إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نصف قرن على معاهدة جربة (12 جانفي 1974).. وحدة الـ24 ساعة.. وأسرار مازالت غامضة من لقاء بورقيبة-القذافي

 

تونس-الصباح

يمر اليوم نصف قرن كاملا على معاهدة جربة المبرمة بين تونس وليبيا أو بين الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة والعقيد الراحل معمر القذافي.. معاهدة كانت عبارة عن اتفاقية وحدة بين البلدين وتأسيس ما سمي بـ"الجمهورية العربية الإسلامية" يكون بورقيبة رئيسا لها، والقذافي نائبا له وقائدا للقوات المسلحة وتشكيل حكومة وحدة مكونة من شخصيات تونسية-ليبية.

وجاء هذا القرار الذي خطط له القذافي ودفع ببورقيبة للتوقيع عليه في زمن قياسي في خضم موجة من مشاريع الوحدة العربية التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة في إطار الفكر أو الحلم الناصري العروبي المتوهج وقتها.

سفيان رجب

كان الإعلان عن الاتفاقية وصور التوقيع بين بورقيبة والقذافي مفاجئا للرأي العام المحلي والدولي بل وحتى لأبرز الشخصيات السياسية في تونس وعلى رأسها الوزير الأول وقتها الهادي نويرة الذي كان زمن التوقيع خارج البلاد وبالتحديد في زيارة رسمية الى طهران وسارع بالعودة ليقنع بورقيبة بالتراجع عن تلك الخطوة الحساسة والمصيرية. وقد نجح نويرة في ذلك بإسناد ودفع كبير من وسيلة بورقيبة زوجة الرئيس صاحبة السلطات الكبيرة.

 

بورقيبة من الرفض العلني الى التوقيع السريع

وفعلا، لم تستمر معاهدة الوحدة أكثر من 24 ساعة ووُئدت في مهدها بعد تراجع بورقيبة الذي فاجأ وأغضب القذافي الذي لم يستسغ التراجع ودخل في صراع محموم وعداء لتونس وقيادتها كانت أشبه بالحرب الباردة تخللتها قطع علاقات وطرد اليد العاملة التونسية من ليبيا واخرها احداث قفصة التي اتهم فيها النظام الليبي بالوقوف وراءها.

وبالرجوع الى معاهدة 12 جانفي 1974،  يذكر ان الحبيب بورقيبة كان رافضا كليا لفكرة القذافي ولطروحاته حيث أعلن عن ذلك في خطاباته حيث قال في أحدها: "جاء إليّ معمر القذافي وعرض علي حكم الجمهوريتين.. لا نشك في صدقه وإخلاصه، إنه رجل قومي، شاب متحمس، ولكن تنقصه التجارب والمعلومات، ينقصه معرفة كيف تتغير الأدمغة، وكيف تتكون الأوطان.. ليبيا محتاجة إلى توحيد صفوف رجالها، محتاجة لتوحيد طرابلس وبرقة التي تفصلها عنها صحراء واسعة، يعيشون فيها أشبه بما يكون في العصور الوسطى".

وأضاف :"لماذا تتوحد الشعوب؟ لتزداد قوة، وفي هذه الحالة من الضعف والوهن والتأخر العلمي والتكنولوجي، لن يزيدنا قوة أن نضيف مليون ونصف ليبي إلى خمسة ملايين تونسي".

كلمة بورقيبة أمام الشعب التونسي كانت واضحة ومعبرة عن رفضه القاطع للوحدة بل ومتهكما منها الى الحد الذي طلب القذافي يوم 12 جانفي وبشكل طارئ لقاء بورقيبة على انفراد في جزيرة جربة التونسية.. وتم اللقاء الذي لم يستغرق سوى ساعة واحدة  ليفاجأ الجميع بتغير موقف الرئيس التونسي ويوقع في غياب الهادي نويرة ووسيلة بن عمار على اتفاقية الوحدة التي كان من بين معديها محمد المصمودي وزير الخارجية التونسي.. وبقيت أسرار لقاء الساعة الواحدة وما دار فيها وكيف اقنع القذافي بورقيبة بسرعة التوقيع على المعاهدة إلى اليوم محل تساؤلات حيث لم تعرف أسرار وكواليس اللقاء الثنائي الى اليوم.

دولة وحكومة ودستور في ساعة

لكن يبدو أن القذافي أغرى بورقيبة بحكم الدولتين ومنحه السلطات الكاملة مع حكومة اغلبها من المقربين منه من التونسيين لكن أسندت المناصب الأمنية والعسكرية الحساسة لشخصيات ليبية وتونسية مقربة من القذافي كان من بينها وقتها زين العابدين بن علي الذي أسندت له خطة مسؤول عن المخابرات الحربية. وتضمنت الحكومة تسمية عبد السلام جلود في منصب وزير أول ومحمد المصمودي منصب نائب الوزير الأول..

وبمجرد انتهاء اللقاء، تكفل القذافي بإعلان الوحدة بين القطرين العربيين التونسي والليبي، على أن يكونا جمهورية واحدة تسمى "الجمهورية العربية الإسلامية"، لها دستور واحد وعلم واحد وجيش واحد وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، ويكون رئيسها الحبيب بورقيبة ونائبه وقائد القوات المسلحة معمر القذافي. ونص الاتفاق على أن يجرى استفتاء شعبي في ذلك في الأسبوع الموالي أي يوم 18 جانفي.

تحرك وتراجع

سرعة اتخاذ القرار وعدم الثقة في مخططات القذافي والقراءة في استحالة الوحدة للتفاوت الاجتماعي والفكري والسياسي بين البلدين، جعل عديد الأطراف تتحرك لإبطالها وعلى رأسها الهادي نويرة ووسيلة بورقيبة.. كما اصطدم بورقيبة بعقبة قانونية في الدستور التونسي، تحول دون تنظيم الاستفتاء الشعبي الذي نصت عليه الاتفاقية هذا إضافة الى التحرك الخارجي وخاصة من قبل الجزائر التي رفضت أن تكون طرفا في مشروع القذافي.. كلها عوامل جعلت بورقيبة يراجع نفسه ويتصل بالزعيم الليبي معلنا له تراجعه عن الاتفاقية مطالبا إياه بإرجاع الوثيقة الموقع عليها من قبلهما وهو ما اغضب القذافي الذي رفض تسليم الوثيقة وناصب العداء لتونس وزعمائها لتندلع عديد الأزمات السياسية والديبلوماسية بين البلدين الى غاية سنة 1982 وبعد سنتين من أحداث قفصة (1980) تحول القذافي إلى تونس وسلم الوثيقة إلى بورقيبة لطي صفحة الخلاف، وأنهى بذلك حلمه في قيام الجمهورية العربية الإسلامية.

نصف قرن على معاهدة جربة (12 جانفي 1974)..   وحدة الـ24 ساعة.. وأسرار مازالت غامضة من لقاء بورقيبة-القذافي

 

تونس-الصباح

يمر اليوم نصف قرن كاملا على معاهدة جربة المبرمة بين تونس وليبيا أو بين الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة والعقيد الراحل معمر القذافي.. معاهدة كانت عبارة عن اتفاقية وحدة بين البلدين وتأسيس ما سمي بـ"الجمهورية العربية الإسلامية" يكون بورقيبة رئيسا لها، والقذافي نائبا له وقائدا للقوات المسلحة وتشكيل حكومة وحدة مكونة من شخصيات تونسية-ليبية.

وجاء هذا القرار الذي خطط له القذافي ودفع ببورقيبة للتوقيع عليه في زمن قياسي في خضم موجة من مشاريع الوحدة العربية التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة في إطار الفكر أو الحلم الناصري العروبي المتوهج وقتها.

سفيان رجب

كان الإعلان عن الاتفاقية وصور التوقيع بين بورقيبة والقذافي مفاجئا للرأي العام المحلي والدولي بل وحتى لأبرز الشخصيات السياسية في تونس وعلى رأسها الوزير الأول وقتها الهادي نويرة الذي كان زمن التوقيع خارج البلاد وبالتحديد في زيارة رسمية الى طهران وسارع بالعودة ليقنع بورقيبة بالتراجع عن تلك الخطوة الحساسة والمصيرية. وقد نجح نويرة في ذلك بإسناد ودفع كبير من وسيلة بورقيبة زوجة الرئيس صاحبة السلطات الكبيرة.

 

بورقيبة من الرفض العلني الى التوقيع السريع

وفعلا، لم تستمر معاهدة الوحدة أكثر من 24 ساعة ووُئدت في مهدها بعد تراجع بورقيبة الذي فاجأ وأغضب القذافي الذي لم يستسغ التراجع ودخل في صراع محموم وعداء لتونس وقيادتها كانت أشبه بالحرب الباردة تخللتها قطع علاقات وطرد اليد العاملة التونسية من ليبيا واخرها احداث قفصة التي اتهم فيها النظام الليبي بالوقوف وراءها.

وبالرجوع الى معاهدة 12 جانفي 1974،  يذكر ان الحبيب بورقيبة كان رافضا كليا لفكرة القذافي ولطروحاته حيث أعلن عن ذلك في خطاباته حيث قال في أحدها: "جاء إليّ معمر القذافي وعرض علي حكم الجمهوريتين.. لا نشك في صدقه وإخلاصه، إنه رجل قومي، شاب متحمس، ولكن تنقصه التجارب والمعلومات، ينقصه معرفة كيف تتغير الأدمغة، وكيف تتكون الأوطان.. ليبيا محتاجة إلى توحيد صفوف رجالها، محتاجة لتوحيد طرابلس وبرقة التي تفصلها عنها صحراء واسعة، يعيشون فيها أشبه بما يكون في العصور الوسطى".

وأضاف :"لماذا تتوحد الشعوب؟ لتزداد قوة، وفي هذه الحالة من الضعف والوهن والتأخر العلمي والتكنولوجي، لن يزيدنا قوة أن نضيف مليون ونصف ليبي إلى خمسة ملايين تونسي".

كلمة بورقيبة أمام الشعب التونسي كانت واضحة ومعبرة عن رفضه القاطع للوحدة بل ومتهكما منها الى الحد الذي طلب القذافي يوم 12 جانفي وبشكل طارئ لقاء بورقيبة على انفراد في جزيرة جربة التونسية.. وتم اللقاء الذي لم يستغرق سوى ساعة واحدة  ليفاجأ الجميع بتغير موقف الرئيس التونسي ويوقع في غياب الهادي نويرة ووسيلة بن عمار على اتفاقية الوحدة التي كان من بين معديها محمد المصمودي وزير الخارجية التونسي.. وبقيت أسرار لقاء الساعة الواحدة وما دار فيها وكيف اقنع القذافي بورقيبة بسرعة التوقيع على المعاهدة إلى اليوم محل تساؤلات حيث لم تعرف أسرار وكواليس اللقاء الثنائي الى اليوم.

دولة وحكومة ودستور في ساعة

لكن يبدو أن القذافي أغرى بورقيبة بحكم الدولتين ومنحه السلطات الكاملة مع حكومة اغلبها من المقربين منه من التونسيين لكن أسندت المناصب الأمنية والعسكرية الحساسة لشخصيات ليبية وتونسية مقربة من القذافي كان من بينها وقتها زين العابدين بن علي الذي أسندت له خطة مسؤول عن المخابرات الحربية. وتضمنت الحكومة تسمية عبد السلام جلود في منصب وزير أول ومحمد المصمودي منصب نائب الوزير الأول..

وبمجرد انتهاء اللقاء، تكفل القذافي بإعلان الوحدة بين القطرين العربيين التونسي والليبي، على أن يكونا جمهورية واحدة تسمى "الجمهورية العربية الإسلامية"، لها دستور واحد وعلم واحد وجيش واحد وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، ويكون رئيسها الحبيب بورقيبة ونائبه وقائد القوات المسلحة معمر القذافي. ونص الاتفاق على أن يجرى استفتاء شعبي في ذلك في الأسبوع الموالي أي يوم 18 جانفي.

تحرك وتراجع

سرعة اتخاذ القرار وعدم الثقة في مخططات القذافي والقراءة في استحالة الوحدة للتفاوت الاجتماعي والفكري والسياسي بين البلدين، جعل عديد الأطراف تتحرك لإبطالها وعلى رأسها الهادي نويرة ووسيلة بورقيبة.. كما اصطدم بورقيبة بعقبة قانونية في الدستور التونسي، تحول دون تنظيم الاستفتاء الشعبي الذي نصت عليه الاتفاقية هذا إضافة الى التحرك الخارجي وخاصة من قبل الجزائر التي رفضت أن تكون طرفا في مشروع القذافي.. كلها عوامل جعلت بورقيبة يراجع نفسه ويتصل بالزعيم الليبي معلنا له تراجعه عن الاتفاقية مطالبا إياه بإرجاع الوثيقة الموقع عليها من قبلهما وهو ما اغضب القذافي الذي رفض تسليم الوثيقة وناصب العداء لتونس وزعمائها لتندلع عديد الأزمات السياسية والديبلوماسية بين البلدين الى غاية سنة 1982 وبعد سنتين من أحداث قفصة (1980) تحول القذافي إلى تونس وسلم الوثيقة إلى بورقيبة لطي صفحة الخلاف، وأنهى بذلك حلمه في قيام الجمهورية العربية الإسلامية.