إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الرئيس الاندونيسي جوكوي وقراءة في مسار تنمية بديلة

 

 

تجربة جوكوي تنطلق من رؤية تعتبر ان التنمية الحقيقية يجب أن تقوم على الأخلاق والقيم الإنسانية

 بقلم:هشام الحاجي(*)

ترتبط تونس إندونيسيا بجسور من الود المتصل التي تتغذى من النهل من معين ثقافة مشاركة عمادها الانتماء للدين الإسلامي ومن مواقف ثابتة عبر عنها الزعيم أحمد سوكارنو في دعم نضال الشعب التونسي ضد الاستعمار الفرنسي وهو ما فتح الباب أمام علاقات ودية انطلقت رسميا باستقبال الرئيس الحبيب بورقيبة للزعيم أحمد سوكارنو في تونس مطلع ستينيات القرن الماضي. ولا شك أن الراغب في الحديث عن مسار تطور العلاقات بين تونس واندونيسيا لا يمكنه أن لا يتوقف عند الدور الفاعل الذي يلعبه سفير جمهورية إندونيسيا الحالي السيد زهيري مصراوي في هذا المجال. ذلك أنه يتحرك على المستويين الرسمي والشعبي تحركا دؤوبا عكس من يرى في المنصب فرصة للتمتع بالراحة الامتيازات وعيش فترة في مجتمع آخر والاكتفاء بالحد الادنى من المجهود في ما يتعلق بالمهام الموكولة له كسفير يحمي ويطور مصالح دولته في بلد الاعتماد. السفير مصراوي تحدى المسافات وزاد في حضور إندونيسيا وشعبها في معيش ووجدان الشعب التونسي . وإذا كان المجال يحول دون استعراض جوانب من نشاطه وتحركاته فإنه بالإمكان التوقف عند الكتاب الصادر مؤخرا عن " دار مسكلياني للنشر" والحامل لعنوان " جوكوي يحقق أحلام إندونيسيا..التنمية القائمة على الأخلاق والقيم الإنسانية " . الكتاب ترجم من اللغة الإندونيسية وهذا يمثل سببا إضافيا من أسباب الاحتفاء به لأنه خطوة أخرى على درب التفاعل الثقافي والإنساني مع تجربة تثير اهتمام العالم بوصفها نموذجا وتجربة رائدة في التنمية والتطور. وهناك سببان آخران يقفان وراء الرغبة في الحديث، ولو بعجالة وبشيء من الاقتضاب عن هذا الكتاب. يتمثل السبب الأول في أنه يعرف بتجربة ومسار الرئيس جوكو ويدودو الذي ينظر له الكثير من المتابعين للتجربة الإندونيسية كمجدد وملهم لا يقل دوره عن دور الزعيم أحمد سوكارنو خاصة و أنه قد أعاد إحياء رؤية سوكارنو وطورها . قد يرى البعض أن في التركيز على شخص وقوعا في فخ تضخيم دور الأفراد وتقليلا من دور الجماعات والشعوب . ولكن أصحاب هذا الاعتراض غالبا ما يتناسون ان اهم منعرجات التاريخ قد طبعت ببصمات أفراد وانه لا يمكن التوقف عند تاريخ الشعوب دون الإحالة إلى التأثير الحاسم لبعض الشخصيات. ويكفي القيام ببحث سريع ، عبر محركات البحث، للتأكد من ان دارسي التجربة الإندونيسية يتفقون حول أهمية ما يقوم به الرئيس جوكو ويدودو . السبب الثاني يتمثل في أن تجربة الرئيس جوكوي تنطلق من رؤية تعتبر ان التنمية الحقيقية يجب أن تقوم على الأخلاق والقيم الإنسانية. هذا يحيلنا إلى عمق التنمية المستدامة التي تقوم على إعلاء شأن الإنسان واحترام الطبيعة وتجنب كل أشكال الاستغلال والاستنزاف للموارد البشرية والطبيعية . وهذا يعني أن التجربة الإندونيسية يمكن ان تقدم لنا ادوات وعناصر استفادة خاصة ونحن بصدد البحث عن نمط تنمية بديل يقطع مع الأنماط التي وقع اعتمادها والتي كانت في جوهرها استنساخا للنموذج التنموي الأوروبي الذي لا تهمه الا الأرقام ولا تقوده الا الرغبة في التراكم .

ويمتاز كتاب " جوكوي يحقق أحلام إندونيسيا...التنمية القائمة على الأخلاق والقيم الإنسانية " إلى جانب الإتقان من حيث الشكل وأيضا ضخامة الحجم ( 580 صفحة من الحجم الكبير) بسلاسة الأسلوب وهو ما يعكس تحكما في مستوى الترجمة وهو ما يجعل القارئ يقدم على قراءة الكتاب بنهم لأنه ينقله إلى مناخات إندونيسيا الطبيعية والثقافية وإلى كواليس حياتها السياسية والاقتصادية. في هذه المناخات والكواليس نشأ الرئيس جوكو ويدودو وتشكل وعيه السياسي . ذلك أن جوكوي راقب كواليس الحياة السياسية في إندونيسيا وأدرك الحاجة إلى مقاربة جديدة وكانت جمعية صناعة الأثاث والحرف اليدوية الإندونيسية الأداة التي طورت الصفات القيادية لديه ومكنته من شبكة تأثير هامة في المجتمع الإندونيسي. ويتوقف الكتاب ايضا عند تعالي جوكو ويدودو على سخرية المعارضين له وكيف فضل ان يجيبهم بالإنجازات خاصة وأنه قد وضع من مواجهة الفقر مهمته الرئيسية. ويشير الكاتب إلى أن نجاح الرئيس جوكو ويدودو يعود إلى أنه تبنى فكرة " استخدام عدسة تفاؤلية وايجابية " من خلال النظر إلى المشاكل كتحديات وفرص واعتبار الاساءة اللفظية علاجا لتحسين الأداء وانه من الأفضل تقبل الآخرين بدلا من السقوط في فخ العنف وان دور رئيس الدولة يفرض ايجاد حلول للمشاكل عوض البحث عن أخطاء الآخرين. أدرك جوكو ويدودو، وهو سابع رئيس دولة في تاريخ إندونيسيا المستقلة، أن احترام من سبقه مهم لان كل واحد منهم حقق إنجازات ولم تغب السلبيات في ممارسته وانه من الأفضل العمل لتطوير الإيجابيات وتجاوز السلبيات بالعمل .

وصفة النجاح التي يقدمها جوكوي تقوم على مقاومة الفقر والاجحاف بالعمل وبدعم مشاعر الانتماء والتضامن وتطوير البنية التحتية ودعم التجارة والمشاريع الكبرى وأيضا المبادرة الخاصة والمراهنة على القطاعات الجاذبة كالسياحة دون التغاضي عن الفلاحة . كتاب " جوكوي يحقق أحلام إندونيسيا " هو رحلة في مسيرة شعب شقيق على طريق التنمية والإنجاز، رحلة مشوقة ومثيرة للإعجاب وهو ما يجعل من قراءة هذا الكتاب أمرا ضروريا لكل من يبحث عن مقارنة التجارب وعلى الخروج من سجن التمركز حول الذات وحول التجربة الأوروبية بطريقة إيجابية تعوض التشنج اللفظي بالعمل الهادف .

*إعلامي وبرلماني سابق

 

الرئيس الاندونيسي جوكوي وقراءة في مسار تنمية بديلة

 

 

تجربة جوكوي تنطلق من رؤية تعتبر ان التنمية الحقيقية يجب أن تقوم على الأخلاق والقيم الإنسانية

 بقلم:هشام الحاجي(*)

ترتبط تونس إندونيسيا بجسور من الود المتصل التي تتغذى من النهل من معين ثقافة مشاركة عمادها الانتماء للدين الإسلامي ومن مواقف ثابتة عبر عنها الزعيم أحمد سوكارنو في دعم نضال الشعب التونسي ضد الاستعمار الفرنسي وهو ما فتح الباب أمام علاقات ودية انطلقت رسميا باستقبال الرئيس الحبيب بورقيبة للزعيم أحمد سوكارنو في تونس مطلع ستينيات القرن الماضي. ولا شك أن الراغب في الحديث عن مسار تطور العلاقات بين تونس واندونيسيا لا يمكنه أن لا يتوقف عند الدور الفاعل الذي يلعبه سفير جمهورية إندونيسيا الحالي السيد زهيري مصراوي في هذا المجال. ذلك أنه يتحرك على المستويين الرسمي والشعبي تحركا دؤوبا عكس من يرى في المنصب فرصة للتمتع بالراحة الامتيازات وعيش فترة في مجتمع آخر والاكتفاء بالحد الادنى من المجهود في ما يتعلق بالمهام الموكولة له كسفير يحمي ويطور مصالح دولته في بلد الاعتماد. السفير مصراوي تحدى المسافات وزاد في حضور إندونيسيا وشعبها في معيش ووجدان الشعب التونسي . وإذا كان المجال يحول دون استعراض جوانب من نشاطه وتحركاته فإنه بالإمكان التوقف عند الكتاب الصادر مؤخرا عن " دار مسكلياني للنشر" والحامل لعنوان " جوكوي يحقق أحلام إندونيسيا..التنمية القائمة على الأخلاق والقيم الإنسانية " . الكتاب ترجم من اللغة الإندونيسية وهذا يمثل سببا إضافيا من أسباب الاحتفاء به لأنه خطوة أخرى على درب التفاعل الثقافي والإنساني مع تجربة تثير اهتمام العالم بوصفها نموذجا وتجربة رائدة في التنمية والتطور. وهناك سببان آخران يقفان وراء الرغبة في الحديث، ولو بعجالة وبشيء من الاقتضاب عن هذا الكتاب. يتمثل السبب الأول في أنه يعرف بتجربة ومسار الرئيس جوكو ويدودو الذي ينظر له الكثير من المتابعين للتجربة الإندونيسية كمجدد وملهم لا يقل دوره عن دور الزعيم أحمد سوكارنو خاصة و أنه قد أعاد إحياء رؤية سوكارنو وطورها . قد يرى البعض أن في التركيز على شخص وقوعا في فخ تضخيم دور الأفراد وتقليلا من دور الجماعات والشعوب . ولكن أصحاب هذا الاعتراض غالبا ما يتناسون ان اهم منعرجات التاريخ قد طبعت ببصمات أفراد وانه لا يمكن التوقف عند تاريخ الشعوب دون الإحالة إلى التأثير الحاسم لبعض الشخصيات. ويكفي القيام ببحث سريع ، عبر محركات البحث، للتأكد من ان دارسي التجربة الإندونيسية يتفقون حول أهمية ما يقوم به الرئيس جوكو ويدودو . السبب الثاني يتمثل في أن تجربة الرئيس جوكوي تنطلق من رؤية تعتبر ان التنمية الحقيقية يجب أن تقوم على الأخلاق والقيم الإنسانية. هذا يحيلنا إلى عمق التنمية المستدامة التي تقوم على إعلاء شأن الإنسان واحترام الطبيعة وتجنب كل أشكال الاستغلال والاستنزاف للموارد البشرية والطبيعية . وهذا يعني أن التجربة الإندونيسية يمكن ان تقدم لنا ادوات وعناصر استفادة خاصة ونحن بصدد البحث عن نمط تنمية بديل يقطع مع الأنماط التي وقع اعتمادها والتي كانت في جوهرها استنساخا للنموذج التنموي الأوروبي الذي لا تهمه الا الأرقام ولا تقوده الا الرغبة في التراكم .

ويمتاز كتاب " جوكوي يحقق أحلام إندونيسيا...التنمية القائمة على الأخلاق والقيم الإنسانية " إلى جانب الإتقان من حيث الشكل وأيضا ضخامة الحجم ( 580 صفحة من الحجم الكبير) بسلاسة الأسلوب وهو ما يعكس تحكما في مستوى الترجمة وهو ما يجعل القارئ يقدم على قراءة الكتاب بنهم لأنه ينقله إلى مناخات إندونيسيا الطبيعية والثقافية وإلى كواليس حياتها السياسية والاقتصادية. في هذه المناخات والكواليس نشأ الرئيس جوكو ويدودو وتشكل وعيه السياسي . ذلك أن جوكوي راقب كواليس الحياة السياسية في إندونيسيا وأدرك الحاجة إلى مقاربة جديدة وكانت جمعية صناعة الأثاث والحرف اليدوية الإندونيسية الأداة التي طورت الصفات القيادية لديه ومكنته من شبكة تأثير هامة في المجتمع الإندونيسي. ويتوقف الكتاب ايضا عند تعالي جوكو ويدودو على سخرية المعارضين له وكيف فضل ان يجيبهم بالإنجازات خاصة وأنه قد وضع من مواجهة الفقر مهمته الرئيسية. ويشير الكاتب إلى أن نجاح الرئيس جوكو ويدودو يعود إلى أنه تبنى فكرة " استخدام عدسة تفاؤلية وايجابية " من خلال النظر إلى المشاكل كتحديات وفرص واعتبار الاساءة اللفظية علاجا لتحسين الأداء وانه من الأفضل تقبل الآخرين بدلا من السقوط في فخ العنف وان دور رئيس الدولة يفرض ايجاد حلول للمشاكل عوض البحث عن أخطاء الآخرين. أدرك جوكو ويدودو، وهو سابع رئيس دولة في تاريخ إندونيسيا المستقلة، أن احترام من سبقه مهم لان كل واحد منهم حقق إنجازات ولم تغب السلبيات في ممارسته وانه من الأفضل العمل لتطوير الإيجابيات وتجاوز السلبيات بالعمل .

وصفة النجاح التي يقدمها جوكوي تقوم على مقاومة الفقر والاجحاف بالعمل وبدعم مشاعر الانتماء والتضامن وتطوير البنية التحتية ودعم التجارة والمشاريع الكبرى وأيضا المبادرة الخاصة والمراهنة على القطاعات الجاذبة كالسياحة دون التغاضي عن الفلاحة . كتاب " جوكوي يحقق أحلام إندونيسيا " هو رحلة في مسيرة شعب شقيق على طريق التنمية والإنجاز، رحلة مشوقة ومثيرة للإعجاب وهو ما يجعل من قراءة هذا الكتاب أمرا ضروريا لكل من يبحث عن مقارنة التجارب وعلى الخروج من سجن التمركز حول الذات وحول التجربة الأوروبية بطريقة إيجابية تعوض التشنج اللفظي بالعمل الهادف .

*إعلامي وبرلماني سابق