن الحريف الذي هو غالبا الموظف المتعب سواء في القطاع الخاص أو العمومي، يتحمل التكلفة. لا نتحدث طبعا عن كل الرسوم التي تفرضها البنوك وعلى نسب الفوائد المرتفعة التي تشترطها والتي تكون أحيانا تعجيزية وغالبا مجحفة.

إذن، هل ستخفف الإجراءات الجديدة التي اتخذتها وزارة الشؤون الاجتماعية على المواطن وهل نأمل في أن تنعكس إيجابا على الوضع الاجتماعي في البلاد؟ ذلك هو السؤال.

لو تجاوزنا البيروقراطية وعقلية الإداري القديمة

عموما وفي كل الحالات، إن الإجراءات إيجابية خاصة أن وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي يقول ويكرر في كل تصريحاته الإعلامية بان النظر في مطالب القروض لن يستغرق أكثر من أسبوعين مما يعني أن هناك تسريعا في الإجراءات كما أن الاعتماد على نسب فائدة قارة مهم جدا مقارنة بما ذكرناه بخصوص الترفيع في نسب الفائدة المديرية، بقي هل سنتخلص من البيروقراطية وهل ستكون الخدمات ميسرة وسريعة بالشكل الذي تتحدث عنه الوزارة؟ تلك قضية أخرى بطبيعة الحال وهي مرتبطة بالخصوص بالإدارة التونسية التي جميعنا يعرف كيف تعمل وبأي إمكانيات وبأي عقلية وهل حدث فعلا تغيير أم لا لان المشكل في البلاد، كما أثبته الواقع،  ليس دائما في القوانين وفي الإجراءات وإنما غالبا في كيفية تجسيمها في الواقع وفي  المعوقات الإدارية التي ظلت طويلا تعرقل أي تقدم في البلاد.

صحيح أيضا، أن الترفيع في قيمة القروض التي تمنحها الصناديق الاجتماعية، يأتي في ظرفية خاصة في تونس. فالبلاد تعاني من غلاء الأسعار وخاصة أسعار العقارات وأساسا المساكن، وأيضا السيارات التي بلغ بعض الأنواع منها أسعارا خيالية،  كما أن المواطن كثيرا ما يلتجئ إلى القروض الشخصية لمواجهة تكاليف الحياة  لاسيما آن عديد المناسبات مثل العودة المدرسية والأعياد الدينية وموسم الصيف صارت مكلفة جدا، لكنها أتت في وقت نقول انه جيد وهي تقدم خدمة كبيرة للمواطن وهي بالخصوص قد تكون الحل بالنسبة لمن أرهقتهم البنوك. فلا ننكر أن المنظومة البنكية في تونس صارت تعجيزية للموظف بالخصوص، وربما ستخلق الصناديق الاجتماعية بتطوير خدماتها أجواء تنافسية قد تدفع القطاع البنكي إلى مراجعة أسلوبه في التعامل مع الموظف في الاتجاه الإيجابي طبعا.

إجراءات يمكن أن يلمسها المواطن في حياته اليومية

وقد لا نبالغ عندما نقول أن الترفيع في حجم القروض التي تمنحها الصناديق الاجتماعية أول قرار يمكن اعتباره يترجم فعلا وبجدية عن الإرادة في تأسيس الدولة الاجتماعية في تونس. فقد ظل الكلام عن الدولة الاجتماعية تلك التي تتدخل بالقانون لفرض حقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية،  في إطار النظريات والشعارات السياسية والانتخابية. لا نبالغ أيضا عندما نقول أن المواطن التونسي الذي ثار على الديكتاتورية والظلم وطالب بالشغل والكرامة وبالتوزيع العادل للثروات الوطنية، لم يلمس أي قرار ينعكس إيجابا على حياته، بل بالعكس، ما فتئت التضييقات تزداد حدة وإضافة إلى الغلاء المتزايد في الأسعار، يواجه التونسيون منذ فترة ليست بالقليلة صعوبات في التزود حتى بالمواد الغذائية الأساسية لأسباب عديدة من بينها ما هو خارجي وناجم عن الحروب والاضطرابات في العالم التي أثرت على المبادلات التجارية التي مست المواد الغذائية ومن بينها مادة الحبوب التي تقوم البلاد باستيراد كميات كبيرة منها، ومنها ما هو بسبب عوامل داخلية من بينها الاحتكار والمضاربة في الأسواق مثلما تؤكد على ذلك السلطات التونسية.

 المهم أن حياة التونسيين ازدادت صعوبة في وقت كان ينتظر فيه أن تتحسن ظروف العيش والسكن ولم لا تحقيق حد أدنى من الرفاهة التي تبقى من حق كل شعوب العالم الكادحين. وتأتي الإجراءات المعلن عنها مؤخرا في علاقة بالصناديق الاجتماعية التي ينتظر أن تتطور خدماتها بشكل كبير، حتى أنه يمكن أن ينتفع المتقاعدون من بعض هذه الخدمات، من بينها الحصول مثلا على قرض شخصي وفق تأكيد وزير الشؤون الاجتماعية، لتفتح باب الأمل في أن تنصت الدولة أخيرا إلى صوت المواطن  وإلى هواجسه.

بعضهم خارج منطق الدولة

وبمثل هذه الإجراءات يمكن أن ننطلق في تغيير حقيقي في البلد التي لاح وكأنها قد انساقت في لبيرالية متوحشة، حيث استقوت بعض التكتلات المهنية الفاعلة على الدولة وأصبحت تعمل خارج إرادتها وعلى حساب المواطن في الغالب. وقد لا نبالغ عندما نقول أن بعضها صار عبارة عن دولة داخل الدولة، وأن بعض الأسلاك بالقطاع الخاص تحولت إلى هياكل ربحية مسيطرة وكأنها خارج منطق الدولة. وكما يمكن أن يساهم تطوير خدمات الصناديق الاجتماعية في خلق نوع من التنافسية مع البنوك، لصالح المواطن-هكذا نتصور طبعا- فإن   تنقيح فصول من القانون المتعلق بالتعليم العالي الخاص في اتجاه إلزام الجامعات الخاصة باستيعاب عدد من أصحاب الدكاترة الباحثين في وظائف قارة يمكن بدوره أن ساهم في تعزيز جهود الدولة في مواجهة مشكل البطالة في صفوف أصحاب الشهادات العليا في البلاد وأيضا في اتجاه إعادة توجيه البوصلة في العلاقة بين القطاعين العمومي والخاص. فتونس وقد ثبت ذلك من خلال جل التجارب، لا يمكنها أن تنجح في غياب دولة قوية ذات إرادة قادرة على إلزام كل طرف بمسؤوليته في إطار القانون وخاصة قادرة على فرض حقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية بقوة القانون طبعا.

حياة السايب