-غياب التواصل والتنسيق بين المنظمات الكبرى يرجع لنقص الوعي الوطني.. وما يحدث في اتحاد الشغل شان داخلي
تونس – الصباح
حمّل نورالدين بن عياد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري مسؤولية تردي الوضع في المجالات الفلاحية إلى غياب إستراتيجية وسياسة فلاحية تنموية متكاملة واعتبر أن ذلك يعد من مسؤوليات سلطة الإشراف.
وبين بن عياد في حديثه لـ"الصباح" أن الحلول لا يمكن أن تكون أحادية أو مسقطة وإنما عبر حوار وطني يشارك فيه المهنيون وسلطة الإشراف. وتطرق في نفس الحديث الذي حضره كل من نائبه معز بن زغدان وعضوي المكتب التنفيذي فتحي بن خليفة ومحمد رجايبية، إلى المقاربات التي يطرحها الاتحاد في الغرض والحلول الممكنة لأزمات السكر والحليب واللحوم الحمراء والبيضاء والأعلاف وضرورة تغيير استراتيجيات الإنتاج والتنمية.
وتحدث أيضا عن علاقة منظمته ببقية المنظمات الوطنية والمقترحات التي يرونها ضرورية لضمان تحقيق سيادة غذائية للدولة وغيرها من المسائل الأخرى في الحوار التالي:
حاورته: نزيهة الغضباني
*لننطلق من الحديث عن الوضع الحالي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بعد عام ونصف من انتخابه، هل يمكن الحديث عن استقرار داخل المنظمة؟
-صحيح أن منظمتنا مرت بمراحل صعبة ولكننا قمنا بالهيكلة القاعدية محليا وجهويا ومركزيا بعد تركيز كل المؤسسات والهياكل المحلية والجهوية والوطنية في إطار ديمقراطي بحت وذلك بعد نجاحنا في النأي بالمنظمة عن الانخراط في الصراعات أو الاصطفاف السياسي على نحو ما كان عليه الأمر في مراحل سابقة لا يمكن إنكارها وكانت له تداعيات سلبية علينا بعد أن اختار الرئيس السابق للاتحاد هذا الخط ورفض أغلب أبناء المنظمة ذلك الأمر الذي دفع إلى حدوث انقسام فمطالبته بضرورة التخلي والنأي بالمنظمة عن الصراعات السياسية.
* ولكن البعض يرى أن المكتب الحالي للاتحاد قد "سيّس" المنظمة ووضعها في "قلب اللعبة السياسية" من خلال الدعوة إلى المشاركة في الانتخابات المحلية، فبِمَ تفسر ذلك؟
-دعوتنا للمشاركة في الانتخابات يتنزل في سياق مساعينا لضمان الاستقرار للبلاد، لأننا نعتقد كمكتب تنفيذي أن المصلحة العليا تقتضي الدفع للخروج من المرحلة والوضعيات الصعبة للدولة والعبور إلى مرحلة أكثرا استقرارا بما يمهد لمناخ أفضل للإصلاح خاصة أن أزمتي "كوفيد 19" والحرب الروسية الأوكرانية كانت لهما تداعيات جد صعبة، وتستوجب على الجميع في بلادنا الاتعاظ من ذاك "الدرس" والمضي إلى البحث عن الحلول والبرامج الممكنة التي تعتمد بالأساس على التعويل على الذات لاسيما في ظل ما خلفه ذلك من تغيرات جيواستراتيجية تتزامن مع المعطيات والعوامل الطبيعية والمناخية المتمثلة بالأساس في شح المياه إقليما وما يمكن أن يخلفه ذلك من أزمة خلال العقود القادمة. ثم أننا سبق أن عملنا مع كل الحكومات المتعاقبة. لأنه في تقديرنا جميعا أن من يطالب بمقاطعة الحكومة أو سلطة الإشراف فهو مخطئ. لأن هناك تكاملا بين المهني الذي تمثله منظمتنا والإدارة التي تمثل سلطة الإشراف فلا يمكن أن يستقيم عمل أي جهة بمفردها. لذلك نحن نرفض الانخراط في الصراعات أو الاصطفاف السياسي ولكننا مستعدون للانخراط في السياسيات الفلاحية الهادفة. لذلك فنحن اليوم كلنا في نفس التوجه والمسار تقريبا بدءا من القواعد وصولا إلى اللجنة المركزية وقد تم التنصيص في القانون الداخلي على رفض الانتماء الحزبي وتسييس الاتحاد ومن يريد ممارسة السياسية والتحزب فلينسحب. وكفي أن أذكر في الإطار أننا بعد نصف سنة تقريبا تم تجميع عضوية أكثر من 35 عضوا لهذا السبب فالمنظمة مستقلة ولا يمكن انحيازها لأي طرف سياسي. فما يعني منظمتنا اليوم هو المسائل القطاعية التي لا يمكن التعاطي معها والعمل على حلها بمفردنا.
* ماذا تعني..؟
-ما أقصده صراحة هو أن حل الإشكاليات وطرح الحلول والمقاربات الخاصة بمختلف القطاعات والمجالات الفلاحية ليس شأنا يهم الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بمفرده أو وزارة الفلاحة والموارد المائية بمفردها وإنما هي مسألة مشتركة بالأساس بين هذه المنظمة وسلطة الإشراف باعتبارها الجهة الرسمية المسؤولة على وضع السياسات التنموية في الدولة.
*البعض يحمّل جانبا من مسؤولية تردي الأوضاع في الحقل الفلاحي بشكل عام إلى هذه المنظمة، أليس كذلك؟
-صحيح أن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يعنى بكل القطاعات الفلاحية، ولكنه منظمة مستقلة ليست مسؤولة على سياسات الدولة الفلاحية والتنموية خاصة أننا اليوم أصبحنا نتحدث عن الأمن الغذائي شأنه شأن الأمن القومي وأن ذلك يتنزل في خانة السيادة الوطنية. فالسلط الرسمية هي من تأخذ القرارات وتضعنا أمام الأمر الواقع كغيرنا من المواطنين رغم عدم رضانا عما تقدمه من حلول.
*هل تعني أن عدم تجاوب سلطة الإشراف مع المنظمة وعدم تشريكها في المسائل الفلاحية هو السبب في تفاقم الإشكاليات؟
-في تقديري الحكومات مهما كانت توجهاتها، لا يمكن أن تستغني عن المنظمات الوطنية والقطاعية. ولا أنكر أن هناك تجاوبا من قبل سلطة الإشراف ولكنه ليس بالشكل المطلوب والمنتظر لدى المهنيين والمواطن المستهلك على حد السواء. ولا أخفي إذا قلت أنه كثيرا ما تترك السلط الرسمية المعنية مقترحاتنا حول بعض المسائل والقطاعات التي كثيرا ما تكون عملية ونابعة من دراسات ورؤى وبرامج بإشراف خبراء ومختصين ومهنيين، وتلجأ إلى خيارات أخرى وبذلك لا تساهم في حل المشكل بل المساهمة في مراكمة مشاكله على غرار ما قدمناه في علاقة بالزياتين والصيد البحري والأعلاف فالحلول التي قد تسفر عنها الخيارات الرسمية المسقطة لا تتجاوز 20 % في حين أن الوضع يمكن أن يكون أفضل بكثير وعلى جميع المستويات.
* هل يمكن الحديث اليوم عن استراتجيات تنموية وفلاحية واضحة المعالم؟
-أعترف أن هناك إجماعا تقريبا داخل المكتب التنفيذي وفي أوساط المهنيين في مختلف القطاعات الفلاحية حول غياب إستراتيجية أو سياسة دولة تنموية واضحة في علاقة بالقطاعات الفلاحية. فبعد التوجه الاشتراكي في الستينات وفشل تجربة التعاضد والدخول في التوجه الليبرالي بقيادة الراحل الهادي نويرة ثم المرور إلى الخوصصة في التسعينات والاكتفاء بالمراهنة على التوريد لسد الحاجيات الاستهلاكية الفلاحية. وبقيت الجهات الرسمية حبيسة إدارة الطوارئ والخيارات الترقيعية الآنية التي تكرست بعد 2011 وتتواصل إلى غاية اليوم، لتبتعد بذلك عن الإدارة الاستشرافية ودون التفكير في وضع سياسات فلاحية طويلة المدى لاسيما في ظل تغير المعطيات والمؤشرات الطبيعية والمناخية أو مراعاة التغيرات الإقليمية والعالمية في المجال.
لذلك فبلادنا اليوم في حاجة إلى حلول جذرية وذلك لا يكون إلا في إطار سياسة شاملة ومدروسة بطريقة إستراتيجية معمقة بما يضمن حلولا جذرية وتحقيق السيادة الغذائية خاصة أن بلادنا فلاحية بامتياز.
*ما هي الحلول للخروج من هذا الوضع؟
-الحلول لا تكون فردية ومسقطة من الجهات الرسمية للأسباب التي ذكرتها آنفا، كما أننا غير قادرين بمفردنا على إيجاد حلول شاملة لأننا لا نملك سلطة القرار. بل من موقعنا يمكن أن نكون قوة لاقتراح وجزء من الحلول التي لا تكون إلا تشاركية أي بمشاركة كل الوزارات والهياكل والمنظمات القطاعية المعنية بما في ذلك وزارات الفلاحة والموارد المائية والتجارة وتنمية الصادرات والمالية والاقتصاد والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والاتحادات التونسية للفلاحة والصيد البحري والصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمعهد الوطني للإحصاء ومعهد التغذية وغيرها. لأن وضع برنامج أو سياسة تنموية تحدد الشروط والمعطيات المطلوبة في حاجيات الدولة للاستهلاك الوطني بناء على ما يضمن سلامة وصحة المستهلك ووضع منظومة تشريعية تشجع وتحفز على الاستثمار وتضمن حقوق المنتج والمصنع والمستهلك على حد السواء، تعد ضرورة ملحة.
ففي منظمتنا استأنسنا بخدمات ودراسات عديد الكفاءات نجحت خلال عام ونصف في وضع مقاربة وإستراتيجية متكاملة واضحة المعالم، وهي تفوق في أهدافها وأبعادها ما تقدمه الجهات الرسمية، ونحن نضعه على ذمة الجهات الرسمية لدراسته ومناقشته ولم لا يكون منطلقا لبرنامج إصلاحي رسمي. فالحل لا يكون إلا ضمن حوار وطني ووضع سياسة فلاحية تنموية قادرة على تحقيق السيادة الغذائية مسؤولية مشتركة مثلما النجاح مشترك والإخفاق مشترك أيضا.
* طرحت مسألة الحوار الوطني كحل للخروج من الوضع المتردي ولكنكم لم تكونوا طرفا في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، فما هو الحوار المقصود هنا؟
-نحن نتحدث عن حوار وطني يتعلق بسياسة الدولة التنموية في قطاعات الفلاحة باعتبار أن منظمتنا هي نقابية وطنية تنموية. في المقابل الجهات الرسمية المعنية وفي مقدمتها وزارة الفلاحة مطالبة اليوم بتشريك المنظمات والهياكل المعنية لوضع برامج حلول طويلة المدى وذات جدوى ومردودية للفلاح والمنتج والمستهلك والسوق المحلية، لأن الحلول الترقيعية عبر المراهنة على التوريد مثلا لسد النقص في اللحوم الحمراء في بعض المناسبات أو الحليب والأعلاف واللحوم البيضاء والأسماك دون وضع برامج طويلة المدى تجنب المالية العمومية تكاليف مرتفعة. ولكننا لسنا ضد تشريك أي منظمة أو جهة في مناقشة وطرح ومعالجة الملفات الحارقة اقتصادية كانت أم اجتماعية. لأننا نعتبر أن المرحلة تتطلب حوارا استراتيجيا يتمحور حول مستقبل الفلاحة وقد قدمنا مقترحات لسلطة الإشراف في ذلك ولكن في ظل تغييب البحث العلمي الفلاحي ودراسات إستراتيجية وإرشاد موجه لا يمكن تغيير الوضع.
*كيف هي علاقة الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بالمنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف؟
-في الحقيقة علاقة منظمتنا مع الاتحاد العام التونسي للشغل تحددها تقاطعات في مسائل معينة كما هو الشأن بالنسبة لعلاقة منظمتنا بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الذي تجمعنا معه شراكات مهنية أكثر من بقية المنظمات والهياكل ولكن ليس هناك تنسيق بين هذه المنظمات وأعتقد أن ذلك يرجع إلى غياب الوعي الوطني.
*ما هو موقفكم من المنظمة الشغيلة وما تمر به من وضع اليوم؟
-في تقديري ما يحدث داخل الاتحاد اليوم من انقسام حول الفصل 20 أو غيرها من الأسباب هو شأن داخلي بالأساس ولا يمكن فهمه أو حله إلا داخل هذه المنظمة العريقة.
*لنعد للحديث عن الإشكاليات القطاعية، هل تعتبر في خيار رئيس الجمهورية بعث ديوان وطني للأعلاف كفيل بحل أزمة الأعلاف والاحتكار والفساد السائد في المجال؟
-أتمنى أن يساهم هذا الهيكل الجديد في تلافي أو القضاء على جانب من المشاكل المسجلة في الأعلاف نظرا لتداعيات ذلك على عدة قطاعات ومجالات إنتاج فلاحية أخرى على غرار القطيع الحيواني وتربية الماشية واللحوم الحمراء والبيضاء والحليب والألبان وغيرها من مسالك الإنتاج والاستهلاك المترابطة بالمسألة.
لأن الحل اليوم في العمل على تنمية الموارد العلفية في ظل العجز الهيكلي بعد أن تم التخلي منذ سنوات على ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى. فالأمن الغذائي للمستهلك يتطلب أمنا غذائيا موازيا للقطيع وذلك لا يكون إلا عبر التشجيع على الاستثمار في المجال بما في ذلك الأعلاف الخشنة والخضراء وغيرها وذلك وفق برنامج وطني متكامل. وسلطة الإشراف هي المسؤولة عن ذلك وفق مخططات إستراتيجية خاصة أن الجميع يعلم أن الأمطار في ناقص في تونس كما في العالم فيمكن وضع مخططات بديلة فيها مراهنة على إنتاج محدد حسب نوعية الإنتاج الحيواني.
فالاتحاد مستعد للدخول في أي برنامج أو مشروع في الغرض للدفع لإنجاحه من خلال المشاركة في دراسته ووضع البرامج الهادفة خاصة أنه لنا كفاءات وخبرات ودراسات عديدة في المجال.
* ولكن البعض يعتبر أن تفشي الفساد والاحتكار من العوامل التي حالت دون وجود أي مشروع إصلاحي في الغرض ما هو رأيك في ذلك؟
-الجهات الرسمية والمختصين يعرفون من هي الأطراف أو الأفراد المتحكمة في مجال الأعلاف وبالإمكان وضع حد لذلك. ولكن أن يتم الاكتفاء بتفسير الوضع بكون ذلك يعود إلى ظاهرة الفساد والاحتكار فهي مبررات خاطئة تفسر الإخفاق الافتقاد إلى نظرة استشرافية. لأن الحلول ممكنة.
* متى يمكن الحديث عن خارطة فلاحية في تونس؟
-يظل هذا المطلب عالقا منذ 2018 ونحن نطالب الجهات الرسمية بضرورة وضع خارطة فلاحية بما من شانه أن يساهم في تحديد المناطق الملائمة حسب خصوصية كل جهة في الإنتاج الفلاحي وتكون وفق مقاييس علمية لأنه من خلالها يمكن تثمين انتاجات والتخلي عن أخرى لاسيما في ظل شح المياه. لأننا ندعو إلى ضرورة التخلي أو مراجعة المساحات المخصصة لبعض الأنواع من المنتوجات الفلاحية التي تتطلب كميات كبيرة من المياه مقابل التوجه إلى أخرى. وذلك لا يكون ذا جدوى ونجاعة وفعالية إلا عبر الدراسات المتكاملة. فالسياسة موجهة بالأساس للتوريد ولكن يجب مراجعة ذلك.
* كررت في حديثك عديد المرات مسألة الاستثمار والدعم المالي للفلاحين ما ذا تعني؟
-في تقديرينا جميعا نحن اليوم في حاجة إلى بعث صندوق أو أي هيكل يكون في شكل خط تمويل لدعم الاستثمار في القطاعات الفلاحية تكون باعتمادات تفاضلية تشجع على الاستثمار في المجالات المختلفة لأن الفلاح والمهني اليوم يجد صعوبة كبيرة في البحث عن مصادر تمويل أو الحصول على قروض في ظل غياب مؤسسة مالية مخصصة للغرض. فبلادنا تستورد في العام القادم ما قيمته 100 % من الحبوب ولكن لم يتم تحريك ساكن في الغرض إلى اليوم كما هو الشأن بالنسبة للحليب باعتبار أن التفريط في القطيع لا يزال متواصلا.
*قطاع السماك والصيد البحري لا يختلف وضعه عن بقية القطاعات الفلاحية، خاصة أن المخزون مهدد بالاندثار،فما هي مقاربتكم لتدارك ذلك؟
-صحيح أزمة فقدان المخزون السمكي يهدد تونس وهناك شبه تصحر في خليج قابس وهناك مخاطر في الغرض في عدة نقاط أخرى وجدب والتصدي لعملية الاستنزاف والصيد العشوائي وغير القانوني وذلك عبر تفعيل آليات الرقابة في ظل التقنيات العصرية المعتمدة. فهناك أكثر من 14300 وحدة صيد وهو ما يفوق متطلبات القطاع فضلا عن أعداد أخرى تعمل خارج القانون.
- نعم هناك تجاوب من سلطة الإشراف لكنه دون المطلوب
-غياب التواصل والتنسيق بين المنظمات الكبرى يرجع لنقص الوعي الوطني.. وما يحدث في اتحاد الشغل شان داخلي
تونس – الصباح
حمّل نورالدين بن عياد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري مسؤولية تردي الوضع في المجالات الفلاحية إلى غياب إستراتيجية وسياسة فلاحية تنموية متكاملة واعتبر أن ذلك يعد من مسؤوليات سلطة الإشراف.
وبين بن عياد في حديثه لـ"الصباح" أن الحلول لا يمكن أن تكون أحادية أو مسقطة وإنما عبر حوار وطني يشارك فيه المهنيون وسلطة الإشراف. وتطرق في نفس الحديث الذي حضره كل من نائبه معز بن زغدان وعضوي المكتب التنفيذي فتحي بن خليفة ومحمد رجايبية، إلى المقاربات التي يطرحها الاتحاد في الغرض والحلول الممكنة لأزمات السكر والحليب واللحوم الحمراء والبيضاء والأعلاف وضرورة تغيير استراتيجيات الإنتاج والتنمية.
وتحدث أيضا عن علاقة منظمته ببقية المنظمات الوطنية والمقترحات التي يرونها ضرورية لضمان تحقيق سيادة غذائية للدولة وغيرها من المسائل الأخرى في الحوار التالي:
حاورته: نزيهة الغضباني
*لننطلق من الحديث عن الوضع الحالي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بعد عام ونصف من انتخابه، هل يمكن الحديث عن استقرار داخل المنظمة؟
-صحيح أن منظمتنا مرت بمراحل صعبة ولكننا قمنا بالهيكلة القاعدية محليا وجهويا ومركزيا بعد تركيز كل المؤسسات والهياكل المحلية والجهوية والوطنية في إطار ديمقراطي بحت وذلك بعد نجاحنا في النأي بالمنظمة عن الانخراط في الصراعات أو الاصطفاف السياسي على نحو ما كان عليه الأمر في مراحل سابقة لا يمكن إنكارها وكانت له تداعيات سلبية علينا بعد أن اختار الرئيس السابق للاتحاد هذا الخط ورفض أغلب أبناء المنظمة ذلك الأمر الذي دفع إلى حدوث انقسام فمطالبته بضرورة التخلي والنأي بالمنظمة عن الصراعات السياسية.
* ولكن البعض يرى أن المكتب الحالي للاتحاد قد "سيّس" المنظمة ووضعها في "قلب اللعبة السياسية" من خلال الدعوة إلى المشاركة في الانتخابات المحلية، فبِمَ تفسر ذلك؟
-دعوتنا للمشاركة في الانتخابات يتنزل في سياق مساعينا لضمان الاستقرار للبلاد، لأننا نعتقد كمكتب تنفيذي أن المصلحة العليا تقتضي الدفع للخروج من المرحلة والوضعيات الصعبة للدولة والعبور إلى مرحلة أكثرا استقرارا بما يمهد لمناخ أفضل للإصلاح خاصة أن أزمتي "كوفيد 19" والحرب الروسية الأوكرانية كانت لهما تداعيات جد صعبة، وتستوجب على الجميع في بلادنا الاتعاظ من ذاك "الدرس" والمضي إلى البحث عن الحلول والبرامج الممكنة التي تعتمد بالأساس على التعويل على الذات لاسيما في ظل ما خلفه ذلك من تغيرات جيواستراتيجية تتزامن مع المعطيات والعوامل الطبيعية والمناخية المتمثلة بالأساس في شح المياه إقليما وما يمكن أن يخلفه ذلك من أزمة خلال العقود القادمة. ثم أننا سبق أن عملنا مع كل الحكومات المتعاقبة. لأنه في تقديرنا جميعا أن من يطالب بمقاطعة الحكومة أو سلطة الإشراف فهو مخطئ. لأن هناك تكاملا بين المهني الذي تمثله منظمتنا والإدارة التي تمثل سلطة الإشراف فلا يمكن أن يستقيم عمل أي جهة بمفردها. لذلك نحن نرفض الانخراط في الصراعات أو الاصطفاف السياسي ولكننا مستعدون للانخراط في السياسيات الفلاحية الهادفة. لذلك فنحن اليوم كلنا في نفس التوجه والمسار تقريبا بدءا من القواعد وصولا إلى اللجنة المركزية وقد تم التنصيص في القانون الداخلي على رفض الانتماء الحزبي وتسييس الاتحاد ومن يريد ممارسة السياسية والتحزب فلينسحب. وكفي أن أذكر في الإطار أننا بعد نصف سنة تقريبا تم تجميع عضوية أكثر من 35 عضوا لهذا السبب فالمنظمة مستقلة ولا يمكن انحيازها لأي طرف سياسي. فما يعني منظمتنا اليوم هو المسائل القطاعية التي لا يمكن التعاطي معها والعمل على حلها بمفردنا.
* ماذا تعني..؟
-ما أقصده صراحة هو أن حل الإشكاليات وطرح الحلول والمقاربات الخاصة بمختلف القطاعات والمجالات الفلاحية ليس شأنا يهم الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بمفرده أو وزارة الفلاحة والموارد المائية بمفردها وإنما هي مسألة مشتركة بالأساس بين هذه المنظمة وسلطة الإشراف باعتبارها الجهة الرسمية المسؤولة على وضع السياسات التنموية في الدولة.
*البعض يحمّل جانبا من مسؤولية تردي الأوضاع في الحقل الفلاحي بشكل عام إلى هذه المنظمة، أليس كذلك؟
-صحيح أن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يعنى بكل القطاعات الفلاحية، ولكنه منظمة مستقلة ليست مسؤولة على سياسات الدولة الفلاحية والتنموية خاصة أننا اليوم أصبحنا نتحدث عن الأمن الغذائي شأنه شأن الأمن القومي وأن ذلك يتنزل في خانة السيادة الوطنية. فالسلط الرسمية هي من تأخذ القرارات وتضعنا أمام الأمر الواقع كغيرنا من المواطنين رغم عدم رضانا عما تقدمه من حلول.
*هل تعني أن عدم تجاوب سلطة الإشراف مع المنظمة وعدم تشريكها في المسائل الفلاحية هو السبب في تفاقم الإشكاليات؟
-في تقديري الحكومات مهما كانت توجهاتها، لا يمكن أن تستغني عن المنظمات الوطنية والقطاعية. ولا أنكر أن هناك تجاوبا من قبل سلطة الإشراف ولكنه ليس بالشكل المطلوب والمنتظر لدى المهنيين والمواطن المستهلك على حد السواء. ولا أخفي إذا قلت أنه كثيرا ما تترك السلط الرسمية المعنية مقترحاتنا حول بعض المسائل والقطاعات التي كثيرا ما تكون عملية ونابعة من دراسات ورؤى وبرامج بإشراف خبراء ومختصين ومهنيين، وتلجأ إلى خيارات أخرى وبذلك لا تساهم في حل المشكل بل المساهمة في مراكمة مشاكله على غرار ما قدمناه في علاقة بالزياتين والصيد البحري والأعلاف فالحلول التي قد تسفر عنها الخيارات الرسمية المسقطة لا تتجاوز 20 % في حين أن الوضع يمكن أن يكون أفضل بكثير وعلى جميع المستويات.
* هل يمكن الحديث اليوم عن استراتجيات تنموية وفلاحية واضحة المعالم؟
-أعترف أن هناك إجماعا تقريبا داخل المكتب التنفيذي وفي أوساط المهنيين في مختلف القطاعات الفلاحية حول غياب إستراتيجية أو سياسة دولة تنموية واضحة في علاقة بالقطاعات الفلاحية. فبعد التوجه الاشتراكي في الستينات وفشل تجربة التعاضد والدخول في التوجه الليبرالي بقيادة الراحل الهادي نويرة ثم المرور إلى الخوصصة في التسعينات والاكتفاء بالمراهنة على التوريد لسد الحاجيات الاستهلاكية الفلاحية. وبقيت الجهات الرسمية حبيسة إدارة الطوارئ والخيارات الترقيعية الآنية التي تكرست بعد 2011 وتتواصل إلى غاية اليوم، لتبتعد بذلك عن الإدارة الاستشرافية ودون التفكير في وضع سياسات فلاحية طويلة المدى لاسيما في ظل تغير المعطيات والمؤشرات الطبيعية والمناخية أو مراعاة التغيرات الإقليمية والعالمية في المجال.
لذلك فبلادنا اليوم في حاجة إلى حلول جذرية وذلك لا يكون إلا في إطار سياسة شاملة ومدروسة بطريقة إستراتيجية معمقة بما يضمن حلولا جذرية وتحقيق السيادة الغذائية خاصة أن بلادنا فلاحية بامتياز.
*ما هي الحلول للخروج من هذا الوضع؟
-الحلول لا تكون فردية ومسقطة من الجهات الرسمية للأسباب التي ذكرتها آنفا، كما أننا غير قادرين بمفردنا على إيجاد حلول شاملة لأننا لا نملك سلطة القرار. بل من موقعنا يمكن أن نكون قوة لاقتراح وجزء من الحلول التي لا تكون إلا تشاركية أي بمشاركة كل الوزارات والهياكل والمنظمات القطاعية المعنية بما في ذلك وزارات الفلاحة والموارد المائية والتجارة وتنمية الصادرات والمالية والاقتصاد والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والاتحادات التونسية للفلاحة والصيد البحري والصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمعهد الوطني للإحصاء ومعهد التغذية وغيرها. لأن وضع برنامج أو سياسة تنموية تحدد الشروط والمعطيات المطلوبة في حاجيات الدولة للاستهلاك الوطني بناء على ما يضمن سلامة وصحة المستهلك ووضع منظومة تشريعية تشجع وتحفز على الاستثمار وتضمن حقوق المنتج والمصنع والمستهلك على حد السواء، تعد ضرورة ملحة.
ففي منظمتنا استأنسنا بخدمات ودراسات عديد الكفاءات نجحت خلال عام ونصف في وضع مقاربة وإستراتيجية متكاملة واضحة المعالم، وهي تفوق في أهدافها وأبعادها ما تقدمه الجهات الرسمية، ونحن نضعه على ذمة الجهات الرسمية لدراسته ومناقشته ولم لا يكون منطلقا لبرنامج إصلاحي رسمي. فالحل لا يكون إلا ضمن حوار وطني ووضع سياسة فلاحية تنموية قادرة على تحقيق السيادة الغذائية مسؤولية مشتركة مثلما النجاح مشترك والإخفاق مشترك أيضا.
* طرحت مسألة الحوار الوطني كحل للخروج من الوضع المتردي ولكنكم لم تكونوا طرفا في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، فما هو الحوار المقصود هنا؟
-نحن نتحدث عن حوار وطني يتعلق بسياسة الدولة التنموية في قطاعات الفلاحة باعتبار أن منظمتنا هي نقابية وطنية تنموية. في المقابل الجهات الرسمية المعنية وفي مقدمتها وزارة الفلاحة مطالبة اليوم بتشريك المنظمات والهياكل المعنية لوضع برامج حلول طويلة المدى وذات جدوى ومردودية للفلاح والمنتج والمستهلك والسوق المحلية، لأن الحلول الترقيعية عبر المراهنة على التوريد مثلا لسد النقص في اللحوم الحمراء في بعض المناسبات أو الحليب والأعلاف واللحوم البيضاء والأسماك دون وضع برامج طويلة المدى تجنب المالية العمومية تكاليف مرتفعة. ولكننا لسنا ضد تشريك أي منظمة أو جهة في مناقشة وطرح ومعالجة الملفات الحارقة اقتصادية كانت أم اجتماعية. لأننا نعتبر أن المرحلة تتطلب حوارا استراتيجيا يتمحور حول مستقبل الفلاحة وقد قدمنا مقترحات لسلطة الإشراف في ذلك ولكن في ظل تغييب البحث العلمي الفلاحي ودراسات إستراتيجية وإرشاد موجه لا يمكن تغيير الوضع.
*كيف هي علاقة الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بالمنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف؟
-في الحقيقة علاقة منظمتنا مع الاتحاد العام التونسي للشغل تحددها تقاطعات في مسائل معينة كما هو الشأن بالنسبة لعلاقة منظمتنا بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الذي تجمعنا معه شراكات مهنية أكثر من بقية المنظمات والهياكل ولكن ليس هناك تنسيق بين هذه المنظمات وأعتقد أن ذلك يرجع إلى غياب الوعي الوطني.
*ما هو موقفكم من المنظمة الشغيلة وما تمر به من وضع اليوم؟
-في تقديري ما يحدث داخل الاتحاد اليوم من انقسام حول الفصل 20 أو غيرها من الأسباب هو شأن داخلي بالأساس ولا يمكن فهمه أو حله إلا داخل هذه المنظمة العريقة.
*لنعد للحديث عن الإشكاليات القطاعية، هل تعتبر في خيار رئيس الجمهورية بعث ديوان وطني للأعلاف كفيل بحل أزمة الأعلاف والاحتكار والفساد السائد في المجال؟
-أتمنى أن يساهم هذا الهيكل الجديد في تلافي أو القضاء على جانب من المشاكل المسجلة في الأعلاف نظرا لتداعيات ذلك على عدة قطاعات ومجالات إنتاج فلاحية أخرى على غرار القطيع الحيواني وتربية الماشية واللحوم الحمراء والبيضاء والحليب والألبان وغيرها من مسالك الإنتاج والاستهلاك المترابطة بالمسألة.
لأن الحل اليوم في العمل على تنمية الموارد العلفية في ظل العجز الهيكلي بعد أن تم التخلي منذ سنوات على ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى. فالأمن الغذائي للمستهلك يتطلب أمنا غذائيا موازيا للقطيع وذلك لا يكون إلا عبر التشجيع على الاستثمار في المجال بما في ذلك الأعلاف الخشنة والخضراء وغيرها وذلك وفق برنامج وطني متكامل. وسلطة الإشراف هي المسؤولة عن ذلك وفق مخططات إستراتيجية خاصة أن الجميع يعلم أن الأمطار في ناقص في تونس كما في العالم فيمكن وضع مخططات بديلة فيها مراهنة على إنتاج محدد حسب نوعية الإنتاج الحيواني.
فالاتحاد مستعد للدخول في أي برنامج أو مشروع في الغرض للدفع لإنجاحه من خلال المشاركة في دراسته ووضع البرامج الهادفة خاصة أنه لنا كفاءات وخبرات ودراسات عديدة في المجال.
* ولكن البعض يعتبر أن تفشي الفساد والاحتكار من العوامل التي حالت دون وجود أي مشروع إصلاحي في الغرض ما هو رأيك في ذلك؟
-الجهات الرسمية والمختصين يعرفون من هي الأطراف أو الأفراد المتحكمة في مجال الأعلاف وبالإمكان وضع حد لذلك. ولكن أن يتم الاكتفاء بتفسير الوضع بكون ذلك يعود إلى ظاهرة الفساد والاحتكار فهي مبررات خاطئة تفسر الإخفاق الافتقاد إلى نظرة استشرافية. لأن الحلول ممكنة.
* متى يمكن الحديث عن خارطة فلاحية في تونس؟
-يظل هذا المطلب عالقا منذ 2018 ونحن نطالب الجهات الرسمية بضرورة وضع خارطة فلاحية بما من شانه أن يساهم في تحديد المناطق الملائمة حسب خصوصية كل جهة في الإنتاج الفلاحي وتكون وفق مقاييس علمية لأنه من خلالها يمكن تثمين انتاجات والتخلي عن أخرى لاسيما في ظل شح المياه. لأننا ندعو إلى ضرورة التخلي أو مراجعة المساحات المخصصة لبعض الأنواع من المنتوجات الفلاحية التي تتطلب كميات كبيرة من المياه مقابل التوجه إلى أخرى. وذلك لا يكون ذا جدوى ونجاعة وفعالية إلا عبر الدراسات المتكاملة. فالسياسة موجهة بالأساس للتوريد ولكن يجب مراجعة ذلك.
* كررت في حديثك عديد المرات مسألة الاستثمار والدعم المالي للفلاحين ما ذا تعني؟
-في تقديرينا جميعا نحن اليوم في حاجة إلى بعث صندوق أو أي هيكل يكون في شكل خط تمويل لدعم الاستثمار في القطاعات الفلاحية تكون باعتمادات تفاضلية تشجع على الاستثمار في المجالات المختلفة لأن الفلاح والمهني اليوم يجد صعوبة كبيرة في البحث عن مصادر تمويل أو الحصول على قروض في ظل غياب مؤسسة مالية مخصصة للغرض. فبلادنا تستورد في العام القادم ما قيمته 100 % من الحبوب ولكن لم يتم تحريك ساكن في الغرض إلى اليوم كما هو الشأن بالنسبة للحليب باعتبار أن التفريط في القطيع لا يزال متواصلا.
*قطاع السماك والصيد البحري لا يختلف وضعه عن بقية القطاعات الفلاحية، خاصة أن المخزون مهدد بالاندثار،فما هي مقاربتكم لتدارك ذلك؟
-صحيح أزمة فقدان المخزون السمكي يهدد تونس وهناك شبه تصحر في خليج قابس وهناك مخاطر في الغرض في عدة نقاط أخرى وجدب والتصدي لعملية الاستنزاف والصيد العشوائي وغير القانوني وذلك عبر تفعيل آليات الرقابة في ظل التقنيات العصرية المعتمدة. فهناك أكثر من 14300 وحدة صيد وهو ما يفوق متطلبات القطاع فضلا عن أعداد أخرى تعمل خارج القانون.